الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مكة»
أنشأ الصفحة ب' مكة هي أهم مدينة في المملكة العربية السعودية وتقع ضمن منطقة الحجاز في الجزء الغربي من شبه الجزيرة العربية وتحتضن الكعبة المشرفة، وقد تمتعت هذه المدينة بمكانة مقدسة منذ بدء الخليقة، إلا أن تاريخها الجغرافي وعمرانها بدأ باستقرار السيدة هاجر ونبي الله إسم...' |
لا ملخص تعديل |
||
| سطر ٢٧: | سطر ٢٧: | ||
و"أم القرى" تعني "أصل المدن"، وسُميت مكة بذلك لأنه —حسب الروايات— بعد طوفان نوح (عليه السلام)، كانت أول بقعة ظهرت من الماء هي أرض مكة، في حدث يُعرف بـ"دحو الأرض"، فصارت "أمًّا" للمدن الأخرى <ref>الکوثر، ج ۳، ص: ۴۹۳.</ref>. | و"أم القرى" تعني "أصل المدن"، وسُميت مكة بذلك لأنه —حسب الروايات— بعد طوفان نوح (عليه السلام)، كانت أول بقعة ظهرت من الماء هي أرض مكة، في حدث يُعرف بـ"دحو الأرض"، فصارت "أمًّا" للمدن الأخرى <ref>الکوثر، ج ۳، ص: ۴۹۳.</ref>. | ||
==بلد الأمين | ==بلد الأمين== | ||
من الأسماء المشهورة لمكة - التي تعبّر عن قداستها الفائقة واحترامها العظيم - اسم "البلد الأمين". وقد ورد هذا الاسم صراحةً في القرآن الكريم في قسم الله تعالى: | من الأسماء المشهورة لمكة - التي تعبّر عن قداستها الفائقة واحترامها العظيم - اسم "البلد الأمين". وقد ورد هذا الاسم صراحةً في القرآن الكريم في قسم الله تعالى: «وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ» <ref>(التين: ١-٣)</ref>.لا شكّ أن المقصود بـ"البلد الأمين" هنا هو مكة، إذ سورة التين مكية النزول. كما أكد القرآن على أمن مكة وحرمها في آيات أخرى، مثل: «أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا» <ref>(القصص: ٥٧)</ref>، «وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا» <ref>(آل عمران: ٩٧)</ref>.إن جعل الله مكة دارَ أمانٍ وسلامٍ هو من بركات دعاء إبراهيم الخليل (عليه السلام) باني الكعبة: «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا» <ref>(البقرة: ١٢٦)</ref>. | ||
«وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ» (التين: ١-٣). | فجعل الله الحرم ملاذًا آمنًا حتى للمجرمين، فلا يُتعرض لأحد فيه حتى لو ارتكب جرمًا، كما يُضمن الأمن حتى للحيوانات. لكن هذا الأمان لا يشمل من ارتكب جرمًا داخل الحرم نفسه، إذ يُحرم على من انتهك <ref>حرمته سوره ابراهیم، آیه ۳۸</ref>. | ||
لا شكّ أن المقصود بـ"البلد الأمين" هنا هو مكة، إذ سورة التين مكية النزول. كما أكد القرآن على أمن مكة وحرمها في آيات أخرى، مثل: | |||
«أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا» (القصص: ٥٧)، | |||
«وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا» (آل عمران: ٩٧). | |||
==أسماء مكة الأخرى== | |||
إلى جانب الأسماء السابقة، وردت لمكة أسماء عديدة في المصادر، منها: | |||
* أمّ، أم الأرضين، أم راحم، أم رحم، أم روح | |||
* بكّة، البلد، بلد الله، بيت العروس، التّهامة | |||
