الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الاستثناء»

أُضيف ٥٧٬٦٤٢ بايت ،  ٥ أبريل ٢٠٢٣
ط
استبدال النص - '====' ب'====='
(أنشأ الصفحة ب''''الاستثناء''' اصطلاح في أصول الفقه بمعنی إخراج الشئ عما يصحّ دخوله فيه ودالّ على أنَّ المذكور...')
 
ط (استبدال النص - '====' ب'=====')
 
(٩ مراجعات متوسطة بواسطة ٤ مستخدمين غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
'''الاستثناء''' اصطلاح في أصول الفقه بمعنی إخراج الشئ عما يصحّ دخوله فيه ودالّ على أنَّ المذكور فيه لم يُرَد بالقول الأوّل.
'''الاستثناء''' اصطلاح في [[أصول الفقه]] بمعنی إخراج الشئ عما يصحّ دخوله فيه ودالّ على أنَّ المذكور فيه لم يُرَد بالقول الأوّل.


==تعريف الاستثناء لغةً==
==تعريف الاستثناء لغةً==
سطر ١٤: سطر ١٤:
وقد اعتاد [[النحويون]] إطلاق التخصيص على ما كان خبرا من خبر، من قبيل: (اقتل القوم، ودع زيدا)، لكنّه لايُدعى استثناءً عند الأصوليين، بل تخصيصا وإن كانت النتيجة واحدة. <ref> المصدر السابق.</ref>
وقد اعتاد [[النحويون]] إطلاق التخصيص على ما كان خبرا من خبر، من قبيل: (اقتل القوم، ودع زيدا)، لكنّه لايُدعى استثناءً عند الأصوليين، بل تخصيصا وإن كانت النتيجة واحدة. <ref> المصدر السابق.</ref>
وهذه التعريفات تكشف عن اتّحاد المعنى لدى الأصوليين والنحاة، وإن اختلفوا في استثناء المشيئة؛ إذ يعدّه بعض الأصوليين استثناءً، دون النحاة، ويأتي الحديث عن استثناء المشيئة.
وهذه التعريفات تكشف عن اتّحاد المعنى لدى الأصوليين والنحاة، وإن اختلفوا في استثناء المشيئة؛ إذ يعدّه بعض الأصوليين استثناءً، دون النحاة، ويأتي الحديث عن استثناء المشيئة.
==الاستثناء يخرج ما صحَّ دخوله أو ما وجب؟==
ذهب بعض مثل [[السيد المرتضى]] إلى: أنّ المعروف عند أهل اللغة كون الاستثناء يخرج ما صحَّ أو صلح دخوله في المستثنى منه دون ما وجب دخوله فيه، ففي المثال: «من دخل داري أكرمته» يجوز استثناء أي عاقل، ولايجوز استثناء حيوان برغم أنّ الداخل قد يكون حيوانا؛ وذلك لأنَّه غير حسن. <ref> الذريعة 1 : 219.</ref>
بينما ذهب بعض آخر مثل [[الشيخ الطوسي]] إلى: أنّ الاستثناء يخرج ما وجب دخوله، واستدلّ باستحسانات لغوية، من قبيل المثال: «من دخل داري ضربته» فلا يستحسن السؤال: «وإن دخلها نبي؟» أو «وإن دخلها أبوك؟» برغم أنّ النبيّ والأب صالحان في الدخول في (من دخل). واستدلَّ كذلك بحسن الاستثناء من الأعداد، فيقال: «أعطِ فلانا عشرة دراهم إلاّ واحداً» ولولا الاستثناء لوجب إعطاء العشرة كلّها، ويقال بالوجوب؛ صونا للفظ من الاشتراك<ref> العدّة في أصول الفقه 1 : 281 ـ 284.</ref>، لكن [[المحقق الحلي]] يرفض رأيه باستحسانات أخرى<ref> معارج الأصول : 92.</ref>، والأمر عموما يعود إلى استحسانات أهل اللغة.
==صيغ الاستثناء==
للاستثناء صيغتان: إحداهما متفق عليها، والأخرى اختلف فيها الأصوليون:
'''الأولى:''' الاستثناء بإحدى الألفاظ التالية: إلاَّ، وغير، وسوى، وعدا، وليس، ولايكون، وحاشا، وخلا. <ref> المستصفى 2 : 74، وانظر : روضة الناظر : 132، شرح تنقيح الفصول : 238، كشف الأسرار البخاري 2 : 357، شرح الكوكب المنير : 183 ـ 184، أصول الفقه (محمد أبو النور) 1 ـ 2 : 451، ابن قدامة وآثاره الأصولية 2 : 252.</ref>
'''والأخرى:''' الاستثناء بالمشيئة وما شابهها في مثل قوله تعالى: '''«وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدا * إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ»'''<ref> الكهف : 23ـ24.</ref> فيُدعى هذا الاستثناء استثناء مشيئة؛ باعتبار توقّفه على مشيئة اللّه‏، ولايكون حاصلاً في الخارج بنحو قطعي إلاّ بعد المشيئة.
وقد اختُلِفَ في دخوله في الاستثناء، ومنهم من منعه، واحتجَّ بأنَّه لو قال: «أنت طالق ثلاثا إن شاء اللّه»، لم يقع، خلافا لمالك، في حين إذا قال: «أنتِ طالق ثلاثا إلاَّ ثلاثا» وقع، فدلَّ على أنَّه ليس باستثناء. <ref> انظر : الكاشف عن المحصول 4 : 436، البحر المحيط 3 : 324.</ref>
==شروط الاستثناء==
ذكرت عدة شروط للاستثناء اختلف الاصوليون فيها:
'''الأوّل:''' أن يكون الاستثناء متّصلاً بالكلام، وحُكِيَ عن ابن عبّاس أنَّه كان يذهب إلى أنَّه يجوز تأخيره عن حال الخطاب، أي زمان حصوله<ref> انظر : العدّة في أصول الفقه الطوسي 1 : 313 ـ 314، المنخول : 157، المستصفى 2 : 74 ـ 75، ميزان الأصول 1 : 455 ـ 456، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 2 : 237، تمهيد القواعد : 195.</ref>، وهو ضعيف غير صحيح. <ref> الوجيز في أصول التشريع الإسلامي : 183.</ref>
احتجَّ القائلون بشرط الاتّصال بالأمور التالية:
أ: ما رُوِي عن النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله أنَّه قال: «من حلف على شيء فرأى غيره خيرا منه، فليأتِ الذي هو خير، وليكفّر عن يمينه»<ref> سنن الترمذي 4 : 106، 107 كتاب النذور والأيمان، باب 5 ما جاء فيمن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها ح1529، 1530، وسنن البيهقي 10 :31 ـ 33 كتاب الأيمان، باب من حلف على شيء فرأى خيرا منه.</ref>، ولو كان الاستثناء المنفصل صحيحا، لأرشد النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله إليه؛ لكونه طريقا مخلصا للحالف عند تأمُّل الخير.
ب: أنَّ أهل اللغة لايعدّون ذلك كلاما منتظما.
