انكسار العلة

من ویکي‌وحدت

إنكسار العلّة: وهو تخلّف الحکم عن العلة أو الحکمة التي لأجلها ثبت الحکم. ويمثّل له بفتوى الاحناف على وجوب القصر على العاصي بسفره لوجود المشقة في سفره التي هي حكمة ثبوت القصر على المسافر عندهم لا العلة. فينقض عليهم بالحمّالين وأرباب الصنائع الشاقة في الحضر، فإن المشقة موجودة مع عدم ثبوت أحكام القصر في حقّهم. وقد وقع البحث في هذا المقام في أنّ انكسار العلّة وورود النقض عليها هل يوجب إبطال العلّة أم لا؟

تعريف الکسر لغةً

الكسر هو هشم الشيء وهضمه[١]. ويأتي تارة بمعنى اللين، واخرى بمعنى الفتور[٢].

تعريف الانکسار اصطلاحاً

الانكسار مأخوذ من الكسر، وهو يطلق على معنيين:

المعنى الاول

وهو تخلّف الحكم عن معنى العلة وهو الحكمة المقصودة من الحكم[٣]. أو هو «نقض الحكمة التي كانت العلة مظنتها»[٤].
ولذا قد يعبر عنه بـ «نقض المعنى»[٥] أو النقض من «طريق المعنى»[٦].
ويمثّل له بفتوى الاحناف على وجوب القصر على العاصي بسفره لوجود المشقة في سفره التي هي حكمة ثبوت القصر على المسافر عندهم لا العلة. فينقض عليهم بالحمّالين وأرباب الصنائع الشاقة في الحضر، فإن المشقة موجودة مع عدم ثبوت أحكام القصر في حقّهم[٧]. وهو بهذا المعنى يبحث عنه في المقام الأوّل من بحث الحكم، كما سيأتي لاحقا.

المعنى الثاني

عدم تأثير أحد جزئي العلّة ونقض الآخر[٨]. ومعنى هذا أنّ العلة مركبة من جزءين أحدهما لا تأثير له، والآخر منقوض بغيره.
ويمثّل له: بالنقض على عدم جواز بيع مجهول الصفة عند العاقد حال العقد بالنكاح فيما لو تزوّج أحدٌ امرأةً لم يرها حيث حكم بصحّة النكاح مع أنّها مجهولة الصفة عند العاقد حال العقد[٩]. وهو بهذا المعنى يبحث عنه في المقام الثاني من بحث الحكم كما سيأتي.
والبحث في «انكسار العلّة» من متعلّقات البحث في القياس الفقهي، ويعود إلى مبحث «الاعتراض علی القياس» وقوادح العلّة تحديدا، حيث إنّ المستدلّ بالقياس الفقهي في حكم ما يمكن أن يورد عليه بانكسار العلّة التي ادّعى وجودها للحكم.

الألفاظ ذات الصلة

انتقاض العلّة: وهو تخلّف الحكم مع وجود ما أدعي كونه علّة له[١٠].
والفرق بين انتقاض العلّة وبين انكسار العلّة، هو أنّ النقض يرد على نفس العلّة، بينما يرد الكسر على معنى العلّة والحكمة، فهو نقض على معنى العلّة دون لفظها[١١].

أنواع انکسار العلّة

ذكر الزركشي[١٢]: إنّ الكسر بالمعنى الثاني نوعان:

النوع الأوّل

أن يقوم المعترض بإبدال الوصف الخاصّ إلى وصف عام والنقض عليه، كما في الاستدلال على وجوب صلاة الخوف بأنّها صلاة يجب قضاؤها وكلّ ما وجب قضاؤه وجب أداؤه كصلاة الأمن.
فيُعترض على الاستدلال المذكور: بأنّ عنوان كونها صلاة لا أثر له؛ لأنّ الحجّ كذلك، فلم يبق إلاّ الوصف العام وهو كونها عبادة، فيأتي الكسر عليه بصوم الحائض؛ فإنّه عبادة مع أنّه لايجب أداؤه وإن وجب قضاؤه.

النوع الثاني

ألاّ يقوم المعترض بعملية الإبدال المذكورة، بل يأتي إلى إعمال الكسر مباشرة فيكسر استدلالهم بكون كلّ ما وجب قضاؤه وجب أداؤه بصوم الحائض؛ فإنّه غير واجب الأداء وإن كان واجب القضاء.

حكم انکسار العلّة

البحث في انكسار العلّة يقع في مقامين:

المقام الأوّل: الانكسار بمعنى نقض العلّة

وقع البحث في هذا المقام في أنّ انكسار العلّة وورود النقض عليها هل يوجب إبطال العلّة أم لا؟ قولان في ذلك:

القول الأوّل: عدم إبطال العلّة به

وهو اختيار الغزالي[١٣]، والآمدي[١٤]، وابن الحاجب[١٥]، وابن مفلح[١٦]، وابن قدامة[١٧]، والطوفي[١٨]، والسبكي[١٩]، وابن الهمام[٢٠]، وابن عبدالشكور[٢١]، وابن بدران[٢٢]، والخضري[٢٣]، ونسب إلى الأكثر[٢٤].
واستدلَّ عليه بأنَّ حِكمَ الاحكام ليست مضبوطة في نفسها، ولذلك لم يعلّق الشارع الاحكام عليها، بل علقها على أوصاف مضبوطة ومعلومة تسمى بالعلل، وسبب أن تلك الحِكَم غير مضبوطة هو أنها عبارة عن جلب المصالح ودرء المفاسد، وهذه تختلف باختلاف الاشخاص والازمنة والأمكنة، مضافا إلى أنها لا تتميز في نفسها والتميز من لوازم الانضباط[٢٥].

