السيد علي السيستاني

من ویکي‌وحدت

علي السيستاني : عالم ديني من أشهر مراجع التقليد ، ومن العلماء المعروفين في العراق ، وأحد روّاد الوحدة والإصلاح. يعدّ من أبرز تلامذة السيّد أبي القاسم الموسوي الخوئي ، وهو صاحب الفتوى التاريخية الشهيرة حول الجهاد ضدّ داعش .

السيّد علي السيستاني
اسم الشخصية علي باقر الحسيني السيستاني
الصفة مرجع وعالم ديني
تاريخ الميلاد 1930 م\1309ه
الأساتذة أبو القاسم الخوئي\حسين البروجردي\حسين الحلّي
التلاميذ جمع كثير من علماء وأفاضل الحوزة
المؤلّفات منهاج الصالحين، مناسك الحجّ، فوائد رجالية، هوامش قيّمة على بعض الكتب الفقهية، تقريرات بعض أساتذته في الفقه والأُصول، شرح العروة الوثقى‏، كتاب القضاء، شرح مشيخة التهذيب، قاعدة القرعة، الفوائد الفقهية، الفوائد الغروية، رسالة في القبلة، رسالة في التقية، رسالة في قاعدة اليد

ولادته ونشأته ودراسته

ولد السيّد علي بن باقر بن علي بن محمّد رضا الحسيني السيستاني في التاسع من شهر ربيع الأول عام 1349 للهجرة في المشهد الرضوي الشريف في أسرة علمية معروفة ، فوالده هو العالم السيد محمد باقر، ووالدته هي العلوية الجليلة كريمة المرحوم السيد رضا المهرباني السرابي.

وأسرته -والتي هي من الأسر العلوية الحسينية- كانت تقطن مدينة (اصفهان) في القرن الحادي عشر الهجري، وأول من هاجر منها إلى مشهد الرضا (ع) هو المرحوم( السيد علي ) جدّ السيّد السيستاني، حيث استقرّ فيه برهة من الزمن في مدرسة المرحوم الملا محمد باقر السبزواري ومن ثمّ هاجر الى النجف الأشرف لاكمال دراسته ثم الى سامراء المقدسة للغرض نفسه.

وقد نشأ السيّد السيستاني في مسقط رأسه المشهد الرضوي نشأة عالية، فتدرج في الأوليات والمقدمات ، حيث بدأ -وهو في الخامسة من عمره- بتعلم القرآن الكريم، ثم دخل مدرسة دار التعليم الديني لتعلم القراء والكتابة ونحوهما ، فتخرج من هذه المدرسة وقد تعلم أثناء ذلك فن الخط من استاذه ( الميرزا علي اقا ظالم ).وفي أوائل عام (1360 هـ.ق) بدأ بتوجيه من والده بقراءة مقدمات العلوم الحوزوية ، فأتم قراءة جملة من الكتب الأدبية كشرح الألفية للسيوطي والمغني لابن هشام والمطول للتفتازاني ومقامات الحريري وشرح النظام عند المرحوم الاديب النيشابوري وغيره من أساتذة الفن، وقرأ شرح اللمعة والقوانين عند المرحوم السيد احمد اليزدي المعروف بـ (نهنگ )، وقرأ جملة من السطوح العالية كالمكاسب والرسائل والكفاية عند آية الله الميرزا هاشم القزويني، وقرأ جملة من الكتب الفلسفية كشرح منظومة السبزواري وشرح الاشراق والاسفار عند المرحوم الايسي، وقرأ شوارق الالهام عند المرحوم الشيخ مجتبى القزويني، وحضر في المعارف الالهية دروس المرحوم الميرزا مهدي الاصفهاني المتوفى أواخر سنة (1365 هـ . ق) كما حضر بحوث الخارج للميرزا مهدي الآشتياني صاحب التعليقة على شرح المنظومة والميرزا هاشم القزويني.

