إحترازیة القیود

من ویکي‌وحدت

إحترازیة القیود إصطلاحٌ في علم اصول الفقه یراد بها أنّ للقیود دخالةً في الحکم، ولولا هذا القید لماکان الحکم جاریاً علی إطلاقه، کما ورد في الحدیث: «أنّ في سائمة الغنم زکاة» یعنی أن قید السائمة داخل في وجوب الزکاة.

تعريف إحترازیة القیود

هو اصطلاح يراد به اعتبار القيود المذكورة في الكلام داخلة في المراد الجدّي للمتكلم، كقيد الفقر في جملة: «أكرم الإنسان الفقير» الدالة على تقييد وجوب الإكرام بالفقر، فيثبت الإكرام بثبوت الفقر وينتفي بانتفائه، ممّا يعني أنّ القيد فيها للاحتراز دون المثال، إلاّ أنَّه لا دلالة فيها على نفي كلّ إكرام ولو كان لمزية أخرى غير مزية الفقر، كمزية العلم والتقى. وليس البحث في احترازية القيود مختصا بالقيود الموضوعية، كقيد الفقر في المثال، بل يشمل القيود الشرطية والغائية والوصفية، كقول المولى: «إذا زالت الشمس فصلِّ» و«صم إلى الليل» و«أكرم الفقير العادل». وشأن متعلقات الأحكام كالإكرام والصلاة والصوم في الأمثلة المتقدمة شأن القيد في الحكم؛ لأ نّها إنَّما تذكر في الكلام للاحتراز عن عناوين أخرى قد يتوهم شمول الحكم لها. [١]

الفرق بين احترازية القيود والمفاهيم

المفهوم: هو المدلول الالتزامي المستفاد من الكلام وإن لم يصرّح به فيه، كاستفادة عدم وجوب إكرام زيد إذا لم يأتِ من جملة: «إن جاء زيد فأكرمه». وحينئذٍ يمكننا تحديد الفرق بين احترازية القيود والمفاهيم في: أنّ احترازية القيود تدلّ على انتفاء شخص الحكم المرتبط بقيده، كوجوب الإكرام المرتبط بثبوت الفقر دون الإكرام المرتبط بقيد آخر[٢]؛ إذ ليس المنفي كلّ إكرام حتى ولو كان بملاك آخر غير ملاك الفقر، كملاك العلم والوجاهة، فإنّ انتفاءه كذلك لايكون إلاّ بانتفاء طبيعي الحكم عن طريق المفاهيم، كمفهوم الشرط والوصف والغاية التي ينتفي بها طبيعي الحكم بانتفاء قيده؛ بناءً على حجّية المفاهيم. [٣] وبذلك يتضح الفرق بين احترازية القيود والمفاهيم؛ لأ نّهما وإن كانا يلتقيان في انتفاء الحكم بانتفاء قيده إلاّ أنّ انتفاءه في الأول محدود بشخص الحكم، وفي الثاني شامل لكلّ حكم من سنخ الحكم المذكور في المنطوق[٤]، ولذا عبّر بعضهم عن الاحتراز في المفاهيم بالاحترازية المطلقة، وعن احترازية القيود بالاحترازية الجزئية. [٥]

العلاقة بين احترازية القيود والاطلاق

لكي تتضح العلاقة بين هذين البحثين لابدّ من الاشارة إلى الخلاف الدائر بين الأعلام في: أنّ الكلمة الواقعة محلاًّ للإطلاق أو التقييد، هل هي موضوعة للطبيعة المحفوظة في كلتا الحالتين، حتى لايكون الإطلاق دخيلاً في معناها ولا التقييد، وإنّما يثبت كلّ منهما بدليل يدلّ عليه، فلا يكفي عدم وجود قيد في الكلام لإثبات الإطلاق، بل لابدَّ من التمسّك بقرينة الحكمة المبتنية على أساس الظهور الحالي في أنّ ما لا يقوله المتكلّم من قيد لايريده إذا كان في مقام البيان. أم أ نّها موضوعة للطبيعة المطلقة ومقيدة بها، فلا حاجة لإثبات إطلاقها إلى التمسّك بقرينة الحكمة، بل لابدّ من التمسّك باحترازية القيود في إثبات إرادة المتكلّم لهذه الطبيعة المقيدة بالإطلاق استنادا إلى ظهور حاله في أنّ ما يقوله يريده؟ وبذلك يتضح الفرق بين قرينة الحكمة واحترازية القيود، وموقع كلّ واحدة منهما لإثبات الإطلاق في ضوء هاتين النظريتين؛ لاستناد الأولى إلى ظهور عرفي، مفاده أنّ ما لايقوله المتكلّم لايريده، واستناد الثانية إلى أنّ ما يقوله يريده.[٦]