القول الثاني: ابطال العلة به

وهو اختيار ابي الوليد الباجي[٢٦] والزركشي[٢٧].
استدل لبطلان العلة بورود الكسر عليها بعدّة أدلة:
1 ـ أنّ انتقاض العلة كما أنه مفسد لها من جهة اللفظ، كذلك الانكسار مفسد لها من جهة المعنى[٢٨].
2 ـ أنّ الحِكمة هي المعتبرة في الحكم والوصف معتبر تبعا لها، فالكسر إذا ورد على الحكمة انتفى الحكم بتبع انتفاء حكمته[٢٩].
3 ـ الاستدلال بحديث مفاده أنّه(ص) دُعي إلى دار فأجاب، ودعي إلى أخرى فلم يجب، فقيل له في ذلك، فقال(ص) إن في الدار كلبا، فقيل له وفي هذه الدار سنّور فقال(ص): السنّور سَبُعٌ[٣٠].
ووجه الاستدلال بهذا الحديث أنّ السائل ظنَّ كون الهرة كاسرة لمعنى وحكمة علة حرمة اجابة الدعوى للدار التي فيها كلب، والنبي(ص) أقرَّه على أصل الاعتراض بالكسر وإن كان لم يوافقه في وجود الكسر[٣١].

المقام الثاني: الانكسار بمعنى عدم تأثير أحد جزئي العلّة ونقض الآخر

وقع البحث في هذا المقام في أنّ النقض على بعض أوصاف العلّة هل هو مبطل لها أم لا؟ قولان في ذلك:

القول الأوّل: عدم البطلان

وهو اختيار الآمدي[٣٢]، وابن الحاجب[٣٣]، وابن مفلح[٣٤]، وابن الهمام[٣٥]، والنراقي[٣٦]، والخضري[٣٧]، والديباني[٣٨] ونسب إلى الأكثر[٣٩] استدلّ على هذا القول بأنَّ التعليل وقع بمجموع الأوصاف، وإبطال التعليل ببعض الأوصاف لايبطل التعليل بمجموع العلّة، ففي مثال بيع مجهول الصفة والحكم بعدم جوازه، التعليل فيه وقع بمجموع أمرين: الأوّل: كونه بيعا، الثاني: كونه مجهول الصفة.
والنقض عليه: بالنكاح لا يؤثّر فيه؛ لأ نّه نقض على جزء العلّة لا مجموع العلّة[٤٠].

القول الثاني: البطلان

وهو اختيار ابن عبدالشكور ونسبه إلى الأكثر[٤١].
واستدلَّ عليه: بأنَّ العلّة التي ورد عليها النقض والكسر إمّا هي المجموع أو هي الباقي بعد إلغاء أحد جزئيها، والأوّل باطل قطعا؛ لأنّ الفرض أنّ الإلغاء ورد على أحد جزئيها فعلاً، والثاني باطل أيضا؛ لأ نّه منقوض[٤٢].

الهوامش

  1. . معجم مقاييس اللغة 5: 180 مادة «كسر».
  2. . لسان العرب 4: 3432 مادة «كسر».
  3. . الإحكام الآمدي 3ـ4: 203.
  4. . أصول الفقه الخضري: 322.
  5. . شرح طلعة الشمس 2: 165.
  6. . تشنيف المسامع 2: 108.
  7. . الإحكام الآمدي 3ـ4: 203، تجريد الأصول: 120.
  8. . الإبهاج في شرح المنهاج 3: 125.
  9. . الإحكام الآمدي 3ـ4: 206.
  10. . المصدر السابق: 338.
  11. . أنظر: المعتمد 2: 283 ـ 284، المنخول: 410، البحر المحيط 5: 279.
  12. . البحر المحيط 5: 278 ـ 279، تشنيف المسامع 2: 108.
  13. . المنخول: 410.
  14. . الإحكام 3ـ4: 203.
  15. . منتهى الوصول: 173.
  16. . أصول الفقه 3: 1227.
  17. . روضة الناظر: 184.
  18. . شرح مختصر الروضة 3: 511.
  19. . جمع الجوامع 2: 467.
  20. . التحرير 4: 20.
  21. . مسلّم الثبوت 2: 281.
  22. . المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل: 172.
  23. . أصول الفقه: 322.
  24. . الإحكام الآمدي 3ـ4: 203.
  25. . أنظر: الإحكام الآمدي 3ـ4: 203، منتهى الوصول: 174، شرح مختصر الروضة 3: 511، أصول الفقه (الخضري): 322.
  26. . إحكام الفصول: 661.
  27. . البحر المحيط 5: 278.
  28. . إحكام الفصول: 662.
  29. . المنهاج الواضح 2: 203 هامش.
  30. . السنن الكبرى 1: 249، كتاب الطهارة، باب سؤر الهرة.
  31. . أنظر: البحر المحيط 5: 278.
  32. . الإحكام 3ـ4: 206.
  33. . منتهى الوصول: 174.
  34. . أصول الفقه 3: 1229.
  35. . التحرير 4: 22.
  36. . تجريد الأصول: 122.
  37. . أصول الفقه: 322.
  38. . المنهاج الواضح 2: 204.
  39. . أنظر: الإحكام الآمدي 3ـ4: 206، منتهى الوصول: 174.
  40. . أنظر: الإحكام الآمدي 3ـ4: 206، أصول الفقه (ابن مفلح) 3: 1230.
  41. . أنظر: فواتح الرحموت 2: 282.
  42. . فواتح الرحموت 2: 282.