انتقل إلى المحتوى

الشفاعة

من ویکي‌وحدت

الشفاعة هي وساطة مخلوق بين الله ومخلوق آخر، سواء في الدنيا أو في الآخرة، سواء كانت الوساطة في إيصال الخير أو في دفع الشر والضرر.

يؤمن جميع المسلمون بالشفاعت. وفقاً لمعتقدات الشيعة، فإن الشفاعة بالكامل من حق الله تعالى، ولا يستطيع أحد أن يشفع إلا بإذنه. وعلى هذا الأساس، إذا رضي الله عن إيمان عبدٍ ما، فإنه يأذن للشفعة أن يشفعوا له. أما أهل السنة فيقبلون أصل الشفاعة، وقد ورد في مصادرهم، خاصة، تأكيد على شفاعة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) للمؤمنين. ولكن الوهابيين يرون طلب الشفاعة من غير الله شركاً.

معنى الشفاعة

المعنى اللغوي للشفاعة

الشفاعة مأخوذة من مادة (شفع) التي تعني الزوج مقابل مادة (وتر) التي تعني الفرد، وتعني أن يقف شخص بجانب آخر ويعينه بوساطته للوصول إلى حاجته ومراده. في المحادثات اليومية، غالباً ما تعني الشفاعة الوساطة وطلب شخص محترم من كبير لعفو مجرم أو لترقية أو مكافأة على خدمة. في الحقيقة، الشخص الذي يلجأ إلى الشفاعة لا يرى قوته وحدها كافية، لذا يضيف قوته إلى قوة الشفيع فيضاعفها ليصل إلى مبتغاه.

المعنى الاصطلاحي للشفاعة

الشفاعة هي وساطة مخلوق بين الله ومخلوق آخر، سواء في الدنيا أو في الآخرة، سواء كانت الوساطة في إيصال الخير أو في دفع الشر والضرر. من مظاهر رحمة الله الواسعة المغفرة والعفو. المغفرة والعفو الإلهي، كأي رحمة أخرى منه، تصل إلى العباد عبر وسائل خاصة وبموجب نظام الأسباب والمسببات. مثلاً، كما أن رحمة الهداية الإلهية تصل إلى الناس عبر وسائل، والأنبياء والوحي والكتب السماوية التي أرسلت لهداية الناس هي وسائل الهداية ووسائط الخروج من الظلمات إلى النور، كذلك رحمة المغفرة والعفو الإلهي تصل للناس عبر وسائل خاصة؛ أي إن فضل المغفرة الإلهية لا يستثنى من نظام الأسباب والمسببات ويصل إلى العباد عبرها. الشفاعة في المغفرة تعني: (الوساطة في وصول مغفرة وعفو الله إلى العباد المذنبين). لذلك، حقيقة الشفاعة هي وصول فضل المغفرة والعفو الإلهي عبر مجاري وأسباب إلى العباد.

الشفاعة في تعبير الأستاذ الشهيد مطهري:

الشفاعة في الحقيقة هي ذات المغفرة الإلهية التي حين تُنسب إلى الله - مصدر الخير والرحمة - تُسمى (مغفرة)، وحين تُنسب إلى الوسائط وسبل الرحمة تُسمى (شفاعة). لذا، في الشفاعة يكون الشفيع وسيطاً بين الله والعبد المذنب، مما يؤدي إلى شمول العفو والمغفرة الإلهية للإنسان المذنب. وقد تكون هذه الشفاعة في الدنيا بحيث يشمل العفو الإلهي المذنب في هذه الحياة (مثل شفاعة التوبة)، أو تكون في الآخرة ويوم القيامة.

شروط الشفاعة

الشفاعة لأولياء الله يوم القيامة للذنوب والوساطة في إيصال الرحمة والمغفرة والعفو الإلهي ليست بلا حساب، بل إن حصول الشفاعة لبعض الأشخاص مشروط بشروط وردت في الآيات والأحاديث.

رضا الله

الشفاعة هي فضل المغفرة الإلهية التي تُعطى من الله كما هو الحال مع جميع الفيوضات، والشفعة هم أسباب ووسائط ومجاري هذا الفضل. المعطي والمانح لهذه الرحمة هو الله تعالى. ولهذا السبب، في الآيات والأحاديث، الشرط الأساسي للشفاعة هو أن تكون مرضية ومقبولة عند الله.

