أمية النبي (صلى الله عليه وآله)
الصحيح من امية النبي وما يقال من أن النبي (صلى الله عليه وآله) أميّ هو إثبات أنَّ القرآن ليس من عنده، إذن وكأننا نقول أن نقيض ذلك صحيح أي أن غير الأمي المتعلم يستطيع الإتيان بمثله مردود؛ لكون أمية النبي (صلى الله عليه وآله) آيةً من آيات صدقه، ودليلًا على أنّ هذا القرآن من عند الله تعالى لايعني أن غير الأمي يستطيع أن يأتي بمثل القرآن ولا حتى بسورة منه!
المقصود من التمسك بقضية أميّة النبي (ص)
وإنّما يعني: أنَّ عجز المتعلمين الكتبة، والعلماء الحفظة، عن الإتيان بمثل سورة واحدة من القرآن، دليل على أنَّ هذا الأميَّ ما أتى به من عند نفسه، وإنَّما هو وحي من الله تعالى. ولذلك إنّ هذه العلوم الوافرة والمعارف الزاخرة لا يستطيع عالم قارئ كاتب تحصيلها، وأحرى أمي لايكتب ولايقرأ. فيعلم بذلك أنَّها وحي من الله تعالى، أوحي به إلى هذا النبي العظيم، وهذا لا شك أبلغ في التحدي والإعجاز.
الشاهد القرآني
والقرآن يسجِّل هذه الحقيقة ليجعلها أمارةَ صدقِهِ ودليلَ أمانتِهِ: «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ». وما كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يعلم شيئًا من النبوة، ولا ما يتصل بالذات العلية، فجريان هذه الأعمال على يديه، إنما هو دليل الإعجاز؛ لأن المتعلمين الذين ينقطعون للعلم والبحث، ليعجزون أن يصنعوا شيئًا مما فعله الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولا ريب أنّ هذا تأييدٌ وتوفيقٌ من الله تبارك وتعالى، والقرآن يقول: «وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ».
حكمة توصيف النبي بالأمي
أمية النبي وما يقال من أن النبي (صلى الله عليه وآله) أميّ هو إثبات أنَّ القرآن ليس من عنده، إذن وكأننا نقول أن نقيض ذلك صحيح أي أن غير الأمي المتعلم يستطيع الإتيان بمثله مردود؛ لكون أمية النبي (صلى الله عليه وآله) آيةً من آيات صدقه، ودليلًا على أنّ هذا القرآن من عند الله تعالى لايعني أن غير الأمي يستطيع أن يأتي بمثل القرآن ولا حتى بسورة منه! وإنّما يعني: أنَّ عجز المتعلمين الكتبة، والعلماء الحفظة، عن الإتيان بمثل سورة واحدة من القرآن، دليل على أنَّ هذا الأميَّ ما أتى به من عند نفسه،
وإنَّما هو وحي من الله تعالى. ولذلك إنّ هذه العلوم الوافرة والمعارف الزاخرة لا يستطيع عالم قارئ كاتب تحصيلها، وأحرى أمي لايكتب ولايقرأ.
من منظور القرآن
فيعلم بذلك أنَّها وحي من الله تعالى، أوحي به إلى هذا النبي العظيم، وهذا لا شك أبلغ في التحدي والإعجاز. والقرآن يسجِّل هذه الحقيقة ليجعلها أمارةَ صدقِهِ ودليلَ أمانتِهِ: «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ». وما كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يعلم شيئًا من النبوة، ولا ما يتصل بالذات العلية، فجريان هذه الأعمال على يديه، إنما هو دليل الإعجاز؛ لأن المتعلمين الذين ينقطعون للعلم والبحث، ليعجزون أن يصنعوا شيئًا مما فعله الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولا ريب أنّ هذا تأييدٌ وتوفيقٌ من الله تبارك وتعالى، والقرآن يقول: «وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ».
الشُبْهةُ
من اهم الشبهات حول الرسالة هي الجمع بين اُمِّيَّةُ النَّبي (صلى الله عليه وآله) وما أتى به من كتاب عظيم.
البعض يقول: إنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) كان يقرأ ويكتب ب 73 لسانا، وانّما سمّي أمّيا؛ لأنّه كان من أهل مكة، ومكة يطلق عليها أم القرى؛ والله يقول في محكم كتابه: «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ». فكيف كان يعلّمهم ما لا يحسن؟
الإجابــةُ
فبداية ننبّه کما قلنا أنّ أمية النبي (صلى الله عليه وآله) بعدم كتابته وقراءته، ليست عيبا نتلمس لها مخرجا وعلاجا؛ ولا شينا ولا نقصا نتطلب له سترا أو كمالا. بل هي في حقه (صلى الله عليه وآله) كمالٌ وإعجازٌ، وبرهانُ صدقٍ على النبوة والرسالة.
