مكة
مكة هي أهم مدينة في المملكة العربية السعودية وتقع ضمن منطقة الحجاز في الجزء الغربي من شبه الجزيرة العربية وتحتضن الكعبة المشرفة، وقد تمتعت هذه المدينة بمكانة مقدسة منذ بدء الخليقة، إلا أن تاريخها الجغرافي وعمرانها بدأ باستقرار السيدة هاجر ونبي الله إسماعيل (عليهما السلام) فيها. كانت مكة قبل الإسلام مركزًا تجاريًا رئيسيًا في شبه الجزيرة العربية بسبب وجود الكعبة فيها [١]. وتكمن الأهمية الخاصة لمكة بالإضافة إلى الكعبة، في كونها مكان بعثة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ومنطلق ظهور الإسلام.
منظر لمدينة مكة والمسجد الحرام
تقع مكة على خط عرض ٢١ درجة و٢٥ دقيقة، وعلى خط طول ٣٩ درجة و٥٠ دقيقة من غرينتش وتقع المدينة في وادي إبراهيم، ضمن وادٍ ضيق هلالي الشكل يُعرف بـ "أبطح"، محاطة بسلاسل جبلية عالية من الشرق والغرب. ويبلغ ارتفاعها حوالي ٣٣٠ مترًا فوق سطح البحر. تقع مكة شرق البحر الأحمر، على بعد ٦٢ كيلومترًا من ميناء جدة، ويحدها من الشمال المدينة المنورة، ومن الغرب جدة، ومن الشرق الرياض ونجد، ومن الجنوب اليمن وعسير [٢].وتتميز مكة بكونها مدينة جبلية شديدة الجفاف والحرارة، حيث يكون الطقس حارًا جدًا في الصيف، بينما تتحسن الأجواء ليلًا. وتعتمد المدينة على مياه الأمطار، إذ لا يوجد فيها أنهار أو عيون ماء طبيعية جارية، مما يستدعي استخراج المياه من الآبار والطبقات الجوفية. وتزداد الينابيع والآبار والمزارع وبساتين النخيل كلما ابتعدنا عن الحرم المكي، بينما تُجلب المؤن الغذائية للمدينة من مناطق أخرى [٣]. تتعرض مكة على مدار السنة لرياح مختلفة، منها الشمالية الغربية والشمالية الشرقية والجنوبية الغربية. وعادةً ما تكون هذه الرياح جافة، إلا أنها قد تُسبب هطول الأمطار في فصل الشتاء [٤].
اسم مكة وشهرتها
ذُكر اسم "مكة" صراحةً مرة واحدة في القرآن الكريم في الآية ٢٤ من سورة الفتح، حيث يقول الله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا». غير أن هذه المدينة وردت بأسماء أخرى في أربع عشرة آية، مثل: "بكّة"، "أم القرى"، "البلد"، "البلد الأمين"، "البلدة"، "الحرم"، بالإضافة إلى أسماء مثل "قريتك"، "من القريتين"، و"وادٍ غير ذي زرع" [٥].
سبب تسمية مكة
يرى بعض علماء الإسلام أن اسم "مكة" مشتق من قلّة الماء فيها. فقد ورد في اللغة: «اِمتَكَّ الفصيلُ ضَرعَ أُمِّهِ» أي امتصّه. فـ"المَكّ" يعني مصّ الرضيع لبن أمه، و"الامتصاص" هو جذب الشيء نحو الذات. وقال آخرون: سُميت "مكة" لأنها تمحو الذنوب (تَذهَبُ بها)، أو لأنها تطرد الفجار منها (تَخرِجُهُم منها). كما قيل إن تسميتها "بكّة" تعود إلى أن الناس يدفعون بعضهم بعضًا فيها (يَدْفَعُ بَعْضُهُم بَعْضًا) [٦].
معنى "بكّة"
ورد في القرآن: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ» [٧]. كلمة "بَكّ" في اللغة تعني الازدحام، و"بكّة" —كما ذكر الطبرسي— تعني "مكان الازدحام". لذا، سُميت المنطقة حول البيت الحرام بهذا الاسم بسبب ازدحام الناس فيها للطواف والصلاة والدعاء. وهذا وصفٌ لا اسم علم. وفي "الميزان": أن "بكّة" هي أرض الكعبة، وسُميت بذلك لازدحام الناس. ونقل الطبرسي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أن "بكّة" هي المسجد الحرام، بينما "مكة" تشمل الحرم كله. وقيل أيضًا أن "بكّة" هي مكة ذاتها، حيث تحولت الميم إلى باء [٨].
معنى "أم القرى"
تُلقب مكة المكرمة بـ"أم القرى"، وهو اسم ذُكر في آيتين قرآنيتين:«لِتُنذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَولَهَا» [٩]. و"أم القرى" تعني "أصل المدن"، وسُميت مكة بذلك لأنه —حسب الروايات— بعد طوفان نوح (عليه السلام)، كانت أول بقعة ظهرت من الماء هي أرض مكة، في حدث يُعرف بـ"دحو الأرض"، فصارت "أمًّا" للمدن الأخرى [١٠].
==بلد الأمين من الأسماء المشهورة لمكة - التي تعبّر عن قداستها الفائقة واحترامها العظيم - اسم "البلد الأمين". وقد ورد هذا الاسم صراحةً في القرآن الكريم في قسم الله تعالى: «وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ» (التين: ١-٣). لا شكّ أن المقصود بـ"البلد الأمين" هنا هو مكة، إذ سورة التين مكية النزول. كما أكد القرآن على أمن مكة وحرمها في آيات أخرى، مثل: «أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا» (القصص: ٥٧)، «وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا» (آل عمران: ٩٧).
إن جعل الله مكة دارَ أمانٍ وسلامٍ هو من بركات دعاء إبراهيم الخليل (عليه السلام) باني الكعبة: «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا» (البقرة: ١٢٦). فجعل الله الحرم ملاذًا آمنًا حتى للمجرمين، فلا يُتعرض لأحد فيه حتى لو ارتكب جرمًا، كما يُضمن الأمن حتى للحيوانات. لكن هذا الأمان لا يشمل من ارتكب جرمًا داخل الحرم نفسه، إذ يُحرم على من انتهك حرمته[١٦].
أسماء مكة الأخرى إلى جانب الأسماء السابقة، وردت لمكة أسماء عديدة في المصادر، منها:
أمّ، أم الأرضين، أم راحم، أم رحم، أم روح
بكّة، البلد، بلد الله، بيت العروس، التّهامة
الحرم الآمن، حرم الله، خير البلاد، الفاران
المقدّسة، المباركة، المعاد، مكّة المكرّمة
وادي غير ذي زرع... وغيرها[١٧].
مكة عبر العصور كانت مكة منذ القدم تقع على طريق قوافل اليمن والشام، لكن تاريخها العمراني بدأ باستقرار هاجر وإسماعيل (عليهما السلام) فيها بأمر الله. عندما تفجّر نبع زمزم، استقرت قبيلة جرهم اليمنية حوله، ثم ازدهرت مكة بعد بناء الكعبة على يد إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)، فأصبحت مركزًا دينيًا وتجاريًا.
وقد بلغت مكة ذروة مجدها بظهور الإسلام، حيث استعادت دورها كقلب للتوحيد الإبراهيمي. بعد أن عانى النبي (صلى الله عليه وآله) من اضطهاد المشركين، هاجر إلى المدينة، ثم عاد فاتحًا في العام الثامن للهجرة بعشرة آلاف مسلم، فدخلها دون قتال وأعلنها مركزًا للتوحيد من جديد[١٨