آية الأخوة
آية الأخوّة: هي قوله سبحانه وتعالى في الآية العاشرة من سورة الحجرات: (إنّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتّقوا الله لعلّكم ترحمون). وهي من أبرز الآيات التي يستدلّ بها دعاة الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب على لزوم الحفاظ على الوحدة والانضمام في صفّ المؤمنين وتجنّب القطيعة والبغضاء.
تفسير الآية
في تفسير هذه الآية (إنّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتّقوا الله لعلّكم ترحمون) يقول القرطبي المالكي المفسّر المعروف (ت 671هـ) مبيّناً معنى الإخوة هنا: “أي: في الدين والحرمة، لا في النسب. ولهذا قيل: أخوّة الدين أثبت من أخوّة النسب”.
ما يستنتج من الآية
يستنتج من هذه الآية الكريمة:
1 – تأكيد القرآن الكريم على مبدأ الأخوّة الإسلامية بمعناها الشامل، حيث الأخوّة ليست منحصرة في النسب، بل توجد أخوّة في الدين والحرمة، والإسلام بذلك يضع تحديداً واسعاً لمفهوم الأخوّة أخذت عنه النظريات الحديثة تحت مسمّى: “العلاقات الإنسانية“.
2 – فائدة التحلّي بالأخوّة الإسلامية من حيث إنّها تؤدّي إلى التفاف الأفراد حول بعضهم بعض، كما تعصمهم من الانزلاق إلى رذيلة الظلم، حيث يسيء البعض استغلال السلطة أو النفوذ أو الثراء في التسلّط على الآخرين.
3 – فائدة التمثّل بالأخوّة الإسلامية في تحقيق القوّة للفرد وللمجتمع الذي ينتمي إليه.
فلسفة الأخوّة الإيمانية
الأخوّة الإيمانية: جعل تشريعي لنسبة الأخوّة بين المؤمنين لها آثار شرعية وحقوق مجعولة، كالأبوّة والبنوّة وسائر أنواع القرابة، ومنها ما هو اعتباري مجعول تعتبره الشرائع والقوانين لترتيب آثار خاصّة عليه كالوراثة والإنفاق وحرمة الزواج وغير ذلك، ومنها ما هو طبيعي بالانتهاء إلى صلب واحد أو رحم واحدة أو هما. والاعتباري من القرابة غير الطبيعي منها، فربّما يختلفان كالأخوين المتولّدين بين الرجل والمرأة عن نكاح مشروع، وربّما يختلفان كالولد الطبيعي المتولّد من زنى فإنّه ليس ولداً في الإسلام ولا يلحق بمولّده وإن كان ولداً طبيعياً، وكالدعي الذي هو ولد في بعض القوانين وليس بولد طبيعي.
واعتبار المعنى الاعتباري وإن كان لغرض ترتيب آثار حقيقته عليه كما يؤخذ أحد القوم رأساً لهم ليكون نسبته إليهم نسبة الرأس إلى البدن، فيدبّر أمر المجتمع ويحكم بينهم وفيهم كما يحكم الرأس على البدن، لكن لمّا كان الاعتبار لمصلحة مقتضية كان تابعاً للمصلحة، فإن اقتضت ترتيب جميع آثار الحقيقة ترتّبت عليه جميعاً، وإن اقتضت بعضاً كان المترتّب على الموضوع الاعتباري ذلك البعض، كما أنّ القراءة مثلاً جزء من الصلاة، والجزء الحقيقي ينتفي بانتفائه الكلّ مطلقاً، لكن القراءة لا ينتفي بانتفائها الصلاة إذا كان ذلك سهواً، وإنّما تبطل الصلاة إذا تُركت عمداً. ولذلك أيضاً ربّما اختلفت آثار معنى اعتباري بحسب الموارد المختلفة، كجزئية الركوع حيث تبطل الصلاة بزيادته ونقيصته عمداً وسهواً بخلاف جزئية القراءة كما تقدّم، فمن الجائز أن تختلف الآثار المترتّبة على معنى اعتباري بحسب الموارد المختلفة، لكن لا تترتّب الآثار الاعتبارية إلّا على موضوع اعتباري، كالإنسان يتصرّف في ماله لكن لا بما هو إنسان بل بما أنّه مالك، والأخ يرث أخاه في الإسلام لا لأنّه أخ طبيعي يشارك الميّت في الوالد أو الوالدة أو فيهما.. فولد الزنى كذلك، ولا يرث أخاه الطبيعي بل يرثه لأنّه أخ في الشريعة الإسلامية.
والأخوّة من هذا القبيل، فمنهما أخوّة طبيعية لا أثر لها في الشرائع والقوانين، وهي اشتراك إنسانين في أب أو أمّ أو فيهما، ومنها أخوة اعتبارية لها آثار اعتبارية، وهي في الإسلام أخوّة نسبية لها آثار في النكاح والإرث، وأخوّة رضاعية لها آثار في النكاح دون الإرث، وأخوة دينية لها آثار اجتماعية ولا أثر لها في النكاح والإرث، كما يقول الصادق (ع): "المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله، لا يخونه، ولا يظلمه ولا يغشّه، ولا يعده عدة فيخلفه".
