الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الوحدة الحقيقية»

أُضيف ١١٬٩٥٧ بايت ،  ٦ نوفمبر ٢٠٢٢
لا يوجد ملخص تحرير
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ١١٠: سطر ١١٠:
<br>هذا مع أن الطبري لم يوثق ما رواه بل ذكر اسم الراوي لتعرفه الناس فتصدق روايته إنّ  كان صدوقاً، وتردها إنّ كان معروفاً بالكذب واتباع الهوى. وموقعة الجمل قد رواها الطبري عن سيف بن عمر!
<br>هذا مع أن الطبري لم يوثق ما رواه بل ذكر اسم الراوي لتعرفه الناس فتصدق روايته إنّ  كان صدوقاً، وتردها إنّ كان معروفاً بالكذب واتباع الهوى. وموقعة الجمل قد رواها الطبري عن سيف بن عمر!
<br>وقال [[ابن خلدون]] أيضاً بعد أن فرغ من الكلام في أمر الخلافة وأخبارها: هذا آخر الكلام في الخلافة الإسلاميّة  وما كان فيها من الردة والتفوحات والحروب ثم الاتفاق والجماعة، أوردتها ملخصة عن عيونها ومجامعها من كتاب محمّد بن جرير الطبري فإنه أوثق ما رأيناه في ذلك، وأبعد عن المطاعن والشبه في كبار الأمة من خيارها وعدولها من الصحابة والتابعين، فكيراً ما يوجد في كلام المؤرخين أخبار فيها مطاعن وشبه في حقهم أكثرها من أهل الأهواء، فلا ينبغي أن تسود بها الصحف.<ref>(المصدر نفسه: 650).</ref>  
<br>وقال [[ابن خلدون]] أيضاً بعد أن فرغ من الكلام في أمر الخلافة وأخبارها: هذا آخر الكلام في الخلافة الإسلاميّة  وما كان فيها من الردة والتفوحات والحروب ثم الاتفاق والجماعة، أوردتها ملخصة عن عيونها ومجامعها من كتاب محمّد بن جرير الطبري فإنه أوثق ما رأيناه في ذلك، وأبعد عن المطاعن والشبه في كبار الأمة من خيارها وعدولها من الصحابة والتابعين، فكيراً ما يوجد في كلام المؤرخين أخبار فيها مطاعن وشبه في حقهم أكثرها من أهل الأهواء، فلا ينبغي أن تسود بها الصحف.<ref>(المصدر نفسه: 650).</ref>  
==هناك إشارات يجب أن يلفت النظر إليها وهي:==
1 ـ ما هو الميزان الذي يعرف به صدق الأخبار وكذبها؟
<br>أيعرف ذلك من مساندتها للوضع السياسي في مرحلة من المراحل وموافقتها لأهواء العامة ورغباتها ؟ أم الصحيح أن يعرف صدقها أو كذبها من خلال معرفة أحوال الرواة أنفسهم، ومطابقتها لحقيقة أحوال الناس من صحابة وغيرهم؟
<br>2 ـ أيهما أكثر شناعة: الخبر الذي يفيد بأن صحابياً ما كان مائلاً إلى الدنيا، ولم يتوخ العدل في حكمه، أم الخبر الذي يصف الصحابي بأنه كان من أتباع اليهود والنصارى؟
<br>إنّ  الأخبار التي أعرض عن ذكرها هؤلاء المؤرخون وعدوها من أخبار أهل الأهواء الّذين يأتون بالكلام الشنيع إنّما  كانت تضع الحق مع أبي ذر الغفاري وتصف خصومه السياسيين بالميل إلى الدنيا وعدم توخي العدل في الحكم.
<br>أما الأخبار التي رواها الطبري وعنه ابن الأثير وابن خلدون فقد دافعت حقاً عن خصوم أبي ذر ولكنها وصفت أبا ذر بكل صراحة، ومن بعده عمار بن ياسر، بأنهما كانا أول المخدوعين باليهودي الزنديق عبدالله بن سبأ والمتأثرين بأفكاره والمندفعين وراءها في الفتنة!