وفي أواخر عام 1368 هـ انتقل الى الحوزة العلمية الدينية في قم المقدسة، فحضر بحوث المرجع السيد حسين الطباطبائي البروجردي في الفقه والاصول، وتلقى عنه الكثير من خبرته الفقهية ونظرياته في علم الرجال والحديث، كما حضر درس الفقيه السيد محمد الحجّة الكوهكمري.

وخلال مدّة اقامته في قم راسل السيد علي البهبهاني عالم الأهواز الشهير ومن اتباع مدرسة المحقق الطهراني، وكان موضوع المراسلات بعض مسائل القبلة حيث ناقش السيّد بعض نظريات المحقق الطهراني ووقف السيد البهبهاني موقف المدافع عنها ، وبعد تبادل عدّة رسائل كتب السيد البهباني للسيّد رسالة مؤرخة في ( 7/ رجب /1370 هـ ) ــ وهو شاب في الواحدة والعشرين من العمر ــ يثني فيها على مهارته العلمية واصفاً اياه بـ (عمدة العلماء المحققين ونخبة الفقهاء المدققين) وموكّلاً ٍّ تكميل البحث إلى حين اللقاء به عند التشرّف بزيارة الإمام الرضا (عليه السلام ).

وفي أوائل عام (1371 هـ ) غادر السيّد مدينة قم متجهاً إلى موئل العلم والفضل للحوزات العلمية النجف الأشرف، فوصل كربلاء المقدسة في ذكرى أربعين الامام الحسين ( عليه السلام ) ثمّ توجّه إلى النجف الأشرف فسكن ( مدرسة البخارائي العلمية )، وحضر البحوث الفقهية والاصولية للعلمين الكبيرين السيد الخوئي والشيخ حسين الحلّي ولازمهما مدّة طويلة ، وحضر خلال ذلك ايضاً بحوث بعض الأعلام الآخرين، منهم السيد الحكيم والسيد الشاهرودي.

نبوغه العلمي

لقد برز السيد السيستاني في بحوث اساتذته بتفوق بالغ على اقرانه، وذلك في قوّة الإشكال وسرعة البديهة وكثرة التحقيق والتتبع ومواصلة النشاط العلمي وإلمامه بكثير من النظريات في مختلف الحقول العلمية الحوزوية، ومما يشهد على ذلك أنه منح من بين زملاه واقرانه في عام 1380 هـ وهو في الحادية والثلاثين من عمره ـ ( شهادة الاجتهاد المطلق ) من قبل استاذيه السيد الخوئي والشيخ الحلي، ولم يمنح السيد الخوئي شهادة الاجتهاد إلا لنادرٍ من تلامذته، كما لم يمنح الشيخ الحلي اجازة الاجتهاد المطلق لغير السيّد، وقد كتب له ايضاً شيخ محدّثي عصره آغا برزك الطهراني شهادة يطري فيها على مهارته في علمي الرجال والحديث، وهي مؤرخة كذلك في عام 1380 هـ.

تدريسه

اشتغل السيّد من أوائل عام 1381 هـ بإلقاء محاضراته (البحث الخارج) في الفقه في ضوء مكاسب الشيخ الأعظم الأنصاري، وأعقبه بشرح العروة الوثقى ، فتمّ له منه شرح كتاب الطهارة وأكثر كتاب الصلاة وقسم من كتاب الخمس وتمام كتاب الصوم والاعتكاف ثم شرع في شرح كتاب الزكاة.

وقد كانت له محاضرات فقهية اخرى خلال هذه السنوات تناولت كتاب القضاء وابحاث الربا وقاعدة الإلزام وقاعدة التقية وغيرهما من القواعد الفقهية، كما كانت له محاضرات رجالية شملت حجية مراسيل ابن ابي عمير وشرح مشيخة التهذيبين وغيرهما.

وابتدأ ( دام ظلّه ) بإلقاء محاضراته في علم الأصول من شعبان عام (1384 هـ )، وقد أكمل دورته الثالثة في شعبان عام ( 1411 هـ )، ويوجد تسجيل صوتي لجميع محاضراته الفقهية والأصولية من عام 1397 هـ وإلى اليوم.

