الفرق بين المراجعتين لصفحة: «أصالة الإباحة»

أُضيف ٢٢٬٨٦٠ بايت ،  ١٦ يناير ٢٠٢١
لا يوجد ملخص تحرير
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ٦٨: سطر ٦٨:


==الدلیل علی أصالة الإباحة==
==الدلیل علی أصالة الإباحة==
استدلّ الجمهور من الكتاب<ref>(الإحكام ابن حزم 5 ـ 8 : 50، 304.)</ref> بقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَتَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ».<ref>(سورة المائدة، الآیة 101)</ref>
ومن السنّة<ref>( الإحكام ابن حزم 5 ـ 8 : 180، 304)</ref> بقوله(ص): «أعظم الناس جرماً في الإسلام من سأل عن شيء لم يحرّمه، فحرّم من أجل مسألته».<ref>(المحلّى 1 : 318، وقد ورد في المصادر الحديثية بألفاظ متقاربة فراجع في ذلك : صحيح البخاري 6 : 2658 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة، باب 3 ما يكره من كثرة السؤال وتكلّف ما لايعنيه ح6859، صحيح مسلم 4 : 1831 كتاب الفضائل، باب (37) توقيره(ص) وترك إكثار سؤاله عمّا لا ضرورة إليه ح132)</ref>
===استدلال الإمامیة علی أصالة الإباحة===
أمّا الإمامية فقد استدلوا بروايات متعددة:
منها: موثقة مسعدة بن صدقة عن الصادق  عليه‏السلام، قال: سمعته يقول: «كلّ شيء لك حلال حتى تعلم أ نّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته، وهو سرقة، أو المملوك يكون عندك ولعلّه حرّ باع نفسه أو خدع فبيع أو قُهر، أو امرأة تحتك وهي اختك أو رضيعتك، والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة».<ref>(الكافي 5 : 313 ـ 314 كتاب المعيشة، باب النوادر ح40، تهذيب الأحكام 7 : 226 كتاب الإجارات، باب 21 من الزيادات ح9 باختلاف يسير.)</ref>
ومنها: رواية عبداللّه‏ بن سليمان قال: سألت أبا جعفر عليه‏السلام عن الجبن ـ  إلى أن قال  عليه‏السلام  ـ : «سأخبرك عن الجبن وغيره، كلّ ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه».<ref>(الكافي 6 : 339 كتاب الأطعمة، باب الجبن ح1.)</ref>
وقد عُرِف هذا الأصل بين الجمهور بأصل الحِلَ بدلاً من الإباحة. <ref>(المغني ابن قدامة 4 : 127، الشرح الكبير (ابن قدامة) 4 : 128، الإحكام (ابن حزم) 5 ـ 8 : 180، 304، روضة الطالبين 2 : 537.)</ref>
وأمّا الإباحة الأصلية: فالمراد بها حكم العقل قبل الشرع<ref>(انصاری، مطارح الأنظار 2 : 420.)</ref> بإباحة الأعيان الخارجية أو مطلق الأفعال غير الضرورية<ref>(وأمّا الضرورية منها، كاستنشاق الهواء فهي خارجة عن البحث، وإلاّ صارت من التكليف بما لايطاق كما ادّعى ذلك الرازي في المحصول 1 : 47.)</ref>، التي لايستقل العقل بدرك حسنها أو قبحها<ref>(انظر : معارج الأصول : 203، نهاية الوصول العلاّمة الحلّي، 1 :  139)</ref>، إلى أن يرد من الشارع ما يمنع منها. <ref>(معارج الأصول : 203، عناية الأصول 4 : 48، بحوث في علم الأصول الهاشمي 5 : 25)</ref>
==الفرق بين الإباحة الأصلية والإباحة الظاهرية==
يمكننا تلخيص الفرق والاختلاف بين أصالة الإباحة الواقعية والظاهرية بما يلي:
===1 ـ الاختلاف الموضوعي أو الحكمي===
ذكر بعض الأصوليين أنّ موضوع الأولى هو الفعل في حدّ ذاته مع قطع النظر عن ورود حكم شرعي فيه<ref>(مطارح الأنظار 2 : 420، نهاية الدراية 4 : 127)</ref>، أو مع  القطع بعدم وروده فيه. <ref>(مصباح الأصول 2 : 309.)</ref> وموضوع الثانية هو الفعل المشكوك حكمه مع ملاحظة ورود الشرع. <ref>(نهاية الدراية 4 : 127.)</ref> إلاّ أنّ هناك من حاول التفريق بين المسألتين على أساس أنّ الحكم في أصالة الإباحة واقعي لم يؤخذ في موضوعها الشك، فتكون من [[الأدلة الاجتهادية]]، والحكم في أصالة البراءة ظاهري أخذ في موضوعها الشك، فتكون من الأدلة الفقاهتية. <ref>(فوائد الأصول 3 : 329، زبدة الأصول الروحاني 3 : 191)</ref> لكن صاحب الفصول رفض أن يكون ذلك فارقا بين المسألتين، معتبرا أنّ الإباحة في كليهما ظاهرية. <ref>(الفصول الغروية : 347، وفهم ذلك منه الشيخ الأنصاري في تقريرات درسه، راجع : مطارح الأنظار 2 : 413.)</ref>
وأورد عليه بأ نّه مخالف لما ذهب إليه الأعلام من أنّ المقصود من أصالة الإباحة بالمعنى الأول [[الإباحة الواقعية]]، كما يستفاد ذلك من استدلال القائل بأنّ التصرف في الأشياء تصرف في ملك الغير بغير إذنه، وجواب القائل بالإباحة بأنّ الإذن من المالك معلوم، فإنّ كلاًّ من الدليل والجواب أدلّ دليل على أنّ المراد بالإباحة والحظر الواقعيين منهما. <ref>(مطارح الأنظار 2 : 401 ـ 402)</ref>
وهناك من رفض التفريق بين المسألتين على أساس الحكم، فضلاً عن كونه في أحدهما واقعيا أو ظاهريا، إذ ليس من شأن العقل إصدار الأحكام، بل من شأنه إدراك الحسن والقبح، ولا مجال للقول بأنّ ما حسّنه العقل حسّنه الشرع؛ لأنّ فرض البحث هو ما كان قبل الشرع وبغض النظر عن وجوده.
قال [[المحقّق الأصفهاني]]: «إنّ المحمول في المسألة الأولى وإن عُبّر عنه بعنوان الحظر والإباحة، إلاّ أنّ المراد منهما عدم التبعة والحرج عقلاً، أو التبعة والحرج عقلاً؛ لأنّ [[الإباحة التكليفية]] والحظر التكليفي من العقل بما هو قوة عاقلة شأنها التعقل غير معقولة، ومن الشارع مفروض العدم؛ لأنّ الموضوع هو الفعل في حدّ ذاته مع قطع النظر عن ورود الشرع فيه، ففرض استقلال العقل بإباحته شرعا أو بحرمته شرعا خلف بيّن... ومنه تبيّن أنّ دعوى اختلافهما محمولاً تارةً من حيث إنّ الإباحة في المسألة الأولى واقعية وفي الثانية ظاهرية... مدفوعة؛ بأنّ فرض سنخ مقولة الحكم في المسألة الأولى خُلُفْ تارة، وخلاف الواقع أخرى».<ref>(نهاية الدراية 4 : 128 ـ 129)</ref>
ولابدّ من الإشارة هنا إلى ما انفرد به [[المحقّق النائيني]]، من الفرق بين المسألتين على أساس أنّ موضوع [[أصالة البراءة]] هو مطلق الأفعال الصادرة من المكلّف سواء أكان متعلقها الموضوعات الخارجية كشرب الخمر، أو الأفعال الصرفة كالصلاة والصيام، بخلاف أصالة الإباحة التي أكدّ على أنّ موضوعها الأشياء الخارجية في غير ما يتوقف عليه العيش والمعاش. <ref>(أجود التقريرات 3 : 288 ـ 289)</ref>
وأورد عليه بأنّ ما ذكره الأصوليون دليلاً لأصالة الاباحة لم يفرق فيه بين الأفعال والموضوعات الخارجية<ref>(زبدة الأصول الروحاني 3 : 190)</ref>، مع أ نّه لا دليل على الاختصاص.
===2 ـ الاختلاف الملاكي===
يختلف الملاك في المسألة الأولى عن الملاك في الثانية، فإنّ ملاك الأولى هو عدم خروج العبد عن زي العبودية في صورة الارتكاب بناءً على الإباحة، أو خروجه عنها بناءً على الحظر. والملاك في الثانية هو عدم [[تنجّز التكليف]] لو فرض صدوره بناءً على البراءة؛ لعدم وصوله إلى المكلّف، أو تنجّزه بناءً على الاشتغال؛ ل[[وجوب دفع الضرر المحتمل]]. <ref>(نهاية الدراية 4 : 128.)</ref>
===3 ـ الاختلاف الأثري===
وهو ترتب العقاب على ارتكاب الفعل بناءً على الحظر في المسألة الأولى، سواء أكان محظورا واقعا أو لم يكن محظورا؛ لخروج المكلّف بذلك عن زي العبودية، بخلافه في المسألة الثانية، فإنّ المكلّف لايعاقب على مخالفة الاشتغال إلاّ إذا كان ملزما بالتكليف واقعاً. <ref>(المصدر السابق)</ref> وبهذه الفروق الثلاثة بين المسألتين يتضح عدم صحة المقايسة بينهما، ولا الاستدلال بإحداهما على  الأُخرى، إذ لا تلازم بين القول بالإباحة والقول  بالبراءة، ولا بين القول بالحظر والقول بالاحتياط.