ج: أنَّه لو قيل بصحّة الاستثناء المنفصل، لما عُلِمَ صدق صادق، ولا كذب كاذب، ولا حصل وثوق بيمين، ولا وعد ولا وعيد، ولا حصل الجزم بصحّة عقد نكاح وبيع وإجارة، ولا لزوم معاملة أصلاً؛ لإمكان الاستثناء المنفصل ولو بعد  حين. <ref> العدّة في أصول الفقه الطوسي 1 : 314، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2: 494.</ref>
'''الثاني:''' أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه، كقوله: «رأيت الناس إلاَّ زيدا»، ولا تقول: «رأيت الناس إلاَّ حمارا» <ref> المستصفى 2 : 75.</ref>، وأجازه الحنفية والمالكية<ref> انظر : المسوّدة : 139.</ref>، بل بعض الشافعية<ref> انظر : الواضح في أصول الفقه 4 ق1 : 482، روضة الناظر : 132، البلبل في اُصول الفقه : 67، ابن قدامة وآثاره الأصولية 2 : 253.</ref> و [[الشهيد الثاني]] من [[الإمامية]]. <ref> انظر : تمهيد القواعد : 196.</ref>
وذكر الفقهاء اختلاف الشافعي وأبي حنيفة في الرجل إذا قال: «لفلان عليَّ ألف درهم إلاَّ ثوبا»، ثمَّ ذكر ثوبا لايستغرق قيمة الألف المذكورة، وذكر وجها معقولاً في استثناء قيمة الثوب من الألف، وجعل ذكر الثوب عبارة عن قيمته، فهذا مقبول عند الشافعي، ومردود عند أبي حنيفة.
وسوَّغ [[أبوحنيفة]] استثناء المكيل بعضه من بعض وإن اختلفت الأجناس، ردّا إلى التأويل الذي ذكره الشافعي في الثوب، وكذلك جوَّز استثناء المكيل من الموزون، والموزون من المكيل. <ref> البرهان في أصول الفقه 1 : 144، وانظر : المنخول : 159.</ref>
القائلون بصحّة الاستثناء من غير جنس المستثنى احتجّوا بالمنقول والمعقول:
أمَّا المنقول، فما ورد من آيات تستثني [[إبليس]] من [[الملائكة]]<ref> البقرة : 34، الأعراف : 11، الحجر : 30 ـ 31، الإسراء : 61، الكهف : 50، طه : 116، ص : 73 ـ 74.</ref>، وكذلك الآية الكريمة: '''«لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوا وَلاَ تَأْثِيما * إِلاَّ قِيلاً سَلاَما سَلاَما»'''.<ref> الواقعة : 25 ـ 26.</ref>
وبعض أبيات الشعر مثل قول الشاعر: «وبلدةٍ ليس بها أنيسُ؛ إلاَّ اليعافيرُ وإلاَّ العيسُ». وكذا كلام العرب مثل: «ما بالدار أحد إلاَّ الوتد».
وأمّا المعقول، فقد استدلّوا بأنّ الاستثناء لايرفع جميع المستثنى منه، فصحَّ، كاستثناء الدراهم من الدنانير وبالعكس. <ref> انظر : روضة الناظر : 132 ـ 133، الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 498 ـ 499، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 2 : 243 ـ 245.</ref>
والنافون للصحّة أوّلوا الأمثلة المتقدّم ذكرها، وقدّروا فيها ما يجعل المستثنى والمستثنى منه من جنس واحد. وردّوا ما ذكر من دليل المعقول: بأنَّ دليلهم لا إشعار له بصحّة الاستثناء من غير جنس، واستثناء الدراهم من الدنانير وبالعكس ممَّا وقع النزاع فيه. <ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 499 ـ 501، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 2 : 245 ـ 248.</ref>
'''الثالث:''' أن لايكون مستغرقا، فلو قال: «لفلان عليَّ عشرة إلاَّ عشرة» بطل الاستثناء، ولزمته العشرة؛ لأنَّه رفع للإقرار، والإقرار لايجوز رفعه. <ref> المستصفى 2 : 76، نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 2 : 248، أصول الفقه (الخضري بك) : 178.</ref> والاستثناء إذا كان مستغرقا باطلٌ بالإجماع. <ref> انظر : المحصول 1 : 410، الكاشف عن المحصول 4 : 445، تمهيد القواعد : 200، العقد المنظوم : 606، أصول الفقه ابن مفلح 3 : 912، البحر المحيط 3 : 287، القواعد والفوائد الأصولية : 327، إرشاد الفحول 1 : 489 ـ 490.</ref>
وفصَّل الحنفية في المستغرق: فإن كان بلفظ الصدر، نحو: «لفلان عليَ عشرةٌ إلاّ عشرة»، أو بما يساويه في المفهوم، نحو: «عبيدي أحرار إلاّ مماليكى»، فهو باطل. وإن كان بغير ذلك، نحو: «عبيدي أحرار إلاّ هولاء» وأشار إلى عبيده الموجودين، لم يمتنع. <ref> سلّم الوصول المطيعي 2 : 411، وانظر : التوضيح شرح التنقيح 2 : 86 ـ 87 ، أصول الفقه (الخضري بك) : 178.</ref>
ويبدو أنَّ حجّة القائلين بهذا الشرط استلزام الاستثناء المستغرق بطلان الكلام ولغويته. <ref> انظر : البرهان في أصول الفقه 1 : 143.</ref>
==الاستثناء معارضة أو بيان==
قال الحنفية: إنَّ الاستثناء يعمل بطريق البيان، وعلى قول الشافعي يعمل بطريق المعارضة، ولم يرد نصٌّ عن الشافعي، لكن استدلّوا على رأيه باستظهارات. <ref> انظر : ميزان الأصول : 1 : 461 ـ 462، البحر المحيط 3 : 298.</ref>
والمراد بالبيان: أنَّ المستثنى لم يكن مرادا للمتكلّم من الأصل؛ لأنَّه مَنَعَ دخوله تحت المستثنى منه، وأمَّا بالنظر إلى صورة اللفظ، فهو استخراج صوري.
والمراد بالمعارضة: أنَّه يمنع الحكم مثل دليل التخصيص، أي: أن يثبت حكما مخالفا لحكم صدر الكلام؛ فإنَّ صدر الكلام يدلُّ على إرادة المجموع، وآخره يدلُّ على إرادة إخراج بعض عن الإرادة، فتعارضا في ذلك البعض، فتعيَّن خروجه عن المراد دفعا للتعارض، كتخصيص العام. <ref> البحر المحيط 3 : 298.</ref>
وفائدة الخلاف في كيفية التعامل مع النص الذي تضمَّن استثناءً، فإنّه بناءً على التعارض يندرج تحت بحوثه ويعالج بمعالجات التعارض مثل التخصيص، أمّا بناءً على كونه بيانا، فيكون من بحوث الألفاظ ولا حاجة لمعالجته بنحو التعارض.
