ابن معين بن عون
الاسم | ابن معين بن عون [١] |
---|---|
تاريخ الولادة | 158 هجري قمري |
تاريخ الوفاة | 233 هجري قمري |
كنيته | أبو زكريا [٢]. |
نسبه | المُرِّي، الغَطَفاني [٣]. |
لقبه | المروزي، البغدادي، النَقَيايي، الحافظ [٤]. |
طبقته | العاشرة [٥]. |
ابن معين بن عون كان من عليّة أصحاب الحديث وحفّاظهم، وهو إيراني الأصل، من أهل منطقة سرخس، ويُنسب إلى مرو أيضاً، حيث من المحتمل أنّه في زمان إمارة الجنيد بن عبدالرحمان المرِي [٦] في خراسان (111 - 116 ه) صار أبوه مَعين أو جدّه حليفاً ل «الجُنَيْد» ومن مواليه، ولهذا قال يحيى: لستُ من العرب، ولكنّي مولىً للعرب، ويقول: «أنا مولىً للجُنَيد بن عبد الرحمان المُرِّي». وحيث إنّ الجُنَيد من قبيلة بني مُرّة - فرع من بني غَطَفان العدناني - فإنّ يحيى أيضاً يقال له: مُرِّي - مُرّة غَطَفان [٧].
هذا واعتبره عدد من الرجاليّين وأرباب التراجم عربياً ومن بني مرَّة أيضاً [٨].
ترجمته
كان يحيى من أهل قريةٍ في الأنبار يقال لها: «نقيا» [٩]، وكان أبوه كاتباً ل عبداللَّه بن مالك [١٠]، ثم صار على خراج الريّ، ولمّا مات خلّف إرثاً ليحيى مقداره مليون وخمسون ألف درهم صرفها كلّها في نشر الحديث وتقوية أهل الحديث [١١].
وقد صرف يحيى سعيه لمعرفة رجال الحديث ونقدهم، قال محمد بن سعيد: « ابن معين أكثَرَ من كتابة الحديث وعُرف به، وكان لايكاد يحدّث». وعن عمر الناقد: «ما كان في أصحابنا أحفظ للأبواب من أحمد، ولا أسرد من ابن الشاذكوني، ولا أعلم بالإسناد من يحيى، ما قدر أحد يقلب عليه إسناداً». ويشهد لهذا قلّة أحاديثه في المصادر الروائية الموجودة، في حين أنّ آراءه الرجالية وجرحه وتعديله منتشرة في الكتب الرجالية وكتب التراجم، بل إنّ قوله هو فصل الخطاب من بين الأقوال في هذا المجال [١٢]. قال علي بن المديني: « كنت إذا قدمت إلى بغداد منذ أربعين سنة كان الذي يذاكرني أحمد، فربّما اختلفنا في الشيء فنسأل أبا زكريا ابن مَعين، فيقوم فيخرّجه، ما كان أعرفه بموضع حديثه!» كما وقال أحمد في شأنه: « هاهنا رجل خلقه اللَّه لهذا الشأن، يُظهر كذب الكذّابين». وقال أيضاً: « كلّ حديثٍ لايعرفه ابن معين فليس هو بحديث» [١٣].
ويمدحه ابن حبّان قائلاً: «وكان من أهل الدين والفضل، وممّن رفض الدنيا في جمع السنن، وكثرت عنايته لها، وجمعه لها، وحفظه إيّاها، حتّى صار علماً يُقتدى به في الأخبار، وإماماً يرجع إليه في الآثار» [١٤]. وقال هو عن نفسه: «كتبت بيدي 600 ألف حديث». وقال أيضاً: «لو لم نكتب الحديث خمسين مرّةً ما عرفناه». وذكروا أنّه خلّف مدوّنات كثيرة: مائة قِمَطْرٍ وأربعة عشر قِمَطْراً، وأربعة حِباب شَرابيّة مملوءةٍ كتباً، إلّا أنّه لم يبق منها حول معرفة رجال الحديث سوى كتابين، هما: التاريخ والعلل برواية عباس الدوري، وسؤالات ابن جُنَيد لإبن مَعين [١٥].
وقد تصّدى يحيى لتعلّم وكتابة الحديث في سنّ العشرين، وحضر عند محدّثي وفقهاء الكوفة وبغداد والبصرة، فعن يحيى بن القطّان: «ما قدم علينا البصرة مثل أحمد وابن معين». وسافر سنة 214 ه - وهو ابن ستّ وخمسين سنة - إلى الشام ومصر، والتقى هناك سعيد بن أبي مريم وأبا مُسهر وعبداللَّه بن صالح كاتب الليث بن سعد، كما وسافر مراراً إلى مكّة والمدينة للحجّ [١٦]. ويذكر أنّه كان حنفياً في الفروع، إلّا أنّ اسمه ذُكر في طبقات الحنابلة، وفي عِداد علمائهم المبرزين [١٧].
وكان يحيى قد اشتهر بجملة فتاوى انفرد بها [١٨]، كما وتوقّف في حكم «النبيذ» وكان يقول: «قد شربه قوم صالحون بأحاديث صحاح، وحرّمه قوم صالحون بأحاديث صحاح». وروى الحسين بن فهم قال: سمعت ابن معين يقول: «كنتُ بمصر، فرأيت جاريةً بيعت بألف دينار، ما رأيت أحسن منها، صلّى اللَّه عليها! فقلت: يا أبا زكريا، مثلك يقول هذا؟! قال: نعم، صلّى اللَّه عليها وعلى كلّ مليح». قال الذهبي: هذه الحكاية محمولة على الدعابة من أبي زكريا [١٩].
ومن فتاواه أيضاً ما ذكره عباس الدوري: «قال يحيى في الرجل يصلّي خلف الصفّ وحده، قال: يعيد» [٢٠]. وقال عباس أيضاً: «سمعتُ يحيى مراراً يقول: القرآن كلام اللَّه وليس بمخلوق، والإيمان قول وعمل، يزيد وينقص» [٢١].
وقال الذهبي في ترجمة أبي نعيم الفضل بن دكين: «... أنّ يحيى كان يميل إلى الإرجاء، وهو خير من القدر بكثير؛ لأنّ يحيى قال بشأن الفضل بن دُكَين: كان أبو نعيم إذا ذكر إنساناً فقال: هو جيد، وأثنى عليه، فهو شيعي، وإذا قال: فلان كان مرجئاً، فاعلم أنّه صاحب سنّة، لابأس به» [٢٢].
لقد كانت دقّته وتشدّده في أمر الجرح والتعديل للرواة إلى حدٍّ أن قالوا: «إذا رأيت الرجل يقع في ابن مَعين فاعلم أنّه كذّاب يضع الحديث، وإنّما يبغضه لما يبيّن أمر الكذّابين». وعن ابن الرومي: «ما رأيت أحداً قطّ يقول الحقّ في المشايخ غير يحيى...» وعنه أيضاً: «ما في الدنيا أحد مثله، سبق الناس إلى هذا الباب الذي هو فيه، لم يسبقه إليه أحد» [٢٣].
إلّاأنّ زلّاته لم تغب عن نظر البعض، بل قد نقده البعض منهم، فأحمد - مع أنّه وصف أحاديثه بأنّها شفاء للقلوب - فإنّه لايرى الكتابة عنه، وقد اعترض على يحيى ولم يقبل عذره حينما التقاه! وذلك لأنّ يحيى أجاب مع جماعة من العلماء المأمون أنّ القرآن مخلوق وحادث، وكان أحمد حلف بالعهد أن لايكلّم أحداً ممّن أجاب حتّى يلقى اللَّه تعالى. وفي الحقيقة فإنّ هذا القول كان تقيةً، وكان يحيى يحتجّ بحديث عمّار، ولم يكن معتقداً بخلق القرآن [٢٤].
قال أبوزُرعة: «لم يُنتفع بيحيى؛ لأنّه كان يتكلّم في الناس!». وكان أبو داود يقع فيه ويقول: «من جرَّ ذيول الناس جرُّوا ذَيْلَه» [٢٥]. ونقل عنه أبو يوسف يعقوب بن سُفيان البسوي أنّه قال: من قدّم عبدالرحمان بن مهدي على وكيع فعليه لعنةاللَّه والملائكة والناس أجمعين! فقال أبو يوسف: ومن حاسب نفسه، وعلم أنّ كلامه من علمه، لم يقل مثل هذا [٢٦]. ولعلّه لهذا كان يحيى يقول: «إنَّا لنطعنُ على أقوامٍ لعلّهم قد حطّوا رحالهم في الجنّة من أكثر من مائتي سنة». وهذا الإقرار صعب، بحيث إنّه عندما نُقل إلى ابن أبي حاتم الرازي وهو يقرأ على الناس كتاب الجرح والتعديل بكى، وارتعدت يداه حتّى سقط الكتاب من يده، وجعل يبكي [٢٧].
ومن زلّاته المشهورة أنّه مع اعتقاده بأنّ كلّ صحابي يقول سوءاً فهو غير موثَّق، ولهذا لم يعتبر يونس بن خباب وأمثاله، فإنّه في نفس الوقت يوثّق خالد بن سَلَمة الفأفاء الذي كان رأساً في المرجئة، ويبغض الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام [٢٨].
موقف الرجاليّين منه
كان يحيى من الحفّاظ ، ومن ائمة نقد الحديث، ومن علماء الرجال، وقد وثّقه أكثر أرباب التراجم والرجال من أهل السنّة، سوى بعض الموارد التي نقلناها آنفاً من مثل أبي زُرعة [٢٩]. وأمّا رجاليو الشيعة فهو عندهم مهمل أو مجهول، ولم يذكره الأكثر [٣٠].
من روى عنهم ومن رووا عنه [٣١]
روى عن جماعة، منهم: إسماعيل بن عياش، جرير بن عبدالحميد، حجاج بن محمد الأعور، حفص بن غياث النخعي، ابن عيينة، عبدالله بن المبارك، أبو حفص عمر ابن عبدالرحمان، عبداللَّه بن نمير، عبدالرحمان بن مهدي، عبدالرزاق بن همّام، أبونعيم الفضل بن دكين، يحيى بن سعيد الأموي، يحيى بن سعيد القطّان.
وروى عنه جماعة، منهم: البخاري، مسلم، أبو داود، إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، أحمد، أبو يعلى الموصلي، أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، جعفر بن محمد بن أبي عثمان الطيالسي، عباس بن محمد الدوري، ابن أبي خيثمة، محمد بن سعد كاتب الواقدي، أبو حاتم الرازي، أبو زرعة الرازي. وقد ورد اسمه في بعض الكتب الروائية للشيعة، كما ورد في أسانيد بعض روايات الكتب الستّة لأهل السنّة وغيرها [٣٢].
من رواياته
نقل أبو يوسف و يعقوب بن سفيان البسوي و الشيخ الصدوق عن يحيى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله قال: « أحبّوا اللَّه لما يغدوكم به من نعمة، وأحبّوني لحبّ اللَّه عزّوجلّ، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي» [٣٣]. وروى عن أبي هريرة: أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال: «من أقال مسلماً أقاله اللَّه عثرته» [٣٤].
وفاته
توفّي ابن معين سنة 233 ه وهو ذاهب إلى الحجّ، في أوائل زمان المتوكّل. نقل الذهبي عن الطبري حكاية وفاته كما يلي: خرج ابن معين حاجّاً، وكان أكولاً، فحدّثني أبو العباس أحمد بن شاه أنّه كان في رفقته، فلمّا قدموا فَيْد أُهدي إلى يحيى فالوذج لم ينضج، فقلنا له: يا أبا زكريا لاتأكله، فإنّا نخاف عليك، فلم يعبأ بكلامنا وأكله، فلمّا استقرّ في معدته شكا وجع بطنه وانسهل، إلى أن وصلنا إلى المدينة ولا نهوض به، فتفاوضنا في أمره، ولم يكن لنا سبيل إلى المقام عليه لأجل الحجّ، ولم ندر ما نعمل في أمره، فعزم بعضنا على القيام عليه وترك الحجّ، وبتنا فلم يصبح حتّى وصّى ومات، فغسّلناه ودفنّاه [٣٥]. وكان قد حُمل على نعش رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ثم شُيِّع، وصلّى عليه والي المدينة، ودُفن في البقيع [٣٦].
المراجع
- ↑ الأنساب 5: 270، 271، الأعلام 8: 172، تهذيب الأسماء واللغات 2: 156.
- ↑ كتاب الثقات 9: 262.
- ↑ سير أعلام النبلاء 11: 71، 72، تاريخ بغداد 14: 177، وفيات الأعيان 6: 139.
- ↑ الأنساب 5: 520، الأعلام 8: 173، الإكمال لابن ماكولا 7: 240، 241، تهذيب الكمال 31: 544.
- ↑ تقريب التهذيب 2: 316.
- ↑ في تهذيب الأسماء واللغات 1: ق2: 156 طبعت «المقري» اشتباهاً.
- ↑ كتاب الثقات 9: 262، الإكمال لابن ماكولا 7: 240، 241، رجال صحيح مسلم 2: 350، تاريخ الطبري 7: 67، 93، مروج الذهب 4: 12، تاريخ بغداد 14: 178، الأعلام للزركلي 8: 172، سير أعلام النبلاء 11: 77، 78.
- ↑ وفيات الأعيان 6: 139، الأنساب 5: 270، 520، اللباب 3: 323.
- ↑ قرية من الأنبار تبعد عن بغداد (12) فرسخاً، وقيل: إنّ فرعون كان من أهلها (الأنساب 5: 520، اللباب 3: 323).
- ↑ يحتمل أنّ المقصود هو عبداللَّه بن مالك الطائي الذي نصّبه المختار الثقفي قاضياً للكوفة بعد عزل شُريح (أخبار القضاة 2: 397).
- ↑ تاريخ بغداد 14: 177 - 178، الأنساب 5: 520، طبقات الحنابلة 1: 404.
- ↑ الجرح والتعديل 1: 314، 315 (المقدمة)، تاريخ بغداد 14: 179 - 181، سير أعلام النبلاء 11: 92، مختصر تاريخ دمشق 27: 298.
- ↑ أنظر: كتاب الثقات 9: 263، تاريخ بغداد 14: 180، 182، 184.
- ↑ كتاب الثقات 9: 262، تهذيب التهذيب 11: 252.
- ↑ سير أعلام النبلاء 11: 84، 92، تاريخ بغداد 14: 182، تذكرة الحفّاظ 2: 430 وفيه: «ألف ألف حديث»، فهرست ابن الديم: 287، الأعلام 8: 172، سؤالات ابن جُنَيد: 5 - 7 (المقدمة).
- ↑ تاريخ بغداد 14: 180، 182، 186، سير أعلام النبلاء 11: 76، 77، 84، 85، 88، 95، الجرح والتعديل 1: 315 (المقدمة)، سؤالات ابن جُنَيد: رقم (737).
- ↑ سير أعلام النبلاء 11: 88، طبقات الحنابلة 1: 402.
- ↑ تهذيب الكمال 31: 560 - 563.
- ↑ سير أعلام النبلاء 11: 87 - 88.
- ↑ تهذيب الكمال 31: 562.
- ↑ سير أعلام النبلاء 11: 85.
- ↑ ميزان الاعتدال 3: 350، سؤالات ابن جنيد: رقم (842).
- ↑ الجرح والتعديل 1: 316، 319 (المقدمة)، تاريخ بغداد 14: 183 - 184، سير أعلام النبلاء 11: 82، كتاب الثقات 9: 262.
- ↑ تاريخ الطبري 8: 634 و9: 139، طبقات الحنابلة 1: 404، سير أعلام النبلاء 11: 85، 87.
- ↑ سير أعلام النبلاء 11: 90، 94، تهذيب الكمال 31: 564.
- ↑ المعرفة والتاريخ 1: 728، سير أعلام النبلاء 9: 152.
- ↑ سير أعلام النبلاء 11: 95، كتاب المقفّى الكبير 4: 81، تهذيب الكمال 31: 564.
- ↑ الكامل في ضعفاء الرجال 3: 892، سؤالات ابن جُنَيد: رقم (597)، الغدير 5: 295.
- ↑ سير أعلام النبلاء 11: 77، 83.
- ↑ قاموس الرجال 11: 81، معجم رجال الحديث 21: 99.
- ↑ تهذيب الكمال 31: 544 - 547.
- ↑ أنظر: أمالي المفيد: 167 المجلس (21)، أمالي الطوسي: 190 المجلس (7)، سنن أبي داود 3: 254 ح 3374، تاريخ الطبري 4: 225، المعرفة والتاريخ 1: 497 و3: 179، رجال صحيح البخاري 2: 799، رجال صحيح مسلم 2: 350، أخبار القضاة 2: 193، كتاب الغيبة للطوسي: 130.
- ↑ المعرفة والتاريخ 1: 497، علل الشرائع 139: باب 117.
- ↑ سنن أبي داود 3: 274 ح 3460، مسند أحمد 2: 252، سنن البيهقي 6: 27، مستدرك الحاكم 2: 45، سير أعلام النبلاء 11: 74.
- ↑ سير أعلام النبلاء 11: 90.
- ↑ تاريخ بغداد 14: 186، مروج الذهب 4: 12، المنتظم 11: 204، كتاب الثقات 9: 263، سير أعلام النبلاء 11: 90، 91.