إيمان المشفوع له

يُشفع للذنوب التي لا تضر بأصل إيمان الإنسان. ولهذا، ورد في المصادر الدينية أن الكافر والمشرك لا يشفع لهم يوم القيامة، وأن شفاعة الشفعاء لا تنفعهم.

الشفاعة في القرآن

وردت الشفاعة بهذا الاسم في حوالي ثلاثين موضعاً، كما توجد إشارات أخرى دون ذكر هذا المصطلح.

تصنيف آيات الشفاعة

تنقسم آيات الشفاعة في القرآن إلى عدة مجموعات:

آيات نفي الشفاعة مطلقاً

المجموعة الأولى هي الآيات التي تنفي الشفاعة مطلقاً، مثل: «أَنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناکُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَ یَوْمٌ لا بَیْعٌ فیهِ وَ لا خُلَّةٌ وَ لا شَفاعَة» [١] و«وَ لایُقْبَلُ مِنْها شَفاعَة» [٢] في هذه الآيات تم نفي كل الطرق الممكنة لإنقاذ المجرمين سوى الإيمان والعمل الصالح، سواء كان ذلك بدفع مقابل مادي، أو بالصلة والود، أو بالشفاعة.

وفي بعض الآيات يقال: «فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعینَ»؛ (شفاعة الشافعين لا تنفعهم). [٣]

آيات حصر الشفيع في الله

المجموعة الثانية هي الآيات التي تخص الله وحده بالشفاعة، مثل: «ما لَکُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِیّ وَ لا شَفیع»؛ (ليس لكم من دون الله ولي ولا شفيع). [٤] «قلْ لِلّهِ الشَّفاعَةُ جَمیعا»؛ (الشفاعة كلها لله). [٥]

آيات اشتراط الشفاعة بإذن الله

المجموعة الثالثة هي الآيات التي تشترط الشفاعة بإذن الله، مثل: «مَنْ ذَا الَّذی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِه»؛ (من يشفع عنده إلا بإذنه؟) [٦] «وَ لاتَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاّ لِمَنْ أَذِنَ لَه»؛ (سبأ، آية 23) (الشفاعة لا تنفع إلا لمن أذن له الله).

آيات بيان شروط المشفوع لهم

المجموعة الرابعة هي آيات تحدد شروط المشفوع لهم، أحياناً الشرط هو رضا الله كما في: «وَ لایَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضی» [٧] وفقاً لهذه الآية، الشفاعة تشمل فقط من بلغ مرتبة "الرضا" أي القبول عند الله.

وأحياناً الشرط هو أخذ عهد عند الله كما في: «لایَمْلِکُونَ الشَّفاعَةَ إِلاّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْدا» [٨] ويقصد بالعهد هنا الإيمان بالله ورسله.

وفي أحيان أخرى يُسلب حق الشفاعة من بعض المجرمين، مثل سلب الشفاعة من الظالمين في قوله تعالى: «ما لِلظّالِمینَ مِنْ حَمیم وَ لا شَفیع یُطاعُ» [٩] وهكذا، يكون وجود العهد الإلهي (الإيمان)، والوصول إلى رضا الله، والابتعاد عن الظلم من شروط قبول الشفاعة.

الشفاعة في الأحاديث

الأحاديث حول الشفاعة متواترة، وفي الروايات النبوية، الشفاعة خاصة للذين يرتكبون الكبائر، وقد ورد في حديث الإمام الكاظم (عليه السلام) أن شرطها هو وجود إيمان يدفع المذنب إلى الندم والإصلاح والابتعاد عن الظلم والطغيان. لذلك، الشفاعة في الإسلام ليست مجرد اتفاق أو محاباة، بل هي مدرسة تربوية.