<br>فأي الخبرين أكثر طعناً على كبار الصحابة لو كان هذا هو الميزان المتبع في قبول الأخبار وردها؟
==بين التاريخ والسنة الشريفة==
الأنصار رفعت السنة الشريفة منزلتهم، فقال فيهم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ «الأنصار لايحبهم إلاّ مؤمن، ولا يبغضهم إلاّ منافق» <ref>(صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب 34: 3572).</ref>
<br>وقال فيهم «آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار»<ref>(المصدر نفسه، باب 34:3573).</ref>
<br>وأخبرت السنة الشريفة أن بغض الأنصار سيظهر عند قوم عن قريب، وهؤلاء القوم غلبة، فسوف يستأثرون على الأنصار ويحبسون عنهم حقوقهم ويصرفونهم عن مكانتهم، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ للأنصار: «ستلقون بعدي إثرة، فأصبروا حتّى تلقوني على الحوض»<ref>المصدر نفسه  ، باب 38: 3581 – 3583.</ref>
<br>فملا ظهر هؤلاء القوم وتغلبوا على الأمور وأبعدوا الأنصار واستأثروا عليهم، جاء التاريخ فاستأثر على الأنصار وحالف خصومهم، ناسياً أن حب الأنصار آية الإيمان، وبغضهم آية النفاق! وهكذا كان مع أبي ذر!
<br>وقفت السنة الشريفة إلى جنبه، فقال ـ صلى الله عليه وآله ـ: «ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر» <ref>سنن الترمذي 5: 3801، 3802، سنن ابن ماجه 1: 156.</ref>  لكن حين كذبه الحاكمون كذبه التاريخ، وحالف خصومه يصنع لهم الأعذار ولو على ألسن الكذابين.
<br>وعمار حين أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه <ref>صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب 20.</ref> ، وجعله النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ آية للفرقة المحقة إذا افترق الناس؛ جاء خصومه فاتهموه باتباع الشيطان وركوب الفتنة، فجاء التاريخ يصدق خصومه ويكذب فيه السنة الشريفة.
<br>ولما كان علي هو العنوان المستهدف من قبل خصومه المتغلبين، كان هو وفئته عرضه لجور التاريخ على الدوام، فقد حالف التاريخ خصومه على الدوام يلم لهم الأعذار من هنا وهناك، ناسياً أن السنة الشريفة قد ثبتت أحكامها، بأن حب علي فرقان بين الإيمان والنفاق، ومعاداة علي معاداة لله ورسوله، وحرب علي حرب لله ورسوله!
<br>فقد عهد النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ لعلي عهداً: «لا يحبك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافق»<ref> صحيح مسلم 2: 131 كتاب الإيمان، سنن الترمذي 5: 3736، سنن ابن ماجه 1: 42/114</ref>
<br>وقال فيه: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» <ref> مسند أحمد 1: 119، 152 و 4: 281، 370، 372، سنن ابن ماجه 1: 43 /116</ref>
<br>وقال فيه وفي أهل بيته: «انا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم»<ref> المصدر نفسه  2: 442،  سنن الترمذي 5: 699 / 3870 سنن  ابن ماجه 1: 52 /145</ref>
<br>وهكذا رسمت السنة مساراً، وسلك التاريخ مساراً آخر!
<br>فما لنا لا ننظر إلى السنة الثابتة في محاكمة التاريخ؟
<br>وإذا كان التاريخ قد كتب في أجواء صعبة أرغمته على متابعة المتغلب دائماً، والإعراض عن أخبار الثقات من خصومه، بل حتّى عن السنة الثابتة التي قد تكون سياسة المتغلب أحياناً حرباً صريحةً عليها؛ إذا كانت تلك هي ظروف التدوين، فما لنا نحن الّذين أتينا من بعد لا نتنبه لذلك ؟
<br>مالنا لا نتنبه لأسرار هذه السنة الشريفة التي امتدت إلى المستقبل لتكشف آفاقه؟
<br>فلماذا كان الأنصار مخصوصين بهذه العناية؟
<br>ولماذا كان أبو ذر وحده أصدق لهجة من كلّ من أقلت الغبراء وأظلت الخضراء ؟
<br>ولماذا كان [[عمار بن ياسر|عمار]] وحده مجاراً من [[الشيطان]]، وآية لـ [[أهل الحق]]؟
<br>ولماذا كان علي فرقناً بين الإيمان والنفاق، ومن حاربه فقد حارب الله ورسوله؟
<br>ألا نفهم من ذلك أن السنة قد جاءت لتهدينا إلى الحق الذي يجب محالفته ونكون معه حين يفترق الناس وتظهر النزاعات؟
<br>لقد قالت [[السنة]] بلسان صريح:
<br>إذا رأيتم من يكذب أباذر فاعلموا أنّه  هو الكاذب أياً كان، فليس على هذه الأرض أحد أصدق لهجةً من أبي ذر!
<br>وإذا رأيتم من يستأثر على الأنصار ويبعدهم، فأعلموا أن تلك واحدة من علامات النفاق!