وقد خرّج بحثه عدّة من الفضلاء البارزين وبعضهم من أساتذة البحث الخارج : كالشيخ مهدي مرواريد، والسيد مرتضى المهري، والسيد حبيب حسينيان، والسيد أحمد المددي، والشيخ مصطفى الهرندي ،والسيد هاشم الهاشمي، وغيرهم من أفاضل أساتذة الحوزات العلمية.

منهجه في البحث والتدريس

وهو منهج متميز على مناهج كثير من أساتذة الحوزة وأرباب البحث الخارج..

فعلى صعيد الأصول يتجلّى منهجه بعدّة خصائص :

أ‌- التحدث عن تأريخ البحث ومعرفة جذوره التي ربما تكون فلسفية كمسألة بساطة المشتق وتركيبه، أو عقائدية وسياسية كبحث التعادل والتراجح الذي أوضح فيه أن قضية اختلاف الأحاديث فرضتها الصراعات الفكرية العقائدية آنذاك والظروف السياسية التي احاطت بالأئمة( عليهم السلام ). ومن الواضح أن الإطّلاع على تأريخ البحث يكشف عن زوايا المسألة ويوصلنا إلى واقع الآراء المطروحة فيها.

ب‌- الربط بين الفكر الحوزوي والثقافات المعاصرة، ففي بحثه حول المعنى الحرفي في بيان الفارق بينه وبين المعنى الاسمي وهل هو فارق ذاتي ام لحاظي؟ اختار اتجاه صاحب الكفاية في أن الفرق باللحاظ لكن بناه على النظرية الفلسفية الحديثة وهي نظرية التكثر الادراكي في فعالية الذهن البشري وخلاقيته، فيمكن للذهن تصور مطلب واحد بصورتين: تارة بصورة الاستقلال والوضوح فيعبر عنه بالاسم وتارة بالآلية والانكماش ويعبر عنه بالحرف. وعندما دخل في بحث المشتق في النزاع الدائر بين العلماء حول اسم الزمان، تحدّث عن الزمان بنظرة فلسفية جديدة، وهي انتزاع الزمان من المكان (زمكان) بلحاظ تعاقب النور والظلام. وفي بحثه حول مدلول صيغة الأمر ومادته وبحثه في التجري طرح نظرية بعض علماء الاجتماع من أن تقسيم الطلب بامر والتماس وسؤال نتيجة لتدخل صفة الطالب في حقيقة طلبه من كونه عالياً أو مساوياً أو سافلاً. وكذلك جعل ضابط استحقاق العقوبة عنوان تمرد العبد وطغيانه على المولى مبني على التقسيم الطبقي للمجتمعات البشرية القديمة من وجود موالي وعبيد وعالي وسافل وما أشبه ذلك. فهذه نظرة من رواسب الثقافات السالفة التي تتحدث باللغة الطبقية لا باللغة القانونية المبنية على المصالح الانسانية العامة.

ج‌- الاهتمام بالأصول المرتبطة بالفقه : فالطالب الحوزوي يلاحظ في كثير من العلماء اغراقهم واسهابهم في بحوث اصولية لا يعدّ الاسهاب فيها إلا ترفاً فكريّاً لا ينتج ثمرةً علميةً للفقيه في مسيرته الفقهية كبحثه في الوضع وكونه امراً اعتبارياً أو تكوينياً وأنّه تعهد أو تخصص ، وبحثهم في بيان موضوع العلم وبعض العوارض الذاتية في تعريف الفلاسفة لموضوع العلم وما شاكل ذلك. ولكن الملاحظ في دروس السيّد هو الاغراق وبذل الجهد الشاق في الخروج بمبنى علمي رصين في البحوث الأصولية المرتبطة بعملية الاستنباط كمباحث الاصول العملية والتعادل والتراجح والعام والخاص ، وأمّا البحوث الأخرى التي أشرنا لبعض مسمياتها فبحثه فيها إنما هو بمقدار الثمرة العلمية في بحوث أخرى أو الثمرة العملية في الفقه.

