الترادف: اصطلاحٌ في مباحث الألفاظ من أصول الفقه مقابل الاشتراک اللفظي، والفرق بين الترادف والاشتراك أنّ الترادف عكس الاشتراك؛ لأنّهم يعتبرون في الترادف تعدّد اللفظ واتّحاد المعنى، وأمّا في المشترك فالمعتبر وحدة اللفظ وتعدّد المعنى؛ فالترادف بمعنی تعدد الألفاظ واتّحاد المعنی، مثل: أسد وليث وغضنفر. فهذه الألفاظ تدلّ علی معنی واحد هو الحيوان المفترس. والسؤال الأساسي هنا في إمکان الترادف ووقوعه، يعنی هل يمکن أن تقع في اللغة ألفاظٌ مترادفة أو لا؟ ومع الإمکان فما هو منشأ وقوعه في اللغة؟

تعريف الترادف لغةً

الترادف هو: التتابع، والجمع الردافى، يقال: جاء القوم ردافى، أي بعضهم يتبع بعضا. وأردفت الرجل إذا أركبته خلفك فوق الدابة[١].

تعريف الترادف اصطلاحاً

المراد به دلالة أكثر من لفظ على معنى واحد، بحيث يمكن لأي منهما أن يحلّ محلّ الآخر، مثل: أسد وليث وهزبر[٢].
قال الشهيد الصدر: الترادف هو وجود لفظين لمعنى واحد[٣].
وقال الرازي عند تعريفه للألفاظ المترادفة: هي الألفاظ المفردة الدالّة على مسمّى واحد باعتبار واحد[٤].
فيخرج عن هذا دلالة اللفظين على شيء واحد لا باعتبار واحد، بل باعتبار صفتين كالصارم والمهنّد أو باعتبار الصفة وصفة الصفة كالفصيح والناطق[٥].
هذا وقد استعير معنى الترادف من معنى التتابع، حيث تتبع الكلمة المرادفة اُختها في حملها معناها وحلولها محلّها[٦].

شروط الترادف

ذكر المحدّثون من علماء اللغات: إنَّ هناك شروطاً معيّنةً لابدّ من تحقّقها حتّى يمكن أن يقال: إنّ بين الكلمتين ترادفا، وهي:

الشرط الأول: الاتفاق في المعنی

أي الاتفاق في المعنى بين الكلمتين اتفاقا تامّا، على الأقلّ في ذهن الكثرة الغالبة لأفراد البيئة الواحدة.

الشرط الثاني: الاتّحاد في البيئة واللغوية

أي أن تكون الكلمتان تنتميان إلى لهجة واحدة أو مجموعة منسجمة من اللهجات.

الشرط الثالث: الاتّحاد في العصر

أي أن تكون الكلمتان تستعمل في عصر واحد.

الشرط الرابع: ألاّ يكون أحد اللفظين نتيجة تطوّر صوتي للفظ آخر

فحين تقارن بين (الجثل والجفل) بمعنى (النمل)، نلحظ أنّ إحدى الكلمتين يمكن أن تعتبر أصلاً والاُخرى تطوّرا لها، فإذا كان الأصل هنا هو الكلمة الاُولى، قلنا: إنّ (الجفل) صيغة حضرية نشأت في بيئة تراعي خفوت الصوت والتقليل من وضوحه.
أما إذا كانت الثانية هي الأصل رجحنا أنّ (الجثل) قد نشأت في بيئة بدوية تميل إلى الأصوات الأكثر وضوحا في السمع[٧].

الألفاظ ذات الصلة

الاشتراك

الاشتراك: دلالة اللفظ على أكثر من معنى، لوضعه لها جميعا أو لتعدد الأفراد التي يصدق عليها.
فالأوّل يدعى مشتركا لفظيا كالعين التي تعني الجاسوس وعين الماء، والثاني كالإنسان الذي يصدق على محمّد وعلي[٨]. والفرق بين الترادف والاشتراك أنّ الترادف عكس الاشتراك؛ لأنّهم يعتبرون في الترادف تعدّد اللفظ واتّحاد المعنى، وأمّا في المشترك فالمعتبر وحدة للفظ وتعدّد المعنى[٩].

