الأصل السببي والمسببي

الأصل السببي والمسببي: اصطلاحٌ أصوليٌ ويراد بالأصل السببي أنه ينقّح الموضوع للأصل المسببي، کطهارة الماء التي يُحکم فيها بجواز الشرب، فاستصحاب الطهارة أصل سببي واستصحاب جواز شربها أصل مسببی، لأن جواز الشرب يتوقف علی طهارة الماء فما لم تکن الطهارة ثابتة لم يکن الجواز ثابتاً. فالأصل السببي مقدمٌ وحاکمٌ علی الأصل المسببي.

تعريف الأصل السببي والمسببي

يطلق اصطلاح الأصل السببي والمسبَّبي عندما يكون أصلان أوّلهما ينقّح الموضوع للثاني ويعالج المشكلة في مرحلة الموضوع، فيسمّى سببيّا، والآخر يعالج المشكلة في مرحلة الحكم فيسمّى مسببيّا، من قبيل الشكّ في بقاء طهارة الماء المعيّن، فنستصحب الطهارة، التي هي موضوع للحكم بجواز شرب الماء، فيترتّب جواز شربه على الاستصحاب المزبور. والاستصحاب الآخر هو جواز الشرب من الماء المعيّن الذي شكّ في بقاء طهارته، فيستصحب جواز الشرب بناءً على الاستصحاب السابق الذي جرى في الماء. [١]
وبرغم أنّ الأمثلة الواردة عن جلّ من تعرّض لهذا الموضوع خاصّة بما إذا كانت هذه الحالة بين استصحابين إلاّ أنّ الأمر لايختصّ بذلك، بل يشمل مطلق الأصلين الحاصل بينهما هكذا حالة سواء كانا استصحابين أو استصحاب وبراءة مثلاً. [٢]

