الاستكبار العالمي
الاستكبار مشتق من جذر "ك-ب-ر" ويعني العجب بالنفس، والرغبة في التفوق، والتمرد على قبول الحق بدافع الكبرياء، وهو آفة كبيرة وشر عظيم للإنسان.
يعد تحليل الاستكبار ودراسته في أبعاده ومستوياته المختلفة من أهم موضوعات القرآن الكريم في مجال علم النفس الاجتماعي. إن اهتمام القرآن الكريم بمحاربة الاستكبار وترسيخ هذه الثقافة في الأفراد والمجتمعات، ووجود المستكبرين في كل العصور، أدى إلى تخصيص العديد من الآيات لبيان خصائصهم وصفاتهم الأخلاقية والسلوكية. تبلغ أهمية هذا الموضوع درجة جعلت معرفة ظاهرة الاستكبار في كل عصر من متطلبات البصيرة الدينية ومن أهم القضايا الاجتماعية.
المعنى اللغوي
الاستكبار مشتق من مادة "كبر" التي تعني في اللغة العظمة والضخامة. وفي المصطلح الديني والقرآني، فإن الكبر والتكبر والاستكبار متقاربة المعنى. الكبر هو حالة يرى فيها الإنسان نفسه أكبر مما هو عليه، وكبر الكفار يتمثل في استكبارهم عن قول "لا إله إلا الله"، وهذا يعني الشرك بالله. إذن فإن أعظم تكبر هو لله، بسبب الامتناع عن قبول الحق. بمعنى آخر، الاستكبار هو الامتناع عن قبول الحق بدافع العناد والتكبر (رؤية النفس كبيرة).
يأتي الاستكبار بوجهين:
- التكبر في وجه المتكبرين والمغرورين وهو محمود
- والغرور بالنفس وهو مذموم
في القرآن، ورد الاستكبار بالمعنى الثاني الذي ينطبق على الشيطان، اليهود وبني إسرائيل، والأمم السابقة وغيرهم من البشر المغرورين. إذن فالاستكبار هو أن يرى الإنسان نفسه أكبر من حجمها الحقيقي.
كما أن التكبر يأتي بوجهين:
- التكبر الذي يكون من الصفات الحسنة ويتجاوز كل المحاسن الأخرى، وهو من صفات الله تعالى: العَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ (الحشر/23)
- أما إذا وصف به البشر فهو أسوأ الصفات: فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (الزمر/72)
أصل المستكبرين في القرآن
وردت مادة الاستكبار 48 مرة في القرآن الكريم، منها 4 مرات تتعلق باستكبار إبليس والباقي يشير إلى استكبار البشر. يظهر من آيات القرآن أن الشيطان كان أول كائن مستكبر، حيث ورد في أربع مواضع ذكر كيفية استكبار إبليس:
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (البقرة/34)
تشير هذه الآية إلى نهاية خلق الإنسان الممزوج بروح الله وطين آدم، هذا المخلوق الفريد الذي استحق مقام خليفة الله. عندما دخل هذا الإنسان إلى الوجود، أمر الله الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا جميعاً إلا إبليس الذي تكبر وعصى، فسقط من مكانته الرفيعة وصار من الكافرين.
الإمام علي (ع) يصف في نهج البلاغة إبليس بأنه رائد المتعصبين وسلف المستكبرين الذي وضع أساس التعصب.
الاستكبار في القرآن
الاستكبار حالة نفسية بشرية تعني "الرغبة في العظمة بشكل غير مبرر". والمستكبر هو من يسعى لتحقيق عظمته ويظهرها للآخرين.
يمكن تقسيم الاستكبار إلى نوعين:
الاستكبار الخفي
كان الكفار يقدمون حججاً واهية لقبول الإسلام مثل نزول الملائكة عليهم أو رؤية الله، مما يكشف عن استكبارهم الداخلي الخفي.
الاستكبار العلني
يذكر القرآن قارون، فرعون وهامان كمثال على الذين استكبروا علناً في الأرض.
ثقافة الاستكبار
من خلال دراسة آيات إبليس والمستكبرين الآخرين، يمكن تحديد ملامح ثقافة الاستكبار:
الأنانية
عندما وبخ الله إبليس لرفضه السجود لآدم، تجرأ إبليس واحتج بتفوقه قائلاً أنه مخلوق من نار بينما آدم من طين. هذا يبين أن الاستكبار ناتج عن التركيز على الذور واعتبار النفس محور الحق.
التفاخر بالمزايا المادية
من حجج المستكبرين الواهية التفاخر بالمال والأولاد، معتبرين أنفسهم مميزين.
احتقار المستضعفين
ينظر المستكبرون إلى المؤمنين من عامة الناس على أنهم قلة محتقرة.
أساليب الاستكبار
إضعاف الشعوب
استخدم فرعون سياسة تقسيم بني إسرائيل وإضعافهم بقتل الذكور وإبقاء الإناث للخدمة.
استعباد البشر
كانت سيطرة الفراعنة الظالمة على الناس تجعلهم بلا إرادة، عبيداً مطيعين.
خداع الشعوب
عندما يعجز المستكبرون عن مواجهة الحق بالمنطق، يلجأون للكذب والافتراء.
أسباب نشوء الاستكبار
يذكر القرآن عدة عوامل للاستكبار منها:
الجريمة والذنب
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (الجاثية/31)
الغنى الاقتصادي
كحال قارون الذي أطغاه ماله.
آثار الاستكبار
استمرار الشرك
إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (الصافات/35)
الغرور
كما في حال قوم عاد.
منع الإيمان
إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا (السجدة/15)
تكذيب الآخرة
إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (النحل/22)