العارية
العارية: وهي الأمانة، وهو عقد جائز لدلالة الكتاب و السنة و الإجماع، فالكتاب قوله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى» والعارية من البر، وقوله تعالى: «ويمنعون الماعون» يدل عليه أيضا، قال أبو عبيد: الماعون اسم لكل منفعة ولكل عطية، وروي عن ابن عباس(رضي الله عنه) أنه قال: الماعون العواري وعن ابن مسعود أنه قال: الماعون العواري من الولد والقدر والميزان، وعن علي عليه السلام وابن عمر أنهما قالا: الماعون الزكاة. وأما السنة فروى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وآله قال في خطبته في عام حجة الوداع: العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم. وروي عن صفوان بن أمية أن النبي صلى الله عليه وآله استعار منه يوم حنين درعا فقال: أغصبا يا محمد؟ فقال بل عارية مضمونة مؤداة. وأما الإجماع فلا خلاف بين الأمة في جواز ذلك، وإنما اختلفوا في مسائل نذكرها، فإذا ثبت جواز العارية فهي أمانة غير مضمونة إلا أن يشرط صاحبها. وعلی کلٍ للعارية شروط و أحكام سنذکرها تطبیقاً علی فقه الإمامية و الشافعية و الحنفية.
العارية
العارية على ضربين: مضمونة وغير مضمونة، فالمضمونة العين والورق على كل حال، وما عداهما بشرط التضمين أو التعدي، وغير المضمونة ما عدا ما ذكرناه. [١]
وفي مسائل الخلاف للشيخ: العارية أمانة غير مضمونة، إلا أن يشرط صاحبها الضمان، أو يتعدى فيها، فيجب عليه الضمان، وبه قال أبو حنيفة و مالك و الحسن البصري إلا أنهم لم يضمنوها بالشرط. وقال الشافعي: هي مضمونة، شرط ضمانها أو لم يشرط، تعدي فيها أو لم يتعد. تمسك بقوله (عليه السلام) العارية مضمونة، قال الشيخ: ويدل على مذهبنا مضافا إلى إجماع الفرقة و أخبارهم ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ليس على المستعير غير المغل ضمان. [٢]
وإذا اختلف المالك والمستعير في المضمونين والتعدي، وفقدت البينة، فعلى المستعير اليمين، وإذا اختلفا في مبلغ العارية أو قيمتها، أخذ ما أقر به المستعير وكان القول قول المالك مع يمينه فيما زاد[٣] لأنه أعرف به، وقيل: القول قول المستعير لأنه المنكر. [٤]
وإذا اختلف مالك الدابة وراكبها، فقال المالك: آجرتكها، أو غصبتنيها، وقال الراكب: بل أعرتنيها، فالقول قول الراكب مع يمينه، وعلى المالك البينة، لأن الأصل براءة الذمة، والمالك يدعي الضمان بـ الغصب، والأجرة بالكراء[٥] فعليه البينة. وللشافعي فيه قولان: أحدهما ما قلناه وهو أن القول قول الراكب لأن المنفعة تلفت في يده ثم فائدة يمينه نفي ما يدعي، عليه من أجرة أو غصب لا إثبات ما يدعيه وهو من إعارة. والثاني أن القول قول المالك مع يمينه لأن الأصل عدم إذنه وإنما يفيد يمينه نفي ما يدعي الراكب، لا إثبات ما يدعى المالك. [٦] وكذلك الحكم إذا اختلف مالك الأرض وزارعها.
وإذا استعار من غيره دابة ليحمل عليها وزنا معينا، فحمل أكثر منه، أو ليركبها إلى مكان معين فتعداه كان متعديا ولزمه الضمان ولو ردها إلى المكان المعين، بلا خلاف.
وإذا أذن مالك الأرض للمستعير للغراس أو البناء، فزرع، جاز، لأن ضرر الزرع أخف من ضرر ما أذن له فيه، ولا يجوز له الغراس والبناء إذا أذن في الزرع، لأن ضرر ذلك أكثر والإذن في القليل لا يكون إذنا في الكثير، وكذا لا يجوز أن يزرع الدخن أو الذرة إذا أذن له في زرع الحنطة، لأن ضرر ذلك أكثر، ويجوز أن يزرع الشعير لأن ضرره أخف.
