أركان الاستصحاب

أرکان الاستصحاب: وهذا بحثٌ عن مقوّمات الاستصحاب في علم أصول الفقه، بمعنی أنّ جريان الاستصحاب يتوقف علی شروط وأرکان نقدّمها للقارئ الکريم. وأما الاستصحاب فهو قاعدة أصوليّة عند المجتهدين تجري فيما إذا كان لدينا يقين بحالة في زمنٍ سابق وشك بذات الحالة في زمن لاحق، ومقتضى القاعدة هنا الحكم ببقاء الحالة السابقة. و ذلك من قبيل يقيننا بطهارة الإناء سابقا وشكّنا بالطهارة لاحقاً، فنستصحب الحالة المتيقّنة سابقا ونحكم بطهارة الإناء.

أرکان الاستصحاب وشروطه

1 ـ اليقين بالحدوث

ذهب المشهور إلى أنَّ اليقين بالحدوث ركن مقوِّم للاستصحاب، إلاَّ أنّ الآخوند الخراساني ذهب إلى عدم كونه ركنا، ومفاد دليل الاستصحاب جعل الملازمة بين الحدوث والبقاء، أي أنَّ اليقين الوارد في أدلّة الاستصحاب أخذ كناية عن لزوم البناء والعمل بالتزام حكم مماثل للمتيقّن تعبُّدا إذا كان حكما، وبالتزام حكم مماثل لحكم المتيقّن حقيقةً إذا كان موضوعا. والمراد من الحالة السابقة التي وقعت موردا لليقين، أعمّ من كونها حكما شرعيا أو موضوعا ذا حكم شرعي، كما أنَّ المراد من اليقين أعمّ من كونه وجدانيا وهو العلم، أو تعبُّديا وهو المستفاد ممَّا اعتبره الشارع يقينا، كالظن الذي قام على اعتباره دليل قاطع. وهذا الركن مستفاد من الروايات التي هي أدلّة الاستصحاب.

2 ـ الشك في البقاء

أي الشك في بقاء الحالة السابقة أو بقاء المتيقّن. ، والمراد من الشك ما يقابل اليقين بمعنييه ـ الوجداني والتعبُّدي ـ سواء أكان شكا بالمعنى المنطقي ـ أي تساوي الطرفين ـ أم ظنّا غير معتبر، أم وهما. ودليله كونه مأخوذا في لسان الدليل، إضافةً إلى أنَّه لا معنى لفرض القاعدة، بل لا حاجة لها على فرض بقاء اليقين وعدم طرو الشك في بقائه.

3 ـ وحدة المتعلّق أو وحدة القضية المتيقّنة والمشكوكة

من حيث الموضوع والمحمول والنسبة والحمل والرتبة وغيرها، إلاَّ الزمان؛ رفعا للتناقض. والوجه في ركنيته: أنَّه مع تغاير القضيتين (المتيقّن بها والمشكوك بها) لايكون الشك شكا في البقاء، بل في حدوث قضية جديدة.

4 ـ الأثر العملي

ذكره الشهيد الصدر واعتبره ركنا، وبيَّنه بأنحاء ثلاثة وهناك آخرون، كـ : السيد محمد سعيد الحكيم اعتبره في الاستصحاب لكن لم يطلق عليه ركنا، بل شرطا، مع تفريقه بين الشرط والركن.

5 ـ فعلية الشك واليقين

فلا عبرة بالشك التقديري؛ لعدم صدق النقض به، ولا اليقين كذلك؛ لعدم صدق نقضه بالشك. واعتبار هذا الشرط لا من أجل أنَّ الاستصحاب لايتحقَّق معناه إلاَّ بفرضه، بل لأنَّ ذلك مقتضى ظهور لفظ الشك واليقين في أخبار الاستصحاب، فإنَّهما ظاهران في كونهما فعليين، كسائر الألفاظ في ظهورها في فعلية عناوينها.

6 ـ اتصال زمان الشك بزمان اليقين

بمعنى أن لا يتخلَّل بينهما فاصل من يقين آخر، كما هو مفاد تسلُّط النقض بالشك على اليقين.

7 ـ اجتماع اليقين والشك في زمان واحد

والوجه في اعتبار هذا الركن كونه مقوّما لحقيقة الاستصحاب الذي هو إبقاء ما كان، إذ لو لم يجتمع اليقين مع الشك تبدَّل اليقين إلى شك، فلايكون موردا للاستصحاب، بل لـ : قاعدة اليقين.

8 ـ سبق زمان المتيقّن على زمان المشكوك

ولو انعكس ـ أي: سبق زمان المشكوك زمان المتيقّن ـ رجع الأمر إلى الاستصحاب القهقری الذي لا دليل عليه إلاّ في الأمور اللغوية.

9 ـ تعدُّد زمان المتيقّن والمشكوك

أي مع اتحاد زمان اليقين والشك يفرض تعدُّد متعلّقهما، وإلاَّ تحوَّل المورد إلى قاعدة اليقين. يستلهم هذا الشرط من نفس الشرط السادس المتقدِّم؛ لأنَّه مع فرض وحدة زمان اليقين والشك يستحيل فرض اتحاد زمان المتيقّن والمشكوك، مع كون المتيقّن نفس المشكوك.

الاختلاف في الأركان والشروط

اختلفت عبارات الأصوليين في ما يعتبر في الاستصحاب، من حيث عدّه ركنا أو شرطا، فبعض استخدم اصطلاح «الركن»، وبعض آخر استخدم عنوان «الشرط» عوضا عن الركن، وبعض آخر استخدم اصطلاح «المقوّمات». الأكثر اختار الثلاثة الأولى كأركان للاستصحاب، وحصر الشيخ الأنصاري الأركان بها، وذكر الشهيد الصدر الركن الرابع، أي الأثر العملي، وبعض آخر حصر الأركان باثنين هما: اليقين السابق، والشك اللاحق المتعلّق بمتعلّق اليقين، وأرجع باقي الشروط إلى هذين الركنين. وأشار بعض بالشروط إلى مثل عدم وجود دليل آخر يوجب انتفاء الحكم الثابت أولاً. وفرَّق بعض بين أركان الاستصحاب وشروطه، وأشار بالأركان إلى بعض ما تقدَّم ذكره، وبالشروط إلى مثل أثر الاستصحاب وعدم معارضته مع حجج أخرى. كما أنّه ميّز بين الركن والشرط في: أنَّ الشرط ما كان خارجا عن ذات الاستصحاب، والركن ما كان يشكِّل جزءا من ذاتياته.