نعم، من قال في المسألة الأولى بالحظر عليه إقامة الدليل على انقلاب الأصل إلى البراءة في الثانية، بخلاف من قال بالإباحة في الأولى فهو في فسحة عن إقامة الدليل على البراءة. <ref>(فوائد الأصول 3 : 328 ـ 329، نهاية الأفكار 3 : 199)</ref>
==الأقوال في [[الإباحة الأصلية]]==
اختلف الأصوليون في حكم الاشياء قبل الشرع على عدة آراء:
الرأي الأول: الإباحة، وهو مختار المعتزلة البصريون<ref>(المعتمد 2 : 315، ونسبه إليهم في اللمع : 246، والمحصول الرازي 1 : 47، ونهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 1 : 139.)</ref>، وأصحاب أبي حنيفة<ref>(نسبه إليهم في اللمع : 246، والمحصول الرازي 1 : 47.)</ref>، وطائفة من فقهاء الشافعية<ref>(تيسير التحرير 2 : 172، المحصول الرازي 1 : 47.)</ref>، وجماعة من الحنابلة<ref>(نقل ذلك عنهم أبو يعلى في العدّة في أصول الفقه 2 : 260، والدكتور عبدالكريم النملة في إتحاف ذوي البصائر 1 : 411)</ref>، وأكثر الإمامية<ref>(انظر : الذريعة 2 : 809 ، تهذيب الوصول : 55، مبادئ الوصول : 87 ، القوانين المحكمة : 255)</ref>، وقيل: إنّها من دين الإمامية. <ref>(نقله عن الصدوق في فرائد الأصول 2 : 43، وانظر: الاعتقادات: 114.)</ref>
==الأدلة علی الإباحة الأصلیة==
واستدلوا لها بالأدلة التالية:
الدليل الأول: أنّه لو كانت في هذه الأفعال مضرة لوجب على اللطيف الحكيم إرشاد الناس إليها وتحذيرهم منها، وهذا ما یسمّی [[قاعدة اللطف]].<ref>(نقله الطوسي عن القائلين بالإباحة في العدّة في أصول الفقه 2 : 746  ـ 747)</ref>
وأورد عليه بأنّ وجوب الإرشاد على اللّه‏ تعالى مرفوض بعد اتضاح طريقة العقلاء في الطاعة والعصيان، وما ينبغي أن يفعلونه في هذا المجال من تجنب محتمل الضرر؛ لكونه كمقطوعه. <ref>(الذريعة 2 : 810 ـ 811 ، العدّة في أصول الفقه الطوسي 2 :  747.)</ref>
الدليل الثاني: أنّ اللّه‏ خلق الأشياء ليعيش عليها عباده و يتلذذ بها خلقه فلا بدّ أن تكون مباحة<ref>(الحاشية على كفاية الأصول 2 : 219)</ref>، وإلاّ  لزم أن يكون ما فعله عبثا، تعالى اللّه‏ عن ذلك علواً كبيراً<ref>(الذريعة 2 : 819 ، المعتمد 2 : 320 ـ 321، التمهيد في أصول الفقه 4 : 280، معارج الأصول : 204 ـ 205)</ref>
وأورد عليه بأ نّه قد تكون هناك فوائد مترتبة على هذه الأشياء ليست عقولنا قادرة على إدراكها. <ref>(انصاری، مطارح الأنظار 2 : 413)</ref>
الدليل الثالث: هو أنّ ضرورة العقل قاضية بالإباحة بعد فقدان أي دليل على الوجوب أو الحرمة أو الكراهة أو الاستحباب، إذ لايبقى إلاّ احتمال الإباحة؛ لعدم خلو أي واقعة من حكم من أحكام اللّه‏  تعالى. <ref>(الفصول الغروية : 347.)</ref>
وأورد عليه ـ  مضافا إلى ما تقدم من أنّ العقل ليس من شأنه إلاّ تشخيص الحسن والقبح، وليس بإمكانه إصدار الأحكام  ـ أ نّه لا دليل معتبر على عدم خلو كلّ واقعة من حكم، فيمكن أن تكون هناك واقعة لا حكم لها. <ref>(انصاری، مطارح الأنظار 2 : 413 ـ 414.)</ref>
