أقل الجمع

أقلّ الجمع: اصطلاح في اللغة و الفقه والأصول، والمراد هنا هو الاصطلاح الأصولي، و الأصوليون اختلفوا في مصداق أقلّ الجمع هل أنّه اثنان أو ثلاثة أو غير ذلك، ولکن اتفقوا مفهوماً علی أنه أقلّ عدد ينطبق عليه عنوان «الجمع».

تعريف أقلّ الجمع لغةً

«أقلّ»: أفعل التفضيل من القليل الذي هو ضدّ الكثير، و«الجمع»: ضمّ الشيء إلى الشيء، قال ابن فارس: «الجيم والميم والعين، أصل واحد يدلّ على تضامّ الشيء».

تعريف أقلّ الجمع اصطلاحاً

المراد بـ (أقلّ الجمع): أقلّ عدد ينطبق عليه عنوان «الجمع» وما يؤدّي مؤدّاه، مثل: «رجال، رقاب، دراهم». وقد استعمله الأصوليون بنفس معناه اللغوي، إلاّ أنّهم اختلفوا في مصداقه.
وليس محلّ البحث والخلاف بينهم في مصداق كلمة «الجمع»؛ لأنّه لا خلاف بينهم في أنّها تدلّ على «ضمّ الشيء إلى الشيء»، وهذا المعنى متحقّق في الاثنين والثلاثة، وإنّما اختلفوا في مصداق «أقلّ الجمع» في الألفاظ الموضوعة ـ لغة ـ للجمع، مثل: «رجال، مسلمون، رقاب»، وهل أنّه اثنان أو ثلاثة أو غير ذلك؟ ولعلّه بهذا يتّضح أنّ أقلّ الجمع، بحث لغوي وليس بحثا أصوليا أو قاعدة أصولية؛ ولذا لم يتعرّض له أغلب الأصوليين ـ بصورة مستقلة ـ بل هو عندهم من الأصول الموضوعية.

أقوال العلماء في أقلّ الجمع

لا خلاف بين علماء المنطق في أنّ «أقلّ الجمع» اثنان، وهل هو منقول في عرفهم إلى ذلك أو مجاز مشهور؟ وجهان، والمعروف بين أهل العلم هو الأوّل.
واختلف علماء المسلمين من أُصوليّين وفقهاء ومتكلّمين ونحويين في مصداق «أقلّ الجمع»، على عدّة أقوال، تصل إلى ثمانية أقوال، هي:

القول الأوّل: أقلّ الجمع ثلاثة

ويطلق على الواحد والاثنين مجازا. وهو المشهور المعروف عند الإمامية وأكثر علماء الجمهور.
قال الشيخ الطوسي: «إنّ أقلّ الجمع ثلاثة، ونسب إلى قوم أنّ أقلّ الجمع اثنان؛ والأوّل مذهب أكثر الفقهاء».
وقال أيضا: «ذهب المتكلّمون وأكثر الفقهاء إلى أنّ أقلّ الجمع ثلاثة، وقال من شذّ منهم اثنان».
وقال الشوكاني: «أقلّ الجمع ثلاثة، هو القول الحقّ الذي عليه أهل اللغة والشرع».
ونسبه التفتازاني إلى أكثر الفقهاء، وابن برهان إلى أكثر الأصوليين، وابن اللّحام إلى أكثر المتكلّمين، وابن الدهّان النحوي إلى أكثر النحويّين. واستدلّ له بعدّة وجوه، منها:
1 ـ إنّ أهل اللغة فرّقوا بين التثنية والجمع، فقالوا: التثنية تكون بالألف والنون، والجمع يكون بالواو والنون والألف والتاء، كما فرّقوا بين الواحد والاثنين، فإن جاز أن يدّعى في التثنية أ نّه جمع جاز أن يدّعى في الواحد أ نّه تثنية أو جمع، والحال أ نّه لايصحّ ذلك.
2 ـ إنّهم فرّقوا بينهما في الضمير المتّصل، فقالوا في التثنية: «فعلا» و«افعلا»، وقالوا في الجمع: «فعلوا» و«افعلوا»، فلو كان الجمع يطلق على التثنية لما فرّقوا بينهما، ولقالوا لكلّ منهما: «فعلوا» أو «افعلوا»، ولكنّهم لم يقولوا ذلك. ممّا يدلّ على أنّ التثنية ليست بجمع، وبالتالي يكون أقلّ الجمع ثلاثة حقيقة، أي أنّ الواو التي هي علامة الجمع يجوز دخولها على الفعل الذي يخاطب به الثلاثة فصاعدا أو ينسب إليهم ولايجوز ذلك في الاثنين، فقالوا في الثلاثة: «فعلوا» و«افعلوا» وقالوا في الاثنين: «فعلا» و«افعلا» فلو كانت التثنية جمعا لكانت الواو ثابتة في التثنية أيضا.
3 ـ إنّهم يفسّرون عدد الثلاثة بلفظ الجمع، فيقولون: «ثلاثة رجال» ولايفسّرون به الاثنين، بل يقولون: «رجلان».
4 ـ إنّ السامع إذا سمع: «رأيت رجالاً» فإنّه لايتبادر إلى ذهنه إلاّ الثلاثة فصاعدا لا الاثنين، و التبادر علامة الحقيقة.