* الحرم الآمن، حرم الله، خير البلاد، الفاران | |||
* المقدّسة، المباركة، المعاد، مكّة المكرّمة | |||
وادي غير ذي زرع... وغيرها <ref>الکوثر، ج ۲، ص: ۱۹۷</ref>. | |||
==مكة عبر العصور== | |||
كانت مكة منذ القدم تقع على طريق قوافل اليمن والشام، لكن تاريخها العمراني بدأ باستقرار هاجر وإسماعيل (عليهما السلام) فيها بأمر الله. عندما تفجّر نبع زمزم، استقرت قبيلة جرهم اليمنية حوله، ثم ازدهرت مكة بعد بناء الكعبة على يد إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)، فأصبحت مركزًا دينيًا وتجاريًا. | |||
وقد بلغت مكة ذروة مجدها بظهور الإسلام، حيث استعادت دورها كقلب للتوحيد الإبراهيمي. بعد أن عانى النبي (صلى الله عليه وآله) من اضطهاد المشركين، هاجر إلى المدينة، ثم عاد فاتحًا في العام الثامن للهجرة بعشرة آلاف مسلم، فدخلها دون قتال وأعلنها مركزًا للتوحيد من جديد <ref>فرهنگ اصطلاحات حج، ص ۱۹۰</ref>. | |||
==حرمة مدينة مكة== | |||
إلى | ورد في القرآن الكريم وصف مكة المكرمة في قوله تعالى: "أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ" <ref>(سورة القصص: 57)</ref>. | ||
يقول العلامة الشعراني في كتاب "نثر الطوبى" بهذا الخصوص:"الحرم أرض مقدسة تحيط بمكة من جميع الجهات، وقد وضعوا لها حدوداً من كل اتجاه، وقد حفظ أهل مكة هذه الحدود جيلاً بعد جيل منذ عهد النبي (صلى الله عليه وآله) وقبله، كما هو معروف بالتواتر بالنسبة للمشاعر الأخرى مثل حدود عرفات والمشعر الحرام ومنى ومواضع الجمرات ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله) وموضع السعي بين الصفا والمروة وحجر إسماعيل وما شابه ذلك. حد الحرم من جهة الغرب (ناحية البحر) قريب من مكة بحوالي فرسخ واحد، أما من جهة الشرق (ناحية منى وعرفات) فحوالي ثلاثة فراسخ، ولها حدود معروفة من الشمال والجنوب مقاسة بالأذرع والأشبار." | |||
"منى جزء من الحرم، بينما عرفات خارج الحرم إلا أن هناك مسجداً في أولها نصفه داخل الحرم والنصف الآخر خارج الحرم. ولحرم مكة أحكام شرعية منها تحريم صيد الحيوان فيه، وعدم جواز قطع أشجاره، وأخذ اللقطة منه."<ref>فرهنگ اصطلاحات حج، ص ۱۸۸</ref>. | |||
==الأماكن المباركة في مكة== | |||
===المسجد الحرام=== | |||
مسجد عظيم الشأن، لا يُضاهى في الفضل والشرف، حيث تعدل الصلاة فيه مائة ألف صلاة في المساجد الأخرى. لذا يجب اغتنام الوقت والاستفادة القصوى من بركاته المعنوية. وتقع الكعبة المشرفة في وسط المسجد الحرام. | |||
=== حجر إسماعيل === | |||
بناء على شكل نصف دائرة، بارتفاع متر وثلاثين سنتيمتراً، يقع شمال الكعبة. ويُقال إنه يحوي قبر النبي إسماعيل (عليه السلام) وأمه هاجر، وبحسب بعض الروايات قبور مجموعة من الأنبياء (عليهم السلام). | |||
=== مقام إبراهيم === | |||
مكان قريب من الكعبة (حوالي 13 متراً)، له قبة صغيرة مغطاة بالزجاج، بداخله حجر يُقال إن النبي إبراهيم الخليل (عليه السلام) وقف عليه لدعوة الناس إلى حج بيت الله، وبقيت آثار قدميه الشريفتين عليه. ويؤدي الحجاج صلاة الطواف خلف هذا المقام. | |||