وأما دعوى أن تسميته (صلى الله عليه وآله) أمَّيّاً، نسبة لأم القرى ـ مكة ـ فهذا قد قيل بالفعل، قال ابن عطية في المحرر الوجيز: «والأمي ـ بضم الهمزة ـ قيل: نسب إلى أم القرى وهي مكة، واللفظة على هذا مختصة بالنبي (صلى الله عليه وآله) وغيرُ مضمِّنةٍ معنى عدم الكتابة، وقيل: هو منسوب لعدمه الكتابة والحساب إلى الأم، أي هو على حال الصدر عن الأم في عدم الكتابة، وقالت فرقة: هو منسوب إلى الأمّة، وهذا أيضا مضمّن عدم الكتابة، لأنّ الأمّة بجملتها غير كاتبة حتى تحدث فيها الكتابة كسائر الصنائع».
وقد ذكر الطاهر ابن عاشور في التحرير والتنوير هذه الأوجه الثلاثة، ثم قال: «والأمية وصف خصَّ الله به من رسله محمداً (صلى الله عليه وآله)، إتماما للإعجاز العلمي العقلي الذي أيده الله به، فجعل الأمِّيَّةَ وصفاً ذاتياً له، ليتم بها وصفه الذاتي وهو الرسالة، ليظهرَ أنَّ كماله النفساني كمالٌ لدنيٌّ إلهيٌّ، لا واسطة فيه للأسباب المتعارفة للكمالات، وبذلك كانت الأمية وصف كمال فيه، مع أنها في غيره وصف نقصان، لأنه لما حصل له من المعرفة وسداد العقل ما لا يحتمل الخطأ في كل نواحي معرفة الكمالات الحق، وكان على يقين من علمه، وبينة من أمره، ما هو أعظم مما حصل للمتعلمين، صارت أميته آية على كون ما حصل له إنما هو من فيوضات إلهية».
ثمّ على التسليم بأن الأمي منسوب إلى أم القرى، فهذا لا ينفي عدم قراءته (صلى الله عليه وآله) وكتابته؛ لأنَّ ذلك ثابتٌ بأدلةٍ أخرى بينا بعضها. وأما إستدلال المعترض بقوله تعالى المذکور ثمّ إردافه بقوله: «كيف يعلمهم ما لا يحسن؟» فلا وجه له؛ لأن الآية ليس فيها أنه يعلمهم القراءة والكتابة! وإنما يعلمهم ما آتاه الله تعالى من الكتاب والحكمة، وفي الآية ما يوضح ذلك، وهو وصف الأمة بالأمية، فالبعثة النبوية لم ترفع عنهم هذا الوصف، ولكنها رفعت عنهم بالجهل والضلالة، وذلك حاصل بالعلم بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله)، وتزكية النفوس بذلك، قال المراغي في تفسيره: «أي هو الذي أرسل رسوله (صلى الله عليه و آله وسلم) إلى الأمة الأمية التي لا تقرأ ولا تكتب وهم العرب». أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «إنا أمة أميّة لا نكتب ولا نحسب؛ وهذا الرسول من جملتهم أي مثلهم، ومع ذلك يتلو عليهم آيات الكتاب ليجعلهم طاهرين من خبائث العقائد والأعمال، ويعلمهم الشرائع والأمور العقلية التي تكمل النفوس وتهذبها».
اُمِّيَّةُ النَّبي (صلى الله عليه وآله) بين النّافين والمثبتين
يعتقد البعض
امية النبي (صلى الله عليه وآله) بين النافين والمثبتين بأنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) كان أمِّيّاً في بداية نزول الوحي عليه ثم تعلم القراءة والكتابة فلماذا نقول دائما إنَّ الرسول أمي ونفخر بذلك، فهل تخشون أن نقول إنه ربما نشك أنه كتب القرآن أنا لا أظن إطلاقا أن الرسول أمي لا يعرف القراءة أو الكتابة لقد علم الرسل الأنبياء فهل وقف الأمر عند الرسول محمد عليه أفضل السلام؟
الإجابــة
وصفُ النَّبي (صلى الله عليه وآله) بكونه أمِّيّاً حقيقةٌ ثابتةٌ بنصوصٍ محكمةٍ في كتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذه الحقيقة لايمكن أن تنفيها أو تكدر صفوها دعاوى مغرضة أو شبهات زائفة تأتي من هنا أو هناك، ويشيعها بعض من أشربت قلوبهم بالباطل والضلال من النصارى أو غيرهم، وإننا ننصح هؤلاء بالتفكر فيما في كتبهم من الضلال البين والخطأ الواضح في كثير من عقائدهم ليرجعوا إلى الحق بدلا من توجيه جهدهم للطعن في الإسلام ونبيه (صلى الله عليه وآله)، وحالهم في هذه المحاولات كحال من قال فيه القائل:
كناطحِ صخرةٍ يوماً لِيُوهِنَها فلم يَضُرها وَأوهى قَرنَهُ الوَعَلَ
فلقد بعث الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله) أمِّيًّا لا يعرف القراءة ولا الكتابة، لقوله تعالى: «وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ». وهذا يعَدُّ معجزةً من معجزاته الدالة على صدقه، وأنّ ما جاء به من عند الله تعالى لا من عند نفسه، قال تعالى: «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ».
