التعارض

مراجعة ١٤:٢١، ٢٢ يونيو ٢٠٢١ بواسطة Abolhoseini (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''التعارض:''' اصطلاح أصولي بمعني تنافي الدليلين في مقام الجعل والتشريع بخلاف التزاحم فإنّه...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

التعارض: اصطلاح أصولي بمعني تنافي الدليلين في مقام الجعل والتشريع بخلاف التزاحم فإنّه التنافي فيه في مقام الامتثال؛ أو هو تنافي الدليلين بحسب الدلالة ومقام الإثبات على وجه التناقض أو التضاد حقيقة أو عرضا. ولا يخفی أنّ التعارض لا يتحقّق إلاّ بعد اتّحاد موضوع الدليلين وإلاّ لم يمتنع اجتماعهما، كما أنّه لا تعارض بين الأصول العملية و الأدلّة الاجتهادية؛ لأنّ موضوع كلٍّ منهما شيء غير موضوع الآخر، فموضوع الأصول الشيء بوصف أنّه مجهول الحكم، بينما موضوع الدليل الاجتهادي نفس الشيء من دون ملاحظة ثبوت حكم مسبق له، فضلاً عن الجهل بحكمه.

تعريف التعارض لغةً

... وعرضتُ الشيء عرضا، من باب ضرب فأعرض هو بالألف، أي أظهرته وأبرزتُه فظهر هو وبرز... ، وعرض له أمر إذا ظهر[١]... عارضتُ الشيء بالشيء: قابلته به[٢]. عرض له أمر كذا يعرض، أي ظهر، وعرضتُ عليه أمر كذا، وعرضتُ له الشيء، أي أظهرته له وأبرزته إليه[٣].

