الأدلة على صحة القرآن الكريم
الأدلّةُ عَلى صِحَّةِ الْقُرآنِ الْكَرِيمِ
الأدلة العقلية التي تثبت أنّ القرآن لم يتغيّر منه شيئ بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) هي:
التَّواتُرُ
من المعلوم أن الأشياء إذا تكررت تقررت، وإذا انتشرت تأكدت، والتواتر اللفظي يفيد العلم القطعي، وبيان ذلك في القرآن أنّه ممّا نقل تواتراً، يعلم ذلك الخاص والعام، وأنّ المسلمين توارثوا نقله جيلاً عن جيل، يتدارسونه في مجالسهم، ويتلونه في صلواتهم، ويعلّمونه أولادهم حتّى أوصلوه إلينا نقيّاً عن الزّيادة، مصوناً عن النقصان، محفوظاً عن التحريف؛ ومن أنكره، فإنّما ينادي على نفسه بالجهالة والسّخافة، ولو أمكن إنكار هذا الدليل لأفضى إلى إنكار حقائق ثابتة، كوجود النبي (صلى الله عليه وآله) والصحابة الكرام، والمشهورين في التاريخ، وهو ما يرفضه العقلاء جميعاً.
الإعجازُ
وممَّا يدل أيضا على تنزه القرآن الكريم عن الزيادة والتحريف أن إعجاز القرآن ثابت قطعاً، وقد تحدى الله المشركين بآية فما فوق أن يأتوا بها، فما قدروا، فلو قُدِّرَ أنّ القرآن زيد فيه ما ليس منه، أو حُرِّفَ فيه لانتفت صفة الإعجاز، لأنّ محاكاة كلام البشر غير ممتنعة، فلما لم تحصل دلَّ ذلك على حفظ الله لكتابه، وصونه له عن التحريف، والزيادة.
نقلُ القرآنِ فِي الأصل بواسطةِ رَسولينِ معصومينِ
إنّ الأمة لم تزل تنقل القرآن خلفاً عن سلف، والسلف عن سلفه إلى أن يتصل ذلك بالنبي (صلى الله عليه وآله) المعلوم وجوده بالضرورة، وصدقه بالأدلة والمعجزات، والرسول أخذه عن جبريل (عليه السلام) عن ربه (عزّ وجلّ)، فَنَقَلَ القرآنَ في الأصل رسولان معصومان من الزيادة والنقصان، ونقله إلينا بعدهم أهل التواتر الذين لا يجوز عليهم الكذب فيما ينقلونه ويسمعونه لكثرة العدد.
يَحْفَظُهُ فِي كلِّ عصْرٍ اَلْمَلايِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
وهو تأكيدٌ لما سبق من القول بانّ القرآن نقل بالتواتر، ولکن نريد من هذا التواتر جانب الإحتفاظ الذي يبذله المسلمون في نقل الآياتک أولاً: فقد أصبح من المعلوم بالضرورة، تحرّي الصّحابة لمعرفة ما يصدر عن النبي (صلى الله عليه وآله) من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ، والتأسي به في ذلك. ثانياً: الجهد الذي بذله علماء الأمة في مختلف العصور على نقل السنة النبوية، والتحري فيمن يأخذون عنه، لما علموا انّ هذا الأمر دين فنظروا عمن يأخذون دينهم؛ فعقدوا القواعد التي يعرف بها ما يقبل من الحديث وما يرد منه، فيما يسمّى بعلم مصطلح الحديث. ثالثاً: إنّ المسلمين توارثوا هذه الرّويه عن الصّحابة والعلماء جيلاً بعد جيلٍ، ويتدارسونه في مجالسهم، بحيث لو قُدِّرَ أن الشيخ الوقور ذا الهيبة لو غلط في حرف منه لردّ عليه الصغار قبل الكبار فالقرآن بهذا الشکل يحفظه في كلّ عصر الملايين من الناس، فيهم الصغير والكبير، والرجل والمرأة، والشاب والشيخ، فلا يزاد فيه ولا ينقص منه حرف.
إنَّهُ فعلُ الْحکيمِ
إنّ الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظ كتابه عن التحريف والتبديل والزيادة والنقصان، فقال عزَّ من قائل: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ». ومنذ أن نزل القرآن على قلب نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام والناس يتناقلونه جيلاً بعد جيل دون أن يختلفوا في حرف واحد منه، ولو حاول أي شخص أن يغيِّر فيه أدنى تغيير فإنه يفتضح مباشرة، ولا يُقِرُّه أحد على فعله، حتى الصبيان في الكتاتيب، فإنهم يردون عليه ما افتراه وبدَّله. فالبشرُ مهما أوتوا من العلم والفهم وقوة الإدراك، فلا بد أن يقع منهم الخطأ والسهو والنسيان، ولم ينجُ من ذلك أيُّ كتاب وضعه بشر، أما كتاب الله تعالى فإنّه من أوّله إلى آخره ليس فيه أيُّ نوعٍ من الاختلاف أو الخطأ؛ مما يدلُّ أنَّه ليس من كلام البشر وإنَّما من كلام ربِّ البشر سبحانه وتعالى، کما قال عزَّ من قائل: «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا». وقال أيضًا: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ».