دلالة الاقتران
دلالة الاقتران: ويقال لها وحدة السياق والمراد بها أن يقترن في الجملة الواحدة ألفاظٌ وکلماتٌ حکمها واحد، فيراد أن يثبت للقرين حكم ما اقترن به، کقوله تعالی: «وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ» فإنّه تعالى قرن بين الحجّ والعمرة بحرف العطف. وکقول الشارع: «اغتسل للجمعة والجنابة» فبما أنّ غسل الجنابة واجب كذلك يكون حكم ما اقترن به وهو غسل الجمعة لوحدة السياق فيهما.
تعريف الاقتران لغةً
الاقتران هو المصاحبة، يقال: قارن الشيءُ الشيءَ، أي اقترن به وصاحبه، وقرنتُ الشيءَ بالشيءِ أي وصلته.[١]
تعريف الاقتران اصطلاحاً
وهو أن يذكر الشارع أشياء في لفظ واحد ويعطف بعضها على بعض ويستفاد من ذلك كون حكمها واحد[٢].
وهو ما يصطلح عليه بـ «دلالة الاقتران» عند أكثر أهل السنّة وبعض الشيعة من القدماء، وبـ وحدة السياق عند أكثر الشيعة من المتأخّرين.
فيراد أن يثبت للقرين حكم ما اقترن به، وصورته أن يدخل حرف الواو بين جملتين تامتين كلّ منهما مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل بلفظ يقتضي الوجوب في الجميع أو العموم في الجميع ولا مشاركة بينهما في العلّة ولم يدلّ دليل على التسوية بينهما[٣].
مثل أن يرد قوله(ص): «غسل الجمعة على كلّ محتلم، والسواك، وأن يمس الطيب»[٤] فإنّ الشارع قرن بين تلك الأمور بحرف العطف، وكذلك قوله تعالى: «وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ»[٥]، فإنّه تعالى قرن بين الحجّ والعمرة بحرف العطف.
أقسام دلالة الاقتران أو وحدة السياق
من خلال مراجعة كلمات الأصوليين في الاقتران يمكن استنباط قسمين له:
القسم الأول: الاقتران الحاصل بين جملة من الأمور مع وجود الحكم في أحدها
فيقال إنّ اقتران أحدها به يدلّ على المشاركة في الحكم المذكور، مثل قول الشارع: «اغتسل للجمعة والجنابة» فبما أنّ غسل الجنابة واجب كذلك يكون حكم ما اقترن به وهو غسل الجمعة لـ وحدة السياق فيهما. والبحث في الاقتران ووحدة السياق يتمركز حول هذا القسم.
القسم الثاني: صرف الاقتران الحاصل بين جملة من الأمور مع عدم وجود الحكم
يعنی مع عدم وجود الحکم في الجملة والنص الذي جمع بينها، ومن خلال هذا الاقتران قد يستكشف كونها مشتركة في بعض الأحكام، مثل: ما استدلّ به مالك على عدم الزكاة في الخيل بقوله تعالى: «وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا...» [٦]؛ لأنّه تعالى قرن بين الخيل وبين البغال والحمير فبما أ نّهما لا زكاة فيهما كذلك الخيل، مع أنّ الآية المذكورة ليست بصدد بيان حكم الزكاة أصلاً، بل بصدد بيان أمر آخر[٧].
وهذا القسم من الاقتران أقلّ اعتبارا وهو مردود من جمهور الأصوليين[٨].
نعم، نقل الزركشي قولاً بأنّه إذا وقعت حادثة لا نصّ فيها كان ردّها إلى ما قرن به من حكم في بعض الأحوال أولى من ردّها إلى غير شيء أصلاً[٩].