وإذا أراد مستعير الأرض للغراس أو البناء قلعه كان له ذلك، لأنه عين ماله وإذا لم يقلعه وطالبه المعير بالقلع بشرط أن يضمن له أرش النقص - وهو ما بين قيمته قائما ومقلوعا - أجبر المستعير على ذلك، لأنه لا ضرر عليه فيه، وليس للمستعير أن يطالب بالتبقية بشرط أن يضمن أجرة الأرض، فإن طالبه المعير، بالقلع من غير أن يضمن أرش النقصان، لم يجبر عليه. [٧] وفاقا للشافعي. وقال أبو حنيفة: يجبر على ذلك. وإن لم يضمن. [٨]
وفي الخلاصة: من استعار أرضا للبناء والغراس الذي لا ينقل فمهما قلعه المالك غرم له أرش القلع، سواء كانت العارية مطلقة أو مؤقتة بسنة، وسواء بعد مضي المدة أو قبلها، لأن البناء والغراس للتأبيد وإنما لا يغرم إذا قيد ب... القطع ثم لا يكلفه القلع قبل الميعاد. [٩]
وفي البداية: إذا استعار أرضا ليبني فيها، أو ليغرس فيها جاز وللمعير أن يرجع فيها ويكلفه قلع البناء والغرس. [١٠]
ثم إن وقت العارية فلا ضمان عليه وإن رجع قبل الوقت ضمن[١١] لنا على ما قلناه ما روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال: من بنى في رباع قوم بإذنهم فله قيمته، ولأنا أجمعنا على أن له قلعه مع ضمان النقصان، ولا دليل على جواز ذلك مع عدمه. [١٢]
وأما إن أذن إلى مدة معلومة، ثم رجع قبل مضيها، وطالب بالقلع، فإن ذلك لا يلزمه إلا بعد أن يضمن الأرش بلا خلاف.
وإذا أعار شيئا بشرط الضمان، فرده المستعير إليه أو إلى وكيله، برئ من ضمانه، ولا يبرأ إذا رده إلى ملكه، مثل أن يكون دابة فيشدها في إصطبل صاحبها[١٣]، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: يبرأ لأن العادة هكذا جرت في رد العواري إلى الأملاك، فيكون بمنزلة المأذون من طريق العادة. [١٤] لنا أن الأصل شغل ذمته هاهنا، ومن ادعى أن ذلك يبرئ ذمته فعليه الدليل. [١٥]
إذا تعدي المودع في إخراج الوديعة من حرزه فانتفع به، ثم رده إلى موضعها، فإن الضمان لا يزول بالتعدي[١٦] ووجب عليه الضمان بلا خلاف، ولا دليل على أن الضمان يزول عنه بالرد إلى موضعه وهو مذهب الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يزول عنه لأنه مأمور بالحفظ في جميع هذه الأوقات وإذا خالف في جهة منها ثم رجع وعاد إلى الحفظ، كان متمسكا به على الوجه المأمور به، فينبغي أن يزول الضمان عنه. [١٧]
المصادر
- ↑ الغنية 276.
- ↑ الخلاف: 3 / 387 مسألة 1.
- ↑ الغنية: 276.
- ↑ السرائر: 2 / 431.
- ↑ الغنية: 276.
- ↑ الخلاف: 3 / 388 مسألة 3.
- ↑ الغنية: 276 - 277.
- ↑ الخلاف: 3 / 391 مسألة 9.
- ↑ الخلاصة.
- ↑ الهداية في شرح البداية: 3 / 220.
- ↑ الهداية في شرح البداية 3 / 220.
- ↑ الخلاف: 3 / 391 مسألة 9.
- ↑ الغنية: 277.
- ↑ الخلاف: 3 / 388 مسألة 2.
- ↑ الغنية 277.
- ↑ كذا في النسخة وهو خطأ، والصواب بالرد، وفي الخلاف: بذلك.
- ↑ الخلاف: 3 / 389 مسألة 6.