انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «حوزة قم العلمية»

من ویکي‌وحدت
Halimi (نقاش | مساهمات)
أنشأ الصفحة ب' الحوزة قم العلمية هي أكبر وأكثر مراكز تربية وتأهيل طلاب العلوم الدينية الشيعية ازدهارًا في العالم الإسلامي في العصر الحاضر، يعود تاريخ هذه الحوزة إلى العقود الأولى من القرن الثاني الهجري، مع هجرة الأشعريين من الكوفة إلى قم وانتشار التشيع وتشكيل الحوز...'
 
Halimi (نقاش | مساهمات)
لا ملخص تعديل
سطر ١٣: سطر ١٣:


===أسرة الأشعريين===
===أسرة الأشعريين===
أدت هجرة الأشعريين الشيعة المتزايدة في القرن الثاني الهجري إلى تحول مدينة قم بسرعة إلى إحدى المدن ذات الغالبية الشيعية. تشير سير حياة المحدثين وعلماء الشيعة الذين عاشوا في قم خلال القرنين الأول والثاني إلى تكوّن الحوزة العلمية الشيعية في هذه المدينة منذ العقود الأولى للقرن الثاني الهجري.
أدت هجرة الأشعريين الشيعة المتزايدة في القرن الثاني الهجري إلى تحول مدينة قم بسرعة إلى إحدى المدن ذات الغالبية الشيعية. تشير سير حياة المحدثين وعلماء الشيعة الذين عاشوا في قم خلال القرنين الأول والثاني إلى تكوّن الحوزة العلمية الشيعية في هذه المدينة منذ العقود الأولى للقرن الثاني الهجري، من بين قائمة تضم 91 عالماً ومحدثاً من أسرة الأشعريين في قم بين القرنين الأول والرابع الهجريين (حسب ما جمعه جعفر مهاجر <ref>المهاجر، جعفر، رجال الاشعریین من المحدثین و اصحاب الائمة، ج۱، ص۱۹۲- ۱۹۵</ref>. نجد أن 33 منهم عاشوا في القرن الثاني، مما يدل على نشاط الحوزة القمية منذ أواخر القرن الأول وطوال القرن الثاني الهجري، ومن أبرز هؤلاء أبو بكر بن عبد الله بن سعد بن مالك بن عامر الأشعري (الحي في أواخر القرن الأول)، المحدث وصاحب [[الإمام الصادق]] (عليه السلام)، الذي أنجب ذرية كثيرة من العلماء <ref>البرقی، احمد بن محمد، کتاب الرجال، ج۱، ص۴۳</ref>.


من بين قائمة تضم 91 عالماً ومحدثاً من أسرة الأشعريين في قم بين القرنين الأول والرابع الهجريين (حسب ما جمعه جعفر مهاجر <ref>المهاجر، جعفر، رجال الاشعریین من المحدثین و اصحاب الائمة، ج۱، ص۱۹۲- ۱۹۵</ref>. نجد أن 33 منهم عاشوا في القرن الثاني، مما يدل على نشاط الحوزة القمية منذ أواخر القرن الأول وطوال القرن الثاني الهجري.
===أسرة البرقي==
يعتبر أبو عبد الله محمد بن خالد البرقي (ت قبل 220هـ) المؤسس لهذه الأسرة، وهو من أصحاب الإمام الكاظم والإمام الرضا (عليهما السلام). أما أشهر علمائهم فهو ابنه [[أحمد بن محمد البرقي]].


من أبرز هؤلاء أبو بكر بن عبد الله بن سعد بن مالك بن عامر الأشعري (الحي في أواخر القرن الأولالمحدث وصاحب الإمام الصادق (عليه السلام)، الذي أنجب ذرية كثيرة من العلماء.[4][5][6]
=== أسرة الحميري===
أشهر شخصية في هذه الأسرة هو [[عبد الله بن جعفر الحميري]] (ت حوالى 310هـراوية أحاديث الإمام الهادي والعسكري (عليهما السلام)، وقد نقلت عنه الكتب الأربعة الشيعية أكثر من 180 حديثاً  <ref>النجاشی، احمد بن علی، رجال النجاشی، ص۲۱۹-۲۲۰</ref>.