الأقوال في حجية دلالة الاقتران
وقع البحث في أنّ القِران بين شيئين في لفظ واحد هل يدلّ على اشتراكهما في الحكم أم لا؟ ففي الحديث النبوي المتقدّم بما أنّ السواك ومس الطيب مستحبّ فهل اقتران غسل الجمعة بهما يدلّ على أ نّه مستحبّ أيضا، وفي الآية الكريمة الحجّ واجب فهل اقتران العمرة به دليل على وجوبها أيضا؟ أقوال في ذلك:
القول الأوّل: عدم حجّية الاقتران
وهو اختيار جملة من الأصوليين[١٠]، فإنّ مجرّد الاقتران لا يدلّ على الاشتراك في الحكم، بل كلٌ يتبع حكم نفسه والقِران في اللفظ لا يدلّ على المشاركة في الحكم، فقوله(ص): «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من الجنابة»[١١]. لا يدلّ على اشتراك الجملتين في النجاسة، فإن مقتضى النهي الأوّل نجاسة الماء بالبول ولا يقتضي نجاسته بالاغتسال فيه جنابة[١٢].
واستدلّ لعدم حجّية الاقتران بعدّة أدلّة:
الدليل الأوّل
الأصل عدم المشاركة في الحكم[١٣].
الدليل الثاني
ما نجده بالوجدان من الاستعمالات الكثيرة التي لا يقع فيها الاشتراك، وأ نّه لكلّ من المعطوف والمعطوف عليه حكمه الخاصّ به، ومجرّد العطف لا يدلّ على الاشتراك، فقوله تعالى: «كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ»[١٤] لايدلّ على الاشتراك، بل الأكل مباح وإيتاء الحقّ واجب[١٥].
وذكر البجنوردي: إنّ صرف تتابع الجملتين في الذكر لايدلّ على أنّ سياقهما واحد فإذا كانت الجملة الثانية تامّة، فإنّه من الممكن أن تكون في مقام البيان لمطلب آخر لا ربط له بالجملة الأولى وعليه لايلزم اتّحادهما فيما تدلاّن عليه[١٦].
الدليل الثالث
هناك فرق بين الاقتران الحاصل بواو العطف والاقتران الحاصل بواو النظم، ففي الأوّل الواو تدخل بين جملتين أحدهما ناقصة والأخرى تامّة فيحتاج إلى العطف لتكميل الجملة الثانية كأن يقال: جاءني زيد وعمر. فهنا الاقتران بالعطف يقتضي التشريك لكون الجملة الثانية ناقصة تحتاج إلى الخبر الموجود في الجملة الأولى، ويستعاظ بالعطف عن التكرار. وأمّا الاقتران الحاصل بواو النظم، فإنّ الواو تدخل بين جملتين كلّ منهما تامّة في نفسها مستغنية عن الأخرى كأن يقال: جاءني وتكلّم عمر. فإنّ القران هنا لحسن النظم لا للعطف كما في قوله تعالى: «... لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء...» [١٧]، وقوله تعالى: «فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ»[١٨] فإنّ الاقتران في هذه الآيات إنّما هو لحسن النظم ولا علاقة للجملة الثانية بالجملة الأولى[١٩].
ولذلك فصّل الاحناف بين الجملة التامّة وبين الجملة الناقصة، فإن كانت الجملة الثانية المعطوفة على الجملة الأولى في الكلام تامّة فإنّ ذلك يحتمل المشاركة في أصل الحكم لا في صفاته، ويحتمل ألا تكون هناك مشاركة أصلاً وهي التي تعطف بواو الاستئناف مثل قوله تعالى: «وَيَمْحُو اللَّهُ الْبَاطِلَ» فإنّ هذه الجملة جملة مستأنفة ولا تعلّق لها بما قبلها.
وأمّا إذا كانت الجملة الثانية ناقصة، فإنّها تشارك الأولى في جميع ما هي عليه، فإذا قال شخص: هذه طالق ثلاثا، وهذه. فإنّ الثانية سوف تطلّق ثلاثا أيضا، بخلاف ما إذا قال: هذه طالق ثلاثا، وهذه طالق. فإنّ الثانية لاتشاركها في العدد لكونها تامّة[٢٠].
الدليل الرابع
إقران الشارع لكثير من الواجبات و المستحبّات في لفظ واحد خصوصا الأخبار الجامعة للأغسال وهو شائع في لسان الشارع[٢١].