==الألفاظ ذات الصلة==
===أ ـ التخصيص===
اعتبر [[السيد المرتضى]] الاستثناء من أقسام الأدلَّة المتصلة والمخصِّصة الأربعة وهي: الاستثناء، والتقييد بصفة، والدليل العقلي، والدليل السمعي<ref> الذريعة 1 : 243.</ref>، وكذلك فعل [[الفخرالرازي]]<ref> المحصول 1 : 406 ، وانظر : الكاشف عن المحصول 4 : 431 ـ 434.</ref>، و [[الآمدي]]<ref> الإحكام 1 ـ 2 : 491.</ref>، و [[الزركشي]]<ref> البحر المحيط 3 : 300.</ref>، و [[محدرضا المظفّر]]<ref> أصول الفقه 1 ـ 2 : 193 ـ 194.</ref>، و [[حسن هيتو]]<ref> الوجيز في أصول التشريع الإسلامي : 182 ـ 183.</ref>، ومحمد أبوالنور زهير<ref> أصول الفقه 1 ـ 2 : 448.</ref>، و [[الخضري بك]]، إلاَّ أنَّ الأخير اعتبره واحدا من أدلّة التخصيص الخمسة وهي: الشرط والغاية والصفة والبدل والاستثناء. <ref> أصول الفقه : 178.</ref>
والجويني اعتبر الاستثناء عِدْلاً للتخصيص ومن القرائن غير الحالية التي يرفع اليد بها عن العموم؛ إذ قال: «فأمَّا القرائن التي ليست حالية، فهي تنقسم إلى الاستثناء والتخصيص»<ref> البرهان في أصول الفقه 1 : 136.</ref>. وفرَّق بينهما في الأمور التالية:
1 ـ الاستثناء مع المستثنى منه في حكم الكلام الواحد ، والتخصيصُ لايقع جزءا من الكلام الوارد عامّا.
2 ـ التخصيص قد يتبيَّن بقرائن الأحوال، ولايُفْرَضُ ذلك في وضع الاستثناء. <ref> المصدر السابق 1 : 145 ـ 146.</ref>
واعتبر أبو حامد الغزالي الاستثناء كالتخصيص من القرائن اللفظية التي يرفع اليد بها عن العموم<ref> المنخول : 154.</ref>. وفرَّق بينهما بما يلي:
1 ـ الاستثناء جزء من الكلام، وليس كذلك التخصيص.
2 ـ التخصيص بيان لمعنى اللفظ والمراد به، والاستثناء رافعا وناسخا (أو معارضا).
3 ـ الاستثناء يجوز اتصاله بالنص، والتخصيص لايتطرّق إلى النص. <ref> المصدر السابق : 163.</ref>
===ب ـ النسخ===
يفرّق بين النسخ والاستثناء في الأمور التالية:
1 ـ النسخ يرفع ما دخل تحت اللفظ المنسوخ، والاستثناء يمنع بعض الأفراد من الدخول تحت المستثنى منه. <ref> انظر : المستصفى 2 : 74، روضة الناظر : 132، ابن قدامة وآثاره الأصولية 2 : 253.</ref>
2 ـ يشترط في الاستثناء اتّصاله بالمستثنى وعدم استقلاله عنه، في حين يشترط في الناسخ تأخُّره واستقلاله.
3 ـ يجوز في النسخ رفع بعض أو جميع الحكم، في حين الاستثناء يمنع بعض الأفراد من الدخول تحت المستثنى منه. <ref> انظر : الجامع لمسائل أصول الفقه : 286، روضة الناظر : 132، ابن قدامة وآثاره الأصولية 2 : 253.</ref>
===ج ـ الشرط===
يميّز بين الشرط والاستثناء في أمور، منها:
1 ـ الاستثناء يُخْرِجُ الأعيانَ، والشرط يُخْرِجُ الأحوال.
2 ـ الشرط يُثبت الحكم في حال وجوده، وينفيه في حال عدمه، والاستثناء يجمع بين النفي والإثبات.
3 ـ لايجوز في الاستثناء رفع جميع المنطوق به، في حين يجوز أن يدخل الشرط في كلام يبطل جميعه. <ref> البحر المحيط 3 : 338.</ref>
==أقسام الاستثناء==
للاستثناء أقسام متعدّدة باعتبارات مختلفة، أهمها تقسيمه باعتبار الحقيقة والمجاز، فيقسم إلى قسمين:
'''الأوّل: الاستثناء الحقيقي:''' وهو المتَّصل من حيث الكلام، والمتّحد من حيث الجنس، أي أنّ شروط الاستثناء قد تحقَّقت فيه، من قبيل: «لزيد عندي عشرة دراهم إلاَّ درهما» و «أكرم الناس إلاَّ الفاسقين».
'''والآخر: الاستثناء المجازي أو المنقطع:''' وهو المنفصل من حيث الكلام، أو كون الاستثناء فيه من غير الجنس، من قبيل: '''«فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ»'''<ref> الحجر : 30ـ31، وص 73ـ74.</ref> أو «أتاني المسلمون إلاَّ اليهود» <ref> انظر : المعتمد 1 : 242 ـ 243، الإحكام ابن حزم 1 ـ 4 : 420، مبادئ الوصول : 133.</ref> والمدار في كونه مجازيا أ نّه فاقد لبعض شروط الاستثناء.
ويقسَّم الاستثناء تقسيما آخر، وهو:
1 ـ الاستثناء المفرَّغ، وهو الاستثناء الذي يكون المستثنى منه محذوفا مقدَّرا مع كونه أمرا شاملاً للمستثنى، من قبيل: ما جاءني إلاّ زيد، فيقدّر أحد هنا.
2 ـ الاستثناء غير المفرَّغ، وهو الذي يكون المستثنى منه مذكورا، مثل: جاءني القوم إلاّ زيدا.
