الفرق بين المراجعتين لصفحة: «أسباب الاختلاف بين الفقهاء»

من ویکي‌وحدت
ط (استبدال النص - '=المصادر=↵{{الهوامش|2}}' ب'== الهوامش == {{الهوامش}}')
 
سطر ٣٦: سطر ٣٦:
<br>ونقل مجموعة من النصوص عن جملة من العلماء أكّد فيها أصحابها على أنّ [[الاجتهاد]] لايمكن أن يصل إليه العالم ما لم يكن خبيرا بموضع الخلاف بين العلماء، من قبيل قول بعض: «من لم يعرف الاختلاف لم يشم أنفه الفقه». وقول آخر: «من لم يعرف اختلاف الفقهاء فليس بفقيه»، وقول ثالث: «لاتجوز [[الإفتاء|الفتيا]] إلاّ لمن علم ما اختلف الناس فيه»، وغير ذلك من العبارات <ref>. المصدر السابق: 161.</ref>.
<br>ونقل مجموعة من النصوص عن جملة من العلماء أكّد فيها أصحابها على أنّ [[الاجتهاد]] لايمكن أن يصل إليه العالم ما لم يكن خبيرا بموضع الخلاف بين العلماء، من قبيل قول بعض: «من لم يعرف الاختلاف لم يشم أنفه الفقه». وقول آخر: «من لم يعرف اختلاف الفقهاء فليس بفقيه»، وقول ثالث: «لاتجوز [[الإفتاء|الفتيا]] إلاّ لمن علم ما اختلف الناس فيه»، وغير ذلك من العبارات <ref>. المصدر السابق: 161.</ref>.


=المصادر=
== الهوامش ==
{{الهوامش|2}}
{{الهوامش}}


[[تصنيف: اصطلاحات الأصول]]
[[تصنيف: اصطلاحات الأصول]]

المراجعة الحالية بتاريخ ١٨:٢١، ٥ أبريل ٢٠٢٣

أسباب الاختلاف بين الفقهاء: الاختلاف ضدّ الاتّفاق، والمقصود بالبحث هنا تبيين أسباب الاختلاف التي وقعت في المسائل الأصولية والفقهية. وهذا من فروعات بحث علم الخلاف.

أسباب الاختلاف بين الفقهاء

للخلاف الواقع بين الفقهاء في الفروع الفقهية أسباب عدّة حصرها الفقهاء في اُمور معينة أهمّها:

السبب الأوّل: الاشتراك اللفظي

فإنّه يوجب الاختلاف في الفرع الفقهي، بسبب أنّ كلّ فقيه يحمل اللفظ المشترك على معنى قد لايتفق معه فقيه آخر فيه ويذهب إلى حمله على معنى مضاد أو مخالف له. وهذا الاشتراك في اللفظ قد يقع على أنحاء:
1 ـ الاشتراك الواقع في موضوع اللفظ المفرد مثل لفظ «القرء» في قوله تعالى: «وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ» [١]، فحمل جماعة لفظ «القرء» على الطهر، وحمله آخرون على «الحيض»، فسبب الاشتراك هنا هو اختلاف لفظ «القرء» بين معنيين [٢].
2 ـ الاشتراك في أحوال اللفظ، كقوله تعالى: «لاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ» [٣]، فذهب جماعة إلى أن مضارّة الكاتب هو أن يكتب ما لم يمل عليه، ومضارّة الشهيد أن يشهد بخلاف الشهادة، وقيل: إنّ مضارّتهما هو أن يكلّفا بالكتابة والشهادة في وقت وزمان يشقّ عليهما ذلك، والسبب في الاختلاف المذكور هو الاختلاف في تقدير «لايضارّ»، فإن كان تقديره: لايضارِر كان معناه: إنّ الكاتب والشهيد فاعلان، وأنّ تقديره لايضارَر كان معناه الكاتب والشهيد مفعولاً بهما لم يسمّ فاعلهما [٤].
3 ـ الاشتراك العارض بسبب تركيب الكلام، مثل قوله تعالى: «وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَتُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ» [٥]. فذهب جماعة إلى أنّ معناه وترغبون في نكاحهنّ لمالهنّ، وقال آخرون: إنّ معناه: وترغبون عن نكاحهنّ لدمامتهنّ وقلّة مالهنّ. والسبب في هذا الاختلاف أنّ الكلام المذكور لما لم يعدِّ الرغبة بـ «عن» فيكون معناه زهد فيه، أو «في» فيكون معناه رغب في الشيء، فلما أسقط حرف الجر في الآية احتمل الأمران معا [٦].

