الحاکم

من ویکي‌وحدت

الحاكم: والمراد به هو الدليل الحاکم، واتفق المسلمون علی أن الحاکم علی الدليل الشرعي هو الله تعالی. وإنّما الخلاف فيما إذا لم يصل من اللّه‏ سبحانه الحكم إلى المكلّفين، كما هو الحال قبل البعثة. ففي هذا الخلاف أقوال لـ الأشاعرة و المعتزلة نريد أن نبحث عنها في هذا المقال.

تعريف الحاکم لغةً

الحاكم لغة: من نُصب للحكم بين الناس، والجمع حكّام [١].

تعريف الحاکم اصطلاحاً

استعمله الأصوليون في معنيين: الأوّل: الحاكم هو اللّه‏ سبحانه وتعالى، والثاني: الدليل الحاكم.
أمّا المعنى الأوّل: فلا إشكال ولا خلاف عند الأصوليين أنّ الحاكم هو اللّه‏ تعالى، بل اتّفق على ذلك المسلمون قاطبة [٢].
وتتمّ معرفة أحكامه من خلال رسله بما يبلغونه الناس منه.
وإنّما الخلاف فيما إذا لم يصل من اللّه‏ سبحانه الحكم إلى المكلّفين، كما هو الحال قبل البعثة.
فقالت الأشعرية: لايتعلّق للّه‏ سبحانه حكم بأفعال المكلّفين، فلايحرم كفر، ولايجب إيمان [٣]؛ لأنّه لا سبيل لدرك حكم اللّه‏ بالعقل قبل بعثة نبي.
وقالت المعتزلة: إنّه يتعلّق له تعالى حكم بما أدرك العقل فيه صفة حسن أو قبح لذاته [٤].
وهو رأي الإمامية أيضا؛ لقولهم: إنّ للأفعال قيماً ذاتيةً عند العقل مع قطع النظر عن حكم الشارع، فمنها ما هو حسن في نفسه، ومنها ما هو قبيح في نفسه، ومنها ما ليس له هذان الوصفان.
فما حكم به العقل من حسنٍ أو قبح يحكم به الشرع؛ لأنّه منهم بل هو رئيسهم، فهو بما هو عاقل ـ بل خالق العقل ـ كسائر العقلاء يحكم بما يحكمون [٥].
ودور العقل حقيقة هنا هو دور المدرك والكاشف عن حكم اللّه‏ سبحانه وليس دور الحاكم [٦].
نعم، إنّ العقل وإن كانت له وظيفة الإدراك إلاّ أنّ إدراكه محدود بحدود ومنحصر في الكلّيات ولايتناول الاُمور الجزئية، والكلّيات لاتستوعب شريعة ولاتفي بحاجات البشر، كما أنّ العقاب والثواب يتولّدان عن التكاليف الواصلة ولاتتمّ الحجّة إلاّ بوصوله.
ومن أولويات العقل تقبيحه للعقاب قبل وصول البيانات[٧].
والإدراك الذي يتعلّق بالحكم الشرعي عرّفه صاحب القوانين: بأنّه «حكم عقلي يوصل به إلى الحكم الشرعي، وينتقل من العلم بالحكم العقلي إلى العلم بالحكم الشرعي»[٨].
لكن يؤخذ على هذا التعريف من وجهة شكلية تعبيره بالحكم العقلي مع أنّه ليس للعقل أكثر من وظيفة الإدراك، وهو مقصوده حتما.
والظاهر أنّ التعبير بالحكم العقلي وانتشاره هو الذي أوجب أن يلتبس الأمر، باعتبار أنّ العقل حاكم في مقابل اللّه‏ سبحانه وتعالى، إلاّ أنّه لايعرف بين المسلمين من يرى ذلك [٩].
نعم، نسب ذلك على ألسنة بعض المشايخ إلى المعتزلة، ففي مسلّم الثبوت: «لا حكم إلاّ من اللّه‏ تعالى بـ إجماع الاُمة، لا كما في كتب بعض المشايخ أنّ المعتزلة يرون أنّ الحاكم هو العقل، فإنّ هذا ممّا لايجتري عليه أحد ممّن يدّعي الإسلام» [١٠].
وفي محيط الزركشي: «إنّ المعتزلة لاينكرون أنّ اللّه‏ هو الشارع للأحكام والموجد لها، والعقل عندهم طريق إلى العلم بالحكم الشرعي» [١١].
والخلاف واقعا هو في قابلية العقل لإدراك الأحكام الشرعية من غير طريق النقل، قال السيد الحكيم: والخلاف الذي وقع في الحقيقة إنّما هو في قابلية العقل لإدراك الأحكام الشرعية من غير طريق النقل، أي أنّ الخلاف واقع في خصوص المستقلاّت العقلية لا غير، ولإيضاح ذلك نقول: لقد قسمت مدركات العقل مستقلّة وغير مستقلّة، والمراد بالمستقلّة: ما تفرد العقل بإدراكه دون توسّط شرعي، ومثلوا له بإدراك العقل الحسن والقبح المستلزم لإدراك حكم الشارع بهما.
وأمّا المراد بغير المستقلّة: فهي التي يعتمد الإدراك فيها على بيان من الشارع، كإدراكه وجوب المقدّمة عند الشارع بعد اطّلاعه على وجوب ذيها لديه.
فالخلاف إذا هو في خصوص المستقلاّت العقلية أو قل في خصوص مسألة التحسين والتقبيح العقليين، والظاهر أنّها المصدر الوحيد لجل المدركات العقلية المستتبعة لإدراك الأحكام الشرعية. والأمثلة التي أوردوها كوجوب قضاء الدين، وردّ الوديعة، والعدل، والإنصاف، وحسن الصدق النافع، وقبح الظلم وحرمته، والكذب مع عدم الضرورة، وحسن الإحسان واستحبابه إنّما هي من صغريات هذه القاعدة [١٢]. وتفصيل الكلام يأتي في مصطلح الحسن والقبح العقليين.
وأمّا المعنى الثاني ـ أي الدليل الحاكم ـ : فهو الدليل الناظر إلى حال دليل آخر شارحا ومفسّرا له سواء كان نظره إلى موضوع الدليل الآخر أو إلى محموله، وسواء كان النظر بنحو التوسعة أم التضييق، متقدّما كان الناظر أم متأخّرا.
فيسمّى هذا الدليل بـ الدليل الحاكم والمنظور إليه بالدليل المحكوم من قبيل: «أكرم المؤمنين» و«المُصر على الكبيرة غير مؤمن» فالدليل الثاني حاكم ومضيق للدليل الأوّل، باعتباره يضيّق مفهوم المؤمن [١٣].

