الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه

من ویکي‌وحدت

الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه: هذا البحث من المباحث الخلافية في علم أصول الفقه، والمراد به هو أنّ الأمر بالشئ هل هو نهيٌ عن ضدّه أو لا؟ مثلاً حينما قال المولی: أقم الصلاة، هل هذا يدل علی أن لاتترک الصلاة أو يدل علی أن لا تسافر؟ وعلی تقدير الدلالة هل هذه الدلالة بالمطابقة أو بالتضمن أو بالالتزام؟

هل أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه؟

انقسم الأصوليون في هذا الموضوع إلى طوائف:

الطائفة الأولى من الأصوليين

وهُم يقولون الأمر بالشيء ليس نهياً عن ضدّه لا لفظاً ولا معنى. نُسب هذا إلى أهل العدل من المتكلّمين وكثير من الفقهاء[١] ، و المعتزلة[٢] ، وذهب إليه السيّد المرتضى[٣] .
استدلّ السيّد المرتضى على هذا الرأي بأنّ الأمر بالنوافل ليس نهياً عن تروكها، ولا كره في أضدادها[٤] .

الطائفة الثانية من الأصوليين

أنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه استلزاماً ومعنى. قال به البصري، والكعبي، وعبد الجبّار، والقاضي[٥] ، وذهب إليه الشيخ الطوسي [٦] والغزالي، ونسبه الأخير إلى أصحابه (الشافعيين) وأصحاب أبي حنيفة و الشافعي والكعبي ومالك[٧] .
استدلَّ الشيخ الطوسي على هذا الرأي بأنَّ أهل اللغة فرّقوا بين صيغة الأمر والنهي بكون الأوّل قول (افعل) والثاني قول (لا تفعل) وهما يدركان بحاسة السمع، ومن الواضح أ نّا لا نسمع قول (لا تفعل) عند قول (افعل) واقتضاء الأمر للنهي عن الضدّ معنى؛ باعتبار أنَّ الأمر يقتضي الإيجاب، فأرجع اقتضاء الأمر للنهي عن ضدّه إلى أنّ الايجاب هو مقتضى الأمر[٨] . وقد قال في دلالة الأمر: إنَّ اقتضاء الأمر للنهي عن الضدّ معنى؛ باعتبار أنّ الأمر يقتضي الإيجاب ويذمُّ العقلاء مخالفة العبد للأمر، وذلك يعني اقتضاء الأمر معنى للنهي عن ضدّه[٩] .

الطائفة الثالثة من الأصوليين

أنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه لفظاً.
نسبه الغزالي إلى الأشعرية، وقال: بأنّه مبني على أصل الأشاعرة القائل بعدم وجود صيغة للأمر والنهي[١٠] .
واستدلَّ عليه كذلك بأنّ ترك ضد المأمور به من ضرورات الأمر، وأنَّه يمتنع الإذن في فعل الضدّ عند طلب الأمر، لتنافيهما[١١] .

الطائفة الرابعة من الأصوليين

الأمر بتحصيل شيء يكون نهياً عن ضدّه إذا كان له ضد واحد، كالأمر بالإيمان ونحوه. وإن كان له أكثر من ضدٍّ فانقسموا إلى أقوال، فقال بعضهم : بأنّ الأمر يقتضي النهي عن جميعها ، وقال آخر : بأنّه يكون نهياً عن واحد غير معين من الأضداد، ويرجع أصحاب هذا الرأي الاختلافات الواردة عن الأصوليين في هذا المجال إلى الاختلاف في ما له أكثر من ضدّ واحد.
نسب السمرقندي هذا القول إلى مشايخ الحنفية وأصحاب الحديث[١٢] ، وورد عن الزركشي كذلك[١٣].

الطائفة الخامسة من الأصوليين

التفصيل بين الضدّ الموجود والضدّ المعدوم، بأن يقال: بتوقُّف وجود أحد الضدّين على عدم الآخر إذا كان الآخر موجوداً لا مطلقاً، وبعبارة أخرى: توقُّف وجود أحد الضدّين على رفع الآخر لا على دفعه، فيكون عدم الضدّ الموجود مقدّمة لوجود الضدّ الآخر دون عدم الضدّ المعدوم.
نسب الشيخ الأنصاري هذا القول إلى المحقّق الخوانساري[١٤] ، كما نُسب الميل إليه إلى الشيخ الأنصاري نفسه[١٥] .
واستدلَّ عليه بأنَّه لا بدَّ في وجود شيء من قابلية المحلّ، فإن كان المحلّ مشغولاً بأحد الضدّين فلا يكون قابلاً لعروض الضدّ الآخر؛ لاستحالة اجتماع الضدّين، ما يعني أنَّ وجوده متوقّف على انعدام الضدّ الموجود، وهذا بخلاف ما إذا لم يكن شيء منهما موجوداً، فإنّ المحلّ حينئذٍ قابل لعروض كلٍّ منهما بالفعل، فإذا وجد المقتضي لأحدهما فلا محالة يكون موجوداً بلا دخل لعدم الآخر في وجوده.
وهو مبني على أنّ الحادث لا يحتاج في بقائه إلى المؤثّر، وإنّما يحتاج إليه في حدوثه فقط، إذ عليه يكون الحادث المستغني عن المؤثر مانعاً عن حدوث ضدّه، فيكون حدوث ضدّه متوقّفاً على ارتفاعه. وأمّا إن كان الحادث محتاجاً في بقائه أيضاً إلى المؤثّر كحدوثه، فلا يكون عدم ضدّه مستنداً إليه أبداً، بل إلى عدم المقتضي له أو فقدان الشرط أو وجود المانع.
ويردّ السيّد الخوئي هذا التفصيل من الأساس؛ باعتبار أنّ الكلام هنا في الأفعال الاختيارية التي هي متعلّق الأحكام الشرعية، مع أنّ الفعل الاختياري يحتاج في كلّ آن من الأنات إلى المؤثّر، ولا يكون باقياً بنفسه بعد حدوثه بالضرورة[١٦] .