=== بئر زمزم === | |||
نبع ماء أجراه الله تعالى بفضله تحت قدمي النبي إسماعيل (عليه السلام). وقد تم ترميمه وتنظيفه مرات عديدة عبر التاريخ. وكان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) يهتم بهذا الماء كثيراً، وقد تبرك به المؤمنون عبر تاريخ الإسلام. | |||
ماء زمزم مبارك وشفاء. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يطلب هذا الماء وهو في المدينة. ورد في الرواية: عندما تشرب من ماء زمزم قل: | |||
"اللهم اجعله علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاءً من كل داء وسقم". | |||
ويُستحب شربه بعد صلاة الطواف<ref>نثر طوبی، ج۱، ص۱۶۸</ref>. | |||
=== الصفا والمروة === | |||
يقع الصفا في الجنوب الشرقي للكعبة، والمروة في الشمال الشرقي لها. مشهد الصفا والمروة جميل ورائع جداً. ويُستحب للرجال أن يسعوا حوالي سبعين متراً من السعي "هرولة"، وقد وُضعت علامات لهذا الجزء باللون الأخضر. | |||
=== شعب أبي طالب === | |||
يقع في الشمال الشرقي للمسجد الحرام، قرب الصفا والمروة. وهو مكان ولادة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام). عاش فيه بنو هاشم وعبد المطلب، وحوصروا اقتصادياً لمدة ثلاث سنوات بعد البعثة من قبل المشركين. | |||
حسب روايات المؤرخين، اجتمع زعماء قريش في دار الندوة واتفقوا على مقاطعة بني عبد المطلب اقتصادياً وإيذائهم. وبعد ثلاث سنوات، ندم خمسة من المشركين ومزقوا الصحيفة <ref>فرهنگ اصطلاحات حج، ص ۱۸۸</ref>. | |||
مكان ولادة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله):يوجد بالقرب من الصفا والمروة ساحة تضم مكتبة تُعرف باسم "مكتبة مكة المكرمة". في هذا المكان المبارك أشرق نور نبي الهدى (صلى الله عليه وآله) على العالمين، وقضى فيه فترة من الزمان برفقة والدته آمنة. | |||
=== غار حراء === | |||
جبل النور هو جبل يقع ضمن حدود مدينة مكة، ويحتوي على غار يُعرف بغار حراء، حيث كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتعبد ويتفكر في خلق الله قبل البعثة، وكان يتردد عليه باستمرار حتى نزل عليه جبريل (عليه السلام) في السابع والعشرين من رجب حاملاً آيات سورة العلق: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ"، فكانت بداية نبوته. | |||
=== جبل ثور === | |||
يقع هذا الجبل في الطرف الجنوبي من مكة، على بعد حوالي فرسخين من المسجد الحرام. ويحتوي على غار اختبأ فيه الرسول (صلى الله عليه وآله) أثناء هجرته إلى المدينة المنورة، ولذلك سُمي بجبل الثور. | |||
=== عرفات === | |||
هي سهل واسع يقع شمال مكة على بعد 21 كيلومتراً، خارج حدود الحرم. تعتبر عرفات مكان التقاء آدم وحواء (عليهما السلام) بعد فراق طويل، حيث تعارفا فيها. وهي أيضاً المكان الذي اعترف فيه آدم بذنبه، وتُستجاب فيها الدعوات. يُسمى الجبل فيها بجبل الرحمة، حيث دعا الإمام الحسين (عليه السلام) بدعاء عرفة. ويُعد الوقوف بعرفة من أركان الحج الأساسية. | |||
=== مزدلفة (المشعر الحرام) === | |||
