الفرق بين المراجعتين لصفحة: «حجية الاستصحاب»

لا يوجد ملخص تحرير
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ١٣١: سطر ١٣١:
<br>'''ومنها:''' عمل الفقهاء باستصحاب الحال في كثير من المسائل، والموجب للعمل هناك موجود في موضع الخلاف، فيثبت العمل به. <ref> انظر : معارج الأصول : 207، معالم الدين : 234.</ref>
<br>'''ومنها:''' عمل الفقهاء باستصحاب الحال في كثير من المسائل، والموجب للعمل هناك موجود في موضع الخلاف، فيثبت العمل به. <ref> انظر : معارج الأصول : 207، معالم الدين : 234.</ref>
ورُدَّ هذا الاستدلال: بأنَّ الاستقراء هنا ناقص ولايمكن أن يفيد الاطمئنان الكامل، كما نوقش في أصل الأمثلة التي ذُكرت على الاستقراء كشواهد<ref> انظر : أنوار الأصول 3 : 287.</ref>، لكنَّه يصلح دليلاً على رأي مَن قال بحجّية مطلق الظن أو حجّية الاستقراء الناقص، كما ذهب إلى ذلك بعض أصوليي السنّة وبخاصة الشافعية منهم.
ورُدَّ هذا الاستدلال: بأنَّ الاستقراء هنا ناقص ولايمكن أن يفيد الاطمئنان الكامل، كما نوقش في أصل الأمثلة التي ذُكرت على الاستقراء كشواهد<ref> انظر : أنوار الأصول 3 : 287.</ref>، لكنَّه يصلح دليلاً على رأي مَن قال بحجّية مطلق الظن أو حجّية الاستقراء الناقص، كما ذهب إلى ذلك بعض أصوليي السنّة وبخاصة الشافعية منهم.
===الدليل الخامس: السيرة العقلائية ([[بناء العقلاء]])===
قرَّره الرازي بقوله: «مَن خرج من داره وترك أولاده فيها على حالة مخصوصة، كان اعتقاده لبقائهم على تلك الحالة التي تركهم عليها راجحا على اعتقاده، لتغيّر تلك الحالة ... ، بل لو تأمَّلنا لقطعنا بأنَّ أكثر مصالح العالم ومعاملات الخلق مبني على القول بالاستصحاب».<ref> المحصول الرازي 2 : 559.</ref>
<br>كما قرَّره الآمدي بقوله: «إنَّ العقلاء وأهل العرف إذا تحقّقوا وجود شيء أو عدمه وله أحكام خاصة به، فإنَّهم يسوّغون القضاء والحكم بها في المستقبل من زمان ذلك الوجود أو العدم، حتَّى أنَّهم يجيزون مراسلة مَن عرفوا وجوده قبل ذلك بمُدَد متطاولة، وإنفاذ الودائع إليه، ويشهدون في الحالة الراهنة بالدَين على مَن أقرَّ به قبل تلك الحالة، ولولا أنَّ الأصل بقاء ما كان على ما كان لما ساغ لهم ذلك».<ref> الإحكام 3 ـ 4 : 367 ـ 368.</ref>
<br>ورُدَّ هذا الدليل: بأنَّ ذلك لم ينشأ من ظنٍّ بالحالة السابقة وبقاء ما كان، بل لاحتمال بقائه وإصابته الغرض، وذلك من قبيل رمي الهدف بقصد الإصابة، فلا يوجد ظنّ بالإصابة، بل احتمال الإصابة، وقد تكون الإصابة أقلّ احتمالاً من عدمها. <ref> الإحكام الآمدي 3 ـ 4 : 369.</ref>
<br>ومن الشيعة مَن تبنَّى هذا الدليل، وعلى رأسهم [[العلاَّمة الحلّي]]<ref> نهاية الوصول 4 : 366.</ref> وتبعه الكثير، وفُسِّر: بأنَّه عبارة عن بناء العرف والعقلاء من ذوي الأديان وغيرهم على الأخذ بالحالة السابقة عند الشكّ في انتقاضها في الأمور الراجعة إلى معاشهم ومعادهم، بل قد يقال: إنَّ عليه بناء ذوي الشعور من كافة أنواع الحيوان من الوحوش والطيور ونحوهما في رجوعها إلى أوكارها ومأواها. <ref> الفصول الغروية : 369، نهاية الأفكار 4 ق1 : 33.</ref> وقد رأى بعض اعتماد نظام العالم وأساس العيش لبني آدم عليه. <ref> انظر : القوانين المحكمة : 280، الفصول الغروية : 369، فرائد الأصول 3 : 95.</ref>
<br>ذلك بمثابة المقدمة الأُولى للاستدلال، والمقدمة الثانية عبارة عن انعدام الردع من قبل الشارع على هذه السيرة، فلابدَّ من تأييده إيَّاها. <ref> انظر : أصول الفقه المظفر 3 ـ 4 : 290 ـ 291.</ref>
<br>رُدَّت المقدمة الأولى بما يلي:
'''أولاً:''' منع بناء العقلاء تعبُّدا، بل إذا كان فهو إمَّا رجاءً أو احتياطا أو اطمئنانا بالبقاء أو ظنّا به أو غفلة، كما هو الحال في سائر الحيوانات دائما، وفي الإنسان أحيانا. <ref> كفاية الأصول : 387.</ref>