تعريف التعارض اصطلاحاً

وردت عدّة تعريفات للتعارض عن الأصوليين: منها: اقتضاء كلٍّ من دليلين عدم مقتضى الآخر[٤]. منها: تقابل الدليلين على سبيل الممانعة[٥]. منها: تنافي الدليلين وتمانعهما؛ باعتبار مدلولهما[٦]. وهو منسوب إلى مشهور أصوليي الشيعة[٧]. وفي شرح هذا التعريف يقال: لا يتحقّق التعارض إلاّ بعد اتّحاد موضوع الدليلين وإلاّ لم يمتنع اجتماعهما، كما أنّه لا تعارض بين الأصول والأدلّة الاجتهادية؛ لأنّ موضوع كلٍّ منهما شيء غير موضوع الآخر، فموضوع الأصول الشيء بوصف أنّه مجهول الحكم، بينما موضوع الدليل الاجتهادي نفس الشيء من دون ملاحظة ثبوت حكم مسبق له، فضلاً عن الجهل بحكمه[٨]. وأضاف البعض إلى التعريف (في عالم الجعل والتشريع) ليخرج تعارض البينتين في الموضوعات، فإنّ التنافي بينهما ليس في عالم الجعل والتشريع، بل الخارج إلاّ أن يراد من البحث ما يشمل هكذا تعارض فعندئذٍ يوجب إضافة «التكوين» لتصحيح التعريف[٩]. وأضاف بعض آخر عبارة: «على وجه التناقض أو التضادّ»[١٠]. منها: هو تنافي الدليلين أو الأدلّة بحسب الدلالة ومقام الإثبات على وجه التناقض أو التضادّ حقيقة أو عرضا[١١]. وهو للمحقّق الخراساني، حيث عدل عن تخصيص التعارض بين المداليل إلى الدلالة للإشارة إلى أنّه إذا كان بين الدليلين المتنافيين حكومة أو ورود أو توفيق عرفي أو تخصيص أو تقييد فالدليلان خارجان عن التعارض موضوعا؛ لعدم تنافيهما بحسب الدلالة ومقام الإثبات، بينما يكونان داخلان في التعريف إذا كان المراد من التعارض في المدلول لا الدلالة[١٢]. وبرّر الشيخ المظفر هذا العدول بأنَّ المدلولين يوصفان بأنّهما متنافيان لا متعارضان، وإنّما التعارض وصف للدليلين بما هما دليلان على أمرين متنافيين لا يجتمعان[١٣]. منها: تنافي الدليلين أو الأدلّة، بحيث لا يمكن الجمع بينهما[١٤]. وأراد صاحب هذا التعريف الجمع بين من قال بأنّ التعارض بين الأدلّة بلحاظ مداليلها والذي قال بأنّه بين الأدلّة بلحاظ الدلالات. منها: هو التنافي بين المدلولين ذاتا بلحاظ مرحلة فعلية المجعول. وهو للشهيد الصدر، وأراد من التقييد بالمدلولين دون الدليلين هو كون الدليل متكفّلاً للجعل لا لفعلية المجعول، والتنافي في هذه المرحلة يعني عدم اجتماع المدلولين في عالم الفعلية معا ولو باعتبار التنافي بين موضوعيهما. وقيّد التنافي بالذاتي لإخراج التنافي المصطنع بينهما الناشئ من تقييد موضوع خطاب بعدم خطاب آخر، دون أن يكون ذلك على أساس التنافي الذاتي بين حكميهما مسبقا، كما أنّ تعريفه ـ خلافا لتعريف أكثر متأخّري الأصوليين ـ عام وشامل لحالة التعارض غير المستقر (أي القابل للجمع العرفي) كذلك، بحيث يشمل الورود الذي أخرجه الأصوليون عن موضوع بحث التعارض[١٥]. منها: هو أن يقتضي أحد الدليلين حكما في واقعة خلاف ما يقتضيه الدليل الآخر فيها[١٦]. وعلى أيّ حال، فإنّ استخدام الأصوليين لمفردة التعارض يبدو منه إرادة معنيين، أحدهما: شامل لجميع أنواع التعارض، مستقرّا وغير مستقرّ، والآخر خاصّ بما إذا كان مستقرّا. فالقدماء والمتقدّمون من أصوليي الشيعة[١٧] وكذا مجمل أصوليي أهل السنّة[١٨] استخدموا هذا الاصطلاح بمعناه العام، وقد يكون ذلك باعتبار عدم بحث الجمع العرفي بنحو تخصّصي وعدم وضع اصطلاحات خاصّة بها، بينما حدّد متأخّرو أصوليي الشيعة هذا الاصطلاح بالتعارض المستقرّ غير الشامل لموارد الجمع العرفي[١٩]. وبرغم النقاش الوارد في دخول وعدم دخول موارد الجمع العرفي في التعارض المصطلح، فإنّ جلّ المتأخّرين أدرجوا بحوثه تحت موضوع التعارض، أو تحت عنوان (التعادل والتراجيح[٢٠]) أمّا الغزالي فأدرجه تحت عنوان (ترتيب الأدلّة)[٢١].

إمكانية حصول التعارض

ذكر البعض ثلاثة آراء في إمكانية حصول التعارض في أدلّة الأحكام الشرعية: الأوّل: لا يوجد تعارض بين الأدلّة الشرعيه أو العقلية، القطعية أو الظنية في الواقع ونفس الأمر، وما يبدو من وجود تعارض فهو في نظر المجتهد لا أكثر. نسب هذا إلى جمهور الأصوليين من الشيعة والسنّة. استدلّ على هذا الرأي بوجوه عقلية من قبيل لزوم التناقض ونسبة النقص والعجز عن إنزال الشارع ما لا تعارض فيه، وكذا أدلّة نقلية مثل: «أفَلا يتدبّرون القرآن»[٢٢]. الثاني: إمكانية التعارض مطلقا، سواء كانت الأدلّة عقلية أو نقلية، قطعية أو ظنّية، وهو مذهب جمهور المصوّبة وبعض فقهاء الشافعية وغيرهم. واستدلّوا عليه بوجوه عقليه ونقلية. منها: عدم وجود وجه نقلي أو عقلي يدلّ على منع التعارض. منها: إنّ الاجتهاد الذي جوّزه الرسول يقتضي بطبيعته الاختلاف في الاُمور الاجتهادية. منها: وجود آيات متشابهات من قبيل: «يدُ اللهِ فَوقَ أيديهم»[٢٣] تؤدّي إلى الاختلاف في الفهم. الثالث: إمكانية التعارض في الأمارات وعدم إمكانيته في الأدلّة القطعيه. نسبه الأسنوي إلى الجمهور[٢٤]. وطريقة استدلال أصحاب هذا الرأي هو حملهم الأدلّة التي أوردها المانعون عن التعارض على الأدلّة القطعية، وحملهم الأدلّة التي أوردها المجوّزون للتعارض على الأمارات والأدلّة الظنّية[٢٥]. شكّك البعض في نسبة القول الأوّل إلى المشهور؛ وذلك لأسباب من قبيل: وجود إجماع منقول يقابل هذا القول نقله أبو بكر الباقلاني والكيا الهرسي وابن السمعاني، وأسباب اُخرى[٢٦]. كما حملت أقوال العلماء القائلين بإمكانية التعارض على محامل اُخرى من قبيل: كون التعارض ظاهريا، أي في نظر المجتهد فقط وليس في الواقع؛ وذلك لأنّ التعارض منفيٌّ حتّى في القرآن، كقوله تعالى: «أفلا يَتَدَبَّروُن القرآنَ ولو كان من عندِ غيرِ الله لَوَجَدُوا فيه اختلافاً كثيراً»[٢٧]. باعتبار أنّ مفهوم الآية كون القرآن من عند اللّه فلا اختلاف فيه إذن[٢٨].