تمتد من نهاية مأزمين باتجاه عرفات حتى وادي محسر باتجاه منى. | |||
=== منى === | |||
تقع بين وادي محسر وجمرة العقبة ضمن حدود الحرم، على مسافة قصيرة شرقي مكة بينها وبين المشعر الحرام. يبلغ طولها حوالي 3600 متر. سُميت بمنى لأن جبريل (عليه السلام) قال لإبراهيم (عليه السلام) فيها: "تمنى واطلب من الله". ويوجد فيها مسجد الخيف العظيم. | |||
=== مقبرة المعلاة (حجون) === | |||
تعرف عند الإيرانيين بمقبرة أبي طالب، وهي مقبرة عريقة تضم رفات العديد من الشخصيات البارزة من أجداد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه والعلماء والتابعين. وتعتبر بعد مقبرة البقيع من أهم المقابر للمسلمين، كما تُعرف حديثاً بمقبرة بني هاشم. | |||
=== تضاريس مكة === | |||
تحيط بمكة العديد من الجبال التي تحصرها في واد، مع وجود بعض الممرات المؤدية إلى اليمن والبحر الأحمر والشام. أهم جبال مكة: | |||
* أبو قبيس (420 متراً) شرق المسجد الحرام، وهو جبل مقدس كان يحفظ الحجر الأسود أثناء طوفان نوح. | |||
* قعيقعان (430 متراً) غرب مكة. | |||
* جبل النور (634 متراً) شمال شرق مكة، موقع نزول الوحي. | |||
* جبل ثور (759 متراً) جنوباً، مكان اختباء النبي (ص) أثناء الهجرة <ref>آثار اسلامى مکه و مدینه، ص ۳۷.</ref>. | |||
=== أودية مكة === | |||
تشمل العديد من الأودية مثل: | |||
* شعب حجون | |||
* شعب دار مال الله | |||
* شعب البطاطين | |||
* شعب فلق ابن الزبير | |||
* شعب ابن عامر | |||
* شعب الجوف | |||
* شعب الخوز | |||
* شعب أذاخر | |||
* شعب خط | |||
* شعب الصفا | |||
* شعب الرزازين | |||
* شعب الجبيريين | |||
* شعب الجزارين | |||
* شعب زقاق النار | |||
* شعب جبل تفاحة | |||
* شعب حجاج | |||
* شعب العطارين | |||
* شعب جياد الكبير | |||
* شعب جياد الصغير | |||
* شعب النفر | |||
* شعب ثور وخیام عنقود | |||
* شعب يرنى | |||
* شعب علي | |||
* شعب ثنية المدنيين | |||
* شعب حماموادي إبراهيم هو الوادي الرئيسي الذي يقع فيه المسجد الحرام، ويشكل مساراً للمياه من المعلاة إلى المسفلة <ref>يعقوبي، البلدان، ص ۹۴</ref>. | |||
==وصلات خارجية== | |||
*[[آسيا]] | |||
*[[الحج]] | |||
*[[المملكة العربية السعودية]] | |||
== الهوامش == | |||
{{الهوامش}} | |||
[[تصنيف:اماكن مقدسة]] | |||
[[تصنيف:مدن الإسلامية]] | |||
[[تصنيف:مدن]] | |||
مراجعة ١٧:٤٤، ١٨ مايو ٢٠٢٥
مكة هي أهم مدينة في المملكة العربية السعودية وتقع ضمن منطقة الحجاز في الجزء الغربي من شبه الجزيرة العربية وتحتضن الكعبة المشرفة، وقد تمتعت هذه المدينة بمكانة مقدسة منذ بدء الخليقة، إلا أن تاريخها الجغرافي وعمرانها بدأ باستقرار السيدة هاجر ونبي الله إسماعيل (عليهما السلام) فيها. كانت مكة قبل الإسلام مركزًا تجاريًا رئيسيًا في شبه الجزيرة العربية بسبب وجود الكعبة فيها [١]. وتكمن الأهمية الخاصة لمكة بالإضافة إلى الكعبة، في كونها مكان بعثة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ومنطلق ظهور الإسلام.
