الكفر
الكفر تعني "التغطية والإخفاء"، ويُطلق اسم كافر على من ينكر الله أو النبي (صلّى الله عليه وآله) أو الشريعة أو الثلاثة معاً. "الكفر" هو من أبرز الكلمات المفتاحية في القرآن الكريم. وله دور مهم في النظام الديني للقرآن بحمولة معنوية سلبية، وليس مجرد مفهوم تدور حوله الصفات السلبية الأخرى، بل عند إلقاء نظرة سريعة على القرآن الكريم ندرك أن مفهوم الكفر متجذر في كل مكان بحيث يشعر الإنسان بحضوره في كل العبارات والآيات التي تتعلق بسلوك الإنسان.
المعنى اللغوي
المعنى اللغوي لـ "كفر" هو التغطية والتستر. لذلك يسمّي العرب الليل "كافر" لأنه يغطي الأشياء ويخفيها، وكذلك يُسمى الفلاح الذي يزرع الأرض ويخفي البذور فيها. الأوراق التي تغطي ثمار الشجر تُسمى "كافور".[١]
المعنى الاصطلاحي
في الاصطلاح الديني، للكفر تعريفات متعددة: أحدها، عدم الإيمان بما يجب الإيمان به، مثل التوحيد والنبوة والمعاد وضروريات الدين.[٢] وآخر، إنكار النبي (ص) عمداً وما جاء به.[٣]
التعريف الشامل للكفر
التعريف الشامل للكفر هو: إنكار الألوهية، التوحيد، الرسالة وضروريات الدين - مع مراعاة أهميتها - إذا أدى إلى إنكار الرسالة.[٤] الكفر نقيض الإيمان وطبيعته هي العناد والرغبة في إخفاء الحقيقة.[٥]
المعنى القرآني للكفر
القرآن الكريم استخدم الكفر بمعنى غير ما سبق أيضاً، ففي هذا المعنى، الكفر ليس مذموماً فقط بل هو من الواجبات العظيمة: «فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى...»[٦]
هنا الكفر يعني رفض الطاغوت والإيمان بالله. ومن هذه الآية نستنتج أن المؤمن يجب أن يكفر بالباطل ويؤمن بالحق.[٧]
أقسام الكفر عند المتكلمين
عدد المتكلمون عدة أقسام للكفر:
- ```كفر الإنكار```
كفر الإنكار يعني أن ينكر الإنسان بالله ورسوله (صلّى الله عليه وآله) بالقلب واللسان.
- ```كفر الجحود```
كفر الجحود يعني أن يعترف الإنسان بالقلب لكنه ينكر باللسان: «وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيَقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ».[٨]
- ```كفر العناد```
كفر العناد يعني أن يعترف الإنسان بالقلب واللسان، لكنه بسبب الحسد والعناد لا يقبل، مثل وليد بن مغيرة الذي قبل القرآن بالقلب واللسان لكنه لم يؤمن واعتبره سحراً.[٩]
- ```كفر النفاق```
كفر النفاق هو أن يتكلم الإنسان بالإيمان لكنه يفرغ قلبه منه.[١٠] [١١] [١٢]
أقسام الكفر في كلام الإمام الصادق (عليه السلام)
هناك تقسيم آخر للكفر من رواية الإمام الصادق (عليه السلام):[١٣]
- ```كفر الجحود```
كفر الجحود ينقسم إلى قسمين:
```أ: إنكار الربوبية``` إنكار الربوبية يعني إنكار الله والجنة والنار والبعث. كفر الزنادقة والدهريين من هذا النوع، والقرآن يصف كلامهم: «وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ».[١٤]
```ب: إنكار مع العلم``` إنكار مع العلم يعني أن يكون الإنسان متيقناً بوجود الله لكنه ينكره ظلمًا وطغيانًا.[١٥]
- ```كفر العصيان```
كفر العصيان يعني الإيمان بالله لكن مع معصيته وعدم الالتزام بالواجبات الدينية.[١٦] [١٧]
- ```كفر البراءة```
كفر البراءة ليس مكروهاً بل هو من الواجبات الاعتقادية، وهو الكفر بأعداء الله والكفار، مثل كفر إبراهيم.[١٨] وكفر الشيطان بأوليائه.[١٩]
- ```كفر النعمة```
كفر النعمة هو الجحود وعدم الشكر على نعم الله. والقرآن ينقل عن النبي سليمان عليه السلام قوله: «هذا من فضل ربي ليبلوّنّي أشكر أم أكفر».[٢٠] [٢١] [٢٢]
- ```الكفر المطلق```
الكفر المطلق هو الكفر الذي لا يندرج تحت أي من الشروط السابقة.[٢٣] [٢٤]