د- الابداع والتجديد : هناك كثير من الأساتذة الماهرين في الحوزة لا يملك روح التجديد بل يصب اهتمامه على التعليق فقط والتركيز على جماليات البحث لا على جوهره، فيطرح الآراء الموجودة ويعلّق على بعضها ويختار الأقوى في نظره ، إلا أن السيّد يختلف في هذا النهج، فيحاول الابداع والتجديد إما بصياغة المطلب بصياغة جديدة تتناسب مع الحاجة للبحث كما صنع ذلك عندما دخل بحث استعمال اللفظ في عدة معانٍ حيث بحثه الأصوليون من زاوية الإمكان والاستحالة كبحث عقلي فلسفي لا ثمرة عملية تترتب عليه وبحثه السيّد من حيث الوقوع وعدمه لانه أقوى دليل على الإمكان، وبحثه كذلك من حيث الاستظهار وعدمه. وعندما دخل بحث التعادل والتراجح رأى أن سرّ البحث يكمن في علّة اختلاف الأحاديث، فإذا بحثنا وحدّدنا أسباب اختلاف النصوص الشرعية انحلّت المشكلة العويصة التي تعترض الفقيه والباحث والمستفيد من نصوص أهل البيت ( عليهم السلام ) وذلك يغنينا عن روايات الترجيح والتخيير كما حملها صاحب الكفاية على الاستحباب. وهذا البحث تناوله غيره ولكنه بشكل عقلي صرف،أما السيّد فإنّه حشد فيه الشواهد التأريخية والحديثية وخرج منه بقواعد مهمّة لحلّ الاختلافات وقام بتطبيقها في دروسه الفقهية أيضاً.

هـ - المقارنة بين المدارس المختلفة : من المعروف عن الكثير من الأساتذة حصر البحث في مدرسة معينة أو اتجاه خاص، ولكن السيد السيستاني يقارن بحثه بين فكر مدرسة مشهد وفكر مدرسة قم وفكر مدرسة النجف الأشرف، فهو يطرح آراء الميرزا مهدي الاصفهاني من علماء مشهد وآراء السيد البروجردي كتعبير عن فكر مدرسة قم وآراء المحققين الثلاثة ( الشيخ النائيني والشيخ العراقي والشيخ الاصفهاني ) والسيد الخوئي والشيخ حسين الحلّي كمثال لمدرسة النجف الأشرف. وتعدّد الاتجاهات هذه يوسع امامنا زوايا البحث والرؤيا الواضحة لواقع المطلب العلمي .

وأمّا منهجه الفقهي فله فيه منهج خاص يتميز في تدريس الفقه وطرحه ، ولهذا المنهج عدّة ملامح :

1- المقارنة بين فقه الشيعة وفقه غيرهم من المذاهب الاسلامية الأخرى ، فإنّ الإطّلاع على الفكر الفقهي السني المعاصر لزمان النص كالاطلاع على موطأ مالك وخراج أبي يوسف وآراء الفقهاء الآخرين يوضّح أمامنا مقاصد الأئمة ( عليهم السلام ) ونظرهم حين طرح النصوص.

2- الاستفادة من علم القانون الحديث في بعض المواضع الفقهية، كمراجعته للقانون العراقي والمصري والفرنسي عند بحثه في كتاب البيع والخيارات ، والاحاطة بالفكر القانوني المعاصر تزوّد الإنسان خبرة قانونية يستعين بها على تحليل القواعد الفقهية وتوسعة مداركها وموارد تطبيقها .