على أ نّه كما تحتاج الأحكام الأربعة إلى دليل لإثباتها كذلك تحتاج الإباحة إلى دليل لإثباتها. <ref>(المصدر السابق 2 : 413 ـ 414.)</ref>
الرأي الثاني: هو أنّ الأصل في الأشياء الحظر، وهو مختار طائفة من الإمامية<ref>(نقل ذلك عنهم : العدّة في أصول الفقه الطوسي 2 : 742، المحصول (الرازي) 1 : 47، القوانين المحكمة : 255)</ref>، وأبي حنيفة<ref>(نسبه إليه السيوطي في الأشباه والنظائر : 60.)</ref>، والمعتزلة البغداديون، وأبي علي ابن أبي هريرة من فقهاء الشافعية<ref>(اللمع : 246، المحصول الرازي 1 : 47، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 1 : 139، إتحاف ذوي البصائر 1 : 416.)</ref>، مستدلين له بأنّ كلاًّ من الإنسان والأعيان الخارجية مملوكين للّه‏ تعالى، وكل فعل أو تصرّف فيهما يعد تصرّفا في ملك الغير بدون إذنه، وهو حرام. <ref>(انظر : المعتمد 2 : 320 ـ 321، المحصول الرازي 1 : 49، شرح مختصر المنتهى 2 : 101، معارج الأصول : 203، تهذيب الوصول : 56، الحاشية على كفاية الأصول 2 : 217، نهاية الأصول 1 ـ 2 : 570، زبدة الأصول (الروحاني) 3 : 190 ـ 191، إتحاف ذوي البصائر 1 : 417)</ref>
وأورد عليه:
أولاً: أنّ مجرد امتلاكه تعالى للإنسان ولأفعاله لايعني عقلاً أكثر من أنّ له منعه من الفعل أو التصرّف في ملكه، ولذا كان المرتكز عند العقلاء أنّ المنع عن ملك اللّه‏ تعالى يحتاج إلى بيان، ولا مجال لقياس ذلك ب[[الملكية الاعتبارية]] للإنسان القاضية بحرمة التصرف في ملك الغير من دون إذنه؛ لأنّ الحكمة من اعتبار الملكية عند الإنسان هو ترتب بعض الأحكام عليها كاستقلال المالك في ملكه، واستأذان الآخرين منه في التصرف، وهو ممّا لا ضرورة له في ملك اللّه‏ تعالى إلاّ بمقدار سلطنته عليه والمنع عنه متى  شاء. <ref>(المحكم في أصول الفقه 4 : 14 ـ 15 وانظر : مذكرة أصول الفقه : 19  ـ  20)</ref>
وثانيا: أنّ الإذن معلوم بدليل العقل، فهو كدلالة العقل على إباحة الاستظلال. <ref>(المحصول الرازي 1 : 50 وانظر: بذل النظر: 665، تهذيب الوصول: 56)</ref>
وثالثا: أنّ التصرف في ملك الغير إنّما يقبح أو يحسن إذا انطبق عليه ما يقبح من العناوين كالإضرار بالغير الذي هو من الظلم، وهو ممّا لا مجال لتصوره في ملك اللّه‏ تعالى؛ لأنّ ملكه واسع لاحدّ له ولاينتفع هو به ولايتضرر بتصرف الآخرين به، فلا معنى لاحتمال عدم رضاه مع أ نّه خالق الخلق وكلّهم عياله وتحت رعايته، بخلاف سائر الناس فإنّهم ينتفعون بأملاكهم ويصرفونها في حوائجهم، فمزاحمتهم فيها تعدّ إضرارا بهم وظلما عليهم. <ref>(انصاری، مطارح الأنظار 2 : 415 ـ 416 ، نهاية الأصول 1 ـ 2 : 570  ـ  571)</ref>
الرأي الثالث: التوقف، وهو مذهب [[الشیخ المفيد]] والطوسي<ref>(التذكرة بأصول الفقه : 43 ، العدّة في أصول الفقه الطوسي 2 :  742.)</ref>، وبه قال أهل الظاهر وطوائف من أهل القياس<ref>(نقله عنهم ابن حزم في الإحكام 1 ـ 4 : 52)</ref>، وهو مختار الأشعرية.<ref>(نسبه إليهم الشيرازي في اللمع : 246، وانظر : العُدّة في أصول الفقه أبي يعلى 2 : 260، المحصول (الرازي) 1 : 47، القوانين المحكمة : 255.)</ref>