الدليل الخامس
أنّ العطف بالواو يقتضي الجمع مطلقا الذي يصدق مع التشريك في الحكم وعدمه ولذلك يصحّ أن يقال: قام زيد ولم يقم عمر. فهنا العطف بالواو حاصل مع عدم الشراكة في الحكم[٢٢]. ولذلك قرن اللّه تعالى بين متضادين في قوله: «فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ...» [٢٣]. فإنّ الأمر بالوطء دالّ على الإباحة قرن مع النهي عن الوطء في المحيض الدالّ على المنع.
القول الثاني: حجّية الاقتران
ذهب إلى حجية الاقتران كلٌّ من أبي يوسف[٢٤] والمزني[٢٥] والحلواني[٢٦] وابن أبي هريرة[٢٧] واختاره أبو يعلى[٢٨]، ونسب إلى بعض المالكية[٢٩]، وقالوا القِران في النظم يوجب القران في الحكم.
وذهب مالك إلى سقوط الزكاة في الخيل استنادا إلى قوله تعالى: «وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا»[٣٠] فقرن بين الخيل من جهة وبين البغال والحمير من جهة أخرى وبما أنّه لا زكاة في البغال والحمير، فلا زكاة أيضا في الخيل بمقتضى الاقتران بينهما[٣١].
وذهب الشافعي إلى وجوب العمرة لاقترانها بـ الحجّ الواجب في قوله تعالى: «وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ»[٣٢]. وهذا الاقتران دليل الوجوب فيها[٣٣].
واستدلّ بعض فقهاء الإمامية بـ وحدة السياق في موارد:
منها: أنّ المراد من قوله عليهالسلام: «عشرة مواضع لايصلّى فيها: الطين والماء والحمام والقبور ومسان الطرق وقرى النمل ومعاطن الإبل، ومجرى الماء والسبخ والثلج»[٣٤]، واحد وهو الكراهة في الجميع، وذلك بما أ نّه يقطع بعدم حرمة الصلاة في جملة من تلك المذكورات كذلك الأمر في مثل الصلاة في الحمام لكون السياق واحدا في الجميع[٣٥].
ومنها كون المراد بالرجس في آية: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ...» [٣٦] هو النجاسة المعنوية بقرينة ما اقترن به من الافراد كالميسر والأنصاب والأزلام[٣٧].
ومنها: الاستدلال بالاقتران و وحدة السياق على أنّ المجوس والصابئة من أهل الكتاب في قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا»[٣٨]؛ وذلك لأ نّه تعالى ذكرهم ضمن طوائف يقطع بكونهم من أهل الكتاب[٣٩].
ومنها: استدلّ لوجوب بسط الخمس على جميع الأصناف الذي ذكرتهم الآية: «وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ...» [٤٠]. واستندوا في ذلك إلى أنّ العطف يقتضي التشريك[٤١].
وذهب جماعة إلى عدم وجوب الزكاة على الصبي استنادا إلى قوله تعالى: «أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ»[٤٢]. باعتبار أنّ الشارع قرن الزكاة بالصلاة وبما أنّ الصلاة غير واجبة عليه فكذلك الزكاة؛ لأنّ الاقتران في اللفظ دليل الاشتراك في الحكم[٤٣].
وحجّتهم فيما ذهبوا إليه من حجّية الاقتران قوله(ص): «لا يفرَّق بين مجتمع»[٤٤] وغيره من الأدلّة[٤٥].
القول الثالث: أنّها من صغريات حجّية الظهور
هذا القول هو الذي يظهر من خلال مراجعة كلمات متأخّري الشيعة الإمامية حول وحدة السياق أنّها من صغريات حجّية الظهور، ولايمكن القول باعتبار أو عدم اعتبار وحدة السياق ودلالة الاقتران بالمطلق، بل إنّ وحدة السياق في كلّ مورد تختلف منه عن الآخر على ضوء القرائن الخارجية والداخلية التي تكتنف الكلام وعلى ضوء ملابسات الحكم والموضوع، وعليه فإنّ تحديد الظهور بمقتضى وحدة السياق ودلالة الاقتران يعود إلى المجتهد نفسه، فمرّة تكون وحدة السياق محقّقة للظهور وأخرى لاتكون محقّقة له، ولذلك نجدهم مرّة يعتمدون وحدة السياق وأخرى لايعتمدونها[٤٦].