الأسر العلمية الرئيسية
=== أسرة إبراهيم بن هاشم===
1.2 أسرة البرقي
أسس هذه الأسرة أبو إسحاق إبراهيم بن هاشم القمي (الحي سنة 247هـ)، وهو من رواد علم الحديث في قم ويعتبر أول من نشر أحاديث الكوفيين في قم <ref>الطوسی، محمد بن حسن، فهرست کتب الشیعة و اصولهم و اسماء المصنفین و اصحاب‌الاصول، ج۱، ص۳۵-۳۶</ref>.
يعتبر أبو عبد الله محمد بن خالد البرقي (ت قبل 220هـ) المؤسس لهذه الأسرة، وهو من أصحاب الإمام الكاظم والإمام الرضا (عليهما السلام). أما أشهر علمائهم فهو ابنه أحمد بن محمد البرقي.


1.3 أسرة الحميري
===أسرة متيل القمي===
أشهر شخصية في هذه الأسرة هو عبد الله بن جعفر الحميري حوالى 310هـراوية أحاديث الإمام الهادي والعسكري (عليهما السلام)، وقد نقلت عنه الكتب الأربعة الشيعية أكثر من 180 حديثاً.
برز من هذه الأسرة محدثون كبار مثل حسن بن متيل بعد 300هـ) مؤلف كتاب "النوادر"، وأحمد بن متيل وابنه جعفر الذين كان لهم مكانة خاصة لدى النواب الخاصين للإمام المهدي  <ref>النجاشی، احمد بن علی، رجال النجاشی، ص۴۹</ref>.


1.4 أسرة إبراهيم بن هاشم
أسس هذه الأسرة أبو إسحاق إبراهيم بن هاشم القمي (الحي سنة 247هـ)، وهو من رواد علم الحديث في قم ويعتبر أول من نشر أحاديث الكوفيين في قم.


1.5 أسرة متيل القمي
===عائلة ابن بابويه===
برز من هذه الأسرة محدثون كبار مثل حسن بن متيل (ت بعد 300هـ) مؤلف كتاب "النوادروأحمد بن متيل وابنه جعفر الذين كان لهم مكانة خاصة لدى النواب الخاصين للإمام المهدي.
أما أشهر عائلة في حوزة قم ثم الري فهي عائلة ابن بابويه. حافظت هذه العائلة على مكانتها المرموقة في حوزتي قم والري حتى أواخر القرن السادس الهجري. كان منتجب الدين الرازي، آخر علماء هذه العائلة، يحمل كنية "ابن بابويه" مثل أول عالم فيها، واسمه أيضًا كان عليًا.
كان أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (المتوفى ٣٢٩هـ) محدثًا كبيرًا، ووصفه النجاشي بأنه "شيخ القميين وفقيههم"، وذكر كتبه الكثيرة التي تناولت الأحكام الفقهية.
ابنه أبو عبد الله الحسين بن علي كان يُكنى أيضًا بابن بابويه، وقد نقل الحديث بإجازة من أبيه. وذكر أنه كان يُدرّس قبل بلوغه العشرين من عمره، وكانت إجاباته السريعة للأسئلة الفقهية تدهش الحاضرين.
أما الابن الآخر لأبي الحسن علي بن الحسين، فهو أبو جعفر محمد بن علي المعروف بالشيخ الصدوق أو ابن بابويه، وهو أشهر شخصية في هذه العائلة العلمية. من مؤلفاته كتاب "من لا يحضره الفقيهأحد الكتب الأربعة الأساسية في الحديث والفقه الشيعي. يُعتبر الشيخ الصدوق رمزًا بارزًا لحوزة قم، ثم الري حيث هاجر إليها بعد سنة ٣٣٩هـ. يمكن مقارنة مكانته في قم والري بمكانة الشيخ الطوسي في حوزة بغداد <ref>الصدوق، محمد بن علی، معانی‌ الاخبار، ص۱۸۱۹</ref>.