الآراء في حمل القید علی الوجوب

المشهور وجوب حمل القيد على الاحتراز عند الشك في كونه للتوضيح والمثالية[٧]، بل هو ممَّا تبانى عليه عقلاء العالم[٨]؛ لأنّ ذلك هو مقتضى الظهور العرفي السياقي للكلام[٩]؛ لظهور حال المتكلّم في أنّ ما يقوله يريده إلاّ اذا كانت هناك قرينة صارفة عن الاحتراز إلى المثالية[١٠]، كورود القيد مورد الغالب في قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ... وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ»[١١]، حيث ذكر الأعلام بأنّ قيد اللاّتي في حجوركم لتوضيح الحالة الغالبة لبنات الزوجة، حيث غالبا ما يكنّ في حجور أزواج الأمّهات، لا أ نّه للاحتراز عن غير اللاتي في الحجور[١٢]، وإن ذهب بعضهم إلى أنّ مجرد ورود القيد مورد الغالب لايعني زوال ظهور القيود في الاحترازية باعتقاد بعض الاصوليين إلاّ إذا دلّ دليل على خلافه، كما في آية الربائب التي قام الدليل على عدم اختصاص الحرمة فيها باللاتي في الحجور، ولولا هذا الدليل لوجب الالتزام بكون القيد فيها للاحتراز أيضا[١٣]، كما هو كذلك في الجزء الثاني من الآية، وهو قوله تعالى: «اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ»[١٤] إذ رغم كون قيد الدخول بهن هو الغالب بعد العقد على الأمّهات، لم يمنع ذلك عن كون الدخول بهنّ للاحتراز عن غير المدخول بهنّ، فتحرم الربائب إذا تحقق الدخول بأمّهاتهنّ، ولا يحرمنّ إذا لم يتحقق الدخول بأمّهاتهنّ. [١٥] وعلى أي حال، فالأصل في القيود أ نّها للاحتراز، وهو أصل سارٍ في جميع الحوارات العلمية والعرفية، كما يستفاد ذلك من استدلالهم على الاحتراز بالظهور الحالي العرفي، وإن منع صاحب الحاشية على المعالم من سريانه إلى الحوارات العرفية، حيث قال: «إنّ ما اشتهر في الألسن من أنّ الأصل في القيد أن يكون احترازيا، ولاتزال تراهم يلاحظون ذلك في الحدود والتعريفات ويناقشون في ذكر قيد لايكون مخرجا لشيءٍ، وكذا لايعرف الخلاف بين الفقهاء في الأغلب إلاّ من جهة التقييدات المذكورة في كلامهم وعدمها، حيث إنّه يعرف اختلافهم في المسائل من جهة اختلافهم في القيود المأخوذة في فتاواهم، أو اختلافهم في الإطلاق والتقييد، وليس ذلك إلاّ من جهة ظهور التقييد في كونه احترازيا، وإلاّ لما أفاد ذلك أصلاً. وفيه: أنّ ذلك أمر جرت عليه الطريقة في المقامات المذكورة، فإنّ المتداول بينهم في الحدود والتعريفات هو ذلك، وقد بنوا على ملاحظة الاحتراز في التقييدات. وكذا الحال في بيان الأحكام المدوّنة في الكتب الفقهية، بل في سائر العلوم المدوّنة أيضا، فجريان طريقتهم على ذلك كان في إفادته له في كلامهم، وكأنّ مقصودهم من الأصل المذكور هو ذلك، نظرا إلى ما عرفت من بنائهم عليه، ولايقضي ذلك بكونه الأصل في الاستعمالات العرفية والمحاورات الدائرة في ألسنة العامة».[١٦]

أهمية احترازية القيود

ممّا تقدم تظهر أهمية احترازية القيود التي لولاها ما استقرّ حجر على حجر، ولما أمكن إثبات حكم واحد في الشريعة، إذ مهما تنوعت صياغة النصوص فهي محدودة بحدود قيوداتها أو متعلقاتها، التي هي بمثابة قيودات محدِّدة لدائرة الحكم ومضيّقة له، وهو ما لايتيسَّر الالتزام به إلاّ عن طريق احترازية القيود كما تقدم بيانه. ولعلّ وضوح احترازية القيود وعدم إمكان التشكيك فيها عقلاً[١٧]، هو السبب وراء عدم تعرض الجمهور وأكثر علماء الإمامية لها بصورة مباشرة، وإن أمكن التعرف على آراء بعضهم بنحو الإجمال من خلال تعليقاتهم على بعض المسائل التي لها علاقة باحترازية القيود، كمسألة ورود القيد مورد الغالب وتصريحهم بعدم إفادته الاحتراز[١٨]، حيث يستفاد منه تسليمهم باحترازية القيود في غير ما قامت القرينة على كونه للتوضيح والمثال.

المصادر

  1. انظر : دروس في علم الأصول 1 : 238ـ239.
  2. جامع المدارك 4 : 398، دروس في علم الأصول، 2 : 107.
  3. كفاية الأصول : 206.
  4. نهاية الأفكار 1 ـ 2 : 469، أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 172، جامع المدارك 6 : 286 ـ 287.
  5. تحريرات في الأصول 5 : 493.
  6. دروس في علم الأصول 2 : 108.
  7. نقل الشهرة في هداية المسترشدين 2 : 471.
  8. تحريرات في الأصول 5 : 27.
  9. الفصول الغروية : 39، عناية الأصول 2 : 394.
  10. محاضرات في أصول الفقه 5 : 133 ، دروس في علم الأصول 2 : 108.
  11. النساء : 23.
  12. الإحكام الآمدي 3 ـ 4 : 94، حواشي الشرواني 7 : 302، الوافية : 233، كفاية الأحكام 2 : 127، القوانين المحكمة : 86 .
  13. فوائد الأصول 4 : 632، وانظر : جامع المدارك 1 : 27.
  14. النساء : 23.
  15. مستند العروة الوثقى النكاح 1 : 331.
  16. هداية المسترشدين 2 : 471 ـ 472.
  17. نهاية الأفكار 1ـ2 : 471.
  18. الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 94، حواشي الشرواني 7 : 302، الوافية: 233.