بعضهم عدّ الكفر ثلاثاً وثلاثين نوعاً، ناتجة عن ضرب سبعة أقسام للكفر في خمسة أقسام للكافر.[٢٥]
معنى الكفر في آثار فقهاء الإمامية
الكفر، الذي يعني لغوياً التغطية، له مراتب عند فقهاء الإمامية، ومن هذه المراتب كفر الجحود، وهو الإنكار الناتج عن الجحد وفهم الحقيقة. فيما يلي عرض لأقوال بعض فقهاء الشيعة في هذا المجال.
- ```المحدث البحراني```
بدأ بتوضيح المعاني الأربعة للكفر في القرآن قائلاً:
أعلم أن الكفر ورد في نصوص أهل الخصوم على وجوه:
أحدها: كفر الجحود، ومنه قوله تعالى: (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا فلعنة الله على الكافرين).[٢٦]
وثانيها: كفر النعمة، ومنه قوله تعالى: (ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم).[٢٧]
وثالثها: الكفر بترك ما أمر الله، ومنه قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر).[٢٨] ومن ذلك ما ورد أن تارك الزكاة كافر، وتارك الصوم كافر، وتارك الحج كافر.
ورابعها: كفر البراءة، كما في قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: (كفرنا بكم) (الممتحنة ٤) أي تبرأنا منكم، وقوله تعالى عن إبليس وتبرئه من أوليائه من الإنس يوم القيامة: (إني كفرت بما أشركتم من قبل).[٢٩]
مضمون القول أن الكفر في القرآن يستخدم في أربعة معانٍ: كفر الجحود، كفر النعمة، كفر بسبب ترك أوامر الله، وكفر البراءة.
وأضاف البحراني أن الكفر الوارد في الروايات بحق هؤلاء الفجار هو القسم الأول من هذه الأقسام، وهو كفر الجحود، حيث جحدوا أضر ضروريات الدين المحمدي وأنكروه، وهو الولاية وحب أهل بيت العصمة والهداية... - انتهى -[٣٠]
كما ورد في كلامه أن ولاية أهل البيت من أهم ضروريات الإسلام، وكفر المنكرين من نوع كفر الجحود: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا (القرآن الكريم).
- ```الإمام الخميني```
يرى أن معيار الكفر هو استحلال الحرام والجحود بالحقيقة. والجحود هو أن يقف الإنسان أمام حقيقة واضحة وقاطعة ولا يقبلها:
... ولا يخرج إلى الكفر إلا الجحود والاستحلال.[٣١]
ويستشهد بصحيحة زرارة لتأكيد هذا المعنى للكفر:
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا.[٣٢]
من هذه الرواية يُستفاد أن الجهلاء والجاهلون ما داموا لا ينكرون شيئاً بلا سبب لا يُعتبرون كفاراً، فالجحود له صورتان:
أ- إنكار شيء بلا سبب
ب- إنكار الحق بعد معرفته وإدراكه
ويرى أن الإسلام والإيمان في القرآن والسنة لهما مراتب، ولا يمكن اعتبار من هم في المرتبة الدنيا خارج دائرة الإسلام:
... فإن "الإسلام" و"الإيمان" و"الشرك" أُطلقت في الكتاب والسنة بمعانٍ مختلفة، ولها مراتب متباينة، ومدارج متعددة، كما صرحت بها النصوص، ويظهر من التدبر في الآيات،
ففي آية (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولم يدخل الإيمان في قلوبكم)
وفي آية (فمن أسلم فأولئك تحروا رشدًا)
وفي آية (إن الدين عند الله الإسلام)
وفي آية (فإن أسلموا فقد اهتدوا)
وفي آية (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام)
وفي رواية الإسلام ما ظهر من قول أو فعل، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها. وفي أخرى والإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله، والتصديق برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم). وفي ثالثة إن الله خلق الإسلام فجعل له عرصة، وجعل له نوراً، وجعل له حصناً، وجعل له ناصراً إلى آخره. وفي رابعة الإسلام عريان، فلباسه الحياء، وزينته الوفاء، ومروته العمل الصالح، وعماده الورع، ولكل شيء أساس، وأساس الإسلام حبنا أهل البيت.
