وحدة القيادة
وحدة القيادة: إنّ من الأركان والأُسس الكفيلة بتحقيق الوحدة- والتي تبتني عليها أواصر الأُخوّة- هي القيادة المشتركة، مضافاً إلى وحدة: العقيدة، والشريعة، والهدف المشترك، والخصال الحميدة المشتركة، والوحدة الثقافية. وسنتناول في هذه المقالة وحدة القيادة.
مصاديق القيادة
للقيادة في الإسلام مصداقان : أحدهما صامت وخالد، والآخر حيّ ومتغيّر.
القيادة الصامتة هي بإجماع المسلمين كتاب الله وسنّة رسوله، ولا يوجد بين المذاهب الإسلامية من ينكر قيادتهما، وهما دعامتان هامّتان لوحدة المسلمين، والقرآن يطلق على كتاب الله المنزّل اسم الإمام، يقول: (وَكُلَّ شَيْء أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَام مُبِين) (سورة يس: 12)، و: ( وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً) (سورة الأحقاف : 12)، والرسول (صلّى الله عليه وآله)إمام الأئمّة، إطاعته لا تنفكّ عن إطاعة الله سبحانه. وقيادة القرآن والسنّة بمعنى الهداية والإرشاد والتعليم والتربية.
مجالات الاختلاف في الكتاب والسنّة
دين الفطرة إذ يؤكّد على ضرورة إجماع المسلمين على القرآن والسنّة يجيز الاختلاف فيهما في حدود خاصّة، والاختلاف فيهما له مجالات، منها:
الأوّل: اختلاف المجتهدين في مفهوم ومنطوق الكتاب والسنّة وفي حدود وشروط حجّيتهما، وأمثال ذلك من البحوث المطروحة في المذاهب الكلامية والفقهية. وهذا الاختلاف لا يتعارض مع أصل اتّفاق المسلمين على حجّية الكتاب والسنّة.
الثاني: الاختلاف في الصدور، ويرتبط بالسنّة فقط؛ لأنّ صدور جميع الأحاديث المروية غير قطعي، وربّ رواية صحّت في نظر عالم ولم تصحّ في رأي عالم آخر. ولا يصدق ذلك على الكتاب؛ لتواتر جميع ألفاظه وآياته. نعم، في القرآن اختلاف طفيف يرتبط بالناسخ والمنسوخ ودلالة الألفاظ، ويشمل هذا الاختلاف السنّة أيضاً.
والاختلاف بين أهل السنّة والشيعة في سنّة رسول الله إنّما هو اختلاف في المقدّمة الصغرى لا الكبرى على حدّ تعبير المنطقيّين، فالفريقان متّفقان على حجيّة السنّة وأنّها واجبة الاتّباع كالقرآن، والاختلاف في أنّ هذا القول من السنّة أم لا.
القيادة وأهمّيتها في وحدة المسلمين
أمّا القيادة الحيّة المتحرّكة فتتمثّل أوّل ما تتمثّل في شخص القائد الأوّل رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فهو إضافة إلى إمامته الدينية قائد المجتمع الإسلامي وزعيمه السياسي، وكلّ المسلمين يؤمنون بذلك، وظهر الاختلاف بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، قال قوم من أهل السنّة: إنّ الإمامة بعد الرسول أمر سياسي لا ديني، وقال أكثرهم: إنّها منصب ديني، لكنّهم لم يجعلوها ضمن أُصول الإسلام. والشيعة على العكس من ذلك آمنوا أنّ القيادة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يجب أن يتواصل فيها ما كان موجوداً في شخص القائد الأوّل من الجمع بين السمة الدينية والسياسية، واعتبروا الإيمان بها أصلاً من أُصول المذهب، فهي في رأيهم تتواصل عبر الأئمّة الاثني عشر، ثمّ الفقهاء الذين تتوفّر فيهم شروط التقوى.
والقيادة في المفهوم الإسلامي تجمع بين السياسة والدين، ومن أركان الدين، ولها الدور الهامّ في استمرار الدعوة الإسلامية واستتباب حاكمية الدين وفي وحدة الأُمّة الإسلامية، خاصّة لو عرفنا أنّ «الأُمّة» و«الإمامة» من جذر لغوي واحد.
المصدر
موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح 1: 71.