أسباب حصول التعارض

همّ البعض بذكر أسباب حصول ظاهرة التعارض بين الأدلّة الشرعية، فورد عنهم ما يلي من أسباب: 1 ـ مستوى إدراك المجتهد لمضامين ومداليل الأدلّة الشرعية؛ باعتبار استحالة صدور التناقض عن الشريعة وصاحبها. وهذا الأمر يشكّل مبرّرا لكمية كبيرة من التعارضات الظاهرة في الشريعة، وقد أسماه الشهيد الصدر بالتعارض الذاتي، في قبال التعارض الموضوعي الثابت في واقع الأمر[٢٩]، وأسماه بعض آخر بالتعارض الظاهري أو فيما يظهر للمجتهد[٣٠]. وسعى بعض لتحليل هذه الظاهرة فأرجعها الشاطبي إلى عدم عصمة المجتهد[٣١]، وأرجعها آخر إلى أمور، أحدها: القصور في العلم، وثانيها: القصور في الفهم، وثالثها: القصور في التدبُّر[٣٢]. 2 ـ النسخ، فإنّ النسخ وقع في صدر الاسلام، وأثبته أكثر العلماء، سواء في القرآن أو في السنّة، فالنصّ اللاحق قد يناقض السابق، وذلك لكون اللاحق ناسخا للسابق. هذا إن أخذنا النسخ بمعنى رفع الحكم بعد تشريعه، أمّا إن أخذناه بمعنى التخصيص، فهو داخل في باب التعارض غير المستقرّ. 3 ـ ضياع القرائن، فإنّ هناك الكثير من القرائن التي تحفّ بالنصّ الشرعي أو سياقه الذي ورد فيه، حذفت لأسباب من قبيل: تقطيع النصّ أو الغفلة عند نقله. 4 ـ تصرّف الرواة والنقل بالمعنى، وهذا ما يصدر عن الرواة أحيانا، فلم يحافظوا على النصّ كما سمعوه أو وصل إليهم، بل ينقلونه بالمعنى أو يوردون توضيحه أو يزيدون عليه إيضاحا وتفسيرا، وبذلك تردنا نصوص متناقضة برغم كونها ليست كذلك في الحقيقة. 5 ـ التدرُّج في البيان، فإنّه درج عن أهل البيت تدرُّجهم في بيان التشريعات وعدم الإقدام على سرد التشريع بتفاصيله في مجلس واحد، فنجدهم أحيانا يؤجّلون التفاصيل إلى مجالس اُخرى؛ وذلك قد يكون بسبب عدم استيعاب المتشرعة للتفاصيل دفعة واحدة في ظلّ الظروف السياسية والإمكانات المحدودة التي يستعصي معها التعليم والتعلُّم، وقد يكون بسبب تطبيق فكرة التدرُّج في مجال التربية والتثقيف التي كان يعملها المعصومون عليهم‏السلام، كما كان يفعل ذلك الرسول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله. 6 ـ التقية، فإنّ أكثر أئمة أهل البيت عاشوا جلّ حياتهم ظروفا عصيبة فرضت عليهم التقية في القول والفعل، فكانت تصدر منهم ما يموّه على الجهات الضاغطة دفعا لضرر المضايقات والإيذاء. 7 ـ ملاحظة ظروف الراوي، فإنّ المعصوم قد يلاحظ حالة خاصّة للسائل يتغيّر وفقها الحكم الشرعي، لكنّ الراوي ينقل الرواية كقضية حقيقة شاملة لجميع الموارد، ما يجعل تعارضا مع روايات صدرت عن المعصوم بيَّن فيها الحكم الشرعي بنحو القضية الحقيقية دون لحاظ ظروف خاصّة للسائل. 8 ـ الدسّ والتزوير، فقد كان أشخاص ومجاميع غير قليلة تهتمُّ بالتزوير والدسّ في الروايات؛ وذلك لأهداف عديدة منها: تبرير مذاهبهم[٣٣]. وفي هذا المجال كتب علماء مجلّدات غير قليلة حدّدوا فيها الموضوع من الحديث، منها: (الموضوعات) لابن القيم الجوزية، و (اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة) للسيوطي. وقد أكّد البعض على اختلاف الرواة في النقل والنسخ في النصوص الدينية والاختلاف في القراءات القرآنية كأسباب موجبة للتعارض[٣٤].