المصادر
- ↑ لسان العرب 3: 3206 مادة «قرن».
- ↑ أنظر: العدّة في أصول الفقه أبو يعلى 2: 349.
- ↑ البحر المحيط 6: 99.
- ↑ سنن النسائي 3 ـ 4: 92 كتاب الجمعة، باب الأمر بالسواك يوم الجمعة، باختلاف.
- ↑ البقرة: 196.
- ↑ النحل: 8.
- ↑ أنظر: إرشاد الفحول 2: 285.
- ↑ المصدر السابق.
- ↑ البحر المحيط 6: 101.
- ↑ أنظر: الذريعة 1: 265، أحكام الفصول: 675، شرح اللمع 1: 443، أصول السرخسي 1: 273، تذكرة الفقهاء 1: 35، المسوّدة: 126، أصول الفقه ابن مفلح 2: 856، البحر المحيط 6: 99، شرح الكوكب المنير: 177 ـ 178، شرح الجلال المحلي 2: 29، التحبير شرح التحرير 5: 2457، إرشاد الفحول 2: 285، جواهر الكلام 5: 334.
- ↑ سنن أبي داود 1: 18 كتاب الطهارة، باب البول في الماء الراكد ح70.
- ↑ إرشاد الفحول 2: 285، تذكرة الفقهاء 1: 35.
- ↑ التحبير شرح التحرير 5: 2457.
- ↑ الانعام: 141.
- ↑ أنظر: أحكام الفصول: 676، التحبير شرح التحرير 5: 2457 ـ 2458.
- ↑ القواعد الفقهية 1: 360.
- ↑ الحجّ: 5.
- ↑ الشورى: 24.
- ↑ أصول السرخسي 1: 273 ـ 274.
- ↑ أنظر: البحر المحيط 6: 101.
- ↑ جواهر الكلام 5: 334.
- ↑ الرسائل التسع المحقّق الحلّي: 92 ـ 93.
- ↑ البقرة: 222.
- ↑ انظر: المسوّدة: 126، إرشاد الفحول 2: 285.
- ↑ أنظر: إحكام الفصول: 675، البحر المحيط 6: 99.
- ↑ أنظر: التحبير شرح التحرير 5: 2458.
- ↑ أنظر: البحر المحيط 6: 99، ارشاد الفحول 2: 285.
- ↑ العدّة في أصول الفقه 2: 349.
- ↑ إحكام الفصول: 675.
- ↑ النحل: 8.
- ↑ أنظر: إرشاد الفحول 2: 285.
- ↑ البقرة: 196.
- ↑ أنظر: إرشاد الفحول 2: 285.
- ↑ وسائل الشيعة 5: 142 كتاب الصلاة باب 15 عدم جواز الصلاة في الطين الذي لايثبت فيه الجبهة ح6160، 6161.
- ↑ مصباح الفقيه 11: 96 ـ 97.
- ↑ المائدة: 90.
- ↑ القواعد الفقهية البجنوردي 5: 315.
- ↑ الحجّ: 17.
- ↑ مهذّب الأحكام 25: 60 ـ 62.
- ↑ الأنفال: 41.
- ↑ أنظر: رياض المسائل 5: 256 ـ 257، مدارك الأحكام 5: 405، الحدائق الناضرة 12: 380.
- ↑ البقرة: 43.
- ↑ التحبير شرح التحرير 5: 2458، إرشاد الفحول 2: 285.
- ↑ السنن الكبرى البيهقي 4: 106 كتاب الزكاة، باب من تجب عليه الصدقة، من حديث سعد بن أبي وقاص.
- ↑ أنظر: العدّة في أصول الفقه أبو يعلى 2: 349 ـ 350.
- ↑ أنظر: مستمسك العروة الوثقى 2: 18 و6: 390، 8: 252، القواعد الفقهية البجنوردي 1: 360 و5: 315، دراسات في المكاسب 2: 294 و3: 117، 120.