1.6 أسرة ابن بابويه
=== العلويون والسادة ===
تعد هذه الأسرة من أشهر الأسر العلمية في حوزتي قم ثم الري. يمتد تاريخها العلمي حتى أواخر القرن السادس الهجري. من أبرز أعلامها:
بالإضافة إلى هذه الأسر العلمية، ساهم وجود عدد كبير من العلويين والسادة في ازدهار حوزة قم. وقد أسهم العلويون في ازدهار هذه الحوزة بطريقتين:
* ظهور العديد من العلماء منهم على مر التاريخ.
* أصبحت مقابرهم - التي كانت موضع إجلال الناس - مركزًا للتدريس والتعليم وفقًا لتعاليم الأئمة الشيعة (عليهم السلام).
في طليعة العلويين في قم، تُذكر [[السيدة المعصومة|السيدة فاطمة المعصومة]] (أخت الإمام الرضا عليه السلام)، التي توفيت في قم سنة ٢٠٢هـ أثناء رحلتها إلى خراسان. أصبح ضريحها اليوم ثاني أكبر مزار في إيران وعاملًا رئيسيًا في ازدهار الحوزة العلمية في المدينة.
يذكر القمي في "تاريخ قم" عدة علماء وفقهاء علويين ينتمون إلى ذرية علي بن جعفر العريضي (ابن الإمام جعفر الصادق عليه السلام). كما ورد في المصادر ذكر محمد بن موسى بن إسحاق (من أحفاد الإمام موسى الكاظم بعد خمسة أجيال) بعنوان "الفقيه".
ومن الشخصيات البارزة أيضًا [[موسى المبرقع]] (ابن الإمام الجواد عليه السلام)، الذي هاجر إلى قم، حصل أحفاده على لقب "الرضوي"، وكان منهم أبو الحسن موسى بن أحمد (حيًّا سنة ٣٧١هـ)، الذي تولى نقابة السادة في قم والمناطق المجاورة.
من أحفاد موسى المبرقع بعد ثلاثة أجيال، كان عبيد الله بن موسى عالمًا ومحدثًا ورعًا، وألف عدة كتب منها "أنساب آل الرسول" و"الأديان والملل".
ومن العلماء العلويين الآخرين حمزة بن محمد بن أحمد (من ذرية زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام)، الذي روى الحديث للصدوق في قم سنة ٣٣٩هـ.
يذكر مؤلف "تاريخ قم" أن عدد علماء الشيعة المشهورين في المدينة من البداية حتى القرن الرابع بلغ ٢٦٦ عالمًا، بينما كان عدد علماء السنة ١٤ عالمًا.
بلغ الاهتمام بالعلوم الدينية، خاصة الحديث، درجة أن محمد تقي المجلسي نقل عن كتاب أن عدد المحدثين في قم زمن الشيخ الصدوق (القرن الرابع) تجاوز مئتي ألف محدث! وفسر ذلك بأن عامة وخاصة أهل قم كانوا يحفظون الحديث، مما يعكس الانتشار الواسع لعلوم الحديث بينهم  <ref>المجلسی، محمدباقر بن محمدتقی، بحارالانوار، ج۵۷، ص۲۱۷</ref>.


أبو الحسن علي بن الحسين (ت 329هـ) المحدث الكبير
==العلاقة بين العلماء والأئمة==
هذه الميزات والخصائص المذكورة للحوزة العلمية في قم، مثل قدم الحوزة وكثرة الأسر العلمية ووجود العلويين فيها بكثرة، لا تقارن بأهم ميزة لهذه الحوزة والتي منحتها مكانة عالية، ألا وهي الصلة الوثيقة بالأئمة المعصومين. وكانت هذه الصلة تتم عبر المراسلات وكذلك من خلال سفر علماء قم إلى العراق والحجاز وخراسان.
في القائمة السابقة للمهاجرين، من بين 91 عالماً ومحدثاً أشعرياً من قم، كان لـ46 منهم صلة بلقاء واحد أو أكثر من الأئمة المعصومين. ويزيد عدد القميين الذين صحبوا الأئمة إذا أخذنا بعين الاعتبار العلماء غير الأشاعرة.
هذه العلاقة زادت من مكانة حوزة قم وجعلتها مرجعاً ومعياراً في علوم الإسلام. وكما ذكر [[الشيخ الطوسي]] (ونقله عنه المجلسي) أن [[الحسين بن روح]]، النائب الثالث للإمام المهدي (ع)، أرسل مرة كتاباً فقهياً (كتاب التأديب) إلى قم ليعرض على فقهائها ليبدوا رأيهم في صحة ما ورد فيه <ref>المجلسی، محمدباقر بن محمدتقی، بحارالانوار، ج۵۱، ص۳۵۹</ref>.
== العلوم والكتب ==


