الوديعة
الوديعة: وهي أمانة لا يلزم ضمانها إلا بالتعدي، فإن تصرف فيها أو في بعضها، ضمنها وما أربحت، فالفرق بينها وبين العارية أن فيها لايجوز التصرف وفي العارية يجوز. ولها شروط و أحكام سنذکرها تطبیقاً علی فقه الإمامية و الشافعية و الحنفية.
الوديعة
المرء مخير في قبول الوديعة والامتناع من ذلك ، وهو أولى ما لم يكن فيه ضرر على المودع ، ويجب حفظها بعد القبول لها ، كحفظ ماله .
وهي أمانة لا يلزم ضمانها إلا بالتعدي ، فإن تصرف فيها أو في بعضها ، ضمنها وما أربحت ، وكذا إن فك ختمها ، أو حل شدها ، أو نقلها من حرز إلى ما هو دونه ، كان متعديا ويلزمه الضمان ، وكذا إن لم يكن هناك ضرورة - من خوف غرق أو نهب أو غيرهما – فسافر بها ، أو أودعها أمينا آخر وصاحبها حاضر ، أو خالف مرسوم صاحبها في كيفية حفظها. [١]
وفي البداية للحنفية : له أن يسافر بها وإن كان لها حمل ومؤنة عند أبي حنيفة وما لا ليس له ذلك إذا كان لها حمل ومؤنة. [٢]
وفيه أيضا إذا قال المودع : لا تسلمها إلى زوجتك فسلمها إليها لا يضمن ، وفي الجامع الصغير : إذا نهاه أن يدفعها إلى أحد من عياله ، فدفعها إلى من لا بد له منه لم يضمن ، فإن كان له منه بد ضمن ، وإن قال : احفظها في هذا البيت فحفظها في بيت آخر من الدار لم يضمن وإن حفظها في دار أخرى ضمن. [٣]
لنا بعد إجماع الإمامية أنه خالف أمر صاحبها فيكون متعديا وإذا تعدى لزمه الضمان . وكذا لو أقر بها لظالم يريد أخذها ، من دون أن يخاف القتل ، أو سلمها إليه بيده ، أو بأمره ، وإن خاف ذلك ، ويجوز له أن يحلف أنه ليس عنده وديعة إذا طولب بذلك ، ويوري في يمينه بما يسلم به من الكذب ، ولا ضمان عليه إن هجم الظالم ، فأخذ الوديعة قهرا .
ولو تعدى المودع ثم أزال التعدي ، مثل أن يردها إلى الحرز بعد إخراجها ، لم يزل الضمان عنه. [٤] وفاقا للشافعي ، وخلافا لأبي حنيفة .
لنا أن بالتعدي وجب عليه الضمان بلا خلاف ولا دليل على أن الضمان يزول عنه بالرد إلى موضعه .
له أن المودع مأمور بالحفظ في جميع هذه الأوقات فإذا خالف في جهة منها ثم رجع وعاد إلى الحفظ كان تمسكا به على الوجه المأمور به فينبغي أن يزول عنه الضمان. [٥]
ولو أبرأه صاحبها من الضمان بعد التعدي ، وقال : قد جعلتها وديعة عندك من الآن ، برئ[٦]، وللشافعي فيه وجهان أحدهما يبرأ وهو ظاهر قوله ، والثاني لا يبرئ قال : لأن الإبراء لا يصح عن القيمة لأنها لم تجب بعد ولا يصح من العين لأنها في يده باقية .
لنا أن ذلك حق له ، فله التصرف فيه بالإبراء والإسقاط والمطالبة ، فوجب أن يسقط بإسقاطه[٧]
ويزول الضمان بردها إلى صاحبها أو إلى وكيله ، سواء أودعه إياها مرة ثانية ، أم لا ، بلا خلاف .
وإذا علم المودع أن المودع لا يملك الوديعة ، لم يجز له ردها إليه مع الاختيار ، بل يلزمه رد ذلك إلى مستحقه ن عرفه بعينه ، وإن لم يتعين له حملها إلى الإمام العادل ، فإن لم يتمكن لزمه الحفظ بنفسه في حياته ، وبمن يثق إليه بعد وفاته إلى حين التمكن من المستحق ، ومن أصحابنا من قال : تكون - والحال هذه - مثل اللقطة والأول أحوط.
وإن كانت الوديعة من حلال وحرام لا يتميز أحدهما من الأخر ، لزمه رد جميعها إلى المودع متى طلبها .
ومتى ادعى صاحب الوديعة تفريطا فعليه البينة ، فإن فقدت ، فالقول قول المودع مع يمينه ، وروي أنه لا يمين عليه إن كان ثقة غير مرتاب به . وإذا ثبت التفريط واختلفا في قيمة الوديعة، ولا بينة ، فالقول قول صاحبها مع يمينه ، لأنه أعرف بها ، وقيل القول قول المودع لأنه المنكر ، ومن أصحابنا من قال : يأخذ بما اتفقا عليه ، ويحلف المودع على ما أنكره من الزيادة. [٨]