في الأحاديث الإسلامية توجد تعبيرات كثيرة تكمل معاني آيات القرآن، منها:

1 ـ في تفسير «البرهان» عن الإمام الكاظم (عليه السلام) عن علي (عليه السلام) قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: «شَفاعَتِی لاَِهْلِ الْکَبائِرِ مِنْ أُمَّتِی...»؛ (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي). [١٠] وقال الراوي «ابن أبي عمير»: سألت الإمام الكاظم (عليه السلام) كيف تكون الشفاعة للكبار مع أن الله يقول: «وَ لایَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضی» ومن المعروف أن من يرتكب الكبائر لا يكون مرضياً عند الله؟ فأجاب الإمام: «كل مؤمن يرتكب ذنباً يندم عليه طبعاً، والنبي (صلى الله عليه وآله) قال: الندم توبة... ومن لا يندم فهو ليس مؤمناً حقيقياً، ولا تكون له شفاعة، وعمله ظلم، والله يقول: الظالمين لا ولي لهم ولا شفيع». [١١] المضمون أن الشفاعة تشمل مرتكبي الكبائر بشرط وجود إيمان يدفعهم للندم والإصلاح والابتعاد عن الظلم.

2 ـ في كتاب «الكافي» عن الإمام الصادق (عليه السلام) في رسالة موحدة المال لأصحابه: «مَن سرّه أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه». يدل أسلوب الرواية على تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة حول الشفاعة عند بعض أتباع الإمام وبعض المسلمين عامة، وينفي الشفاعة التي تشجع على المعاصي، ويقول: «من أراد أن يشمله الشفاعة فعليه كسب رضا الله». [١٢]

3 ـ في حديث آخر معبر عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا كان يوم القيامة بعث الله العالم والعابد، فإذا وقفوا بين يدي الله عز وجل قيل للعابد: اذهب إلى الجنة، وقيل للعالم: قف واشفع للناس بحسن تأديبك لهم». [١٣] في هذا الحديث ارتباط بين تأديب العالم وشفاعته لتلاميذه الذين فهموا مذهبه، مما يضيء جوانب كثيرة من هذا الموضوع. كما أن تخصيص الشفاعة للعالم ونفيها عن العابد يدل على أن الشفاعة ليست مجرد اتفاق أو محاباة، بل هي مدرسة تربوية وتجسيد للتربية في هذا العالم.

ما ذكرناه من أحاديث الشفاعة هو جزء بسيط من الكثير الذي وصل إلى درجة التواتر.

إجماع على الشفاعة في أحاديث أهل السنة

نقل يحيى بن شرف النووي الشافعي في شرحه على صحيح مسلم عن القاضي عياض قوله: إن الشفاعة متواترة. [١٤] وفي كتاب «فتح المجيد» للشيخ عبد الرحمن بن حسن، وهو من أشهر كتب الوهابية ويُدرس في كثير من مدارس الحجاز، نقل عن ابن قيم قوله: «الأحاديث في موضوع شفاعة المجرمين عن النبي (صلى الله عليه وآله) متواترة، وأهل السنة عامةً متفقون عليها، ومن ينكرها بدعة ويُنتقد ويُعتبر ضالاً». [١٥]

الهوامش

  1. البقرة، آية 254.
  2. البقرة، آية 48.
  3. المدثر، آية 48.
  4. السجدة، آية 4.
  5. الزمر، آية 44.
  6. البقرة، آية 255.
  7. الأنبياء، آية 28.
  8. مريم، آية 87.
  9. غافر، آية 18.
  10. وسائل الشيعة، ج15، ص334، حديث 20688؛ بحار الأنوار، ج8، ص30،34،40.
  11. تفسير البرهان، ج3، ص57؛ بحار الأنوار، ج8، ص351؛ وسائل الشيعة، ج15، ص335، حديث 20675.
  12. بحار الأنوار، ج3، ص304؛ الكافي، ج8، ص11.
  13. علل الشرائع، ج2، ص394؛ بحار الأنوار، ج3، ص305.
  14. شرح مسلم النووي، ج3، ص35؛ بحار الأنوار، ج3، ص307.
  15. فتح المجيد، ص211؛ فتح الباري، ج11، ص429؛ شرح زرقاني، ج2، ص45.

المصادر

  1. تفسير نمونه، آية الله العظمى مكارم الشيرازي، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الخامسة والخمسون، ج1، ص273.
  2. تفسير نمونه، آية الله العظمى مكارم الشيرازي، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الخامسة والخمسون، ج1، ص277.