<br>وإذا رأيتم من يتهم عماراً مبادراً إلى الفتنة وغواية الشيطان، فأعلموا أن أولئك هم حزب الشيطان، لأن عماراً قد أجاره الله من الشيطان وأنه على الحق أبداً لا يفارقه !
<br>وإذا رأيتم من عادى علياً وحاربه فأعلموا أنّه  إنّما  يحارب الله ورسوله!
<br>أليست تلك هي نداءات [[السنة]]؟!
<br>إذن فالسنة قد أدانت التاريخ مرات ومرات.
<br>ولقد أدرك الكثيرون حقيقة أن معظم المؤرخين الّذين صاغوا هذا التاريخ هم من الموالين للسلطات سياسياً في عهود تأجج فيها النزاع السياسي وازدادت حدته حتّى امتد إلى كلّ ميادين الحياة، فكان اقل ما يفعله المؤرخون هو تبرير أعمال الخلفاء والأمراء والكف عن ذكر ما يزعجهم وإن كان هو الحق.
<br>كما أن معظم المؤرخين كانوا أيضاً موالين للسلطات مذهبياً في عهود كان فيها النزاع المذهبي على أشده فكان كلّ فريق لا يروي عن مخالفيه إلاّ ما يشينهم، وقد لا يروي عنهم إلاّ الكذب والبهتان.
==مصادر تاريخية مضادة==
ظهر في مقابل المصادر المتقدمة مصادر أخرى مالت عن الحق ولكن في الاتجاه المعاكس وكأنها ردة فعل ومثال هذا النوع من الكتب: كتاب أبي القاسم علي بن احمد الكوفي الذي عرفه النجاشي. باسم (كتاب البدع المحدثة) ورأيته مطبوعاً باسم (كتاب الاستغاثة).
<br>وقد قال النجاشي في هذا المؤرخ وفي سائر كتبه ما نصه: «أبو القاسم الكوفي رجل من أهل الكوفة كان يقول إنه من آل أبي طالب، وغلا في آخر أمره وفسد مذهبه، وصنف كتباً كثيرةً أكثرها على الفساد».
<br>ثم ذكر منها كتاب البدع المحدثة، وكتاب تناقض أحكام المذاهب الفاسدة، ووصفه النجاشي بأنه تخليط كله <ref> رجال النجاشي: 260 ـ 266</ref>
<br>وقال فيه ابن الغضائري: «أبو القاسم الكوفي المدعي العلوية كذاب غال صاحب بدعة ومقالة، رأيت له كتباً كثيرة خبيثة»<ref>)الرجال، لابن داود: 259 ـ 260، وانظر أيضاً: معجم رجال الحديث 11: 246، 247/7876</ref>
<br>فكتاب كهذا لا يعد في تراث المسلمين أصلاً، وإنّما هو من تراث الغلاوة، وعده في تراث الشيعة خطأ كبير وجناية مضاعفة.
==النتيجة من كلّ ما تقدم==
نخلص إلى حقيقةٍ لا شك فيها، وهي: أن معلوماتنا عن التاريخ بحاجة إلى مراجعة جادة، ودراسة في ضوء رؤية شمولية للتاريخ الإسلامي؛ رؤية تحيط بجوهر رسالة الإسلام. رؤية تكون فيها [[الشريعة الإسلامية]]  بمصدريها الأساسين ([[الکتاب|القرآن]] و [[السنة]]) هي المعيار الذي تقوم على أساسه الأطراف والمنازعات والفئات المختلفة.
<br>وبدون ذلك لا نستطيع أن نتقدم خطوة واحدة نحو الفهم الصحيح لحقائق تاريخنا ومعرفة الصدق والكذب والحق والباطل فيه.
<br>وبدون ذلك لا نستطيع أن نتقدم خطوة واحدة نحو التقريب، إلاّ أن يكون تقريباً وهمياً يتداعى أمام ادنى إثارة !! وإني لأخشى أن تكون إثارتي هذه وحدها كافية لتداعيه!
<br>إنّ  الدهشة لتأخذني حقاً حين ينشد التقريب من بين كتابين حشي أحدهما بأخبار [[الناصبي|النواصب]]، وامتلأ الآخر بأخبار [[الغلاة]] ! وأكثر من هذا ينتابني حين ألمس تردداً في قبول ضرورة تصحيح تراثنا الإسلامي العزيز وتنقيته مما تراكم فيه من [[الخبر|الأخبار والآثار]]!


=المصادر=
=المصادر=


[[تصنيف: الوحدة الإسلامية]]
[[تصنيف: الوحدة الإسلامية]]
confirmed
١٬٦٣٠

تعديل