واستدلوا له بعدة أدلة:
منها: ما ذكره الحاجبي من أنّ التوقف يعدّ نتيجة طبيعية للمفروض في المسألة؛ لأنّ الكلام في الأفعال والأعيان الخارجية التي لم يستقل العقل بحسنها أو قبحها قبل ورود الشرع، فكيف يصح والحال هذه التمسّك بالعقل للحكم بالحظر أو الإباحة؟!  وبعبارة أُخرى: لابدّ في كلّ حكم من حاكم، وهو هنا مفقود ؛ لأنّ العقل لم يستقل به ، والشريعة مفروضة  العدم. <ref>(شرح مختصر المنتهى 2 : 101 ـ 102)</ref>
وأُجيب عنه: بأنّ العقل إنّما لايستقل بالحسن والقبح إذا لم يكن مسبوقا بالفحص عن المفسدة المحتملة للأعيان أو الأفعال الخارجية، وأمّا بعد الفحص والملاحظة وعدم العثور على المفسدة فبإمكانه الاستقلال في الحكم بالإباحة أو الحظر، ولا تناقض بين الفرض والاستدلال كما هو واضح. <ref>(انصاری، مطارح الأنظار 2 : 405)</ref>
ومنها: أنّ الإقدام على ما لايؤمن مفسدته كالإقدام على ما يعلم مفسدته. <ref>(العدّة في أصول الفقه، الطوسي 2 : 742)</ref>
وأورد عليه بأنّ من أقام دليلاً على الإباحة يقطع ضمنا بعدم المفسدة. <ref>(المصدر السابق)</ref>
==ثمرة البحث في أصالة الإباحة الواقعية==
ذكر بعضهم أ نّه لا ثمرة لهذا البحث بعد عدم وجود زمان ليس فيه شريعة<ref>(العدّة في أصول الفقه أبي يعلى 2 : 266، المسوّدة : 432 ـ 433)</ref>؛ لأ نّها كانت قائمة من لدن آدم إلى يومنا هذا، فمنذ أن خلق آدم توجه إليه الخطاب بقوله تعالى: «يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدا حَيْثُ شِئْتَما وَلاَتَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ».<ref>(سورة البقرة، الآیة 35)</ref>
وبعد أن هبط هو وزوجه إلى دار التكليف خاطبهما ربّهما بقوله: «فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ».<ref>(سورة البقرة، الآیة 38)</ref> فليس هناك فترة خالية عن الشريعة حتى يمكن التمسّك بأصالة الإباحة فيها.
نعم، ذكر بعضهم أنّ الثمرة تظهر في قوم لم تبلغهم دعوة الأنبياء، حيث يمكن لهؤلاء التمسّك بأصالة الإباحة أو الحظر في موارد الشك في التحريم. <ref>(التمهيد في أصول الفقه 4 : 271 ـ 272 ، و نقل عنه في المسوّدة: 432.)</ref>
وهناك ثمرة أُخرى أشار إليها [[الشيخ الطوسي]] في [[تعارض الخبرين المتكافئين]] الجامعين لشروط الحجّية، فيما لو كان مدلول أحدهما الإباحة والآخر الحرمة، حيث يقدّم الخبر المبيح على الحاظر بناءً على أصالة الإباحة، ويقدّم الحاظر على المبيح بناءً على [[أصالة الحظر]].<ref>(العدّة في أصول الفقه الطوسي 1 : 152.)</ref>
لكن الذي يظهر من جماعة أنّ تقديم أحدهما على الآخر لايستند إلى القول بأصالة الإباحة أو الحظر، بل إلى أدلة أخرى مذكورة في باب التعارض. <ref>(الإحكام ابن حزم 1 ـ 4 : 175 ـ 177، فرائد الأصول 2 : 117 و4 : 154 ـ 156.)</ref>


==منابع==
==منابع==


[[تصنيف: الإباحة بالمعنی الأخص]][[تصنيف: الإباحة بالمعنی الأعم]]
[[تصنیف: الإباحة بالمعنی الأخص]][[تصنیف: الإباحة بالمعنی الأعم]][[الإباحة الأصلیة]][[الإباحة الواقعیة]][[الإباحة التکلیفیة]]
confirmed
١٬٦٣٠

تعديل