تقدّم الأصل السببي على المسبَّبي

قد يبدو من كلمات الشهيد الصدر في (دروس في علم الأصول) جريان كلٍّ من الأصل السببي والمسببي حالة اتفاقهما في النتيجة وعدم تعارضهما، وأنّه لانقاش في هذا الموضوع[٣] إلاّ أنّه يبدو من تقريراته في (بحوث في علم الأصول) وجود من يقول بتقدُّم الأصل السببي على المسببي حتّى في حالة التوافق[٤]. وبعض آخر يرى أنّ الجاري هو الأصل السببي فقط؛ باعتبار كون رتبة المسبَّبي متأخّرة، ولايصل الدور إليه، سواء توافقا في النتيجة أم تخالفا. [٥]
ولايوجد نقاش مهمّ في الموضوع، وإنّما النقاش فيما إذا تعارضت نتائجهما، من قبيل: استصحاب طهارة الماء المغسول به ثوب نجس، فإنَّ الشكّ في بقاء نجاسة الثوب وارتفاعها مسبَّب عن الشكّ في بقاء طهارة الماء وارتفاعها. وعليه يكون استصحاب طهارة الماء أصلاً سببيَّا واستصحاب عدم طهارة الثوب أصلاً مسبَّبيَّا. المعروف عن جلّ المتأخّرين تقديم الأصل السببي على المسبّبي، لكنَّهم اختلفوا في تبرير ذلك، فالشيخ الأنصاري يعتبر أنَّ شمول عموم (لا تنقض) للشكّ السببي يقتضي نقض الحالة السابقة لمورد الشكّ المسبّبي، وجريانه في السبب يمنع قابلية شموله في المسبَّب فهو متقدِّم رتبة وطبعا. [٦]. ويستظهر منه أنّ التقدّم من باب الورود. [٧]
والآخوند الخراساني يرى ذلك من باب الورود كذلك؛ باعتبار كون الاستصحاب في طرف المسبَّب موجبا لتخصيص الخطاب، أي فيه محذور تخصيص الخطاب بلا وجه ولا دليل. [٨]
والمحقّق النائيني يُرجع تقدُّم الأصل السببي على المسببي ـ عموما، دون الاختصاص بالاستصحاب ـ إلى حكومة الأوَّل على الثاني، وذلك بشرطين:
الأوّل: أن يكون ترتُّب المسبَّب على السبب شرعيا لا عقليا.
الثاني: أن يكون الأصل السببي رافعا للشكّ المسببي.
فإذا كان الأصل السببي واجدا لهذين الشرطين فلاينبغي التأمُّل في حكومته على الأصل المسبَّبي؛ لأنَّه رافع لموضوعه، فلايمكنه أن يعارض الأصل المسببي؛ لأنَّ كلَّ حكم مشروط بوجود موضوعه، فلابدَّ من فرض وجود الموضوع في ترتُّب الحكم عليه، ولايعقل أن يكون الحكم متكفلاً بإيجاد موضوعه. [٩]
و الإمام الخميني يرجع التقدُّم إلى حكومة الأصل السببي كذلك، لكنَّه يختلف عن النائيني في تصوير الحكومة، حيث يرى تقدُّم الأصل المذكور على الكبرى الكلّية الاجتهادية بتنقيح موضوعها وتقدُّم الدليل الاجتهادي المحرز بالتعبُّد على الأصل المسبَّبي[١٠]، أي إنّه يرى حكومة الأصل السببي على المسببي بواسطة، وفي هذا المجال يقول: «فالأصل السببي ليس حاكما على الأصل المسبَّبي بلا واسطة، بل هو حاكم على الدليل الاجتهادي، و الدليل الاجتهادي حاكم على الأصل المسببي ورافع للشكّ فيه».[١١]
ويوضّح رأيه قائلاً: فالميزان في كون الأصل السببي مقدَّما على المسبَّبي على ما ذكرنا، هو أن يندرج بالأصل السببي شيء في موضوع كبرى كلّية متضمّنة للحكم على أحد طرفي الشكّ المسبَّبي إثباتا أو نفيا، فاستصحاب كرِّية الماء مقدَّم على استصحاب نجاسة الثوب، واستصحاب قلَّة الماء مقدَّم على استصحاب طهارته إذا وردت عليه نجاسة، فإنَّ باستصحاب القلّة يندرج الماء المشكوك فيه في موضوع أدلَّة انفعال الماء القليل، فيقدَّم الدليل الاجتهادي على الاستصحاب. [١٢]
وهناك بيانات اُخرى للحكومة قال بها الشهيد الصدر. [١٣]
ويظهر مخالفة البعض لتقديم الأصل السببي على المسبَّبي، منهم: الشيخ الطوسي، و المحقّق الحلّي، و العلاَّمة الحلّي في بعض أقواله، والمحقّق الثاني، فإنَّ هؤلاء أفتوا في موارد خاصّة، يحصل فيها تعارض بين الأصل السببي والمسبَّبي، بما يعني تقدُّم المسبَّبي على السببي وإن لم يصرّحوا بالتقديم. [١٤]

المصادر

  1. دروس في علم الأصول 1: 436.
  2. درر الفوائد الحائري 1 ـ 2: 630 ـ 631، بحوث في علم الأصول (الهاشمي) 6: 353 و359.
  3. دروس في علم الأصول 1: 436.
  4. بحوث في علم الأصول الهاشمي 6: 354.
  5. فوائد الأصول 4: 82 ـ 83.
  6. المصدر السابق 3: 396.
  7. منتهى الدراية 9: 332 و335.
  8. كفاية الأصول: 431.
  9. فوائد الأصول 4: 682 ـ 683.
  10. يعتبر الإمام الخميني ترتُّب الآثار على الاستصحابات الموضوعية ليس لأجل قوله: «لاينقض اليقين بالشكّ» بل هي في هذه الموارد ـ كمورد المثال الذي سيذكره ـ منقّحة لموضوع كبرى شرعية مجعولة تعبّدا مثل: «أنَّ الثوب المغسول بالكرّ طاهر» أو «إنَّ الكرَّ مُطهِّر». الاستصحاب: 244 ـ 246.
  11. تنقيح الأصول الاشتهاردي 4: 286، 292.
  12. الاستصحاب: 250.
  13. بحوث في علم الأصول الهاشمي 6: 355 ـ 356.
  14. أنظر: فرائد الأصول 3: 401 ـ 404، عناية الأصول 5: 254، منتهى الدراية 9: 332.