ابنه الشيخ الصدوق محمد بن علي (ت 381هـ) صاحب كتاب "من لا يحضره الفقيه" أحد الكتب الأربعة الشيعية
=== العلوم الدينية ===
بناءً على مصادر مختلفة، يمكن القول إن جميع فروع العلوم الدينية ومقدماتها كانت تدرس في حوزة قم (مع الأخذ بعين الاعتبار المراحل المبكرة لبعض هذه العلوم). كان أبو جعفر البرقي (توفي 274 أو 280) متخصصاً في علوم الأدب والبلاغة، وألف في هذا المجال كتابين هما "الشعر والشعراء" و"النحو". وكان أحد تلامذته، أبو عبد الله محمد بن عبيد الله الملقب بالماجيلويه، فقيهاً وأديباً. ومن أساتذة الأدب البارزين في حوزة قم أبو علي أحمد بن إسماعيل الملقب بالسمكة، الذي ألف عدة كتب وصفها النجاشي بأنها لا مثيل لها  <ref>النجاشی، احمد بن علی، رجال النجاشی، ص۳۵۳</ref>.


دور العلويين والسادة
=== علوم القرآن ===
ساهم العلويون في ازدهار الحوزة بعدة طرق:
حظيت علوم القرآن باهتمام كبير في حوزة قم. فقد ألف أبو طالب عبد الله بن صلت القمي (أحد رواة الإمام الرضا) كتاباً في التفسير. كما ألف أبو عبد الله البرقي كتابين في التفسير هما "كتاب التنزيل والتعبير" و"التفسير". وكان لأخيه حسن بن خالد البرقي تفسير في 120 مجلداً أملى عليه الإمام حسن العسكري. كما ألف محمد بن حسن الصفار (توفي 290) كتاباً عن القرآن بعنوان "فضل القرآن". وكتب أبو القاسم سعد بن عبد الله الأشعري القمي كتاباً بعنوان "ناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه". وفي هذه الفترة أيضاً كتب تفسير علي بن إبراهيم القمي الذي أصبح أساساً للعديد من التفاسير المأثورة اللاحقة  <ref>النجاشی، احمد بن علی، رجال النجاشی، ص۱۷۷-۱۷۸</ref>.
1- ظهور العديد من العلماء منهم
2- تحول مراقدهم إلى مراكز للتعليم الديني


من أبرز الشخصيات:
=== علم الكلام ===
كانت المسائل العقائدية والكلامية موضوعاً آخر للتأليف والتدريس في حوزة قم القديمة، حيث كانت قضية غيبة الإمام الثاني عشر والإمامة في صلب هذه المناقشات. ومن الكتب التي ألفت في هذا المجال:
* "كتاب الجبر والتفويض" و"كتاب ما يفعل الناس حين يفقدون الإمام" لأبي جعفر أحمد بن أبي زاهر الأشعري القمي
* "كتاب الغيبة" و"كتاب الإمامة" لأبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري القمي
* "كتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة" لعلي بن حسين بن بابويه  <ref>السبحانی، جعفر، موسوعة طبقات الفقهاء، ج۴، ص۲۸۴</ref>.


السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) أخت الإمام الرضا (ت 201هـ)
=== الرد على الغلاة ===
شكل جزء كبير من النشاط الكلامي في حوزة قم في إطار مكافحة الأفكار المنحرفة للغلاة. حيث ألف كل من:
* الحسين بن سعيد الأهوازي
* محمد بن حسن الصفار القمي
* أبو القاسم سعد بن عبد الله الأشعري
* كتباً في الرد على الغلاة <ref>النجاشی، احمد بن علی، رجال النجاشی، ص۱۷۷-۱۷۸</ref>.


موسى المبرقع ابن الإمام الجواد (عليه السلام) الذي هاجر إلى قم
== التاريخ والجغرافيا ==
 
كان التاريخ والجغرافيا من العلوم الأخرى التي حظيت باهتمام في حوزة قم القديمة. فقد كان أبو عبد الله البرقي (حسب النجاشي) عالماً بأخبار العرب وعلومهم، وألف عدة كتب منها "كتاب مكة والمدينة" و"كتاب حروب الأوس والخزرج". أما ابنه أبو جعفر البرقي فقد ألف العديد من الكتب التاريخية مثل "أنساب الأمم" و"الأوائل" و"بنات النبي وأزواجه" و"كتاب التاريخ" و"كتاب المغازي" و"طبقات الرجال"، بالإضافة إلى كتاب في الجغرافيا بعنوان "البلدان والمساحة" الذي كان من مصادر تاريخ قم.
أحفاده مثل أبي الحسن موسى بن أحمد (الحي 371هـ) الذي تولى نقابة السادة
وكان تلميذ أبي جعفر البرقي، أحمد بن إسماعيل (الملقب بالسمكة) متخصصاً في التاريخ أيضاً، ومن مؤلفاته "كتاب العباسي" الذي وصفه النجاشي بأنه كان في عشرة آلاف ورقة، وقد استفاد منه حسن بن محمد القمي مؤلف تاريخ قم.
 
كما كان أبو جعفر محمد بن عبد الله الحميري عالماً بالتاريخ والجغرافيا، وألف كتاب "المساحة والبلدان" بناءً على كتاب أبي جعفر البرقي. وألف أبو القاسم جعفر بن محمد بن جعفر (ابن قولويه) عدة كتب في التاريخ منها "تاريخ الشهور والحوادث فيها" <ref>النجاشی، احمد بن علی، رجال النجاشی، ص۱۲۳-۱۲۴</ref>.
الإحصاءات والأرقام
ذكر صاحب "تاريخ قم"[53] أن عدد علماء الشيعة المشهورين في المدينة من البداية حتى القرن الرابع بلغ 266 عالماً، مقابل 14 عالماً سنياً.
 
أما العلامة المجلسي[54] فنقل عن كتاب قديم أن عدد المحدثين في قم زمن الشيخ الصدوق (القرن الرابع) بلغ مائتي ألف محدث، مما يدل على الاهتمام الشعبي الواسع بعلم الحديث في قم.