الطائفة السادسة من الأصوليين

وهي لبعض متأخّري الشيعة، حيث قسموا الضدّ إلى خاصّ وعام، ويراد من الخاصّ الأمر الوجودي الذي يقابل الأمر تقابل الضدّ، ويراد من العام الواجب المقابل الذي تكون النسبة بينه وبين الأمر نسبة التناقض.
أمّا بالنسبة إلى اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه العام (النقيض) فقد ناقشه علماء هذه الطائفة على عدة مستويات ولحاظات، ورغم أنّهم قالوا: باقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه العام، إلاّ أنّهم اختلفوا في تفسير الاقتضاء وما إذا كان يراد منه العينية أو التضمنية أو الالتزامية:
اللحاظ الأوّل: هو لحاظ المسألة في مرحلة الإثبات، ومن المسلَّم أنَّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه وقوله: «صلِّ» بمثابة قوله: «لا تترك الصلاة» عرفاً وإن كان هناك اختلاف في المداليل التصوّرية كمفردات؛ باعتبار أنّ كلّ واحد منها ليس عين الآخر.
اللحاظ الثاني: لحاظه في مرحلة الثبوت، وهذا اللحاظ ينقسم إلى مرحلتين:
1 ـ مرحلة الحكم والاعتبار، وفي هذا العالم الأمر بالشيء يقتضي النهي عن نقيضه إذا قلنا: بأنّ النهي عن الشيء عبارة عن طلب نقيضه وأنّ نقيض الفعل هو الترك، ونقيض الترك هو الفعل، والاقتضاء عندئذٍ يكون بنحو العينية؛ لأنّ الأمر بالشيء عين النهي عن الترك.
لكنّا إذا قلنا: بأنّ النهي عبارة عن اعتبار الزجر، والأمر عبارة عن اعتبار البعث والإرسال، فيكون أحدهما غير الآخر، والاقتضاء لا يكون بنحو العينية، فيكون بنحو التضمُّن لكن يتوقّف على أن يكون الأمر عبارة عن طلب الفعل مع المنع عن الترك.
2 ـ مرحلة أو عالم الحبّ والبغض والإرادة والكراهة، فاقتضاء حبّ فعلٍ ما للبغض عن ضدّه العام يبتني على فرض تفسير الحبّ والبغض، الصادر من النفس البشرية، بأنّهما عاطفتان مستقلتان ذاتاً وماهية تنشآن من منشأ واحد، وهو المصلحة والملاك، أحدهما يتعلّق بفعل ما فيه المصلحة، ويسمّى الحبّ، والآخر يتعلّق بتركه، ويسمّى البغض، على فرض أن تكون العلاقة بينهما علاقة طولية، أي يقال: بأنّ بغض الترك يتولّد من حبّ الفعل وفي طوله؛ باعتبار أنّ الإنسان يبغض ويتألّم لفوات محبوبه[١٧] .

المصادر

  1. . العدّة في أصول الفقه الطوسي 1: 196.
  2. . ميزان الأصول 1: 261.
  3. . الذريعة 1: 85 ـ 86.
  4. . المصدر السابق: 87.
  5. . الفائق في أصول الفقه 1: 227.
  6. . العدّة في أصول الفقه 1: 197.
  7. . المسوّدة: 44.
  8. . العدّة في أصول الفقه 1: 197 ـ 198.
  9. . المصدر السابق: 172 ـ 173.
  10. . المسوّدة: 44.
  11. . الفائق في أصول الفقه 1: 228.
  12. . ميزان الأصول 1: 259 ـ 260.
  13. . البحر المحيط 2: 416 ـ 421.
  14. . مطارح الأنظار 1: 499.
  15. . أنظر: بدائع الأفكار الرشتي: 377.
  16. . مصباح الأصول 1ق1: 566.
  17. . بحوث في علم الأصول الهاشمي 2: 315 ـ 318، وأنظر: مصباح الأصول 1ق1: 555 ـ 574.