منظر لمدينة مكة والمسجد الحرام
تقع مكة على خط عرض ٢١ درجة و٢٥ دقيقة، وعلى خط طول ٣٩ درجة و٥٠ دقيقة من غرينتش وتقع المدينة في وادي إبراهيم، ضمن وادٍ ضيق هلالي الشكل يُعرف بـ "أبطح"، محاطة بسلاسل جبلية عالية من الشرق والغرب. ويبلغ ارتفاعها حوالي ٣٣٠ مترًا فوق سطح البحر. تقع مكة شرق البحر الأحمر، على بعد ٦٢ كيلومترًا من ميناء جدة، ويحدها من الشمال المدينة المنورة، ومن الغرب جدة، ومن الشرق الرياض ونجد، ومن الجنوب اليمن وعسير [٢].وتتميز مكة بكونها مدينة جبلية شديدة الجفاف والحرارة، حيث يكون الطقس حارًا جدًا في الصيف، بينما تتحسن الأجواء ليلًا. وتعتمد المدينة على مياه الأمطار، إذ لا يوجد فيها أنهار أو عيون ماء طبيعية جارية، مما يستدعي استخراج المياه من الآبار والطبقات الجوفية. وتزداد الينابيع والآبار والمزارع وبساتين النخيل كلما ابتعدنا عن الحرم المكي، بينما تُجلب المؤن الغذائية للمدينة من مناطق أخرى [٣]. تتعرض مكة على مدار السنة لرياح مختلفة، منها الشمالية الغربية والشمالية الشرقية والجنوبية الغربية. وعادةً ما تكون هذه الرياح جافة، إلا أنها قد تُسبب هطول الأمطار في فصل الشتاء [٤].
اسم مكة وشهرتها
ذُكر اسم "مكة" صراحةً مرة واحدة في القرآن الكريم في الآية ٢٤ من سورة الفتح، حيث يقول الله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا». غير أن هذه المدينة وردت بأسماء أخرى في أربع عشرة آية، مثل: "بكّة"، "أم القرى"، "البلد"، "البلد الأمين"، "البلدة"، "الحرم"، بالإضافة إلى أسماء مثل "قريتك"، "من القريتين"، و"وادٍ غير ذي زرع" [٥].
سبب تسمية مكة
يرى بعض علماء الإسلام أن اسم "مكة" مشتق من قلّة الماء فيها. فقد ورد في اللغة: «اِمتَكَّ الفصيلُ ضَرعَ أُمِّهِ» أي امتصّه. فـ"المَكّ" يعني مصّ الرضيع لبن أمه، و"الامتصاص" هو جذب الشيء نحو الذات. وقال آخرون: سُميت "مكة" لأنها تمحو الذنوب (تَذهَبُ بها)، أو لأنها تطرد الفجار منها (تَخرِجُهُم منها). كما قيل إن تسميتها "بكّة" تعود إلى أن الناس يدفعون بعضهم بعضًا فيها (يَدْفَعُ بَعْضُهُم بَعْضًا) [٦].
معنى "بكّة"
ورد في القرآن: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ» [٧]. كلمة "بَكّ" في اللغة تعني الازدحام، و"بكّة" —كما ذكر الطبرسي— تعني "مكان الازدحام". لذا، سُميت المنطقة حول البيت الحرام بهذا الاسم بسبب ازدحام الناس فيها للطواف والصلاة والدعاء. وهذا وصفٌ لا اسم علم. وفي "الميزان": أن "بكّة" هي أرض الكعبة، وسُميت بذلك لازدحام الناس. ونقل الطبرسي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أن "بكّة" هي المسجد الحرام، بينما "مكة" تشمل الحرم كله. وقيل أيضًا أن "بكّة" هي مكة ذاتها، حيث تحولت الميم إلى باء [٨].
معنى "أم القرى"
تُلقب مكة المكرمة بـ"أم القرى"، وهو اسم ذُكر في آيتين قرآنيتين:«لِتُنذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَولَهَا» [٩]. و"أم القرى" تعني "أصل المدن"، وسُميت مكة بذلك لأنه —حسب الروايات— بعد طوفان نوح (عليه السلام)، كانت أول بقعة ظهرت من الماء هي أرض مكة، في حدث يُعرف بـ"دحو الأرض"، فصارت "أمًّا" للمدن الأخرى [١٠].