وهناك تداخل بين الأقسام، فالاستثناء المنقطع يكون غير مفرّغ دائما، أمّا المتصل فقد يكون مفرغا وقد لايكون مفرّغا. <ref> عمدة القاري 1 : 180، حاشية كتاب المكاسب الأصفهاني 2 : 60، كتاب المكاسب والبيع (الآملي) 1 : 462، المحكم في أصول الفقه 1 : 611.</ref>
==حكم الاستثناء==
لا شبهة في دلالة الاستثناء المتّصل على اختصاص الحكم ـ  سلبا أو إيجابا ـ بالمستثنى منه، ولا يعمّ المستثنى. <ref> كفاية الأصول : 209، وانظر : إرشاد الفحول 1 : 492.</ref>
وأمّا المنقطع، فباعتباره لا استثناء فيه ولا إخراج، فلا يعتبر مخصِّصا، وإنّما سمّي استثناءً مجازا، بل أنكر بعضهم تسميته استثناءً، لا حقيقةً ولا مجازا<ref> انظر : البرهان فى أصول الفقه 1 : 139، الوجيز في أصول التشريع الإسلامي : 184.</ref> لكن الموارد التالي ذكرها وقعت موضع نقاش الأصوليين:
===1 ـ حکم استثناء الأكثر===
ذهب أكثر المحصّلين من الفقهاء والمتكلّمين وأهل اللغة إلى صحّة استثناء الأكثر<ref> انظر : العُدّة في أصول الفقه الطوسي 1 : 315 ـ 316، الواضح في أصول الفقه 4 ق1 : 475، روضة الناظر : 133، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 2 : 249، أصول الفقه (ابن مفلح) 3 : 914، تمهيد القواعد : 202، زبدة الأصول (البهائي) : 136 ـ 137.</ref>، حتَّى إنَّه لو قال: «له عليَّ عشرة إلاَّ تسعة» لم يلزمه سوى درهم واحد. <ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 501 ـ 502، الإبهاج في شرح المنهاج 2 : 147، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 2 : 249.</ref>
وذكر القاضي أبو بكر: أنَّ شرط صحّة الاستثناء أن يكون مضمونه أقلَّ من نصف المستثنى منه، ولم يتمسَّك إلاَّ باستبعاد أنَّ العرب تستقبح استثناء الأكثر. <ref> البرهان في أصول الفقه 1 : 143، المستصفى 2 : 76، نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 2 : 249، التحبير شرح التحرير 6 : 2574.</ref> و [[أحمد بن حنبل]]<ref> إرشاد الفحول 1 : 491.</ref> وأتباعه الحنابلة<ref> الواضح في أصول الفقه 4 ق1 : 475، الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 502، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 2 : 249، وأصول الفقه (ابن مفلح) 3 : 913.</ref> منعوا هذا النوع من الاستثناء، وذُكِرَ أنَّ للشافعي فيه قولين. <ref> انظر : البحر المحيط 3 : 290.</ref>
وهناك مذهب آخر (ثالث)، وهو: التفصيل بين أن يكون العدد صريحا، فلا يجوز استثناء الأكثر، نحو: «عشرة إلاَّ تسعة»، وبين غيره، فيجوز نحو: «خذ الدراهم إلاَّ ما في الكيس الفلاني» وكان ما في الكيس أكثر من الباقي. <ref> انظر : الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 503، الإبهاج في شرح المنهاج 2 : 148، البحر المحيط 3 : 291، التحبير شرح التحرير 6 : 2574.</ref>
و [[السيد الخوئي]] يفصِّل بنحو آخر؛ إذ يقول: «عموم المستثنى منه: '''تارةً''' يكون من قبيل القضايا الخارجية، والملحوظ في الحكم هو الأفراد الخارجيين، فلا شكّ في قبح هكذا استثناء، كما لو قيل: «قتل جميع العسكر إلاّ بني تميم» وكان في العسكر من غير بني تميم رجل أو رجلان، أي أنّ المقتول رجل أو رجلان، فهذا مستهجن. و'''تارةً أخرى''' يكون العموم الوارد في المستثنى منه على نحو القضايا الحقيقة، والحكم ناظر فيه إلى الموضوع المقدّر لا الأفراد الخارجيين، فالتخصيص عندئذٍ غير مستهجن مهما بلغ المستثنى؛ لعدم لحاظ الخارج»، واعتبرَ هذا قاعدة كلية في تخصيص الأكثر. <ref> مصباح الأصول 2 : 537 ـ 538.</ref>
=====أدلّة المجوّزين=====
'''الأوَّل: ''' أنَّ استثناء الأكثر في المعنى المقصود كاستثناء الأقلّ، فيجب جوازُه.
'''الثاني: ''' أنَّ الاستثناء كالتخصيص في المعنى، فإذا جاز أن يُخصَّص الأكثر جاز أن يستثنيه. <ref> الذريعة 1 : 247، وانظر : اللمع : 98.</ref>
'''الثالث: ''' لا فرق بين قول القائل: (ألف غير تسعمئة وتسعة وتسعين)، وبين قوله: (واحد)، ولا فرق بين قول القائل: (سبع مئة وثلاثمئة)، وبين قوله: (ألف). وهذا كلّه من المتلائمات، وهي ألفاظ مختلفة معناها واحد. وإذا كان ذلك فلا فرق بين استثناء ثلاثمئة من ألف؛ لأنَّها بعض الألف، وبين استثناء تسعمئة وتسعة وتسعين من الألف أيضا؛ لأنَّها بعض الألف، ولا فرق. <ref> الإحكام ابن حزم 1 ـ 4 : 428.</ref>
=====أدلّة المانعين=====
يمكن أن يستدلَّ المانعون بالأمور التالية:
'''الأوّل: ''' أن يمنعوا منه؛ لأنَّه لايفهم منه المراد.
'''الثاني: ''' أنَّه غير مستعمل في اللغة.
'''الثالث: ''' أنَّ الحكمة تمنع من ذلك، فالاستثناء للاختصار أو للاستدراك، وفي هذا النوع من الاستثناء إطالة، كما أنَّه لم تجرِ العادة على استثناء الكثير.
'''ويرد عليه''' أمّا الأوّل، فإنّ السامع يفهم المراد من قول: (لزيد عليَّ عشرة دراهم إلاَّ تسعة). وأمّا الثاني من كونه غير مستعمل فدعوى، وعدم نقله في اللغة أو نقله نادرا لأجل أنَّ الحاجة إلى هكذا استثناء نادرة؛ ولهذا ندر في كلامهم، فلم يُنْقَل أو نُقِلَ نادرا<ref> انظر : المعتمد 1 : 244 ـ 245.</ref> مضافا إلى وروده في القرآن في الآية: '''«إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ»'''<ref> الحجر : 42.</ref>، ثمَّ قال: '''«قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ»'''<ref> ص : 82 ـ 83 .</ref>، فاستثنى الغاوين من العباد، والعباد من الغاوين، وأيّهما كان أكثر فقد استثناه من الآخر. <ref> انظر : التبصرة : 169، اللمع : 97 ـ 98 الواضح في أصول الفقه 4 ق1 : 479، روضة الناظر: 133، أصول الفقه ابن مفلح 3 : 916.</ref>
وأمّا الثالث، فعلى الرغم من أنَّ الحكمة تقتضي عدم استثناء الأكثر غالبا، فإنّه أحيانا يتّفق خلافه؛ لسبق لسان أو ما شابه. <ref> انظر : المعتمد 1 : 245.</ref>
نعم، هو ركيك، وهذا لايعني عدم الصحّة، فقد يقال: «إلاَّ تسع سدس» و«خمس سبع» و«سبع سدس»، فهذا ركيك، إلاَّ أنَّه مقبول، نعم لايصدر مثله عن الشارع؛ لركاكته، لا لتناقضه. <ref> انظر : المنخول : 158.</ref>
لكنَّ الصحيح أنَّ الخلاف في أنَّ هذا الاستثناء ليس بمستحسن في اللغة عند العامّة؛ لأنَّه لاستدراك الغلط في الأصل، ومثل هذا الغلط نادر<ref> ميزان الأصول 1 : 459.</ref>، أو أنَّ هذا الاستثناء مستكره وإن كان صحيحا، فإذا قال: (عليَّ عشرة إلاَّ تسعة) فلا يلزمه باتّفاق الفقهاء إلاَّ درهم. <ref> المستصفى 2 : 77.</ref>
ثمَّ المانعون لاستثناء الأكثر اختلفوا في حدّ القليل الذي يستثنى، فالكثير لم يحدّده بالضبط، لكنَّ ابن مغيث من المالكية حدَّده بالثلث فما دونه، وهذا مذهب مالك وأصحابه. <ref> انظر : البحر المحيط 3 : 290.</ref>
===2 ـ حکم استثناء المساوي===
استثناء المساوي جائز، وإليه ذهب الجمهور، وهو واقع في اللغة وفي الكتاب العزيز، نحو قوله سبحانه: '''«قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً»'''<ref> المزمّل : 2 ـ 3.</ref>، وقد نقل القاضي أبو الطيّب الطبري والشيخ أبو إسحاق الشيرازي والمازري والآمدي عن الحنابلة أنَّه لايصحّ استثناء المساوي، ولا وجه لذلك<ref> انظر : الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 433.</ref>؛ ومن المانعين استثناء المساوي ابن قتيبة؛ فإنَّه قال: القليل الذي يجوز استثناؤه هو الثلث فما دونه. <ref> إرشاد الفحول 1 : 491.</ref>
===3 ـ حکم تعقيب الاستثناء لجمل متعاقبة===
انقسم القوم إلى عِدّة أقوال في رجوع الاستثناء إلى الجملة الأخيرة أو إلى جميع الجمل فيما إذا جاء بعد جمل متعاطفة بالواو أو نحوها. على أنَّه لا خلاف في رجوع الاستثناء في المفردات المتعاطفة إلى الجميع، كما لا خلاف في رجوعه إلى مورد خاصّ إذا دلَّ دليل أو قرينة على ذلك<ref> انظر : الوجيز في أصول التشريع الإسلامي : 186.</ref>. كما أنَّهم اتّفقوا على أنَّ النزاع خاصّ بالاستثناء الواقع بعد الجمل المتعاطفة.
