الاعتكاف
الاعتكاف: وهو الاحتباس في المسجد علی سبيل القربة، قال تعالی: «وأنتم عاکفون في المساجد»، ويبحث في هذا المدخل عن شروط انعقاده، ونأتي بآراء الفقهاء تطبیقاً من الإمامية و الشافعية و الحنفية.
الاعتكاف
من شرط صحة انعقاده الصوم، وفاقا لأبي حنيفة وأصحابه ، وخلافا للشافعي فإنه قال : يصح الاعتكاف بغير صوم ، ويصح أن يفرد الليل والعيدين و أيام التشريق بالاعتكاف ، لنا ما روي عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا اعتكاف إلا بالصوم وقوله لعمر : اعتكف وصم[١] وقوله تعالى : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } [٢] لفظ الاعتكاف شرعي وله شروط شرعية على حسب الخلاف في ذلك ، وعلى كل حال يفتقر فيه إلى بيان ، وإذا لم يبينه سبحانه في الكتاب احتجنا في بيانه إلى الرسول وإذا وجدناه ( صلى الله عليه وآله ) لم يعتكف إلا بصوم كان فعله بيانا ، وفعله إذا وقع على جهة البيان كان كالموجود في لفظ الآية .
ومن شرط انعقاده أن يكون في مسجد صلى فيه النبي ( صلى الله عليه وآله )، أو إمام عادل بعده الجمعة وذلك أربعة مساجد ، المسجد الحرام، و مسجد المدينة، و مسجد الكوفة، والبصرة،[٣] " خلافا للشافعي وأبي حنيفة فإنهما قالا : المستحب أن يعتكف في الجامع ، ويصح أن يعتكف في سائر المساجد[٤]
لنا أنه لا خلاف في انعقاده فيما ذكرناه من الأمكنة وليس على انعقاده في غيرها دليل ، وقوله تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } لا ينافي ما ذكرناه ، لأن اللفظ مجمل ولفظ المساجد هاهنا ينبئ عن الجنس لا عن الاستغراق.
ومن شرط انعقاده أن يكون ثلاثة أيام فما زاد. [٥] خلافا للشافعي فإنه قال : الاعتكاف عبارة عن اللبث في المسجد ساعة مع الكف عن الجماع[٦] وأبي حنيفة فإنه قال : أقله يوم وليلة[٧] وذلك لأن الصوم عنده شرط الاعتكاف وليس عند الشافعي شرطا ، لنا طريقة الاحتياط و اليقين لبراءة الذمة لمن وجب عليه الاعتكاف بنذر أو عهد وليس كذلك إذا لم يكن ثلاثة أيام " وتعلقهم بظاهر قوله تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } وأنه يتناول ما نقص عن ثلاثة أيام ، لا يصح ، لأنا قد بينا أن الاعتكاف إما أن يكون لفظه شرعيا أو لغويا له شروط شرعية ، فلا بد من الرجوع إلى الشرع ، إما في الاسم أو في الشروط ، فعليهم أن يدلوا أن ما نقص عن الثلاثة يتناوله في الشرع هذا الاسم ، وتكمل له الشروط الشرعية حتى تتناول الآية له . وملازمة المسجد شرط في صحة الاعتكاف بلا خلاف إلا لعذر ضروري من إرادة بول ، أو غائط ، أو إزالة حدث الاحتلام ، أو أداء فرض تعين من شهادة أو غيرها ، ويجوز أن يخرج لعيادة مريض "[٨] أو زيارة الوالدين والصلاة على الأموات خلافا للشافعي وأكثر الفقهاء فإنه قال : إن فعل ذلك بطل اعتكافه. [٩]
وفي الوجيز : لا بأس بعيادة المريض في الطريق من غير تعريج ، ولا بأس بصلاة الجنازة من غير ازورار عن الطريق[١٠]، لنا ما ورد من الأخبار في الحث على ذلك لأنه على عمومه ، ولا يخرج منه إلا ما أخرجه دليل قاطع ولا دليل عليه .
من خرج لإقامة الشهادة ولم يتعين عليه إقامتها لم يبطل اعتكافه ، خلافا للشافعي فإنه قال : يبطل ، لنا أن الأصل جواز ذلك والمنع يحتاج إلى دليل[١١]، وإن تعين عليه الأداء فعليه أن يخرج ويقيم الشهادة ، ولا يبطل اعتكافه .
وللشافعي فيه قولان[١٢] ولا يجوز لمن خرج بعذر أن يجلس تحت سقف مختارا حتى يعود إلى المسجد، ولا التجارة بالبيع والشراء على كل حال. [١٣]
وفي النافع للحنفية : ولا بأس بأن يبيع ويبتاع في المسجد من غير أن يحضر السلع للضرورة .