بلد الأمين
من الأسماء المشهورة لمكة - التي تعبّر عن قداستها الفائقة واحترامها العظيم - اسم "البلد الأمين". وقد ورد هذا الاسم صراحةً في القرآن الكريم في قسم الله تعالى: «وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ» [١١].لا شكّ أن المقصود بـ"البلد الأمين" هنا هو مكة، إذ سورة التين مكية النزول. كما أكد القرآن على أمن مكة وحرمها في آيات أخرى، مثل: «أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا» [١٢]، «وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا» [١٣].إن جعل الله مكة دارَ أمانٍ وسلامٍ هو من بركات دعاء إبراهيم الخليل (عليه السلام) باني الكعبة: «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا» [١٤]. فجعل الله الحرم ملاذًا آمنًا حتى للمجرمين، فلا يُتعرض لأحد فيه حتى لو ارتكب جرمًا، كما يُضمن الأمن حتى للحيوانات. لكن هذا الأمان لا يشمل من ارتكب جرمًا داخل الحرم نفسه، إذ يُحرم على من انتهك [١٥].
أسماء مكة الأخرى
إلى جانب الأسماء السابقة، وردت لمكة أسماء عديدة في المصادر، منها:
- أمّ، أم الأرضين، أم راحم، أم رحم، أم روح
- بكّة، البلد، بلد الله، بيت العروس، التّهامة
- الحرم الآمن، حرم الله، خير البلاد، الفاران
- المقدّسة، المباركة، المعاد، مكّة المكرّمة
وادي غير ذي زرع... وغيرها [١٦].
مكة عبر العصور
كانت مكة منذ القدم تقع على طريق قوافل اليمن والشام، لكن تاريخها العمراني بدأ باستقرار هاجر وإسماعيل (عليهما السلام) فيها بأمر الله. عندما تفجّر نبع زمزم، استقرت قبيلة جرهم اليمنية حوله، ثم ازدهرت مكة بعد بناء الكعبة على يد إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)، فأصبحت مركزًا دينيًا وتجاريًا. وقد بلغت مكة ذروة مجدها بظهور الإسلام، حيث استعادت دورها كقلب للتوحيد الإبراهيمي. بعد أن عانى النبي (صلى الله عليه وآله) من اضطهاد المشركين، هاجر إلى المدينة، ثم عاد فاتحًا في العام الثامن للهجرة بعشرة آلاف مسلم، فدخلها دون قتال وأعلنها مركزًا للتوحيد من جديد [١٧].
حرمة مدينة مكة
ورد في القرآن الكريم وصف مكة المكرمة في قوله تعالى: "أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ" [١٨]. يقول العلامة الشعراني في كتاب "نثر الطوبى" بهذا الخصوص:"الحرم أرض مقدسة تحيط بمكة من جميع الجهات، وقد وضعوا لها حدوداً من كل اتجاه، وقد حفظ أهل مكة هذه الحدود جيلاً بعد جيل منذ عهد النبي (صلى الله عليه وآله) وقبله، كما هو معروف بالتواتر بالنسبة للمشاعر الأخرى مثل حدود عرفات والمشعر الحرام ومنى ومواضع الجمرات ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله) وموضع السعي بين الصفا والمروة وحجر إسماعيل وما شابه ذلك. حد الحرم من جهة الغرب (ناحية البحر) قريب من مكة بحوالي فرسخ واحد، أما من جهة الشرق (ناحية منى وعرفات) فحوالي ثلاثة فراسخ، ولها حدود معروفة من الشمال والجنوب مقاسة بالأذرع والأشبار." "منى جزء من الحرم، بينما عرفات خارج الحرم إلا أن هناك مسجداً في أولها نصفه داخل الحرم والنصف الآخر خارج الحرم. ولحرم مكة أحكام شرعية منها تحريم صيد الحيوان فيه، وعدم جواز قطع أشجاره، وأخذ اللقطة منه."[١٩].
الأماكن المباركة في مكة
المسجد الحرام
مسجد عظيم الشأن، لا يُضاهى في الفضل والشرف، حيث تعدل الصلاة فيه مائة ألف صلاة في المساجد الأخرى. لذا يجب اغتنام الوقت والاستفادة القصوى من بركاته المعنوية. وتقع الكعبة المشرفة في وسط المسجد الحرام.