فالإيمان ليس علاقة شخصية بين المؤمن وربّه فقط، بل علاقة أخوية جماعية أيضاً بينه وبين سائر المؤمنين، بل وبين من ليست بينهم أيّة علاقة ورباط إلّا أخوّة إيمانية، كلّ ذلك بدافع الإيمان وسناده، تلمح له أداة الحصر: "إنّما" التي تحصر كافّة المناسبات بين المؤمنين بالأخوّة.. ولذا قالت الآية: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (سورة الحجرات: 10)، لا "إنّما الأخوة المؤمنون"، فإنّ هناك تآخياً آخر بين سائر الناس لا تحصر مناسباتهم بالأخوّة بل بالألفة والخلّة، وتتبدلّ -وعلى أقصى الحدود- بعد الموت بالعداوة: (الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلّا الْمُتَّقِينَ) (سورة الزخرف: 67). وإذ كانت هذه حالة الخلّة غير الإيمانية، فما هو حال سائر التي لا تستلزم الخلّة؟
إنّ أخوّة الإيمان تشريعية وواقعية بدافع الإيمان، يؤمر المؤمن أن يؤصّلها في حياته الجماعية لحدّ لا تبقى بين المؤمنين إلّا الأخوّة الصادقة، وليست هي الأخوّة الخلقية كما بين الناس أجمعين، ولا أخوّة القرابة التي تحرّم النكاح فقط، ولا الإقليمية أو العنصرية أو الحزبية أو غير ذلك من حلات التآخي غير الإيماني.
الأخوّة الإيمانية في الروايات
جاء عن أبي بصير: قال: سمعت أبا عبدالله (ع) يقول: "المؤمنُ أخو المؤمنِ كالجسد الواحدِ إن اشتكى شَيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روحٍ واحدةٍ. وإنّ روح المؤمنِ لأشدّ اتّصالاً بروح الله من اتّصال شُعاع الشمس بها". وعن الإمام الصادق (ع): "المؤمنُ أخو المؤمن عينه ودليله لا يخونه ولا يظلمُه ولا يغشّه لا يعده عدة فيخلفه".
فالقاعدة التي يأسّسها القرآن في هذا المجال هي: أنّ "النسب الصحيح بالدين لا بالطين"، والأخوّة التي يريدها القرآن الكريم هي أخوّة الصفة، وهي أحقّ مراتب الأخوّة، فإنّ بها يقع التوارث، فبأخوّة الإيمان ترث، فلا تأسف على أخوّة النسب ولا تكترث، المؤمن أخو المؤمن لا يسلمه، وما ترك فهو يتسلّمه.
وروي عن الإمام زين العابدين (ع) في رسالة الحقوق: "وحقُّ أخيك، أن تعلم أنّه يدك التي تبسطها، وظهرك الذي تلتجىءُ إليه، وعزُّك الذي تعتمد عليه، وقوَّتك التي تصولُ بها، فلا تتّخذهُ سلاحاً على معصية الله، ولا عُدةً للظلم لخلق الله، ولا تدع نصرته على نفسه ومعونته على عدوّه، والحؤول بينه وبين شياطينه، وتأدية النصيحة إليه، والإقبال عليه في الله، فإن انقاد لربّه وأحسن الإجابة له، وإلّا فليكن الله آثر عندك وأكرم عليك منه".
والإمام (ع) هنا يريد أنّ الأخ هو الذي اتّحد بأخيه اتّحاداً تامّاً، حتّى أصبحت يد أحدهما يد الآخر، وعزّ أحدهما عزّ الآخر. فالأخ للإنسان يد تبسط، وظهر يستند إليه، وقوّة يستعين بها على مناهضة الأيّام ومغالبة الخطوب، لا أن يتّخذ سبيلاً إلى معصية الله أو يتّخذ عدة للظلم لخلق الله. ومن حق الأخ أن يحال بينه وبين الشيطان، وأن تؤدّى إليه النصيحة. وليس حقّ الأخ بمقدّم على حق الله، بل الله آثر منه وأكرم.
واعلم أنّ الله قد آخى بين المؤمنين كما آخى بين أعضاء جسد الإنسان، فالمؤمن إذا أصيب أخوه المؤمن بمصيبة فكأنّه هو الذي أصيب بها، فيتألّم لتألّمه، ومتى لم يفعل ذلك فما ثبتت أخوّة الإيمان بينه وبينهم. والمؤمن أخو المؤمن لا يسلمه ولا يخذله، فالمؤمن لا يبغض المؤمن، والمؤمن لا يقتل المؤمن لإيمانه، فآية الأخوّة جعلت أباهم الإيمان، فهم أخوة لأب واحد.
وتبرز بعض الروايات عنصراً مهمّاً في موضوع التآخي هو السكينة والاطمئنان؛ لأنّ المؤمن يشعر شعوراً صادقاً براحة نفسية مع أخيه المؤمن. السكينة التي أنزلها الله تعالى على المؤمنين: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (سورة الفتح: 4)، (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (سورة الفتح: 18).
وقال بعض المفسّرين: بأنّ السكينة- وهي الرحمة التي تسكن إليها النفس ويزول معها الخوف- تدلّ في بعض استعمالاتها على الثبات والطمأنينة.
على كلٍّ وصفت الروايات علاقة المؤمن مع أخيه المؤمن بالسكن، وهو تعبير يدلّ على أهمّية التآخي.
ورد عن أبي عبدالله (ع) أنّه قالَ: "إنّ المؤمنَ ليسكنُ إلى المؤمنِ كما يسكنُ الظمآنُ إلى الماءِ الباردِ". فكما أنّ للظمآن اضطراباً في فراق الماء وكمال ميل إلى طلبه وسكوناً واستقراراً عند وجدانه وانتفاعاً به في حياة روحه، كذلك للمؤمن بالنسبة إلى المؤمن، وفيه تشبيه للمعقول بالمحسوس لزيادة الإيضاح.
المصدر
المقال مقتبس مع تعديلات من موقعي:
www.almahajjafes.net/www.balagh.com