متعلّق التعارض

يحصل التعارض بين الدليلين المعتبرين من حيث الدلالة أو السند أو جهة الصدور، فيقع بين الآيتين والخبرين القطعيين من حيث السند، والظنّيين من حيث السند أو الدلالة، والأمارتين من الأمارات المعتبرة على اختلافها، والمختلفتين من حيث السند والدلالة، والأصلين اللفظيين أو العمليين[٣٥]. وإذا كان أحدهما قطعيا من جميع الجهات والآخر ظنّيا من بعض الجهات فلا إشكال في تقديم الأوّل على الثاني، ولا معنى لتعارضهما، فإنّ شرط تحقّق التعارض كون الدليلين في قوّة واحدة[٣٦]. وينقل عن البعض منعه التعارض بين الظنّيين؛ لأنّا إذا خيّرنا بين الفعل والترك فقد سوّغنا له الترك، فيكون ذلك ترجيحا لدليل الإباحة، وهو باطل. لكن ردّ بأنّ التخيير ليس إباحة؛ لأنّه يجوز أن يقال له: إن أخذت بدليل الإباحة فقد أبحتُ لك، وإن أخذت بدليل الحظر فقد حرمتُه عليك[٣٧]. ولا يتصوّر التعارض بين قطعيين من جميع الجهات، ونقل الإجماع عليه[٣٨]، وبرّر ذلك بأنّه ينافي العلم بكذب أحدهما[٣٩]. أو أنّ تعارضهما يستلزم اجتماع النقيضين[٤٠]. أو من باب أنّه ليس بعض العلوم أقوى وأغلب من بعض[٤١]، وتبريرات اُخرى[٤٢]. لكن يجوز أن يتعارضا فيما إذا كان التعارض صوريا غير مستقرّ ناشئا عن فهم المجتهد الذي هو عرضة للخطأ، فيجمع بينهما بحمل أحدهما على كونه ناسخا مثلاً[٤٣]. ولذلك يرى البعض أنّ قصر التعارض على الأدلّة الظنية تحكُّم؛ لأنّ التعارض في الظاهر فقط وليس في الواقع، وكما يصحّ أن يطرأ على الأدلّة الظنّية يصحّ أن يطرأ على الأدلّة القطعية[٤٤]. ومن جانب آخر فإنّ الملحوظ لدى بعض الشيعة، باعتبار عدم اعتدادهم بالأدلّة الظنّية إلاّ الأخبار منها، حصروا بحث التعارض، وفي النتيجة التراجيح بالأخبار فقط[٤٥]، وهو ما صرّح به بعضهم[٤٦]. هذا مضافا إلى وجهة نظر الأخباريين منهم في الاعتماد شبه الكلّيّ على الأخبار. كما أنّ هناك موارد يمكن إخراجها من التعارض باعتبار الرأي البنائي الذي التزمته بعض المذاهب الفقهية، وقد ذكر البعض الموارد التالية كمثال على ذلك: 1 ـ خبر الواحد مع القياس عند النافين لحجّية القياس. 2 ـ الخبر المسند مع الخبر المرسل عند النافين لحجّية الخبر المرسل. 3 ـ تعارض القياس مع الاستصحاب الذي ينفيه الحنفية. 4 ـ تعارض خبر الواحد أو المشهور أو المتواتر مع المصالح المرسلة عند الجمهور، خلافا للمالكية. 5 ـ تعارض خبر الواحد مع إجماع أهل المدينة عند الجمهور، خلافا للمالكية[٤٧].

