اجتماع الأمر والنهي
اجتماع الأمر والنهي اصطلاح اصولي یراد به توارد الأمر و النهی علی شئٍ واحدٍ کالصلاة في الدار المغصوبة.
تعریف اجتماع الأمر والنهي
هو توارد الأمر والنهي على شيء واحد، واجتماعهما فيه مع اختلاف الجهة والعنوان[١]، ويمثّل له بالمثال المعروف، وهو الصلاة في المكان المغصوب حيث يتوارد عليها الامر والنهي، فهي مأمور بها بعنوان أ نّها صلاة، ومنهيٌّ عنها بعنوان انّها غصب. هذه هي الجهة المعروفة لمسألة اجتماع الأمر والنهي، أي جهة اختلاف العنوانين بالعموم والخصوص من وجه، كخطاب «صلِّ» وخطاب «لاتغصب»، وهي معقد مسألة اجتماع الأمر والنهي قديما وعند أكثر المتأخرين، وعليها يرتكز البحث في جواز الاجتماع وعدمه. هناك جهة أخرى وقع البحث في جريان النزاع فيها وعدمه، وهي جهة اختلاف متعلقي الأمر والنهي بالإطلاق والتقييد، كما في مثل خطاب «صلِّ» و«لا تصلِّ في الحمام»، وخطاب «صلِّ» و«لا تصلِّ في الغصب». فذهب كلّ من الأصفهاني[٢] والأنصاري[٣] إلى جريان النزاع فيها، بينما ذهب كلّ من الميرزا القمي[٤] والنائيني[٥] والحائري[٦] إلى عدم جريان النزاع فيها واختصاصه بالجهة الأولى، وهي ما إذا كان بين العنوانين عموم وخصوص من وجه. وأيّا كان الأمر، فإنّ معظم البحوث في مسألة اجتماع الأمر والنهي تتمركز حول الجهة الأولى، وهي ما إذا اختلف مركز الأمر والنهي بالعنوان وأمكن انفكاك جهتيهما. [٧]
الألفاظ ذات الصلة
1 ـ اقتضاء النهي للفساد
اختلف الأصوليون في وجه الاختلاف بين مسألة «اجتماع الأمر والنهي»، وبين مسألة «اقتضاء النهي للفساد» إلى عدّة وجوه: الأول: أنّ الفرق بينهما في الموضوع، حيث إنّه في مسألة «اجتماع الأمر والنهي» متعدّد؛ لكون متعلّق الأمر شيء ومتعلق النهي شيء آخر، كخطاب «صلِّ» وخطاب «لاتغصب» وهما متغايران، بخلاف موضوع مسألة «اقتضاء النهي للفساد»، فإنّه متّحد حقيقةً، والتغاير إنّما هو في الإطلاق والتقييد فقط، مثل (صم) و (لا تصم أيّام العيد). [٨] الثانى: أنّ الفرق بينهما هو في اختلاف جهة البحث فقط، حيث يبحث في مسألة «اجتماع الأمر والنهي» عن أنّ تعدّد الوجه والعنوان هل يوجب تعدّد المعنون، بحيث لا يلزم اجتماع الأمر والنهي، أو أنّ ذلك لا يوجب التعدّد فيلزم الاجتماع؟ أمّا في مسألة «اقتضاء النهي للفساد»، فالبحث يدور عن أنّ تعلّق النهي بالعبادة أو المعاملة هل يوجب فسادها، أم لا؟[٩] الثالث: أنّ البحث في مسألة «اجتماع الأمر والنهي» في جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه عقلاً، بينما البحث في مسألة «اقتضاء النهي للفساد» لفظيّ في نفس دلالة النهي عن شيء ـ عبادة أو معاملة ـ على فساده. [١٠]
2 ـ التعارض والتزاحم