السبب الثاني: دوران اللفظ بين الحقيقة والمجاز

وهو على ثلاثة أنواع: نوع يعرض موضوع اللفظ المفرد مثل لفظ «الميزان» الذي قد يأتي بمعنى المقدار الذي تعارفه الناس في معاملاتهم، وقد يأتي بمعنى العدل[٧]. ونوع يعرض أحوال اللفظ من إعراب وغيره مثل قوله تعالى: «بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ» [٨]، والمراد به مكرهم في اللّيل والنهار [٩]. ونوع يعرض تركيب الكلام، كقوله تعالى: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ» [١٠]، فقد اختلف في المراد منه هل هو للإخبار أو للإنشاء والأمر[١١].

السبب الثالث: الخلاف العارض من جهة الإفراد والتركيب

وضابطه أنّه من خلال الجمع بين الأدلّة الواردة عن الشارع يمكن رفع الإجمال أو الإبهام الواقع في بعضها، وربّما ينظر بعض الفقهاء إلى دليل ما ويأخذ به من دون الأخذ بالاعتبار الأدلّة الاُخرى التي قد يكون لها دور في تعيين وتحديد المراد منه، فيؤدّي ذلك إلى الخلاف على مستوى الفتوى [١٢].

السبب الرابع: الخلاف بسبب العموم والخصوص

هناك كثير من الأدلّة ظاهرة في العموم فإذا أخذ بعمومها يكون الحكم أوسع منه ممّا لو أخذ بعين الاعتبار وجود مخصص أو مقيّد له، فيقع الخلاف في ذلك من جهة أنّ بعضها هل طرأ عليه مخصص أو لا؟ [١٣]

السبب الخامس: الخلاف بسبب الرواية

فيقع الخلاف في الرواية من جهة فساد الإسناد أو نقل الحديث بمعناه دون لفظه أو الجهل بالإعراب أو التصحيف أو إسقاط شيء من الحديث لايتمّ المعنى إلاّ به، أو نقل بعض الحديث وأغفل المعنى الآخر، أو أن يسمع الراوي بعض الحديث ويفوته سماع بعضه الآخر، وغير ذلك من وجوه القدح في الأحاديث المروية والذي يوجب اختلاف الفقهاء فيه [١٤].

السبب السادس: الخلاف بسبب القياس

الخلاف الذي يبرز هنا قد يكون كبرويا بين المنكرين للقياس والمثبتين له، فيؤدّي ذلك إلى الاختلاف فيالأحكام، وقد يكون صغرويا بين القائلين بالقياس أنفسهم، فيقع الخلاف في وجود شروط القياس وعدم وجودها [١٥].