وقال بعضهم: إنَّ العاطف هو خصوص الواو، فإذا كان غيرها كالفاء أو ثُمَّ اختصَّ الاستثناء بالأخيرة، وإلى ذلك ذهب الأسنوي وجماعة. <ref> انظر : الإبهاج في شرح المنهاج 2 : 154، شرح الجلال المحلّي 2 : 27، القواعد والفوائد الأصولية : 338، أصول الفقه محمد أبوالنور 1  ـ 2 : 465.</ref>
=====الأقوال في حکم تعقيب الاستثناء لجمل متعاقبة=====
في هذا النوع من الاستثناء وردت الأقوال التالية:
=======القول الأوّل: الرجوع إلى جميع الجمل=======
وهو رأي أصحاب الشافعي<ref> انظر : المعتمد 1 : 245، التبصرة : 172، اللمع : 98، المستصفى 2 : 78، المنخول : 160، المحصول 1 : 413، الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 504.</ref>، والمالكية<ref> انظر : إحكام الفصول : 277، شرح تنقيح الفصول : 249.</ref>، وأكثر الحنبلية<ref> المسوّدة : 140، أصول الفقه ابن مفلح 3 : 920، القواعد والفوائد الأصولية : 336.</ref>، والشيخ الطوسي<ref> العُدّة في أصول الفقه 1 : 321.</ref>، والشهيد الثاني<ref> تمهيد القواعد : 205.</ref> من الإمامية.
واستدلّ له بعدّة أدلة:
1 ـ إنَّ الكلام إذا عُطِفَ بعضه على بعض بالواو الموضوعة للجمع صار كأنَّه مذكور بلفظ واحد، ألا ترى أنَّه لا فرق بين أن يقول: «رأيت زيدا وعمرا وخالدا»، وبين أن يقول: «رأيتهم»؟ فالاستثناء لو ذُكِرَ عقيب الجملة المتناولة لجميعهم كان متعلّقا بهم، فكذلك إذا ذكر عقيب الجمل المعطوف بعضها على بعض؛ لأنَّها في حكم الجملة الواحدة. <ref> العُدَّة في أصول الفقه الطوسي 1 : 321 ـ 322، وانظر : الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2 : 506، الحاصل من المحصول 2 :، 347، شرح تنقيح الفصول : 250، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 2 : 263.</ref>
وأجيب بأنَّ ذلك مسلَّم في المفردات، وأمَّا في الجمل فممنوع. <ref> إرشاد الفحول 1 : 497.</ref>
2 ـ إنَّ الإجماع منعقد على أنَّه لو قال: (واللّه‏ لا أكلت الطعام، ولا دخلت الدار، ولا كلَّمت زيدا) واستثنى بقوله: (إن شاء اللّه‏)، لعاد إلى الجميع. <ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 506.</ref>
واُجيب بأنَّ ذكر المشيئة عقيب الجمل ليس باستثناء ولا شرط؛ لأنَّه لو كان استثناء، لكان فيه بعض حروفه. ولو كان شرطا على الحقيقة، لما صحَّ دخوله على الماضي، وقد يذكر المشيئة في الماضي، فيقول القائل: «حججت وزرت إن شاء اللّه‏ تعالى». <ref> معالم الدين : 129.</ref>
3 ـ إنَّ الحاجة قد تدعو إلى الاستثناء من جميع الجمل، وأهل اللغة مطبقون على أنَّ تكرار الاستثناء في كلّ جملة مستقبح ركيك مستثقل، فلم يبقَ سوى تعقّب الاستثناء للجملة الأخيرة. <ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 507، وانظر : روضة الناظر : 135.</ref>
ورُدَّ بأنَّهم كما يريدون الاستثناء من كلّ جملة فيختصرون بذكر ما يدلُّ على مرادهم في أواخر الجمل، هربا من التطويل بذكره عقيب كلّ جملة، كذلك يريدون الاستثناء من الجملة الأخيرة فقط، فلا بدَّ من القرينة في الحكم بالاختصار وعدمه. <ref> معالم الدين : 130.</ref>
4 ـ إنَّ الاستثناء صالح أن يعود إلى كلّ واحدة من الجمل، وليس بعض أولى من بعض، فوجب العود إلى الجميع كالعامّ. <ref> الواضح في أصول الفقه 4 ق1 : 490، الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 507، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 2 : 263.</ref>
وأجيب عنه: بأنَّ صلاحيّته للجميع لاتوجب ظهوره فيه، وإنَّما تقتضي التجويز لذلك والشكّ فيه، فرقا بين ما يصحّ عوده إليه، وبين ما لايصحّ. وتناول ألفاظ العموم للجميع ليس باعتبار صلاحيتها لذلك، بل لأنَّها موضوعة للشمول والاستغراق وجوبا. <ref> معالم الدين : 129 ـ 130.</ref>
5 ـ إنَّه لو قال : «عليَّ خمسة وخمسة إلاَّ ستة» لصحّ،  ولو كان مختّصا بالجملة الأخيرة، لما صحَّ؛ لكونه مستغرقا لها.
وأجيب بأنَّا لا نسلّم صحّة هذا الاستثناء، وإن سلَّمنا فإنَّما عاد إلى الجميع؛ لقيام الدليل عليه، وهو أنَّ استثناء الستة من الخمسة متعذّر، فلا بدَّ من رجوعه إلى الجميع.
6 ـ لو قال القائل: «بنو تميم وربيعة أكرموهم إلاَّ الطوال»، لعاد الاستثناء إلى الجميع، فكذلك إذا تقدَّم الأمر بالإكرام؛ ضرورة اتّحاد المعنى.
ويردُّ بأنَّ حاصل هذا يرجع إلى القياس في اللغة، وهو باطل، مع أنَّ الفرق ظاهر؛ لأنَّه إذا تأخَّر الأمر عن الجمل، فقد اقترن باسم الجميع، وهو قوله: «أكرموهم» بخلاف الأمر المتقدِّم، فإنَّه لم يتَّصل باسم الفريقين، بل باسم الفريق الأوَّل.