3- التجديد في الأطروحة : إنّ معظم علمائنا الأعلام يتلقون بعض القواعد الفقهية بنفس الصياغة التي طرحها السابقون ولا يزيدون في البحث فيهاإلا عن صلاحية المدرك لها أو عدمه ووجود مدرك آخر وعدمه ، أما السيد السيستاني فإنّه يحاول الإهتمام في بعض القواعد الفقهية بتغيير الصياغة. مثلاً بالنسبة لقاعدة الإلزام التي يفهمها بعض الفقهاء من الزاوية المصلحية بمعنى أنّ للمسلم المؤمن الاستفادة في تحقيق بعض رغباته الشخصية من بعض القوانين للمذاهب الأخرى وإن كان مذهبه لا يقرّه، يطرحه السيد السيستاني على أساس الاحترام ويسميّها بقاعدة الاحترام، أي احترام آراء الآخرين وقوانينهم، وانطلاقه من حريّة الرأي، وهي على سياق ( لكلّ قوم نكاح ) و (نكاح أهل الشرك جائز ). وكذلك بالنسبة الى قاعدة التزاحم التي يطرحها الفقهاء والأصوليون كقاعدة عقلية أو عقلائية صرفة يدخلها السيّد تحت قاعدة الاضطرار التي هي قاعدة شرعية اشارت لها النصوص نحو ( ما من شيء حرّمه الله الإّ وقد أحلّه لمن اضطر إليه )، فإنّ مؤدى قاعدة الاضطرار هو مؤدى قاعدة التزاحم بضميمة متمم الجعل التطبيقي. وأحياناً يقوم بتوسعة القاعدة، كما في قاعدة ( لا تعاد ) حيث خصّها الفقهاء بالصلاة لورود النص في ذلك بينما السيد السيستاني جعل صدر الرواية المتضمن لقوله (ع) : ( لا تعاد الصلاة إلا ّ من خمسة ) مصداقاً لكبرى أخرى تعمّ الصلاة وغيرها من الواجبات، وهذه الكبرى موجودة في ذيل النص: ( ولا تنقض السنّة الفريضة)، فالمناط هو تقديم الفريضة على السنّة في الصلاة وغيرها ، ومن مصاديق هذا التقديم هو تقديم الوقت والقبلة ...الخ على غيرها من أجزاء الصلاة وشرائطها لأنّ الوقت والقبلة من الفرائض لا من السنن .

4- النظرة الاجتماعية للنص : إنّ من الفقهاء من هو حرفي الفهم بمعنى أنّه جامد على حدود حروف النص من دون محاولة التصرف في سعة دلالات النص، وهناك من الفقهاء من يقرأ أجواء النص والظروف المحيطة به ليتعرف على سائر الملابسات التي تؤثر على دلالته ، فمثلاً في ما ورد من أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله ) حرّم أكل لحم الحمر الأهلية يوم خيبر ، أخذنا بالفهم الحرفي لقلنا بالحرمة أو الكراهة لأكل لحم الحمر الاهلية ولو اتبعنا الفهم الاجتماعي لرأينا أنّ النص ناظر لظروف حرجة وهي ظروف الحرب مع اليهود في خيبر والحرب تحتاج لنقل السلاح والمؤنة ولم تكن هناك وسائل نقل إلاّ الدواب ومنها الحمير ، فالنهي في الواقع نهي إداري لمصلحة موضوعية اقتضتها الظروف آنذاك ولا يستفاد منه تشريع الحرمة ولا الكراهة ، والسيّد من النمط الثاني من العلماء في التعامل مع النص.