مراجعة ٠٠:٠٠، ٣ مايو ٢٠٢٥


الحوزة قم العلمية هي أكبر وأكثر مراكز تربية وتأهيل طلاب العلوم الدينية الشيعية ازدهارًا في العالم الإسلامي في العصر الحاضر، يعود تاريخ هذه الحوزة إلى العقود الأولى من القرن الثاني الهجري، مع هجرة الأشعريين من الكوفة إلى قم وانتشار التشيع وتشكيل الحوزة العلمية الشيعية في هذه المدينة، ومن خلال هجرة عائلات علمية مثل آل برقي، وحميري، وابن بابويه، وغيرها، وحضور العلويين والسادات من القرن الثالث الهجري فصاعدًا، اكتسبت حوزة قم مكانة مرموقة، مما أدى إلى ازدهارها وتوسعها السريع. كما أن التواصل الوثيق مع الأئمة المعصومين (عليهم السلام) زاد من مكانة الحوزة وجعلها مرجعًا ومعيارًا في العلوم الإسلامية، ووفقًا لمصادر مختلفة، كانت تُدرَّس في حوزة قم تقريبًا جميع فروع العلوم الدينية، بما في ذلك: الكلام، والعلوم القرآنية، والرجال، والحديث، إضافة إلى المقدمات الأساسية لها. وبلغت حوزة قم ذروة ازدهارها في القرنين الثالث والرابع الهجريين، لكنها شهدت تراجعًا في القرن الخامس، وبحسب روايات المؤرخين، عادت في القرن السادس لتقترب من أيام مجدها السابق. إلا أن الغزو المغولي لقم عام 621 هـ أدى إلى انحدار الحوزة، وعلى الرغم من تراجعها بين القرنين السابع والتاسع الهجريين، فإن الأهمية الدينية لقم وأصالة حوزتها العلمية ووجود علماء الشيعة الراسخين في هذه المدينة منعا انهيارها وزوالها الكامل، كما أن الدعم شبه المستمر من الصفويين للعلماء والمذهب الشيعي كان من عوامل نمو وازدهار الحوزات الشيعية، وحتى أواخر القرن الحادي عشر والقرن الثالث عشر الهجريين، ظل عدد من العلماء يمارسون النشاط العلمي في قم، مما ساهم في مزيد من الازدهار العلمي للمدينة. وفي أواخر العصر القاجاري، وقبل مجيء آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري إلى قم وجهوده لرفع مستوى الحوزة العلمية فيها، بذل علماء قم محاولات في هذا الاتجاه لم تثمر عن النتيجة المرجوة. وبإصرار الشيخ محمد تقي البافقي وتوسط ميرزا محمد الأرباب والشيخ محمدرضا شريعتمدار الساوجي، دُعي الشيخ عبد الكريم الحائري للانتقال من أراك إلى قم لتأسيس حوزة علمية منظمة فيها. وهكذا استقر الحائري في قم عام 1340 هـ (1921 م) وأسس نواة الحوزة العلمية الجديدة في قم. وخلال إقامته التي استمرت حوالي 15 عامًا، وهي فترة ذروة عطائه العلمي، استطاع بفضل إدارته القوية أن يُنشئ حوزة علمية قوية. وتوسعت الحوزة العلمية في قم، سواء بسبب الدور الذي لعبته في الثورة الإسلامية أو بسبب المهام والإجراءات المتوقعة منها بعد الثورة في مختلف المجالات، خاصةً وأن العديد من المسؤوليات المحددة في الدستور والمناصب السياسية والثقافية في المجتمع لا يمكن أن يتولاها إلا خريجو الحوزة. علاوة على ذلك، اكتسبت حوزة قم في هذه السنوات مكانة قوية وأهمية كبيرة، حيث يقصدها الأفراد ليس فقط من داخل إيران، بل من العديد من الدول الأخرى لدراسة العلوم الدينية، حتى أنه حتى عام 2021 م، انضم أكثر من 50 ألف طالب من 122 دولة إلى "جامعة المصطفى العالمية"، وتخرج أكثر من 25 ألفًا منهم وعادوا إلى بلدانهم ومدنهم ليكونوا مُربين ودعاة ومديرين ثقافيين مؤثرين

تاريخ وحضور الأسر العلمية في حوزة قم العلمية

التأسيس المبكر للحوزة

يعود تاريخ حوزة قم الدينية إلى القدم البعيد للمذهب الشيعي في هذه المدينة، والذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بهجرة قبيلة الأشعريين ذات الأصول اليمنية من الكوفة إلى قم [١].

أسرة الأشعريين

أدت هجرة الأشعريين الشيعة المتزايدة في القرن الثاني الهجري إلى تحول مدينة قم بسرعة إلى إحدى المدن ذات الغالبية الشيعية. تشير سير حياة المحدثين وعلماء الشيعة الذين عاشوا في قم خلال القرنين الأول والثاني إلى تكوّن الحوزة العلمية الشيعية في هذه المدينة منذ العقود الأولى للقرن الثاني الهجري، من بين قائمة تضم 91 عالماً ومحدثاً من أسرة الأشعريين في قم بين القرنين الأول والرابع الهجريين (حسب ما جمعه جعفر مهاجر [٢]. نجد أن 33 منهم عاشوا في القرن الثاني، مما يدل على نشاط الحوزة القمية منذ أواخر القرن الأول وطوال القرن الثاني الهجري، ومن أبرز هؤلاء أبو بكر بن عبد الله بن سعد بن مالك بن عامر الأشعري (الحي في أواخر القرن الأول)، المحدث وصاحب الإمام الصادق (عليه السلام)، الذي أنجب ذرية كثيرة من العلماء [٣].

