التحسين والتقبيح عند المعتزلة

من ویکي‌وحدت

التحسين والتقبيح عند المعتزلة: المراد من التحسين والتقبيح هو إدراک العقل مستقلاً لـ الحسن والقبح من دون نظر الشرع، و المعتزلة يعتقدون بأن العقل يدرک حسن الأفعال وقبحها، ولکن هناک تفصيلات يجب أن نقدمها للقارئ الکريم.

التحسين والتقبيح عند المعتزلة

اتّفق أتباع المعتزلة على أنّ الحسن والقبح ثابتان للأفعال، لكنّهم اختلفوا في جهة ثبوتهما للأفعال، وانقسموا إلى أربع طوائف:
الاُولى: طائفة ذهبت إلى أنّ الحسن والقبح ذاتيان للأفعال مطلقا.
الثانية: يحكم بالحسن والقبح لصفة في الفعل، فالصدق حسن إذا وصف بأنّه نافع، والكذب قبيح إذا وصف بأنّه مضرّ.
الثالثة: الحسن ذاتي للأفعال بينما القبح لا يكون إلاّ لصفة، فالصدق حسن لذاته، لكنّه يكون قبيحا لصفة، وهي الضرر.
الرابعة: الحسن والقبح اعتباريان، فيقبح الفعل لاعتبار ويحسن لاعتبار، فالسجدة تحسن إذا كانت للّه‏ وتقبح إذا كانت للصنم [١].
أمّا الإمامية فيبدو اتفاقهم مع المعتزلة في هذه الرؤية [٢]. هذا مع غض النظر عن أنّهم أخذوا هذه الرؤية من المعتزلة أم المعتزلة أخذوها منهم، ومع غض النظر عن الاختلافات العقدية ذات الصلة بهذا الموضوع بين الإمامية والمعتزلة [٣].

العقل مدرك وليس حاكما

برغم قول المعتزلة بالحسن والقبح العقليين [٤] إلاّ أنّ قولهم لا يعني كون العقل هو الذي يحكم بحسن الاُمور أو بقبحها، بل مقولتهم تعني كون العقل مدركا لحسن الأفعال وقبحها لا موجبا لها، كما أنّه يدرك وجوب بعض الأفعال على اللّه‏ تعالى؛ باعتباره حكيما ويوجب ما فيه مصلحة ويحرّم ما فيه مفسدة [٥].
لكن يبدو من البعض أنّ هذا الخلاف لفظي، ولا خلاف بين المسلمين أصلاً في أنّ الحاكم هو اللّه‏ وأنّ مراد المعتزلة من كون العقل حاكما هو كونه مدركا لا غير [٦].

استدلالات المعتزلة

استدلّ المعتزلة والقائلون بالتحسين والتقبيح العقليين من غير المعتزلة (كالشيعة) على أصل كون الحسن والقبح عقليين باُمور:
1 - بداهة العقل، فيعدّ المعتزلة الحكم أو الإدراك المزبور من بديهيات العقل العملي. وهذا الصنف من الأحكام لم ينشأ عن ترسيخ التعاليم الدينية في أذهان المسلمين وإلاّ لاختصّ بهم، بينما نجده يتعدّاهم [٧].
2 - لو كان الحسن والقبح مرتبطين بالأمر والنهي لترتّب عليه أنّ العدل والإنصاف سيكونان قبيحين إذا نهى عنهما اللّه‏، والكذب حسن إذا أمر به اللّه‏، مع أنّ المعلوم خلافه [٨].
3 - لو لم يكن الحسن والقبح معلومين قبل الشارع لاستحال العلم بهما بعد ورود الشارع؛ لأنّه لا يعلم عندئذٍ بحسن الشريعة ولا قبح مخالفتها [٩].
4 - إطباق العقلاء على حسن بعض الأفعال، مثل: إنقاذ الغرقى، وقبح البعض، مثل: الكذب برغم اختلافهم في الشرائع واختلاف قرائحهم، ما يدلّ على كون العقل مدركا لهما بالضرورة ودون الحاجة إلى الشرع [١٠].
5 - لو كان حسن الفعل لأمر الشارع به وقبحه لنهي الشارع عنه للزم عدم علم مثل الملاحدة بقبح الظلم والكذب بينما الواقع أنّهم يعرفون ذلك [١١]. وهناك وجوه عقلية اُخرى كذلك [١٢].
6 - الآيات التي تدعو إلى التدبّر والتفكير من قبيل: «أفلَم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذينَ من قبلهم» [١٣] و «أوَلم يتفكّروا في أنفسهم ما خلقَ اللّه‏ السموات والأرض وما بينهما إلاّ بالحقّ» [١٤]. وكذلك الآية 185 من سورة الأعراف، والآية 46 من سورة الحجّ.
ووجه الاستدلال بهذه الآيات هو أنّ الإنسان لو كان معذورا بترك الاستدلال بالعقول وعدم العمل وفق ما تحسّنه أو تقبّحه، لما عاتبهم اللّه‏ في الآيات السابقة ولما كان معنى للآيات أصلاً [١٥].

المصادر

  1. . التحسين والتقبيح العقليان 1: 339 - 341، آراء المعتزلة الاُصول‏ية: 168 ـ 172، العقل العملي في اُصول الفقه: 92 ـ 93.
  2. . العقل العملي في اُصول الفقه: 94.
  3. . المصدر السابق: 91 ـ 92.
  4. . آراء المعتزلة الاُصولية: 169.
  5. . شرح تنقيح الفصول: 90، البحر المحيط 1: 144 - 145، الاُصول العامّة للفقه المقارن: 280 - 281، آراء المعتزلة الاُصول‏ية: 181 ـ 197.
  6. . البحر المحيط 1: 134 - 135، مسلم الثبوت 1: 25، إرشاد الفحول 1: 54.
  7. . رسالة في التحسين والتقبيح السبحاني: 48 - 50.
  8. . شرح الاُصول الخمسة: 209.
  9. . إرشاد الفحول 1: 60.
  10. . المنخول: 12.
  11. . شرح الاُصول الخمسة: 209.
  12. . اُصول الفقه المظفر 1ـ2: 288 - 290، رسالة في التحسين والتقبيح (السبحاني): 51 - 57.
  13. . يوسف: 109.
  14. . الروم: 8.
  15. . قواطع الأدلّة ابن السمعاني 2: 817، كشف الأسرار 4: 382، اُنظر: آراء المعتزلة الاُصول‏ية: 168 ـ 172.