وإذا أفطر المعتكف نهارا ، أو جامع ليلا بطل اعتكافه خلافا للشافعي[١٤] في الإفطار ووفاقا لهما في الجماع[١٥] ووجب عليه استئنافه وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان[١٦] خلافا لهما. [١٧]
لنا قوله تعالى : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } لأنه لم يفصل بين الليل والنهار .
وإن جامع نهارا كان عليه كفارتان : إحداهما لإفساد الصوم والأخرى لإفساد الاعتكاف ، وإن أكره زوجته على الجماع وهي معتكفة انتقلت كفارتها إليه .
والاعتكاف المتطوع به يجب بالدخول فيه المضي فيه ثلاثة أيام ، وهو في الزيادة عليها بالاختيار إلا إن زاد له يومان ، فيلزم تكميل ثلاثة أخرى ، بدليل إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط. [١٨]
وفي النافع من دخل في صوم أو صلاة التطوع ثم أفسدها قضاها ، وقال الشافعي لا شئ عليه لقوله ( صلى الله عليه وآله ) للمرأة التي قالت كنت صائمة إلا أني كرهت أن أرد سؤالك فقال ( عليه السلام ) إن شئت قضيت ، ولأبي حنيفة قوله ( عليه السلام ) لـ عائشة و حفصة [١٩] وكانتا صائمتين أفطرتا : اقضيا يوما مكانه .
إذا باشر امرأته في حال اعتكافه فيما دون الفرج ، أو لمس ظاهرها بطل اعتكافه ، أنزل أو لم ينزل . وفاقا للشافعي في الإملاء وخلافا له في الأم فإنه قال : لا يبطل ، أنزل أو لم ينزل .
وقال أبو حنيفة: إن أنزل بطل ، وإن لم ينزل لم يبطل .
لنا قوله تعالى : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } وهذا عام في كل مباشرة. [٢٠]
إذا وطأ ناسيا ، لم يبطل اعتكافه وفاقا للشافعي . وقال أبو حنيفة : يبطل ، لنا قوله ( عليه السلام ) : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. [٢١]
إذا قال لله علي أن اعتكف شهرا كان بالخيار بين أن يعتكف متفرقا أو متتابعا وفاقا للشافعي . وقال أبو حنيفة : عليه المتابعة إلا أن ينوي اعتكاف نهار شهر ، فإنه لا يلزمه المتابعة . لنا أنه لم يذكر المتتابعة و الأصل براءة الذمة. [٢٢]
إذا نذر اعتكاف يومين ، لا ينعقد نذره خلافا للشافعي فإنه قال يلزمه يومان وليلة. ويحكي عن أبي حنيفة يومان وليلتان ، لنا ما قدمناه من الدلالة على أنه لا اعتكاف أقل من ثلاثة أيام. [٢٣]
إذا أذن لزوجته أو أمته في الاعتكاف لم يكن له منعهما وفاقا لأبي حنيفة في الزوجة وخلافا له في الأمة . وقال الشافعي : له منعهما من ذلك . لنا أن جواز المنع بعد ثبوت الاعتكاف يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه في الشرع. [٢٤]
لا يجوز للمعتكف استعمال الطيب خلافا للشافعي فإنه قال يجوز ، لنا طريقة الاحتياط. [٢٥]
المصدر
- ↑ الخلاف : 2 / 227 مسألة 92 .
- ↑ البقرة : 187 .
- ↑ الغنية 146 .
- ↑ الخلاف : 2 / 233 مسألة 102 .
- ↑ الغنية : 146 .
- ↑ الوجيز : 1 / 105 .
- ↑ الهداية في شرح البداية : 1 / 129 .
- ↑ الغنية 146 - 147 .
- ↑ الخلاف : 2 / 234 مسألة 105 .
- ↑ الوجيز : 1 / 108 .
- ↑ الخلاف : 2 / 235 مسألة 107 .
- ↑ الخلاف : 2 / 236 مسألة 108 .
- ↑ الغنية 147 .
- ↑ الوجيز : 1 / 106 .
- ↑ الهداية في شرح البداية : 1 / 130 .
- ↑ الغنية : 147 .
- ↑ الخلاف : 2 / 238 مسألة 113 .
- ↑ الغنية 147 .
- ↑ بنت عمر بن الخطاب ، كانت قبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تحت خنيس بن حذافة السهمي وتزوجها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . توفيت سنة ( 41 ه ) . أسد الغابة : 6 / 65 رقم 6845 .
- ↑ الخلاف : 2 / 229 مسألة 93 .
- ↑ الخلاف : 2 / 229 مسألة 94 .
- ↑ الخلاف : 2 / 229 مسألة 95 .
- ↑ الخلاف : 2 / 230 مسألة 96 .
- ↑ الخلاف : 2 / 231 مسألة 98 .
- ↑ الخلاف : 2 / 240 مسألة 116 .