السبب السابع: الخلاف بسبب النسخ

ومنشأ الخلاف هنا قد يكون في إنكار أو قبول أصل النسخ، أو في دعوى وجود النسخ وعدم وجوده بعد الاعتراف به [١٦].
وغير ذلك من الأسباب الكثيرة التي توجب بروز الخلاف بين الفقهاء، ولا وجه لحصرها بعدد معيّن، بل يمكن استقراء أسباب اُخرى غير ما ذكروه من الأسباب، ولذلك نجدهم اختلفوا في تعداد تلك الأسباب ممّا يعني أنّ البحث في ذلك يدور مدار استقراء المتتبع في الفقه وسبره تلك الأسباب من كتب الفقه وهي كثيرة في واقع الحال ولايمكن حصرها بما ذكروه.
إلاّ أنّ الإشكال الذي يتوجّه إلى تلك الأسباب أنّها لم تستوف مناشئ الاختلاف من وجهة كبروية ولم تعرض إلى جذورها الأساس، بل اقتصرت على الصغريات وكأنّه لا خلاف في الكبريات، فما ذكر من أسباب إنّما هو في تنقيح ظهور الكتاب والسنّة، وكذلك الخلاف في تحقّق شروط القياس وعدمه. وينبغي مضافا إلى التركيز على الصغريات التركيز أيضا على الكبريات «كالخلاف في حجية أصالة الظهور الكتابي أو الإجماع أو القياس أو الاستصحاب أو غيرها من المباني ممّا يقع موقع الكبرى من قياس الاستنباط» [١٧].
وقد ألّفت كتب عديدة في أسباب اختلاف الفقهاء، فألّف البطليوسي (ت521 ه ) كتاب «الإنصاف في التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم»، وألّف ولي اللّه‏ الدهلوي (ت1180 ه ) «الإنصاف في بيان سبب الاختلاف»، وألّف الاُستاذ علي الخفيف «أسباب اختلاف الفقهاء» ومثله فعل الدكتور مصطفى إبراهيم الزلمي. وكذلك تطرّق العلماء إلى هذه المباحث في ضمن مؤلّفاتهم في الفقه والأصول كابن حزم (ت456 ه ) في كتابه «الإحكام في أصول الأحكام»، وابن رشد (ت595 ه ) في مقدّمة كتابه «بداية المجتهد ونهاية المقتصد»، وابن جزّي (ت741 ه ) في كتابه «تقريب الوصول»، و الشاطبي(ت790 هـ) في كتابه «الموافقات».
بل هناك محاولات مبذولة لتطبيق الفروع الفقهية على ضوء المباني الأصولية المختلف بها، كما فعل شهاب الدين الزنجاني (ت656ه ) في كتابه «تخريج الفروع على الأصول»، والأسنوي ت772ه في كتابه «التمهيد في تخريج الفروع على الأصول»، و السيّد الحكيم في كتابيه «الأصول العامة للفقه المقارن» و«القواعد العامة في الفقه المقارن» باعتبارهما مداخل للولوج في الفقه المقارن بين المذاهب.

أهمّية معرفة أسباب الخلاف

ذكر الشاطبي أنّ المجتهد لايكون مجتهدا ما لم يكن بصيراً بأسباب الخلاف يبن الفقهاء؛ لأنّه لايمكنه الحكم والفتيا ما لم يكن خبيرا ومطلعا على أسباب اختلاف الفقهاء في فروع الفقه، فالمسألة التي يريد أن يفتي فيها لابدّ له من الاطّلاع على الأساس والمستند الذي استند إليه كلّ طرف في حكمه فيها حتّى يمكنه الترجيح فيها ويأخذ ما هو الأقرب إلى الصواب [١٨].
ونقل مجموعة من النصوص عن جملة من العلماء أكّد فيها أصحابها على أنّ الاجتهاد لايمكن أن يصل إليه العالم ما لم يكن خبيرا بموضع الخلاف بين العلماء، من قبيل قول بعض: «من لم يعرف الاختلاف لم يشم أنفه الفقه». وقول آخر: «من لم يعرف اختلاف الفقهاء فليس بفقيه»، وقول ثالث: «لاتجوز الفتيا إلاّ لمن علم ما اختلف الناس فيه»، وغير ذلك من العبارات [١٩].

الهوامش

  1. . البقرة: 228.
  2. . الإنصاف: 33.
  3. . البقرة: 282.
  4. . الإنصاف: 53 ـ 54.
  5. . النساء: 127.
  6. . الإنصاف: 55 ـ 56.
  7. . المصدر السابق: 71 ـ 74.
  8. . سبأ: 33.
  9. . الإنصاف: 92.
  10. . البقرة: 233.
  11. . الإنصاف: 94 ـ 95.
  12. . الإنصاف: 113 وما بعدها.
  13. . المصدر السابق: 145 وما بعدها.
  14. . المصدر السابق: 157 وما بعدها.
  15. . المصدر السابق: 193 وما بعدها.
  16. . المصدر السابق: 197 وما بعدها.
  17. . راجع: الاُصول العامة للفقه المقارن: 14.
  18. . الموافقات 4: 160 ـ 162.
  19. . المصدر السابق: 161.