التباين

التباين عبارة عن تعدّد الألفاظ بتعدّد المعاني.
والألفاظ المتباينة هي النسبة الكبيرة والعالية في كلّ لغة من اللغات؛ لأنّها الأصل في وضع الالفاظ للمعاني؛ لأنّ الأمر الطبيعي أن يوضع لكلّ معنى بخصوصه لفظ واحد[١٠].

التأكيد

التأكيد لغةً: التوكيد، ومعناه: التقوية.
وهي عند النحاة نوعان: لفظي وهو اعادة الأوّل بلفظه نحو: جاء زيد زيد، ومنه قول المؤذن: اللّه‏ أكبر، اللّه‏ أكبر، اللّه‏ أكبر، اللّه‏ أكبر ومعنوي، نحو: جاء زيد نفسه[١١]. والفرق بين الأسماء المترادفة والمؤكّدة، أنّ الاُولى تفيد فائدة واحدة من غير تفاوت أصلاً.
وأمّا الثانية: فإنّ الاسم الذي وقع به التأكيد يفيد تقوية المؤكّد أو دفع توهّم التجوّز أو السهو أو عدم الشمول[١٢].

في إمكان الترادف في اللغة

لا إشكال في إمكان الترادف، بل وقوعه في اللغة، وهذه اللغة العربية بين أيدينا ووقوعه فيها واضح لايحتاج إلى بيان[١٣].
و إمكان الترادف ممّا لاشكّ فيه على تمام المباني فيما هو واقع الوضع. نعم، يمكن الاستشكال في إمكانه بناءً على نظرية التعهد في الوضع؛ لأنّ المتعهد إذا التزم ألاّ يقصد تفهيم هذا المعنى إلاّ إذا جاء بهذا اللفظ، فهذا معناه أنّه لايكون ملتزما بتعهده إذا جاء باللفظ الآخر المرادف. وقصد تفهيم نفس المعنى إلاّ أن يكون قد التزم بالتزامين وهو ألاّ يقصد تفهيم هذا المعنى إلاّ أن يأتي بهذا اللفظ، ثُمّ يلتزم التزاما آخر بألاّ يقصد نفس المعنى إلاّ إذا جاء باللفظ الآخر المرادف.
فيحصل التهافت بين الالتزامين؛ لأنّ أحد الالتزامين ينافي الآخر، إلاّ أنّ السيّد الصدر قدس‏سره ذكر بأنّه يمكن التخلّص من ذلك إمّا بافتراض تعدد المتعهد أو وحدة المتعهد بأن يكون متعهدا بعدم الإتيان باللفظ إلاّ إذا قصد تفهيم أحد المعنيين بخصوصه أو متعهدا عند قصد تفهيم المعنى بالإتيان بأحد اللفظين، أو فرض تعهدين مشروطين على نحو يكون المتعهد به في كلّ منهما مقيدا بعدم الآخر[١٤].
هذا، وفرّع النراقي ثمرتين مهمّتين هما: جواز رواية الحديث بالمعنى المتعارف؛ لأنّ المقصود من ألفاظ الحديث إفادة أصل المعنى فقط.
وعدم انعقاد العقود بالصيغ غير العربية؛ لإمكان حصول التعبّد بالعربية فقط[١٥].

منشأ وقوع الترادف في اللغة

ذكر الأصوليون لذلك احتمالين[١٦]:

المنشأ الأول: وضع الواضع الواحد

لأنه يحتمل أن يكون ذلك قد نشأ من وضع الواضع الواحد لفظين أو أكثر لمعنى واحد.