شروط التعارض

تناول البعض ذكر شروط التعارض، وباعتبار عدم التفريق في أصول أهل السنّة بين النوعين الأساسيين من التعارض (أي المستقرّ وغير المستقرّ) نرى الشروط التي ذكروها هنا شاملة لكلا النوعين، بينما من تعرّض من متأخّري الشيعة لشروط التعارض فرّق بينهما، وذكر لكلٍّ منهما شروطا خاصّة.

شروط التعارض في مصادر أهل السنّة

وردت عن الزركشي ما يأتي من شروط: 1 ـ التساوي في الثبوت، فلا تعارض بين الكتاب وخبر الواحد إلاّ من حيث الدلالة. 2 ـ التساوي في القوّة، فلا تعارض بين المتواتر والآحاد، بل يقدّم المتواتر على الآحاد، لكن نقل الخلاف في ذلك، ورأي البعض ثبوت التعارض والتساقط هنا. 3 ـ اتّفاقهما في الحكم مع اتّحاد الوقت والمحلّ والجهة، فلا امتناع بين الحلّ والحرمة والنفي والإثبات في زمانين في محلّ أو محلّين وزمانين و بجهتين، كالنهي عن البيع في وقت النداء والجواز في غيره[٤٨]. وذكر البعض الآخر الموارد التالية شروطا للتعارض: 1 ـ كون المتعارضين كليهما حجّة. 2 ـ كون التنافي بينهما على وجه التناقض. والقائلون بهذا الشرط رتّبوا عليه شروطا اُخرى، ذات صلة بالتناقض، هي: أ ـ توافر شروط التناقض لحصول التعارض بينهما. ب ـ عدم إمكان الجمع بين المتعارضين باعتبار التناقض بينهما. وهذا الشرط كسابقه موضع اختلاف الأصوليين، فانقسموا بين مثبت له وبين نافٍ له؛ باعتبار اختلافهم في المراد من التعارض الأصولي ما إذا كان التنافي الظاهري أو التناقض الحقيقي. 3 ـ التساوي بين المتعارضين من حيث القوّة والضعف. 4 ـ عدم إمكان الجمع بينهما. 5 ـ كون التعارض بينهما بنحو يمكن أن يكون أحدهما ناسخا للآخر، إذا علم تاريخه وتأخّره عن الآخر. وهذا الشرط اشترطه السرخسي لإخراج القياسين وأقوال الصحابة عن حالة التعارض، فلا يمكن للقياسين أن يتعارضا؛ لعدم إمكان نسخ أحدهما الآخر، كما لا يمكن لأقوال الصحابة أن تتعارض فيما بينها باعتبارها تمثّل آراء شخصية لا آثارا عن المعصوم. 6 ـ عدم كون المتعارضين قطعيين. وهو شرط منسوب إلى جمهور الشافعيه وجميع المانعين عن التعارض بين الأدلّة القطعية[٤٩]. ولم يتّضح فيها بدقّة الإشارة إلى نوعية التعارض ما إذا كان مستقرّا أو غير مستقرّ، ويبدو من بعضها الشمول لكليهما، من قبيل الشرط الأخير.