للتفرقة بين مسألة اجتماع الأمر والنهي، وبين التعارض والتزاحم ذكر وجهان: الأول: أنّ مورد اجتماع الأمر والنهي هو إحراز وجود الملاك في كلّ من متعلقي الأمر والنهي، بخلافه مورد التعارض، فإنّه يعلم ضرورةً عدم وجود الملاك في أحد المتعارضين للعلم الإجمالي بكذب أحدهما لا على التعيين. [١١] الثاني: أنّ مورد تعارض الدليلين هو تكاذبهما على مستوى الدلالة المطابقية والالتزامية، فإذا دلّ دليل على وجوب شيء ودلّ آخر على كراهته، معناه بمقتضى الدليل الأول أ نّه واجب وليس بمكروه، وبمقتضى الدليل الثاني أ نّه مكروه وليس بواجب، بينما في مورد مسألة اجتماع الأمر والنهي والتزاحم لا يوجد تكاذب على مستوى الدلالة الالتزامية لكلٍّ منهما؛ لأنّ المدلول المطابقي في كلٍّ منهما متعلق بعنوان أجنبي في نفسه عن المعنون والمتعلق للحكم الآخر، فعنوان الأمر هو الصلاة وعنوان النهي هو الغصب، ولا يوجد تكاذب بينهما على مستوى المدلول الالتزامي، غاية الأمر أنّ المكلّف هو الذي جمع بينهما، وفي هذه الحالة إن كانت له مندوحة وقد صلّى في مكان مغصوب، فإن قيل بجواز اجتماع الأمر والنهي يكون المكلّف مطيعا للأمر من جهة، وعاصيا للنهي من جهة اخرى، وإن قيل بعدم جواز الاجتماع تجري فيه أحكام التزاحم. [١٢]
تحرير محلّ النزاع
وقع البحث في جواز اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد، وهذا الواحد يمكن أن يتصور على نحوين:
المراد من الواحد بالجنس
ويمثّل له بالسجود، فإنّه واحد جنسا في كلٍّ من السجود لله تعالى والسجود للصنم، وهما يشتركان في جنس السجود ويختلفان في نوعه. وهذا النحو خارج عن محلّ النزاع؛ لأ نّه لا مانع من اجتماع الأمر والنهي فيه، فإنّ السجود لله مأمور به والسجود للصنم منهيّ عنه، ولا يوجد تنافٍ فى ذلك. [١٣] وخالف في ذلك المعتزلة، ووجهة نظرهم فيه: أنّ السجود لا يكون إلاّ مأمورا به، والساجد للصنم عاصٍ بقصد تعظيم الصنم لا بنفس السجود. [١٤] والخلاف في ذلك لفظيّ.
المراد من الواحد بالشخص
وهذا يمكن أن يكون على نوعين: 1 ـ أن يكون واحدا بالجهة، فيكون مأمورا به من نفس جهة كونه منهيّا عنه. وهنا لا خلاف في عدم جواز اجتماع الأمر والنهي، وهو مستحيل، ولا يجيزه الاّ من يجوّز تكليف المحال. [١٥] وهو خارج عن محلّ النزاع في مسألتنا أيضا. 2 ـ أن يكون متعدّد الجهة، بأن يكون مأمورا به من جهة ومنهيّا عنه من جهة أخرى، ومثاله المعروف الصلاة في الأرض المغصوبة، فهي مأمور بها من جهة كونها صلاة، ومنهيٌّ عنها من جهة كونها غصبا وتصرّفا في ملك الغير من غير إذن. [١٦] وهذا هو محلّ النزاع في مسألة اجتماع الأمر والنهيّ.
المراد بالإجتماع
والمراد بالاجتماع مطلق الاجتماع لا خصوص الوجوب والحرمة، فيشمل اجتماع الوجوب والكراهة والاستحباب والكراهة[١٧] ويشمل اجتماع الوجوب الغيري والنفسي، والنفسيين والغيريين[١٨]، وهو يمكن أن يكون على نحوين: [١٩]
الأول: الاجتماع الموردي
وهو تقارن الفعلين في وقت واحد، أحدهما ينطبق عليه عنوان الواجب، والآخر ينطبق عليه عنوان الحرام مثل النظر إلى الأجنبية أثناء الصلاة، فهنا يوجد فعلان لا فعل واحد، وهذا خارج عن محلّ النزاع.