وفي خامسة قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
لأنسبن الإسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي، ولا ينسبه أحد بعدي إلا بمثل ذلك: إن الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، والي يقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو العمل، والعمل هو الأداء.. إلى آخره.
وأشار إلى مراتب الإيمان في الروايات قائلاً:
وكذا للإيمان مراتب، لو حاولنا ذكرها خرجنا عما هو مقصدنا الآن، وبمقابل كل مرتبة من مراتب الإسلام والإيمان مرتبة من مراتب الكفر والشرك، فراجع أبواب أصول "الكافي" وغيرها، كتاب وجوه الكفر، وباب وجوه الشرك.[٣٣]
كل هذا يدل على أن حكم التكفير وتنظيف من يعلن الشهادتين مخالف للقرآن والسنة ورأي المسلمين المتفق عليه.
الهوامش
- ↑ مفردات، ٤٣٣
- ↑ الإيمان والكفر في الكتاب والسنة، ٤٩
- ↑ قواعد المرام، ١٧١؛ إرشاد الطالبين، ٤٤٣
- ↑ العروة الوثقى، ١/٥٤
- ↑ فرهنگ مطهر، ٦٦٣
- ↑ البقرة/ ٢٥٦
- ↑ التعرف على القرآن، ٢/٧٨
- ↑ النمل/سورة ٢٧، آية ١٤
- ↑ المدثر/سورة ٧٤، آيات ١١-٢٥
- ↑ الإيمان والكفر في الكتاب والسنة، ص٥٥
- ↑ تاج العروس، ج٣، ص٢٥٤
- ↑ لسان العرب، ج٥، ص١٤٤
- ↑ ميزان الحكمة، ج٣، ص٢٧١١-٢٧١٢
- ↑ الجاثية/سورة ٤٥، آية ٢٣
- ↑ النمل/سورة ٢٧، آية ١٤
- ↑ البقرة/سورة ٢، آية ٨٤
- ↑ البقرة/سورة ٢، آية ٨٥
- ↑ الممتحنة/سورة ٦٠، آية ٤
- ↑ إبراهيم/سورة ١٤، آية ٢٢
- ↑ النمل/سورة ٢٧، آية ٤
- ↑ إبراهيم/سورة ١٤، آية ٧
- ↑ البقرة/سورة ٢، آية ١٥٢
- ↑ بحار الأنوار، ج٩٠، ص٦٠
- ↑ بحار الأنوار، ج٦٩، ص١٠٠
- ↑ قاموس كامل في القرآن، ص٣٠
- ↑ (البقرة: ٨٩)
- ↑ (النمل: ٤٠)
- ↑ (آل عمران: ٩٧)
- ↑ (إبراهيم ٢٢)
- ↑ الشهاب الثاقب ص ١٦٨
- ↑ كتاب الطهارة (طبعة جديدة) ج ٣ ص ٤٥٠
- ↑ الكافي ٢: ٣٨٨/ ١٩، وسائل الشيعة ١: ٣٢، كتاب الطهارة، أبواب مقدمة العبادات، الباب ٢، الحديث ٨
- ↑ كتاب الطهارة ج ٣ ص ٤٣٢-٤٣٤