المنشأ الثاني: وضع واضعين متعدّدين

أن يكون ذلك قد نشأ من وضع واضعين متعدّدين، فتضع كلّ قبيلة ـ مثلاً ـ للمعنى المراد لفظا خاصّا وعند الجمع بين هذه اللغات ـ باعتبار أنّ كلّ لغة منها لغة عربية صحيحة يجب اتّباعها ـ يحصل الترادف، أي يصير للمعنى الواحد ألفاظ متعدّدة.
وذهب الشيخ المظفر[١٧] إلى أنّ الاحتمال الثاني أقرب إلى واقع اللغة العربية.
قال: «والظاهر أنّ الاحتمال الثاني أقرب إلى واقع اللغة العربية، كما صرح به بعض المؤرخّين للغة، وعلى الأقلّ فهو الأغلب في نشأة الترادف والاشتراك، ولذا تسمع علماء العربية يقولون: لغة الحجاز كذا ولغة حمير كذا ولغة تميم كذا... وهكذا.
فهذا دليل على تعدّد الوضع بتعدّد القبائل والأقوام...»[١٨]. وأمّا علماء العربية فقد ذكروا لذلك أسبابا هي:
1 ـ إيثار بعض القبائل لكلمات خاصّة تشيع بينهما وتكاد تكون مجهولة في القبائل الاُخرى مثل:
أ ـ شلحاء: السيف عند أهل الشحر.
ب ـ نقّاح المرأة: زوجها، يمانية.
ج ـ إبل ضحضاح بمعنى: كثير عند هذيل.
فتولد مثل هذه الكلمات ترادفا في اللغة العربية.
2 ـ استعارة كلمات من لهجة من اللهجات أو لغة من اللغات، بسبب الغزو أو الهجرات أو الاحتكاكات بين القبائل، فيصبح للمعنى الواحد أكثر من كلمة واحدة.
وقد أجمع الرواة على أنّ قريشا كانت تتخير من كلمات القبائل في مراسم الحجّ ما خفّ على اللسان وحسن في السمع حتّى لطفت لهجتهم وجاد اُسلوبهم كالحرير مع السندس والاستبرق، وكاليم مع البحر.
3 ـ من الكلمات ما تشترك معانيها في بعض الأجزاء وتختلف في البعض الآخر، فإذا مرّ عليها زمن طويل أصبحت تلك الكلمات مترادفة.
4 ـ المجازات المنسية قد تولّد نوعا من الترادف في الكلمات، فقد تستعمل بعض الكلمات استعمالاً مجازيا يطول العهد عليه، فيصبح حقيقة، فترى كلمات مستعملة بمعانيها الأصلية الحقيقية جنبا إلى جنب مع تلك التي أخذت معانيها عن طريق المجاز[١٩].

المصادر

  1. . العين 8: 23، لسان العرب 2: 1489، المصباح المنير: 225.
  2. . دروس في علم أصول فقه الإمامية 2: 53.
  3. . دروس في علم الأصول 1: 225.
  4. . المحصول 1: 93، أنظر: شرح الكوكب المنير 1: 42.
  5. . إرشاد الفحول 1: 108.
  6. . دروس في علم أصول فقه الإمامية 2: 53.
  7. . دروس في أصول فقه الإمامية 2: 56.
  8. . أنظر: الرسائل التسع، الحلّي: 201، إرشاد الفحول 1: 113، أصول الفقه (الخضري): 143، تسديد الأصول 1: 75.
  9. . أصول الفقه الخضري: 143، من تجارب الأصوليين في المجالات اللغوية: 93.
  10. . دروس في أصول فقه الإمامية 2: 51.
  11. . مجمع البحرين 3: 164.
  12. . إرشاد الفحول 1: 108.
  13. . أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 77، أنظر: المحصول 1: 93، الإحكام 1: 23 ـ 25، فواتح الرحموت 1: 253، أصول الفقه (الخضري): 143.
  14. . دروس في علم الأصول 1: 225 ـ 226.
  15. . أنيس المجتهدين 1: 44.
  16. . إرشاد الفحول 1: 108، أنظر: أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 78، دروس في أصول فقه الإمامية 2: 58.
  17. . أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 78.
  18. . المصدر السابق: 78.
  19. . أنظر: دروس في أصول فقه الإمامية 2: 60.