=أسرة البرقي

يعتبر أبو عبد الله محمد بن خالد البرقي (ت قبل 220هـ) المؤسس لهذه الأسرة، وهو من أصحاب الإمام الكاظم والإمام الرضا (عليهما السلام). أما أشهر علمائهم فهو ابنه أحمد بن محمد البرقي.

أسرة الحميري

أشهر شخصية في هذه الأسرة هو عبد الله بن جعفر الحميري (ت حوالى 310هـ)، راوية أحاديث الإمام الهادي والعسكري (عليهما السلام)، وقد نقلت عنه الكتب الأربعة الشيعية أكثر من 180 حديثاً [٤].

أسرة إبراهيم بن هاشم

أسس هذه الأسرة أبو إسحاق إبراهيم بن هاشم القمي (الحي سنة 247هـ)، وهو من رواد علم الحديث في قم ويعتبر أول من نشر أحاديث الكوفيين في قم [٥].

أسرة متيل القمي

برز من هذه الأسرة محدثون كبار مثل حسن بن متيل (ت بعد 300هـ) مؤلف كتاب "النوادر"، وأحمد بن متيل وابنه جعفر الذين كان لهم مكانة خاصة لدى النواب الخاصين للإمام المهدي [٦].


عائلة ابن بابويه

أما أشهر عائلة في حوزة قم ثم الري فهي عائلة ابن بابويه. حافظت هذه العائلة على مكانتها المرموقة في حوزتي قم والري حتى أواخر القرن السادس الهجري. كان منتجب الدين الرازي، آخر علماء هذه العائلة، يحمل كنية "ابن بابويه" مثل أول عالم فيها، واسمه أيضًا كان عليًا. كان أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (المتوفى ٣٢٩هـ) محدثًا كبيرًا، ووصفه النجاشي بأنه "شيخ القميين وفقيههم"، وذكر كتبه الكثيرة التي تناولت الأحكام الفقهية. ابنه أبو عبد الله الحسين بن علي كان يُكنى أيضًا بابن بابويه، وقد نقل الحديث بإجازة من أبيه. وذكر أنه كان يُدرّس قبل بلوغه العشرين من عمره، وكانت إجاباته السريعة للأسئلة الفقهية تدهش الحاضرين. أما الابن الآخر لأبي الحسن علي بن الحسين، فهو أبو جعفر محمد بن علي المعروف بالشيخ الصدوق أو ابن بابويه، وهو أشهر شخصية في هذه العائلة العلمية. من مؤلفاته كتاب "من لا يحضره الفقيه"، أحد الكتب الأربعة الأساسية في الحديث والفقه الشيعي. يُعتبر الشيخ الصدوق رمزًا بارزًا لحوزة قم، ثم الري حيث هاجر إليها بعد سنة ٣٣٩هـ. يمكن مقارنة مكانته في قم والري بمكانة الشيخ الطوسي في حوزة بغداد [٧].

العلويون والسادة

بالإضافة إلى هذه الأسر العلمية، ساهم وجود عدد كبير من العلويين والسادة في ازدهار حوزة قم. وقد أسهم العلويون في ازدهار هذه الحوزة بطريقتين:

  • ظهور العديد من العلماء منهم على مر التاريخ.
  • أصبحت مقابرهم - التي كانت موضع إجلال الناس - مركزًا للتدريس والتعليم وفقًا لتعاليم الأئمة الشيعة (عليهم السلام).