القول الثاني: أقلّ الجمع اثنان

اختاره بعض [[الفقهاء[[ والأصوليين كالقاضي أبي جعفر السمناني ـ على ما نسبه إليه تلميذه أبو الوليد الباجي ـ والقاضي أبي بكر الباقلاني.
واستدلّ له ببعض الوجوه، منها:
1 ـ إنّ الجمع ـ لغةً ـ مأخوذ من ضمّ شيء إلى شيء، وهذا المعنى متحقّق في «الاثنين» فعليه يكون جمعا. ونوقش فيه: بأنّ أصل الاشتقاق وإن كان ما ذكر إلاّ أ نّه صار بعرف اللّغة ومواضعتهم خاصّا بقسم من «ضمّ شيء إلى شيء» وهو ما إذا كانوا ثلاثة منضمّين، من قبيل قولهم: «دابّة» فإنّه موضوع في أصل اللغة لكلّ ما يدبّ، ثُمّ صار بعرف اللغة مخصوصا لدابّة بعينها.
2 ـ إنّ رسول اللّه‏(ص) قال: «الاثنان فما فوقهما جماعة»، فسمّى «الاثنين» جماعة، وهو من أهل اللغة، بل في الذروة العليا منهم.
ونوقش فيه: أنّ قوله(ص) ينبغي أن يحمل على بيان الحكم الشرعي لا المعنى اللغوي؛ لأنّ الشارع إنّما يبين الأحكام التي بعث لبيانها لا المفردات واللغات التي عرفت من غيره.
وقد ذكر لهذا الحديث الشريف تفسيران:
أحدهما: أنّه(ص) كان قد نهى عن خروج الرجل وحده في السّفر، ثمّ أباح ذلك في الاثنين، فأخبر عند ذلك بأنّ حُكم الاثنين في جواز السفر، حُكم الثلاثة ومازاد على ذلك.
والثاني: أ نّه أراد بذلك فضيلة الجماعة بالصّلاة؛ لأنّ حكم الاثنين في انعقاد الجماعة بهما وحُصول الفضل لهما حُكم الثلاثة وما زاد على ذلك، فينبغي أن يُحمل الخبر عليهم.

القول الثالث: أنّ أقلّ الجمع واحد

اختاره أبو حامد الإسفراييني؛ كما نقله عنه الزركشي، ونسبه الآمدي وغيره إلى الجويني، واستدلّ له بعدّة آيات كقوله تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»؛ فهو سبحانه وتعالى وحده مُنزل الذكر، فإذا ثبتت العبارة بلفظ الجمع عن الواحد لم يستنكر حمل المعلوم المخصص على الواحد حقيقة.
ونوقش فيه: أنّ هذا خارج عن محلّ النزاع؛ فإنّ الواحد الذي يعبّر عن نفسه بلفظ الجمع، فإنّ تعبيره صحيح إلاّ أ نّه مجاز، ومحلّ النزاع هو استعماله حقيقة.

القول الرابع: «أقلّ الجمع» ثلاثة حقيقةً ويطلق على الاثنين

ويطلق على الاثنين مجازا، ولايطلق على الواحد لا حقيقة ولا مجازا.

القول الخامس: «أقلّ الجمع» ثلاثة حقيقةً ولا يطلق على الاثنين

أقلّ الجمع ثلاثة حقيقةً ولا يطلق على الاثنين لا حقيقة ولا مجازا.
ويمكن استفادة الاستدلال على هذا القول والقول الخامس والنقاش فيهما أيضا ممّا تقدم في الأقوال الثلاثة الأولى.