حجر إسماعيل
بناء على شكل نصف دائرة، بارتفاع متر وثلاثين سنتيمتراً، يقع شمال الكعبة. ويُقال إنه يحوي قبر النبي إسماعيل (عليه السلام) وأمه هاجر، وبحسب بعض الروايات قبور مجموعة من الأنبياء (عليهم السلام).
مقام إبراهيم
مكان قريب من الكعبة (حوالي 13 متراً)، له قبة صغيرة مغطاة بالزجاج، بداخله حجر يُقال إن النبي إبراهيم الخليل (عليه السلام) وقف عليه لدعوة الناس إلى حج بيت الله، وبقيت آثار قدميه الشريفتين عليه. ويؤدي الحجاج صلاة الطواف خلف هذا المقام.
بئر زمزم
نبع ماء أجراه الله تعالى بفضله تحت قدمي النبي إسماعيل (عليه السلام). وقد تم ترميمه وتنظيفه مرات عديدة عبر التاريخ. وكان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) يهتم بهذا الماء كثيراً، وقد تبرك به المؤمنون عبر تاريخ الإسلام. ماء زمزم مبارك وشفاء. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يطلب هذا الماء وهو في المدينة. ورد في الرواية: عندما تشرب من ماء زمزم قل: "اللهم اجعله علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاءً من كل داء وسقم". ويُستحب شربه بعد صلاة الطواف[٢٠].
الصفا والمروة
يقع الصفا في الجنوب الشرقي للكعبة، والمروة في الشمال الشرقي لها. مشهد الصفا والمروة جميل ورائع جداً. ويُستحب للرجال أن يسعوا حوالي سبعين متراً من السعي "هرولة"، وقد وُضعت علامات لهذا الجزء باللون الأخضر.
شعب أبي طالب
يقع في الشمال الشرقي للمسجد الحرام، قرب الصفا والمروة. وهو مكان ولادة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام). عاش فيه بنو هاشم وعبد المطلب، وحوصروا اقتصادياً لمدة ثلاث سنوات بعد البعثة من قبل المشركين. حسب روايات المؤرخين، اجتمع زعماء قريش في دار الندوة واتفقوا على مقاطعة بني عبد المطلب اقتصادياً وإيذائهم. وبعد ثلاث سنوات، ندم خمسة من المشركين ومزقوا الصحيفة [٢١]. مكان ولادة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله):يوجد بالقرب من الصفا والمروة ساحة تضم مكتبة تُعرف باسم "مكتبة مكة المكرمة". في هذا المكان المبارك أشرق نور نبي الهدى (صلى الله عليه وآله) على العالمين، وقضى فيه فترة من الزمان برفقة والدته آمنة.
غار حراء
جبل النور هو جبل يقع ضمن حدود مدينة مكة، ويحتوي على غار يُعرف بغار حراء، حيث كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتعبد ويتفكر في خلق الله قبل البعثة، وكان يتردد عليه باستمرار حتى نزل عليه جبريل (عليه السلام) في السابع والعشرين من رجب حاملاً آيات سورة العلق: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ"، فكانت بداية نبوته.
جبل ثور
يقع هذا الجبل في الطرف الجنوبي من مكة، على بعد حوالي فرسخين من المسجد الحرام. ويحتوي على غار اختبأ فيه الرسول (صلى الله عليه وآله) أثناء هجرته إلى المدينة المنورة، ولذلك سُمي بجبل الثور.
عرفات
هي سهل واسع يقع شمال مكة على بعد 21 كيلومتراً، خارج حدود الحرم. تعتبر عرفات مكان التقاء آدم وحواء (عليهما السلام) بعد فراق طويل، حيث تعارفا فيها. وهي أيضاً المكان الذي اعترف فيه آدم بذنبه، وتُستجاب فيها الدعوات. يُسمى الجبل فيها بجبل الرحمة، حيث دعا الإمام الحسين (عليه السلام) بدعاء عرفة. ويُعد الوقوف بعرفة من أركان الحج الأساسية.