المصادر

  1. . لسان العرب 1: 901 مادّة «حكم»، القاموس المحيط: 1011، تاج العروس 5 : 141 مادّة «حكم»، المعجم الوسيط 1: 190 مادّة «حكم».
  2. . اُنظر: إرشاد الفحول 1: 54 ، اُصول الفقه الخضري: 19، الاُصول العامّة للفقه المقارن: 266.
  3. . اُنظر: إرشاد الفحول 1: 54، نفحات الأزهار 18: 47.
  4. . اُنظر: مجموع الفتاوى 8: 431 ـ 436، الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 72 ـ 81 .
  5. . اُنظر: اُصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 217، 271.
  6. . الاُصول العامّة للفقه المقارن: 266 ـ 267.
  7. . المصدر السابق: 278.
  8. . نقله عنه في الاُصول العامّة للفقه المقارن: 266.
  9. . المصدر السابق.
  10. . فواتح الرحموت بشرح مسلّم الثبوت 1: 25.
  11. . البحر المحيط 1: 134 ـ 135 و 144 ـ 145.
  12. . الاُصول العامّة للفقه المقارن 267 ـ 268، اُنظر: اُصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 272 ـ 273، اُصول الفقه الخضري 21: 25.
  13. . اُنظر: فرائد الاُصول 4: 13، اُصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 222 ـ 225.