علم الخلاف

يعدّ الخلاف الفقهي من أهم الموضوعات التي شغلت العلماء قديماً وحديثاً؛ فخاضوا غمار أبحاثه ، وصنفوا فيه الكتب والرسائل ، وسجلوا المناظرات والسجائل ، ووضعوا له القواعد والشروط ، وأبدعوا فيه من المسائل ، حتى غدا العلم بخلاف العلماء من سمات الفقيه الأساسية ، مما دعا بعضهم إلى القول : من لم يعرف اختلاف العلماء ، فليس بعالم، ومن لم يعرف اختلاف الفقهاء لم يشم أنفهُ رائحةَ الفقه1. ولا عجب أن نقول : إن التّرحاب باختلاف العلماء، من أعظم ما جاءت به شريعتنا، وإنّ اتساع الصدور له، من روائع ما عُرفت به حضارتنا. وما أجمل أن يخلع المرء عن نفسه ربقة التقليد والتنطع والجمود، وأن يغترف من بحر الشريعة الإسلامية الغراء، وما أوسعه لو اتسع الأفق الفكري والخلقي له. ولا يزال موضوع فقه الخلاف على تكرّره يفي بالجديد، إن في إطاره النظري، وإن في كثيرٍ من تطبيقاته، وذلك إذا ما أخلص أهل العلم له، وأجهدوا قرائحهم في فسيح مجالاته. ومن القواعد التي وضعها العلماء في هذا الصدد، استحباب الخروج من الخلاف، وجواز مراعاة الخلاف بشروط خاصة لا يتسع حدود هذا المقال لتناولها. ونعني بفقه الاختلاف، ما يتعلق بالاختلاف السائغ، فضلاً عن الاختلاف الممدوح، دون الاختلاف المذموم


الخلاف هو إحدى شعب علم الفقه الإسلامي، وقد عرّف بعدّة تعاريف:

(منها): أنّه جمع الآراء الفقهية المختلفة وتقييمها والموازنة بينها بالتماس أدلّتها وترجيح بعضها على بعض.

و(منها): أنّه علم يعرف به كيفية إيراد الحجج الشرعية ودفع الشبه وقوادح الأدلّة.

و(منها): أنّه علم باحث عن وجوه الاستنباطات المختلفة من الأدلّة الإجمالية أو التفصيلية الذاهب إلى كلّ منها طائفة من العلماء.

هذا، ونحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى إثارة علم الخلاف مجدّداً على أُسس قويمة سليمة تسمو به إلى غايته المثلى في إحياء آثار السابقين ونشدان وحدة الصفّ الإسلامي إلى وحدة التشريع التي تبلغ نتائجها في وحدة الأُمّة الإسلامية حتّى تواجه خصومها وأعدائها بروح ملؤها الاتّحاد والتضامن.