5- توفير الخبرة بمواد الاستنباط : إنّ السيد السيستاني يركّز دائماً على انّ الفقيه لا يكون فقيهاً بالمعنى الأتم حتى يتوفر لديه خبرة وافية بكلام العرب وخطبهم واشعارهم ومجازاتهم كي يكون قادراً على تشخيص ظهور النص تشخيصاً موضوعيّاً لا ذاتياً، وأن يكون على اطلاع تام بكتب اللغة وأحوال مؤلفيها ومناهج الكتابة فيها فإنّ ذلك دخيل في الاعتماد على قول اللغوي أو عدم الاعتماد عليه، وأن يكون على احاطة باحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) ورواتها بالتفصيل ، فإنّ علم الرجال فن ضروري للمجتهد لتحصيل الوثوق الموضوعي التام بصلاحية المدرك. وله آراء خاصّة يخالف بها المشهور في هذا العصر، مثلاً ما اشتهر من عدم الاعتداد بقدح اين الغضائري اما لكثرة قدحه أو لعدم ثبوت نسبة الكتاب إليه مما لا يرتضيه سيدا السيستاني بل يرى ثبوت الكتاب وان ابن الغضائري هو المعتمد في مقام الجرح والتعديل اكثر من النجاشي والشيخ وامثالهما ويرى الاعتماد على منهج الطبقات في تعيين الراوي وتوثيقه ومعرفة كون الحديث مسنداً أو مرسلاً على ما قرّره السيد البروجردي. ويرى أيضاً ضرورة الإلمام بكتب الحديث واختلاف النسخ ومعرفة حال المؤلف من حيث الضبط والتثبت ومنهج التأليف ، وأما ما يشاع في هذا المجال من كون الصدوق اضبط من الشيخ فلا يرتضيه، بل يرى الشيخ ناقلاً أميناً لما وجده من الكتب الحاضرة عنده بقرائن يستند اليها.

إمامته في الصلاة

كان السيّد في عيادة استاذه المرحوم الإمام الخوئي في (29/ ربيع الآخر / 1409 هـ ) لوعكة صحية ألمّت به، فطلب منه أن يقيم صلاة الجماعة في محرابه في جامع الخضراء، فلم يوافق على ذلك في البداية، فألحّ عليه في الطلب وقال له: ( لو كنت احكم كما كان يفعل ذلك المرحوم الحاج آقا حسين القمّي لحكمت عليكم بلزوم القبول )، فاستمهله بضعة أيّام، وفي نهاية الأمر استجاب لطلبه وأمّ المصلين من يوم الجمعة (5/ جمادى الأولى / 1409 هـ ) إلى الجمعة الأخيرة من ذي الحجّة عام 1414 هـ حيث أغلق الجامع من قبل السلطة.

مسيرته الجهادية

كان النظام البعثي يسعى بكل وسيلة للقضاء على الحوزة العلمية في النجف الأشرف منذ السنين الأولى من تسلمه السلطة في العراق ، وقد قام بعمليات تسفير واسعة للعلماء والفضلاء وسائر الطلاب الأجانب، ولاقى السيّد عناءاً بالغاً من جرّاء ذلك وكاد ان يسفّر عدّة مرّات وتمّ تسفير مجاميع من تلامذته وطلاّب مجلس درسه في فترات متقاربة ، ثمّ كانت الظروف القاسية جدّاً أيّام الحرب العراقية- الإيرانية ، ولكن على الرغم من ذلك فقد أصرّ على البقاء في النجف الأشرف وواصل التدريس في حوزته العلمية إيماناً منه بلزوم استمرار المسار الحوزوي المستقل عن الحكومات تفادياً للسلبيات التي تنجم عن تغيير هذا المسار.

وفي عام 1411 هـ عندما قضى النظام على الانتفاضة الشعبانية اعتقل السيّد ومعه مجموعة من العلماء كالشهيد الشيخ مرتضى البروجردي والشهيد الميرزا علي الغروي، وقد تعرّضوا للضرب والاستجواب القاسي في فندق السلام وفي معسكر الرزازة وفي معتقل الرضوانية، إلى أن فرّج الله عنهم ببركة أهل البيت ( عليهم السلام ).

وعندما وجد النظام أنّ محاولاته ضدّ السيّد قد باءت جميعاً بالفشل خطّط لاغتياله وتصفيته ، وقد كشفت وثائق جهاز المخابرات عن عدد من هذه المخطّطات.

وهكذا بقي السيّد رهين داره منذ أواخر عام 1418 هـ حتى أنّه لم يتشرف بزيارة جدّه الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) طوال هذه الفترة.