القول السادس: التفصيل بين جمع الكثرة وجمع القلة

فيكون «أقلّ الجمع» في جمع الکثرة أحد عشر، وفي جمع القلّة ثلاثة.
قيل: إنّه المشهور بين النحاة، ونسبه الكيا الهراسي إلى الجويني.
ولم يذكر لهذا القول وجه؛ إذ إنّ صريح العرف قاضٍ بعدم الفرق بين جمع الكثرة وجمع القلّة من هذه الناحية، بل ربّما يظهر من عدم تعرّض علماء الأصول له إطباقهم على فساده، ويمكن الجمع بأنّ كلام النحاة ناظر إلى أصل اللغة وكلام الأصوليين ناظر إلى العرف، إلاّ أنّ التزام مخالفة العرف للّغة في مثل ذلك لايخلو عن بعد.

القول السابع: التفصيل بين جمع الأزواج

فيكون أقلّ الجمع فيه «اثنان»، وجمع الأفراد فيكون أقلّ الجمع فيه ثلاثة. وهو اختيار محيي الدين بن عربي؛ وقد زعم أنّ ذلك من قول النبي(ص) له في المنام.

القول الثامن: التوقّف

وهو للآمدي؛ نسبه إليه ابن عبّاد العجلي والأسنوي.
وسبب هذه النسبة إلى الآمدي: هو أ نّه في كتابه «الإحكام في أصول الأحكام» ذكر أدلّة القائلين: إنّ أقلّ الجمع اثنان حقيقة، ثُمّ أجاب عنها، ثُم ذكر أدلّة القائلين: إنّ أقلّ الجمع ثلاثة، ثم أجاب عنها، ثُمّ قال: «وإذا عُرِفَ ضعف المأخذ من الجانبين، فعلى الناظر بالاجتهاد في الترجيح، وإلاّ فالوقف لازم». وشكك الزركشي في استفادة القول المذكور من كلام الآمدي.

ثمرات البحث عن تعيين مصداق أقلّ الجمع=

رتّب الاصوليون و الفقهاء بعض الآثار والثمرات على ما اختاروه من مباني في «أقلّ الجمع» منها:

1 ـ الثمرات الأصولية

الثمرة الأوّلی

ذهب أكثر الأصوليين إلى حمل الجمع المنكر على «أقلّ الجمع»؛ لأ نّه من ضروريات محتملاته، فيجب أن يقتصر عليه إلاّ إذا قامت قرينة على خلاف ذلك.

الثمرة الثانية

المعروف المشهور عند الأصوليين هو أنّ العام إذا خصص بمخصص منفصل، فإنّه يكون حجّة في الباقي.
ومن الجمهور من ذهب إلى أ نّه حجّة في «أقلّ الجمع»؛ لأ نّه هو المرتبة المتيقنة والباقي مشكوك، فلايصار إليه.

2 ـ الثمرات الفقهية

الثمرة الأوّلی: الإقرار

إذا قال المقرّ: له عليّ دراهم، فإنّه يلزمه ثلاثة دراهم، بناءً على أنّ أقلّ الجمع ثلاثة، ودرهمان بناءً على أنّ أقلّ الجمع اثنان.

الثمرة الثانية: الوصية

فيحمل الجمع على أقلّه وهو الثلاثة، قال السيّد العاملي: «وظاهرهم أ نّه مسلّم مفروغ منه».

الثمرة الثالثة: الوقف

إذا وقف شخص ماله على الفقراء، فلايجوز الدفع إلى أقلّ من الثلاثة؛ لأ نّه أقلّ الجمع.

الثمرة الرابعة: الإرث

ذهب ابن عبّاس إلى أنّ الأخوين لايحجبان الأم عن الثلث إلى السدس، وإنّما يحجب الثلاثة فما فوق؛ لقوله تعالى: «فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ».
وقال الشيخ الطوسي ردّا على ذلك: «فأمّا قوله تعالى: «فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ...» وإن كان لفظه لفظ الجمع، فنحن نحمله على الاثنين بدلالة الإجماع من الفرقة»، بل وكذا الجمهور ذهب ـ خلافا لابن عبّاس ـ إلى حمل لفظ (الإخوة) على الاثنين.