الفطرة أرضية الفعل أم سماوية؟

من ویکي‌وحدت

الفطرة أرضية الفعل أم سماوية؟ هناك سوال اساسي وهو: هل الفطرة أرضية الفعل أم سماوية؟ وذلك لما يرى من كون الفطرة ذات جانبين: من جانب تتعلق بالأمور السماوية، ومن جانب آخر تتعلق بالأمور الارضية.

الفطرة أرضية الفعل أم سماوية؟

يمکن تناول موضوع الحريَّة وإرادة الإنسان للتغيير بالدِّراسة في دائرتين:

من خلال الرُّؤية الدِّينيَّة

وهي الحريَّة المعنوية، والحريَّة الإجتماعية والسياسية ومن كلّ قيد يمنع الفطرة عن الحركة والوصول. فبالنسبة للبعد المعنوي فإنَّ فطرة الإنسان في ذاتها مجردة منزهة من المادة والجسم وصفاته؛ لأنَّها من عالم الأمر وساحة الملکوت فإنَّها تحنُّ إلى موطنها.

من خلال الرُّؤية الأرضيَّة

لتعلُّق النَّفس بالجسم فهي مقيَّدة ومکبَّلة بالقيود الأرضية المادية. فالإنسان مجبر على أنْ يتابع سيره التَّکاملي من خلال الدنيا، فالدنيا مزرعة الآخرة، ولکن البعض وبسبب نظرته الإستقلالية لمظاهر الدنيا إتخذها لهواً و لعباً و ذلک ممَّا أدَّى إلى منع هذه الفئة من السَّير الروحي والصُّعود المعنوي والتَّرقي إلى ساحة الكمال. فبدلاً من التَّوجه إلى الأمور الأساسية الباطنية الحقيقية توهَّم الأصالة لبعض الموجودات الظاهرية المحسوسة، مما جعله يغفل بشکل کلي عن ملکوت الأشياء و حقيقتها. في حين أن الحريَّة في واقع الأمر هي بالإفلات من قبضة الدُّنيا و التحرُّر من الهوى، و هذا النُّوع من الحريَّة هو الذي يطلبه الدِّين ويدعو إليه؛ و بالنتيجة: إنَّ ما يبحث عنه طلاَّب الدُّنيا هو حريَّة مجازية و وهمية و أنَّ ما يريده الدِّين هو حريَّة حقيقية. فلمَّا کانت نظرة الدِّين الإعتقادية صار التوحيد والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى أساس کلّ عمل، و لذلک فلابدَّ أنْ تکون جميع الأعمال التي يقوم بها الإنسان مطابقة لأوامر الله وقوانينه و في طريق کسب رضاه، کذلک الأمر في جهة الأخلاق والثقافة وشموليتها فقد دعا المجتمع البشري إلى بسط العدل والقسط في جميع ميادين الحياة، ومنع من التعدي والتجاوز على حقوق الآخرين. فالموجودات في عالم الوجود أمَّا أنْ تکون مبثوثة في وعاء عالم الملك والجسم والمادة، وأمَّا أنْ توجد في عالم الملکوت والتجرد والأمر. ففوق عالم الأجسام الذي يشتمل على نظام التدرج عالم آخر يشتمل على موجودات غير تدرجية وهو عالم الأمر، وإنَّ موجودات عالم الأمر محيطة بموجودات عالم الخلق؛ قال تعالى >أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَکَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ<. وبالنظر إلى أنَّ النَّفس لها نوع تعلُّقٍ بما هو جسم، فکأنَّها صارت أرضيةً، مکبَّلة و مقيَّدة بأوتاد أرضية. ولكن مع أنَّه مجبور على المرور عن طريق الدنيا للوصول إلى کمالاته المتعالية، ولابدَّ له أنْ يتعلَّم في مدرسة التَّدرج والقوة والفعل والتَّحول والزمان والمادة ليصل إلى الحقائق الثابتة المعنوية فيما وراء المادة والزمن. لکن التوجه إلى الدنيا وأمَّانيها الکاذبة بنظرة استقلالية منفصلة يمنع الإنسان عن سلوک طريق الارتقاء والصعود فإنَّه لا يخطر في ذهنه التحليق في عالم الملکوت، وتخدعه بمظاهرها البراقة التي تزينها له إلى حدٍ يتصوَّر معه أنَّه سيخلَّد فيها إلى الأبد. کما قال علي (عليه السلام): >مَنْ أبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ، وَ مَنْ أبْصَرَ إلَيْهَا أعْمَتْهُ<. فالإنسان المتعامل مع الخلق في هذا العالم والموجودات الجسمانية المحسوسة، فإنَّ کلَّ إهتمامه وشغله ينصب على الأمور المادية المحسوسة، ممَّا يجعله في غفلة دائمة عن باطن الأمور وما فيها من مظاهر الملکوت: >يعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ<. فيجب على الإنسان أنْ يكون صاحب النظرة الملکوتية والتوجه من خلال هذه الظواهر إلى حقائق الأمور و بواطنها، فإنَّه ينظر إلى الظاهر على أنَّه انعکاسٌ وتجلٍّ للباطن، وإنَّ الظاهر فرع الملکوت ومتطفل عليه. فهو يرى الظاهر کالقشرة الخارجية والباطن هو لبُّ الأشياء و أساسها، ولذلک فلا يضحي بالأصل والمحتوى من أجل الفرع والقشور، قال علي (عليه السلام): >إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ هُمُ الَّذِينَ نَظَرُوا إِلَى بَاطِنِ الدُّنْيَا إِذَا نَظَرَ النَّاسُ إِلَى ظَاهِرِهَا، وَاشْتَغَلُوا بِآجِلِهَا الموت. إِذَا آشْتَغَلَ النَّاسُ بِعَاجِلِهَا، فَأمَّاتُوا مِنْهَا مَا خَشُوا أَنْ يُمِيتَهُمْ<. فالحريَّة الحقيقيَّة تکمن في سيطرة العقل وتحکُّمه في عالم النفس وتلقّي قوى الغضب والشهوة أوامرها منه، وانصياعها لکل ما يصدر عنه. وإلاَّ لصار العقل أيضاً أسيرا في هذه القوى وقبضتها؛ قال علي (عليه السلام): >وَکَمْ مِنْ عَقْلٍ أسِيرٍ تَحْتَ هَوىً أمِيرٍ<. وعندما يتحرَّر الإنسان في داخله من قبضة الميول والأهواء، ويعتقد بأصالة روحه ونفسه، فإنه سوف يکون سعيداً في ميدان الحياة الإجتماعية والسياسية والثقافية. والأنبياء (عليهم السلام) بُعثوا لأجل عمارت الدنيا، ولکنهم نظروا إلى الدنيا بعين الآخرة، وإنَّهم جاؤوا ليعلّموا النَّاس كيف يعيشوا في الدنيا لينالوا بها سعادة الآخرة.