وقد تعرّض لضغوط كثيرة من أجهزة النظام وأزلامه، ولكنه قاوم جميع الضغوطات، إلى أن منّ الله على العراقيين بزوال النظام.

أخلاقياته

يقول عنه الدكتور محمّد حسين الصغير: «شغلته المهمّة العلمية عن مظاهر الدنيا، وأوقفته الظاهرة الشرعية عند حدودها، لم يعبأ بملبس أو مأكل، ولم ينظر إلى دار أو عقار، ولم يتمتع من الأصدقاء والخلصاء، ولم تستهوه مجالس الترويح عن النفس بالأحاديث والنوادر، اختصّ بأفراد قلائل من العلماء يستمع إليهم ويستمعون منه، لم يحضر مجلساً علمياً إلّاللمذاكرة، ولم يعتد المجالات التي تستوعب بعض الوقت، كلّ وكده وجهده وكدحه خالص لعلم أهل البيت، مع وقار ظاهر، واتّزان معروف، ونظرة صائبة.
عاش فقيراً ومازال فقيراً والملايين بين يديه؛ لسدّ احتياج الفقراء، وإعلاء شأن الدين، ورعاية الحوزات العلمية، ومعالجة المرضى، وإحياء المشاريع النافعة، والإصلاح بين المتخاصمين.
عاش منعزلًا حتّى لا يعرفه أكثر من طلّابه وعلية القوم، وهو معهم وخارج عنهم، لا يتّصل إلّالماماً ولا يتعايش مع الآخرين إلّالواذاً، فالعلم فوق كلّ شي‏ء، وهو أكبر من كلّ شي‏ء، ويضحّي من أجله بكلّ شي‏ء، حتّى عدّ من الزاهدين في الحياة والمتفرّغين للعلم والعمل الصالح، بعيداً عن كلّ المعوّقات التي تشغله عن الاشتغال والتحصيل ومتابعة المعارف.
إذا حضر محفلًا علمياً بدأ البحث العلمي، أو اجتمع بصديق له عرض عليه مسألة مشكلة للتوصّل إلى الحلول، وإذا أدّى واجباً اجتماعياً اقتصر على إسقاط الغرض دون التبذير بالزمن، فيه بساطة الأتقياء، وعليه سيماء الصالحين، ولديه فكر المتيقّظ الحذر، وعنده الخبرة الكافية بمعاصريه كما هي في الرجال ومدارك التعديل، يعطي نفسه فسحة يتروّح فيها على نهر الفرات في الكوفة، سائراً ومفكّراً، ومجدّداً للنشاط والحيوية، يقابل بالسلام ليس غير، وتقابله بالتحيّة فحسب، فالرجل في فكر دائم بما يبني به كيان الأُمّة في صرحها العلمي: النجف الأشرف، وهو معني بالشأن العلمي منذ شبابه الأوّل، حتّى كهولته، وهو عنفوانها اليوم وإن تجاوز السبعين من العمر المديد.
لقد منّ اللَّه سبحانه وتعالى على الطائفة الإمامية في العالم، إذ قيّض لها مرجعاً عظيم التدبير، حديد النظر، جدّي المعالجة، بصير الرؤية، نافذ البصيرة، يتطلّع إلى الأُفق البعيد في منظور معاصر، ويفيد من الماضي خبرة الناقد الواعي، ومن خلال هذين الملحظين تجلّت له الحقائق مرتبطة بالمناخ الواقعي الذي يزن الأُمور، فكان دقيق الميزان فيما يقرّر، مصيباً فيما يرى‏، تسدّده العناية الإلهية في معايشة عصره بمفارقاته ومضاعفاته المتلاحقة، دقيق الميزان في العدل، شديد الورع في المال، واضح الزهد».