ولو كان (صلى الله عليه وآله) قارئاً كاتبًا لادَّعى المشركون أنّ ما جاء به من اختراعه ومن بَنَياتِ أفكاره. وقد اختلف أهل العلم، هل تعلَّم النبي (صلى الله عليه وآله) القراءة والكتابة بعد نزول الوحي أو لا؟ فمنهم من قال: إنه تعلَّم ذلك، فذكر القرطبي في تفسيره نقلاً عن النقاش في تفسيره عن الشّعبي أنّه قال: ما مات النبي (صلى الله عليه وآله) حتى كتب، وأسند أيضاً حديث أبي كبشة السلولي مضمونه أنه (صلى الله عليه وآله) قرأ صحيفة لـعيينه بن حصن وأخبر بمعناها، وضعَّف ذلك ابن عطية.
واستدلوا أيضا بما رواه مسلم من حديث البراء في صلح الحديبية أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لـعليٍّ (عليه السلام): «اكْتُبِ الشّرْطَ بَيْنَنَا: بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ؛ هَذَا مَا قَاضَىَ عَلَيْهِ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ. فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَنّكَ رَسُولُ اللّهِ تَابَعْنَاكَ، وَلَكِنِ اُكْتُبْ: مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. فَأَمَرَ عَلِيّاً (عليه السلام) أَنْ يَمْحَاهَا. فَقَالَ عَلِيٌّ: لاَ، وَاللّهِ! لاَ أَمْحَاهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله): «أَرِنِي مَكَانَهَا»؛ فَأَرَاهُ مَكَانَهَا، فَمَحَاهَا». قالوا: وقد رواه البخاري بأظهر من هذا فقال: فاخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الكتاب فكتب. وزاد في طريق أخرى: ولا يحسن أن يكتب. هذا، ولکن قيل: ذلك غير قادح في كونه أمِّيًّا ولا معارضاً لقوله تعالى: «وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ». بل رأوه زيادة في معجزاته واستظهارا على صدقه وصحة رسالته، وذلك أنه كتب من غير تعلم لكتابة ولا تعاطٍ لأسبابها، وإنما أجرى الله تعالى على يده وقلمه حركات، فكان ذلك خارقاً للعادة، كما أنه (صلى الله عليه وآله) عَلِمَ عِلْمَ الأولين والآخرين من غير اكتساب ولا تعلُّم، فكان ذلك أبلغ في معجزاته وأعظم في فضائله ولا يزول عنه اسمُ الأميِّ بذلك.
وقال بعض أهل العلم: إنّه (صلى الله عليه وآله) ما كتب ولا حرفاً واحداً، وإنّما أمر من يكتب، وكذلك ما قرأ ولا تهجَّى. وكتابته مناقضهً لكونه أمِّيًّا لايكتب،
ولكونه أمِّيًّا في أمة أمية، فكيف يُطلِقُ الله تعالى يده فيكتب وتكون آية؟ وإنما الآية ألاَّ يكتب، والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضاً، وإنّما معنى كتب وأخذ القلم: أي أمر من يكتب به من كتابه،
وكان من كتبة الوحي بين يديه (صلى الله عليه وآله) ستة وعشرون كاتباً؛ ورجَّح هذا القول القرطبي في تفسيره. وعلى كلا القولين فوصفه بالأمِّيِّ لكونه من معجزاته (صلى الله عليه وآله)،
فإن لم يكن كتب فالأمِّيَّة وصف ملازم له (صلى الله عليه وآله) حتى مات، وإن كان كتب فوصفه بالأمِّيِّ باعتبار ما كان ويبقى متَّصفاً بهذا الوصف لكونه من معجزاته الباهرة، ولكونه بُعِثَ في أمةٍ أمِّيَّةٍ لا تقرأُ ولا تكتبُ، فناسب أن يكون أمِّيًّا مثلهم لتقطع الشبهة.