شروط التعارض المستقرّ

ذكر الشيخ المظفر الشروط التالية للتعارض المستقرّ: 1 ـ ألاّ يكون أحد الدليلين أو كلٌّ منهما قطعيا؛ لأنّه لو كان أحدهما قطعيا، فإنّه يعلم منه كذب الآخر، والمعلوم كذبه لا يعارض غيره. وأمّا القطع بالمتنافيين بأن كان كلاهما قطعيين، ففي نفسه أمر مستحيل لا يقع. 2 ـ ألاّ يكون الظنّ الفعلي معتبرا في حجّية كلٍّ منهما معا؛ لاستحالة حصول الظنّ الفعلي بالمتكاذبين كاستحالة القطع بهما. نعم، يجوز أن يعتبر في أحدهما المعين الظنّ الفعلي دون الآخر. 3 ـ أن يتنافى مدلولاهما ولو عرضا وفي بعض النواحي ليحصل التكاذب بينهما، سواء كان التنافي في مدلولهما المطابقي أو التضمّني أو الالتزامي. والضابط هنا هو تكاذب الدليلين على وجه يمتنع اجتماع صدق أحدهما مع صدق الآخر. 4 ـ أن يكون كلٌّ من الدليلين واجدا لشرائط الحجّية؛ باعتبار أنّه لو كان أحدهما فاقدا لشرائط الحجّية كان غير صالح لئن يكذّب منافيه، فلا تعارض بين الحجّة واللا حجّة، كما لا تعارض بين اللا حجّتين. 5 ـ ألاّ يكون الدليلان متزاحمين؛ لأنّ التنافي في المتزاحمين من باب الامتثال لا التشريع. 6 ـ ألاّ يكون أحد الدليلين حاكما على الآخر. 7 ـ ألاّ يكون أحد الدليلين واردا على الآخر[٥٠]. وقد أضاف السيد اليزدي شروط تحقّق التناقض التي ذكرها المناطقة، وهي: اتّحاد الموضوع، واتّحاد المحمول، واتّحاد الجهة، واتّحاد الزمان، واتّحاهما في القوّة والفعل، واتّحادهما في الكلية والجزئية، واتّحاد الشرط فيهما، واتّحاد الاضافة فيهما، ووحدة الحمل أوليا أو شائعا صناعيا. واعتبر شمول التعارض للتضاد من باب أنّه يؤول إلى التناقض وإلاّ فهو غير مشمول بحدّ ذاته[٥١].

شروط التعارض غير المستقرّ

ذكر الشهيد الصدر الموارد التالية كشروط للتعارض غير المستقرّ، وهي في الحقيقة شروط للجمع العرفي كذلك: 1 ـ أن يكون المتكلّم بكلا الكلامين واحدا أو بحكم الواحد، لكي يتسنّى اعتبار أحدهما قرينة على الآخر، والمراد بحكم الواحد هو مثل أئمة أهل البيت عليهم‏السلام الذين يعتبرون بمثابة جهة واحدة ممثّلة للشريعة. 2 ـ ألا يكون هناك علم إجمالي بعدم صدور أحد الخطابين من الشارع، فإنّ ذلك يعني كذب أحد الخطابين وعدم صدوره من الشارع، والتعارض هنا يكون بين نفس الخطابين وإن لم يكن هناك تنافٍ بين مدلوليهما. 3 ـ أن يبقى مجال للتعبُّد بمقدار من دلالة ذي القرينة، وأمّا إذا اقتضى الجمع العرفي إلغاء التعبُّد بدلالته رأسا فلا مجال حينئذٍ لإعمال الجمع العرفي، كما لو فرض اقتضاء حمل أحد المتعارضين على كونه إخبارا عن واقعة خارجية لا إنشاء مولويا، عندئذٍ لا يبقى مجال للتعبُّد بدلالة ذي القرينة؛ لأنّها لا تنتهي إلى أثر عملي. والوجه في هذا الشرط هو أنّه مع عدم إمكان التعبُّد بدلالة ذي القرينة يكون التعارض بحسب الحقيقة بين القرينة ودليل التعبُّد بسند ذي القرينة. 4 ـ أن يكون التعارض غير المستقرّ بين الدليلين ذاتيا قائما على أساس التناقض أو التضاد، وأمّا إذا كان التعارض عرضيا وقائما على أساس العلم الاجمالي بمخالفة مدلول أحدهما للواقع، فسوف يقدّم أقوى الدليلين عندئذٍ، من قبيل: ورود دليل يأمر ظاهرا بصلاة الظهر يوم الجمعة، وورد آخر يصرّح بوجوب صلاة الجمعة، وعلم من الخارج بعدم جعل الفريضتين على المكلّف في ذلك الوقت فلا يمكن جعل الدليل الصريح في وجوب الجمعة قرينة لحمل الأمر بالظهر على الاستحباب. وقد ذكر أكثر من تبرير على هذا، منها: أنّه لا يقدَّم أقوى الدليلين على أضعفهما مع العلم بكذب مفاد أحدهما[٥٢].