'''ثانيا:''' البناء مسلَّم في موضع يحصل لهم الظنّ بالبقاء لأجل الغلبة، واعتمادهم دائما على الغلبة سواء وافقت الحالة السابقة أو لم توافق، فلا علاقة له بالحالة السابقة. <ref> فرائد الأصول 3 : 95.</ref>
'''ثالثا:''' البناء المزبور خاص بموارد [[الشكّ في الرافع]] لا المقتضي، وعملهم هذا ليس لأجل حصول الاطمئنان بالبقاء أو لمحض رجاء البقاء، فإنَّ ذلك غير حاصل مع الشكّ فيه، بل عملهم فيه لجريان فطرتهم على ذلك، وأنَّ بقاء المتيقّن من المرتكزات في أذهان العقلاء، لكن عند الشكّ في الرافع فحسب، أي أنَّ الارتكاز العرفي يصرف البناء إلى حالة الشك في الرافع فقط. <ref> فوائد الأصول 4 : 332.</ref>
<br>وأجيب عن الأوَّل والثاني: بأنَّ المراد من بناء العقلاء ثبوت بنائهم على قاعدةٍ ما، ورغم غفلة بعضهم في العمل وفق هذه القاعدة أحيانا، إلاَّ أنَّ ذلك لايضرُّ في ثبوت البناء مع الالتفات دائما، هذا مع أنَّه لايضرُّ كذلك منشأ وسبب بنائهم على هذه القاعدة، فقد يكون الاطمئنان بالحالة السابقة وقد يكون الغلبة أو أي شيء آخر، ومن غير الضروري أن يكون بناؤهم ناشئا عن التعبُّد من قبل الشارع، فإذا أحرز الإمضاء كفى في إثبات الحجّية.
<br>نعم، قد يضرُّ باستكشاف ثبوت القاعدة لدى الشارع إذا كان منشأ البناء رجاء تحصيل الواقع؛ لأنَّها عندئذٍ لا تعدُّ قاعدة تخصُّ الحالة السابقة، بل هي عمل وفق الرجاء، وكذلك الحال فيما إذا كان منشأ عملهم الاحتياط، فإنَّ الأخير يسقط البناء كقاعدة؛ لأنَّه قد يقتضي البناء على عدم البقاء لا البقاء نفسه، إلاَّ أنَّ هذه الاحتمالات ساقطة واحتمال البناء على الرجاء والاحتياط بعيد جدا، والأقوى كونهم قد بنوا على الحالة السابقة للاطمئنان أو الظن أو التعبُّد. <ref> أصول الفقه المظفر 3 ـ 4 : 292 ـ 293.</ref>
<br>وأجيب عن الثالث: بأنَّه على فرض صحته لاينفي أصل البناء، بل يخصُّه بحالة الشكِّ في الرفع، فالقول به يعني الذهاب إلى التفصيل في حجّية الاستصحاب، كما يقرُّ بذلك مُدّعيه ويعتبره القدر المتيقّن المستفاد من السيرة. <ref> انظر : فوائد الأصول 4 : 333 ـ 334.</ref>
<br>وقد رُدَّت المقدمة الثانية ـ وهي إمضاء الشارع للسيرة ـ بعدم إحراز رضا الشارع وإمضائه لهذا البناء، بل يكفي في الردع ما دلَّ من الكتاب والسنّة على النهي عن اتّباع غير العلم، وكذلك ما دلَّ على البراءة والاحتياط في الشبهات. <ref> كفاية الأصول : 387.</ref>
<br>إلاَّ أنَّ هذا الردَّ بالآيات والروايات، مدفوع بكون المراد منها النهي عن اتّباع غير العلم ـ الذي يراد به إثبات الواقع ـ بينما لايراد من الاستصحاب إثبات الواقع، بل يراد منه تحديد الوظيفة العملية<ref> أصول الفقه المظفر 3 ـ 4 : 294.</ref>، أو يراد من الظنّ هنا الظنون الواهية والخيالية والتخرُّصات الناشئة عن الأهواء النفسية التي لا أساس لها، ويشهد على ذلك ثلاثة أمور:
<br>1 ـ ورودها في المشركين وفي مقام نقد عبادتهم الأصنامَ التي اعتمدت في الأصل الأوهام والخيالات.
<br>2 ـ لو كان المراد منها مطلق الظنِّ للَزِم التخصيص بها لمطلق موارد الظنِّ، مثل العمل بالظواهر وخبر الواحد، مع أنَّ لحنها آبٍ عن هذا التخصيص.
<br>3 ـ الظاهر ورودها في أصول الدين والمسائل الاعتقادية، فلا تشمل الفروع. <ref> أنوار الأصول 3 : 284.</ref>
<br>وبالنسبة إلى أدلَّة البراءة والاحتياط فتعدُّ في عرض أدلَّة الاستصحاب، وموضوع كلٍّ منهما هو الشكُّ فلا تصلح للردع، بل [[أدلَّة الاستصحاب]] تقدَّم على [[أدلَّة الاحتياط]] والبراءة؛ لما فيها من جانب الكشف والإحراز. <ref> أصول الفقه المظفر 3 ـ 4 : 294.</ref>


=المصادر=
=المصادر=


[[تصنيف: الاستصحاب]][[تصنيف: اصطلاحات الأصول]]
[[تصنيف: الاستصحاب]][[تصنيف: اصطلاحات الأصول]]
confirmed
١٬٦٣٠

تعديل