7 ـ إذا قال القائل: «اضربوا بني تميم وبني ربيعة إلاَّ من دخل الدار» فمعناه من دخل من الفريقين. <ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 507 ـ 508.</ref>
ويردُّ بأنَّه ليس تقدير هذا المعنى أولى من تقدير «إلاَّ من دخل من ربيعة».<ref> المصدر السابق : 508.</ref>
8 ـ إنَّ الشرط إذا تعقَّب جملاً كثيرة، فلا خلاف في أنَّه يرجع إلى جميعها<ref> روضة الناظر : 134، شرح تنقيح الفصول : 250.</ref>، والعلّة الجامعة بينهما: أنَّ كلّ واحد منهما لايستقلّ بنفسه، ويحتاج إلى تعليقه بغيره ليفيد، فلمَّا اتّفقا في هذا الحكم، وجب اتّفاقهما في وجوب رجوع كلّ واحد منهما إلى ما تقدَّم. <ref> العُدّة في أصول الفقه الطوسي 1 : 322 وانظر : ابن قدامة وآثاره الأصولية 2 : 258.</ref>
وأجيب عن القياس على الشرط بالفرق بينهما، وذلك بأنَّ الشرط قد يتقدَّم كما يتأخَّر. <ref> إرشاد الفحول 1 : 497 وانظر : شرح تنقيح الفصول : 250.</ref>
=======القول الثاني: الرجوع إلى الجملة الأخيرة=======
وهو مذهب أصحاب [[أبي حنيفة]] <ref> نقله عنهم في المعتمد 1 : 245، والواضح في أصول الفقه 4 ق1 : 488، والإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 504.</ref>، إلاَّ في استثناء المشيئة، فقد أرجعوه إلى الكلّ<ref> نقله عنهم في المعتمد 1 : 245، 248 والمنخول : 160 ـ 161، والمسوّدة : 140.</ref>، وكذا [[العلاّمة الحلّي]] في مبادئ الوصول<ref> مبادئ الوصول : 136.</ref>، لكنَّه ذهب إلى التفصيل في تهذيب الوصول. <ref> تهذيب الوصول : 141.</ref>
واستدلّ له بعدّة أدلة:
1 ـ من حق العموم المطلق أن يُحمل على عمومه وظاهره إلاّ لضرورة تقتضي خلاف ذلك، ولمّا خصّصنا الجملة التي يليها الاستثناء بالضرورة، لم يجز تخصيص غيرها، ولا ضرورة تقتضي ذلك.
2 ـ إنَّ الاستثناء إنَّما وجب ردّه إلى ما قبله ضرورة أنَّه لايستقل بنفسه، فإذا تعلَّق بما يليه فقد استقلَّ وأفاد، فلا حاجة إلى تعليقه بما قبل ذلك.
3 ـ إنّه فُصِل بين الاستثناء والجملة الأولى بالجملة الأخيرة، وذلك أشبه ما لو فُصِل بينهما بكلام  آخر. <ref> روضة الناظر : 134، وانظر : الفصول في الأصول 1 : 265 ـ 269، الذريعة 1 : 253، الواضح في أصول الفقه 4 ق1 : 494، أصول الفقه الخضري بك : 181.</ref>
ورُدَّ الدليل الأوَّل بأنَّ إطلاق الكلام الأوّل غير مسلَّم قبل تمام الكلام، وما تمَّ الكلام حتَّى أردف باستثناء يرجع إليه عند المعمِّم، ويحتمل الرجوع إليه عند المتوقّف، كـ : [[السيد المرتضى]] الذي لايسلِّم أن لفظ العموم يجب حمله بظاهره على الاستغراق.
وردّ الدليل الثاني بأنّ حصول الاستقلال بتعلّقه بالأخيرة، إنّما يقتضي عدم القطع بالتعلّق بغيرها، وعليه العود إلى الجميع محتمل، لا واجب. <ref> معالم الدين : 134، وانظر : الذريعة 1 : 254 ـ 255.</ref>
ورُدَّ الدليل الثالث بأنَّ العطف بالواو يوجب نوعا من الاتّحاد بين المعطوف والمعطوف عليه، فتصير الجمل كالجملة الواحدة التي لا فصل بين أجزائها. <ref> انظر : روضة الناظر : 135، البلبل في أصول الفقه : 68، ابن قدامة وآثاره الأصولية 2 : 258.</ref>
=======القول الثالث: الاشتراك=======
أي أنَّ الاستثناء إذا تعقَّب جملاً، وصحَّ رجوعه إلى كلِّ واحدة منها لو انفردت، فالواجب تجويز رجوعه إلى جميع الجمل، كما قال الشافعي، وتجويز رجوعه إلى ما يليه، على ما قال أبو حنيفة، وألاَّ يقطع على ذلك إلاَّ بدليل منفصل أو عادة أو أمارة، وهو للسيّد المرتضى<ref> الذريعة 1 : 249.</ref>، وقد فُسِّرَ رأيه بالقول: إنَّه يرجع إلى ما يليه قطعا، ويجوز مع ذلك رجوعه إلى ما تقدَّمها من الجمل، ويقف ذلك على البيان. <ref> العُدّة في أصول الفقه الطوسي 1 : 321، وانظر: معارج الأصول: 94.</ref>
ويقرب من هذا المعنى ما ذهب إليه الشيخ جمال الدين، إذ قال: «إنَّ اللفظ محتمل لكلٍّ من الأمرين، لايتعيَّن لأحدهما إلاَّ بالقرينة. وليس ذلك لعدم العلم بما هو حقيقة فيه، كمذهب الوقف<ref> عُدَّ التوقّف وعدم إبداء الرأي في هذا الموضوع مذهبا ورأيا، وذهب إليه الغزالي في المنخول : 161، وكذلك القاضي أبي بكر وجماعة من الشافعية، انظر : الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 506.</ref>، ولا لكونه مشتركا بينهما مطلقا، كما يقوله المرتضى وإن كنّا في المعنى موافقين له».<ref> معالم الدين : 122.</ref>
استدلَّ [[السيد المرتضى]] على رأيه بما يلي:
1 ـ إنَّ القائل إذا قال لغيره: «اضرب غلماني والقَ أصدقائي إلاَّ واحدا» يجوز أن يستفهمه المخاطب، هل أراد استثناء الواحد من الجملتين أو من جملة واحدة؟ والاستفهام لا يَحْسُن إلاَّ مع احتمال اللفظ واشتراكه.
2 ـ إنَّ الظاهر من استعمال اللفظة في معنيين مختلفين ـ  من غير أن تقوم دلالة على أنَّها متجوّز بها في أحدهما  ـ أنَّها حقيقة فيهما.
3 ـ لا بدَّ في الاستثناء المتعقّب لجملتين من أن يكون: إمَّا راجعا إليهما معا، أو إلى ما يليه منهما؛ لأنَّه من المحال ألاَّ يكون راجعا إلى شيء منهما، وقد نظرنا في كلّ ما يمكن أن يوجب القطع برجوعه إليهما أو إلى الجملة التي تليه، ولم نجد ما يوجب ذلك، فوجب أن نقف بينهما ولا نقطع بشيء منهما إلاَّ  بدلالة.