موارد التعارض غير المستقرّ

موارد التعارض غير المستقرّ التي أخرجها متأخّرو الأصوليين عن موارد التعارض المصطلح عبارة عمّا يلي: 1 ـ التزاحم، وخروجه من باب أنّ التنافي بين الدليلين في هذه الحالة ليس من حيث المدلول، بل من حيث الامتثال وفي مقام الامتثال، بأن توجَّه تكليفان للمكلّف، امتثال أحدهما متوقّف على مخالفة الآخر؛ لعجزه عن امتثال كلّيهما. 2 ـ الحكومة، وخروجها عن التعارض، باعتبار أنّ الدليل الحاكم شارح للمحكوم أو رافعا لموضوعه، ولا يحصل تنافٍ بين دليلين أحدهما شارح للآخر أو نافٍ لموضوع الآخر. 3 ـ الورود، وخروجه عن التعارض، باعتبار أنّ الدليل الوارد يرفع موضوع الدليل المورود تكوينا بواسطة التعبُّد الشرعي، فلا منافاة بين الدليلين. 4 ـ التخصُّص، وخروجه عن التعارض من باب أنّ موضوع أحد الدليلين قد خرج عن موضوع الدليل الآخر بالوجدان، فانخرم شرط الاتّحاد في الموضوع. 5 ـ تخصيص، وخروجه من باب أنّ حجيّة كلّ دليل تتوقّف على اُمور ثلاثة، هي: الصدور عن الشرع وكون ظاهره مرادا للمتكلّم، وأنّ إرادته للظاهر جدية، والدليل المخصِّص بمثابة القرينة للكشف عن المراد الجدي للشارع. وهناك تبريرات اُخرى ذكرت للموارد التي خرّجت عن التعارض المستقرّ[٥٣]. 6 ـ تعارض أدلّة العناوين الأوّلية مع أدلّة العناوين الثانوية، فهنا تقدّم أدلّة العناوين الثانوية على الأوّلية، ولا تلاحظ النسبة بينهما أصلاً؛ لأنّ هذا متفرّع على تعريف التعارض، فإنّه لا تنافي ولا تضادّ هنا لاختلاف العناوين بين الدليلين. لكن وقع الكلام في وجه تقديم أحدهما على الآخر، فبعض ذهب إلى أنّه من باب الجمع العرفي، كما هو رأي المحقّق الخراساني[٥٤]، وبعض آخر ذهب إلى أنّه من باب الحكومة، باعتبار كون الثانوية ناظرة ومفسرة للأولية وعارضة وطارئة عليها. وذهب آخر أيضا إلى التفصيل بين ما إذا كان العنوان الثانوي مثل الضرر والحرج فبالحكومة، وبين ما إذا كان مثل الشرط والنذر فبالجمع العرفي ، وهو ما ينسب إلى بعض محشي ( كفاية الأصول ) . لكن أشكل على الرأي القائل بالتفصيل بأنّ الشرط ليس من قبيل العناوين الثانوية أصلاً، والعناوين الثانوية وإن كانت كثيرة لكن الشرط ليس منها[٥٥].