مرجعيته وأثرها في العراق

السيّد اليوم من أكبر مراجع الدين للشيعة في العالم، وله دور كبير في حفظ السلام والوئام بين أطياف الشعب العراقي الذي عانى‏ الويلات في الفترة الأخيرة، وركّز في تصريحاته على لزوم التمسّك والاعتصام بحبل اللَّه وعدم التفرّق والتشتّت، حتّى لا يصبح البلد وأهله طعمة جاهزة بيد الاستعمار والاحتلال، وأكّد على وحده الصفّ والشارع العراقي مقابل الطائفية والمذهبية التي أرادت لها موطأ قدم في أرض الرافدين، فأطال اللَّه عمره الشريف ومتّع المسلمين ببركات وجوده.

ويقول السيّد السيستاني من كلام له حول شأن الوحدة: «تمرّ الأُمّة الإسلامية بظروف‏ عصيبة، وتواجه أزمات كبرى وتحدّيات هائلة تمسّ حاضرها وتهدّد مستقبلها. ويدرك الجميع- والحال هذه- مدى‏ الحاجة إلى رصّ الصفوف، ونبذ الفرقة، والابتعاد عن النعرات الطائفية، والتجنّب عن إثارة الخلافات المذهبية، تلك الخلافات التي مضت عليها قرون متطاولة، ولا يبدو سبيل إلى حلّها بما يكون مرضياً ومقبولًا لدى الجميع، فلا ينبغي إثارة الجدل حولها خارج إطار البحث العلمي الرصين، ولا سيّما أنّها لا تمسّ أُصول الدين وأركان العقيدة.... فينبغي لكلّ حريص على رفعة الإسلام ورقي المسلمين أن يبذل ما في وسعه في سبيل التقريب بينهم والتقليل من حجم التوتّرات الناجمة عن بعض التجاذبات السياسية؛ لئلّا تؤدّي إلى مزيد من التفرّق والتبعثر وتفسح المجال لتحقيق مآرب الأعداء الطامعين في الهيمنة على البلاد الإسلامية والاستيلاء على ثرواتها».

مؤلّفاته

للسيّد السيستاني مؤلّفات، منها: منهاج الصالحين، مناسك الحجّ، فوائد رجالية، هوامش قيّمة على بعض الكتب الفقهية، تقريرات بعض أساتذته في الفقه والأُصول، شرح العروة الوثقى‏، كتاب القضاء، شرح مشيخة التهذيب، قاعدة القرعة، الفوائد الفقهية، الفوائد الغروية، رسالة في القبلة، رسالة في التقية، رسالة في قاعدة اليد، رسالة في الربا، رسالة في قاعدة الإلزام، رسالة في قاعدة لا ضرر ولا ضرار.

المصدر

(انظر ترجمته في: مع علماء النجف الأشرف 2: 535- 536، المنتخب من أعلام الفكر والأدب : 33، أساطين المرجعية العليا في النجف الأشرف : 341- 396، المعجم الوسيط فيما يخصّ الوحدة والتقريب 1: 394- 395، موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح 1: 775-778).

وراجع أيضاً الموقع الألكتروني : www.sistani.org

1.أساطين المرجعية العليا في النجف الأشرف .

تأليف : د.محمّد حسين علي الصغير \ نشر: مؤسّسة البلاغ ودار سلوني - بيروت \ الطبعة الأولى -1420 ه .

2.مع علماء النجف الأشرف .

تأليف : محمّد حسين محمّد الغروي الحسيني \ نشر: دار الثقلين- بيروت \ الطبعة الأولى - 1420 ه.

3.المعجم الوسيط فيما يخصّ الوحدة والتقريب .

تأليف : محمّد الساعدي \ نشر : المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية - طهران \ الطبعة الأولى - 2010 م .

4.المنتخب من أعلام الفكر والأدب .

تأليف : كاظم عبّود الفتلاوي \ نشر: مؤسّسة المواهب - بيروت \ الطبعة الأولى - 1419 ه .

5.موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح .

تأليف : محمّد الساعدي \ نشر : المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية - طهران \ الطبعة الأولى - 2010 م .