مزدلفة (المشعر الحرام)
تمتد من نهاية مأزمين باتجاه عرفات حتى وادي محسر باتجاه منى.
منى
تقع بين وادي محسر وجمرة العقبة ضمن حدود الحرم، على مسافة قصيرة شرقي مكة بينها وبين المشعر الحرام. يبلغ طولها حوالي 3600 متر. سُميت بمنى لأن جبريل (عليه السلام) قال لإبراهيم (عليه السلام) فيها: "تمنى واطلب من الله". ويوجد فيها مسجد الخيف العظيم.
مقبرة المعلاة (حجون)
تعرف عند الإيرانيين بمقبرة أبي طالب، وهي مقبرة عريقة تضم رفات العديد من الشخصيات البارزة من أجداد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه والعلماء والتابعين. وتعتبر بعد مقبرة البقيع من أهم المقابر للمسلمين، كما تُعرف حديثاً بمقبرة بني هاشم.
تضاريس مكة
تحيط بمكة العديد من الجبال التي تحصرها في واد، مع وجود بعض الممرات المؤدية إلى اليمن والبحر الأحمر والشام. أهم جبال مكة:
- أبو قبيس (420 متراً) شرق المسجد الحرام، وهو جبل مقدس كان يحفظ الحجر الأسود أثناء طوفان نوح.
- قعيقعان (430 متراً) غرب مكة.
- جبل النور (634 متراً) شمال شرق مكة، موقع نزول الوحي.
- جبل ثور (759 متراً) جنوباً، مكان اختباء النبي (ص) أثناء الهجرة [٢٢].
أودية مكة
تشمل العديد من الأودية مثل:
- شعب حجون
- شعب دار مال الله
- شعب البطاطين
- شعب فلق ابن الزبير
- شعب ابن عامر
- شعب الجوف
- شعب الخوز
- شعب أذاخر
- شعب خط
- شعب الصفا
- شعب الرزازين
- شعب الجبيريين
- شعب الجزارين
- شعب زقاق النار
- شعب جبل تفاحة
- شعب حجاج
- شعب العطارين
- شعب جياد الكبير
- شعب جياد الصغير
- شعب النفر
- شعب ثور وخیام عنقود
- شعب يرنى
- شعب علي
- شعب ثنية المدنيين
- شعب حماموادي إبراهيم هو الوادي الرئيسي الذي يقع فيه المسجد الحرام، ويشكل مساراً للمياه من المعلاة إلى المسفلة [٢٣].
وصلات خارجية
الهوامش
- ↑ سفرنامه ناصرخسرو، ص ۲۸۸
- ↑ ثقافة اصطلاحات حج، ص ۱۸۸
- ↑ آثار البلاد و اخبار العباد، ص: ۱۶۳
- ↑ مکه و مدینه تصویرى از توسعه و نوسازى، ص ۱۴۸
- ↑ الحج و العمره في قرآن و حدیث.
- ↑ تاریخ مکه من ابدء الى نهاية دولت شرفای مکه، ص ۴۶
- ↑ (آل عمران:٩٦)
- ↑ قاموس قرآن، ج ۱، ص: ۲۲۰
- ↑ (الأنعام:٩٢)
- ↑ الکوثر، ج ۳، ص: ۴۹۳.
- ↑ (التين: ١-٣)
- ↑ (القصص: ٥٧)
- ↑ (آل عمران: ٩٧)
- ↑ (البقرة: ١٢٦)
- ↑ حرمته سوره ابراهیم، آیه ۳۸
- ↑ الکوثر، ج ۲، ص: ۱۹۷
- ↑ فرهنگ اصطلاحات حج، ص ۱۹۰
- ↑ (سورة القصص: 57)
- ↑ فرهنگ اصطلاحات حج، ص ۱۸۸
- ↑ نثر طوبی، ج۱، ص۱۶۸
- ↑ فرهنگ اصطلاحات حج، ص ۱۸۸
- ↑ آثار اسلامى مکه و مدینه، ص ۳۷.
- ↑ يعقوبي، البلدان، ص ۹۴