المصادر

  1. . المصباح المنير: 402 ـ 404.
  2. . المصدر السابق: 404.
  3. . الصحاح 3: 1082.
  4. . التقرير والتحبير 3: 3.
  5. . تقويم الأدلّة: 214، التحبير شرح التحرير 8: 4126، البحر المحيط 6: 109.
  6. . تقريرات المجدد الشيرازي 4: 148، نهاية الأفكار العراقي 4 ق 2 : 124.
  7. . منتقى الأصول 7: 279.
  8. . فرائد الأصول 4: 11 ـ 12.
  9. . منتهى الأصول 2: 550 ـ 551.
  10. . فرائد الأصول 4: 11، مقالات الأصول 2: 455.
  11. . كفاية الأصول: 437.
  12. . عناية الأصول في شرح كفاية الأصول 6: 4.
  13. . أصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 213.
  14. . أنوار الأصول 3: 447.
  15. . بحوث في علم الأصول 7: 22 ـ 23.
  16. . أصول الفقه الإسلامي الزحيلي 2: 1173.
  17. . نهاية الوصول الحلّي 5: 296 ـ 297، الوافية: 321 ـ 322.
  18. . المستصفى 2: 244 ـ 245، أصول الفقه الإسلامي الزحيلي 2: 1176 فما بعدها.
  19. . كفاية الأصول: 437 ـ 438، مصباح الأصول 3: 347 ـ 353.
  20. . أنظر: الوافية: 319، فرائد الأصول 4: 11، فوائد الأصول 4: 699.
  21. . المستصفى 2: 244.
  22. . النساء: 76.
  23. . الفتح: 10.
  24. . شرح نهاية السؤل على منهاج الأصول 3: 256.
  25. . التعارض والترجيح بين الأدلّة الشرعيه 1: 58 ـ 113، مصادر التشريع ومنهج الاستدلال: 487 ـ 490.
  26. . إرشاد الفحول 2: 381.
  27. . النساء: 82.
  28. . مصادر التشريع ومنهج الاستدلال: 519 ـ 521.
  29. . بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 29.
  30. . أصول الفقه الإسلامي الزحيلي 2: 1174، أصول الفقه الإسلامي (شلبي): 523.
  31. . الموافقات 4: 294.
  32. . مصادر التشريع ومنهج الاستدلال والتلقي: 488.
  33. . بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 28 ـ 42.
  34. . التعارض والترجيح بين الأدلّة الشرعية 1: 321 ـ 335، أنظر: مصادر التشريع ومنهج الاستدلال : 490، التعارض والترجيح الحفناوي : 11 ـ 15.
  35. . كتاب التعارض: 104.
  36. . مفاتيح الأصول: 680، أنوار الأصول 3: 465 ـ 466، أصول الفقه الزحيلي 2: 1175.
  37. . مبادئ الوصول الحلّي: 230.
  38. . مصادر التشريع ومنهج الاستدلال: 507.
  39. . أنوار الأصول 3: 465 ـ 466.
  40. . أنيس المجتهدين 2: 973.
  41. . المستصفى 2: 244.
  42. . نهاية الوصول الحلّي 5: 289 ـ 290، مفاتيح الأصول: 680.
  43. . المستصفى 2: 244، أصول الفقه الخضري بك: 359، أصول الفقه (الزحيلي) 2: 1175.
  44. . أصول الفقه الزحيلي 2: 1175.
  45. . العدة الطوسي 1: 143 ـ 155، معارج الأصول: 154 ـ 158، زبدة الأصول (البهائي): 169 ـ 172.
  46. . معالم الدين: 249 ـ 256.
  47. . التعارض والترجيح الحفناوي: 107 ـ 108.
  48. . البحر المحيط 6: 109 ـ 110، أنظر: تقويم الأدلّة: 214، إرشاد الفحول 2: 361 ـ 364، أصول الفقه الإسلامي شلبي: 524.
  49. . التعارض والترجيح بين الأدلّة الشرعية 1: 244 ـ 257، أصول الفقه الإسلامي مطلوب: 443 ـ 444، المختصر الوافي: 243، أصول الفقه (شلبي): 524.
  50. . أصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 211 ـ 214.
  51. . كتاب التعارض اليزدي: 42.
  52. . بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 207 ـ 213.
  53. . مصباح الأصول 3: 347 ـ 355، بحوث في علم الأصول 7: 14 ـ 17، المحكم في أصول الفقه 6: 48 ـ 72.
  54. . كفاية الأصول: 437 ـ 438.
  55. . أنوار الأصول 3: 451 ـ 453، عناية الأصول 6: 8 ـ 9.