الثاني: الاجتماع الحقيقي
وهو اجتماع عنوانين في فعل واحد، أحدهما متعلّق الأمر والآخر متعلق النهي، مثل الصلاة في المكان المغصوب، فاجتمع الغصب والصلاة في فعل واحد. وهو محلّ النزاع في مسألتنا. والمراد بالجواز هو الإمكان العقلي لا الجواز المقابل للقبح. [٢٠]
اشتراط قيد المندوحة
معنى المندوحة السعة، وقد وقع البحث في أخذ قيد المندوحة في محلّ النزاع وعدمه، فهل يشترط في جريان النزاع كون المكلّف قادرا على امتثال الأمر خارج المكان المغصوب، أم أنّ النزاع يعمّ حتى مورد عدم تمكن المكلّف من امتثال الأمر خارجا؟ فذهب إلى اشتراط قيد المندوحة كلٌّ من الأصفهاني[٢١] والحائري[٢٢] والمظفر[٢٣]، وعليه تحمل كلمات القدماء وتعبيرهم بكون (الاتحاد باختيار المكلّف) [٢٤]، أو عبارة: «إنّما جاء الاتحاد من جهة اختيار المكلّف»[٢٥]؛ لأ نّه مع عدم وجود المندوحة والسعة لايكون التكليف فعليّا في حق المكلّف، ويلزم منه التكليف بغير المقدور؛ لعدم إمكان امتثال كلٍّ من الأمر والنهيّ معا، وفي مثله يجري عليه أحكام التزاحم. [٢٦] بينما ذهب كلّ من الشهرستاني[٢٧] والآخوند الخراساني[٢٨] والنائيني[٢٩] والخميني[٣٠] والخوئي[٣١] إلى عدم اشتراط قيد المندوحة، باعتبار أنّ قيد المندوحة إنّما يتعلّق بعالم الامتثال وقدرة المكلّف على الإتيان بكلا التكليفين، بينما البحث في مسألة «اجتماع الأمر والنهي وعدمه» في عالم المبادئ، وبقطع النظر عن عالم الامتثال، والبحث في إمكان أن يتعلّق الأمر والنهي بشيء واحد مع تعدّد الجهة والعنوان، ولا علاقة لهذا بقيد المندوحة. [٣٢]
- ↑ انظر : الفصول الغروية : 124.
- ↑ الفصول الغروية: 125.
- ↑ مطارح الأنظار 1 : 606.
- ↑ القوانين المحكمة : 66.
- ↑ فوائد الأصول 1 ـ 2 : 410، 434.
- ↑ درر الفوائد 1 ـ 2 : 153.
- ↑ نعم، السيد الصدر بحث المسألة بجهتيها، أي جهة اختلاف مركز الأمر والنهي بالعنوان والحيثية، وجهة اختلاف مركزهما بالإطلاق والتقييد، ولم يقتصر في البحث على الجهة الأولى. بحوث في علم الأصول حسن عبدالساتر 6 : 325، دروس في علم الأصول 2 : 287 ـ 288.
- ↑ الفصول الغروية : 141.
- ↑ كفاية الأصول : 150 ـ 151، وانظر : مصباح الأصول 1 ق2 : 164، منتهى الدراية 3 : 100 ـ 101.
- ↑ انظر : كفاية الأصول : 151.
- ↑ كفاية الأصول : 155 ـ 156.
- ↑ أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 384 ـ 389.
- ↑ انظر : المستصفى 1 : 91 الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 99 ـ 100، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 2 : 75، معالم الدين : 93.
- ↑ انظر : المستصفى 1 : 91 الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 100، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 2 : 76.
- ↑ انظر : المستصفى 1 : 91 ـ 92، الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 99.
- ↑ انظر : المحصول الرازي 1 : 340 ـ 341، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2 : 100 ـ 101، معالم الدين: 94، كفاية الأصول: 150 ـ 151.
- ↑ لمحات الأصول: 232، بحوث في علم الأصول الهاشمى 3 : 79.
- ↑ دروس في علم الأصول 2 : 295.
- ↑ أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 377 ـ 378.
- ↑ غاية المسؤول في علم الأصول : 295.
- ↑ الفصول الغروية : 124.
- ↑ درر الفوائد 1 ـ 2 : 148.
- ↑ أصول الفقه 1 ـ 2 : 383 ـ 384.
- ↑ انظر : شرح مختصر المنتهى 2 : 212، تيسير التحرير 2 : 222.
- ↑ البحر المحيط 1 : 268.
- ↑ أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 384.
- ↑ غاية المسؤول في علم الأصول : 297.
- ↑ كفاية الأصول : 153.
- ↑ أجود التقريرات 2 : 127.
- ↑ مناهج الوصول 2 : 113 ـ 114.
- ↑ مصباح الأصول 1 ق2: 172.
- ↑ كفاية الأصول : 153، وانظر : منتهى الدراية 3 : 121 ـ 122.