4 ـ القياس على الحال أو ظرف الزمان أو المكان، ففي قوله: (ضربت غلماني، وأكرمت جيراني، وأخرجت زكاتي قائما) من المحتمل رجوع الحال إلى جميع ما عدّده من الأفعال، كما يحتمل أن يكون المتعلَّق به ما هو أقرب إليه، فكذلك الاستثناء. <ref> الذريعة 1 : 250 ـ 252.</ref>
رُدَّ الدليل الأوَّل بأنَّه يجوز أن يكون الاستفهام لعدم المعرفة بالمدلول الحقيقي والمجازي أصلاً، أو لأنَّه حقيقة في بعض، مجاز في بعض آخر، والاستفهام للحصول على اليقين ودفع الاحتمال البعيد.
ورُدَّ الدليل الثاني: متى يكون الأصل في الإطلاق الحقيقة: إذا أفضى إلى الاشتراك المُخلّ بمقصود أهل الوضع من وضعهم، أو إذا لم يفضِ؟ الأوّل ممنوع، والثاني مسلَّم، ثمَّ وإن كان ذلك هو الأصل مطلقا غير أنَّه أمر ظني، ولِمَ قلتم بإمكان التمسّك به فيما نحن  فيه؟<ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 511 ـ 512.</ref>
كما رُدَّ بأنَّه على تقدير تسليمه إنَّما يدلّ على كون اللفظ حقيقة في الأمرين لا على الاشتراك؛ لجواز كونه بوضع واحد، ولا بدَّ في الاشتراك من وضعين.
ورُدَّ الدليل الثالث بأنَّ عدم الدليل المعتبر على تحتُّم عوده إلى الجميع أو اختصاصه بالأخيرة لايقتضي المصير إلى الاشتراك، بل يتردَّد الأمر بينه وبين الآراء الأخرى وبين الوقف. <ref> معالم الدين : 127.</ref>
وأجيب عن الدليل الرابع بأنَّا لا نسلّم صحّة ما ذكره في الحال والظرف، بل هو عائد إلى الكلّ أو ما يليه على اختلاف المذهبين، وإن سُلِّم ذلك، غير أنَّه آئل إلى القياس في اللغة، وهو باطل. <ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 512.</ref>
=======القول الرابع: التفصيل=======
وقد تعدّدت المذاهب في التفصيل، فبعض قال: إن كان الشروع في الجملة الثانية إضرابا عن الأولى، ولايضمر فيها شيء ما في الأولى، فالاستثناء مختصّ بالجملة الأخيرة، وإن لم تكن الجملة الأخيرة مضربة عن الأولى بل لها نوع تعلّق، فالاستثناء راجع إلى الكلّ. وهو رأي القاضي عبد الجبار وأبي الحسين البصري وجماعة من المعتزلة. <ref> انظر : المعتمد 1 : 264، الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 504 ـ 505، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 2 : 261.</ref>
كما فصَّل العلاّمة الحلّي، وذهب إلى اعتماد القرينة على الأمرين<ref> تهذيب الوصول : 141.</ref>: «وهو ليس بجيد؛ لأنَّ فرض وجود القرينة يخرج عن محلّ النزاع؛ إذ هو فيما عرا عنها».<ref> معالم الدين : 122.</ref>
وفصَّل آخر بين ما إذا كان الموضوع واحدا للجمل المتعاقبة لم يتكرّر ذكره، وقد ذكر في صدر الكلام، مثل قولك: «أحسن إلى الناس، واحترمهم، واقضِ حوائجهم، إلاَّ الفاسقين»، وبين ما إذا كان الموضوع متكرّرا ذكره لكلِّ جملة كالآية الرابعة من سورة النور، وإن كان الموضوع في المعنى واحدا في الجميع.
فإن كان من قبيل الأوّل، فهو ظاهر في رجوعه إلى الجميع؛ باعتبار اتّحاد الموضوع في جميع الجمل.
وإن كان من قبيل الثاني، فهو ظاهر في الرجوع إلى الأخيرة؛ باعتبار استقلال الموضوعات، ويحتاج تخصيص الجمل السابقة إلى دليل آخر مفقود في الفرض، فيتمسَّك بأصالة عمومها. <ref> انظر : أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 212، الكاشف عن المحصول 4 : 458 ـ 459.</ref>
=====ثمرة الخلاف=====
تظهر ثمرة الخلاف في رجوع الاستثناء إلى جميع الجمل أو الأخيرة في مثل قوله تعالى: '''«وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ‏إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا»'''<ref> النور : 4ـ5.</ref>، فإنَّه يحتمل أن يكون هذا الاستثناء من الحكم الأخير فقط، وهو فسق هؤلاء، وتبقى الجمل الأخرى على عمومها وتجري فيها أصالة العموم.
ويحتمل أن يكون استثناء منه ومن الحكم بعدم قبول شهادتهم والحكم بجلدهم الثمانين. <ref> أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 212، وانظر : البرهان في أصول الفقه 1 : 141، أصول الفقه (الخضري بك) : 180، أصول الفقه (محمد أبو النور) 1 ـ 2 : 468 ـ 469.</ref>
===4 ـ الاستثناء من النفي وبالعكس===
اختلف الأصوليون في أنَّ الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات، ويعود هذا الاختلاف إلى أنَّ المستثنى مُخرَج من الحكم أو من المحكوم به، فإذا قال قائل: (قام القوم إلاَّ زيدا) فهناك أمران، الأوَّل: القيام، والآخر: الحكم. والاختلاف في أنَّ الاستثناء إخراج للمستثنى من المحكوم به، وهو القيام، فيدخل في نقيضه، وهو عدم القيام، أم إخراج للمستثنى من الحكم بالقيام أو عدمه، فيدخل في نقيضه، وهو عدم الحكم، فيكون غير محكوم عليه، وهو في هذه الحالة أعمّ من أن يكون قائما وأن لايكون. <ref> الوجيز في أصول التشريع الإسلامي : 184، وانظر : شرح الجلال المحلّي 2 : 23 ـ 24، حاشية العلامة البناني 2 : 23 ـ 24، تمهيد القواعد : 198، تقرير الشربيني 2 : 23 ـ 24.</ref>
ويُنْقَلُ اتّفاق الأصوليين على أنَّ الاستثناء من الإثبات نفي، وأمَّا الاستثناء من النفي فذهب الجمهور إلى أنَّه إثبات<ref> انظر : الحاصل من المحصول 2 : 341، الاستغناء في أحكام الاستثناء : 549، شرح تنقيح الفصول : 247، العقد المنظوم : 618 ـ 619، نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 2 : 256، شرح الجلال المحلّي 2 : 50، التمهيد (الأسنوي): 392، نهاية السّول 2 : 423 ، زبدة الأصول (البهائي) : 140 ، شرح البدخشي 2 :  137.</ref>، وذهب الحنفية إلى أنَّ الاستثناء لايكون إثباتا. <ref> انظر : أصول السرخسي 2 : 36، تيسير التحرير 1 : 294، فواتح الرحموت 1 : 326 ـ 327.</ref> وجعلوا بين الحكم بالإثبات والحكم بالنفي واسطة، وهي عدم الحكم، قالوا: فمقتضى الاستثناء بقاء المستثنى غير محكوم عليه، لا بالنفي ولا بالإثبات. <ref> إرشاد الفحول 1 : 492.</ref>
إلاَّ أنَّ [[الزركشي]] ينفي الوفاق، ويقول: الخلاف عندهم موجود؛ لأنَّ المأخذ الذي ذكروه موجود فيهما، وهو أنّ بين الحكم بالنفي وبين الحكم بالإثبات واسطة، وهي عدم الحكم، وتركه على ما كان عليه قبل الاستثناء، بلا فرق بين الاستثناء من النفي والإثبات؛ إذ الواسطة حاصلة. <ref> البحر المحيط 3 : 301.</ref>
واستدلَّ الجمهور على رأيهم بأنَّ القائل إذا قال: «لا إله إلاَّ اللّه» كان موحّدا مثبتا للإلوهية للّه‏ سبحانه وتعالى، ونافيا لها عمَّا سواه، ولو كان نافيا للإلوهية عمَّا سوى الربّ تعالى غير مثبت لها بالنسبة إلى الربّ  تعالى، لما كان ذلك توحيدا للّه‏ تعالى؛ لعدم إشعار لفظه بإثبات الإلوهية للّه‏ تعالى؛ وذلك خلاف [[الإجماع]]. <ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 512، وانظر : مبادئ الوصول : 134.</ref>
وأيضا بأ نّه إذا قال القائل: «لا عالم في البلد إلاَّ زيد» كان ذلك من أدلّ الألفاظ على علم زيد وفضيلته، وكان ذلك متبادرا إلى فهم كلّ سامع لغوي، ولو كان نافيا للعلم عمَّا سوى زيد، غير مثبت للعلم لزيد، لما كان كذلك. وعلى هذا النحو في كلّ ما هو من هذا القبيل. <ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 512.</ref>
واستدلّ كذلك بالانسباق عند الإطلاق، فإنَّ المنسبق للذهن ما ذهب إليه الجمهور. <ref> انظر : كفاية الأصول : 209.</ref>
واستدلَّ [[الحنفية]] على رأيهم بأنَّ الاستثناء مأخوذ من قولك: ثنيت الشيء: إذا صرفته عن وجهه، فإذا قلت: «لا عالم إلاَّ زيد» فهاهنا أمران: أحدهما: هذا الحكم. والثاني: نفس العلم. فقولك: «إلاَّ زيد» يحتمل عوده إلى الأوَّل، فلا يلزم تحقّق الثبوت، ويبقى المستثنى مسكوتا عنه، ويحتمل عوده إلى الثاني، فيلزم تحقّق الثبوت؛ لأنَّ ارتفاع العدم يحصّل الوجود لا محالة. <ref> انظر : إرشاد الفحول 1 : 493.</ref>
واحتجَّ [[أبوحنيفة]] بقوله(ص): «لا نكاح إلاَّ بوليٍّ»<ref> سنن الدارمي 2 : 137 كتاب النكاح، باب النهي عن النكاح بغير ولي، حديث أبي موسى، وسنّن ابن ماجة 1 : 650 كتاب النكاح، باب 15 لا نكاح إلاّ بولي ح1880 و1881.</ref>، وقوله(ص): «لا صلاة إلاَّ بطهور».<ref> سنن أبي داود 1 : 16 كتاب الطهارة، باب فرض الضوء ح59 وفيه «لا صلاة بغير طهور».</ref>
ورُدَّ بأ نّه لم يلزم منه تحقّق النكاح عند حضور الولي، ولا تحقّق الصلاة عند حضور الوضوء، بل يدلُّ على عدم صحّتهما عند عدم هذين الشرطين. <ref> المحصول الرزاي 1: 412، الكاشف عن المحصول 4: 450 ـ 453.</ref>
ورُدَّ كذلك بأنَّه إن كان النزاع فيما يفيد ذلك باعتبار الوضع الشرعي، فلا بدَّ من اعتبار تمام ما اشترط الشرع في النكاح والصلاة.
وإن كان النزاع فيما يفيد ذلك باعتبار الوضع اللغوي، فدخول الباء في المستثنى قد أفاد معنى غير المعنى الذي مع عدمها، فإنَّ دخولها ليس بمخرج ممَّا قبله؛ لأنَّا لم نقل: لا نكاح إلاَّ الولي، ولا صلاة إلاَّ الطهور، بل قلنا: (إلاَّ بولي) و(إلاَّ بطهور)، فلابدَّ من تقدير متعلّق هو المستثنى منه، فيكون التقدير: لا نكاح يثبت بوجه الاَّ مقترنا بولي، أو نحو ذلك من التقديرات. <ref> إرشاد الفحول 1 : 494.</ref>
===5 ـ تعدّد الاستثناءات===
يصحُّ تعدُّد الاستثناء أو الاستثناء من الاستثناء بدليل قوله تعالى: '''«إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ امْرَأَتَهُ»'''<ref> الحجر : 59ـ60.</ref> وإن حكي عن بعض أهل العربية منعه. <ref> انظر : البحر المحيط 3 : 304.</ref>
فإذا تعدَّد الاستثناء، وكان التعدّد بحرف عطف، كان الجميع راجعا إلى المستثنى منه. وإن كان بغيره فكذلك إن كان الثاني أكثر من الأوَّل أو مساويا له ، وإلاَّ عاد إلى الأوَّل ؛ لقربه. <ref> مبادئ الوصول : 134 ـ 135 وانظر : الحاصل من المحصول 2 : 343، شرح تنقيح الفصول : 254، الإبهاج في شرح المنهاج 2 : 152 ـ 153.</ref>
مثال الأوَّل: «عليَّ عشرة إلاَّ أربعة وإلاَّ ثلاثة وإلاَّ اثنين»، ويلزمه هنا واحد فقط.
ومثال الثاني: «عليَّ عشرة إلاَّ ثلاثة إلاَّ أربعة» فيلزمه ثلاثة، أو «عليَّ عشرة إلاَّ ثلاثة إلاَّ ثلاثة»، فيلزمه أربعة<ref> شرح تنقيح الفصول : 254.</ref>، وقيل في الأخير: سبعة، باعتبار أنَّ الثاني مؤكّد للأوّل. <ref> انظر: تمهيد القواعد: 204، أصول الفقه محمد أبوالنور 1 ـ 2: 463.</ref>
ومثال الثالث: وهو كون الاستثناء الثاني أقل: «عليَّ عشرة إلاَّ خمسة إلاَّ أربعة إلاَّ ثلاثة»؛ فإنَّ كلَّ استثناء يعود إلى سابقه، ويلزمه في هذه الحالة ستة فقط؛ لأنَّ الثلاثة تخرج من الأربعة، فيبقى واحد يخرج من الخمسة، فيبقى أربعة تخرج من العشرة، فيبقى ستة. <ref> انظر : شرح الجلال المحلّي 2 : 25، الوجيز في أصول التشريع الإسلامي : 185.</ref>
===6 ـ مفهوم الاستثناء===
من أهمّ النقاشات التي تطرح في بحث الاستثناء هو ما إذا كان للجملة التي تتضمّنه مفهوم، أم لا؟ وقد اختلف فيها الأصوليون كأكثر موارد المفاهيم. <ref> فوائد الأصول 1 ـ 2 : 505، تحريرات في الأصول 5 : 165 ـ 166، زبدة الأصول الروحاني 2 : 283 ـ 284.</ref>


==المصادر==
==المصادر==


[[تصنيف: دلالة الاستثناء]]
[[تصنيف: دلالة الاستثناء]][[تصنيف: المصطلحات الأصولية]]
 
[[تصنيف: علم الأصول]]