في طليعة العلويين في قم، تُذكر السيدة فاطمة المعصومة (أخت الإمام الرضا عليه السلام)، التي توفيت في قم سنة ٢٠٢هـ أثناء رحلتها إلى خراسان. أصبح ضريحها اليوم ثاني أكبر مزار في إيران وعاملًا رئيسيًا في ازدهار الحوزة العلمية في المدينة. يذكر القمي في "تاريخ قم" عدة علماء وفقهاء علويين ينتمون إلى ذرية علي بن جعفر العريضي (ابن الإمام جعفر الصادق عليه السلام). كما ورد في المصادر ذكر محمد بن موسى بن إسحاق (من أحفاد الإمام موسى الكاظم بعد خمسة أجيال) بعنوان "الفقيه". ومن الشخصيات البارزة أيضًا موسى المبرقع (ابن الإمام الجواد عليه السلام)، الذي هاجر إلى قم، حصل أحفاده على لقب "الرضوي"، وكان منهم أبو الحسن موسى بن أحمد (حيًّا سنة ٣٧١هـ)، الذي تولى نقابة السادة في قم والمناطق المجاورة. من أحفاد موسى المبرقع بعد ثلاثة أجيال، كان عبيد الله بن موسى عالمًا ومحدثًا ورعًا، وألف عدة كتب منها "أنساب آل الرسول" و"الأديان والملل". ومن العلماء العلويين الآخرين حمزة بن محمد بن أحمد (من ذرية زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام)، الذي روى الحديث للصدوق في قم سنة ٣٣٩هـ. يذكر مؤلف "تاريخ قم" أن عدد علماء الشيعة المشهورين في المدينة من البداية حتى القرن الرابع بلغ ٢٦٦ عالمًا، بينما كان عدد علماء السنة ١٤ عالمًا. بلغ الاهتمام بالعلوم الدينية، خاصة الحديث، درجة أن محمد تقي المجلسي نقل عن كتاب أن عدد المحدثين في قم زمن الشيخ الصدوق (القرن الرابع) تجاوز مئتي ألف محدث! وفسر ذلك بأن عامة وخاصة أهل قم كانوا يحفظون الحديث، مما يعكس الانتشار الواسع لعلوم الحديث بينهم [٨].

العلاقة بين العلماء والأئمة

هذه الميزات والخصائص المذكورة للحوزة العلمية في قم، مثل قدم الحوزة وكثرة الأسر العلمية ووجود العلويين فيها بكثرة، لا تقارن بأهم ميزة لهذه الحوزة والتي منحتها مكانة عالية، ألا وهي الصلة الوثيقة بالأئمة المعصومين. وكانت هذه الصلة تتم عبر المراسلات وكذلك من خلال سفر علماء قم إلى العراق والحجاز وخراسان. في القائمة السابقة للمهاجرين، من بين 91 عالماً ومحدثاً أشعرياً من قم، كان لـ46 منهم صلة بلقاء واحد أو أكثر من الأئمة المعصومين. ويزيد عدد القميين الذين صحبوا الأئمة إذا أخذنا بعين الاعتبار العلماء غير الأشاعرة. هذه العلاقة زادت من مكانة حوزة قم وجعلتها مرجعاً ومعياراً في علوم الإسلام. وكما ذكر الشيخ الطوسي (ونقله عنه المجلسي) أن الحسين بن روح، النائب الثالث للإمام المهدي (ع)، أرسل مرة كتاباً فقهياً (كتاب التأديب) إلى قم ليعرض على فقهائها ليبدوا رأيهم في صحة ما ورد فيه [٩].

العلوم والكتب

العلوم الدينية

بناءً على مصادر مختلفة، يمكن القول إن جميع فروع العلوم الدينية ومقدماتها كانت تدرس في حوزة قم (مع الأخذ بعين الاعتبار المراحل المبكرة لبعض هذه العلوم). كان أبو جعفر البرقي (توفي 274 أو 280) متخصصاً في علوم الأدب والبلاغة، وألف في هذا المجال كتابين هما "الشعر والشعراء" و"النحو". وكان أحد تلامذته، أبو عبد الله محمد بن عبيد الله الملقب بالماجيلويه، فقيهاً وأديباً. ومن أساتذة الأدب البارزين في حوزة قم أبو علي أحمد بن إسماعيل الملقب بالسمكة، الذي ألف عدة كتب وصفها النجاشي بأنها لا مثيل لها [١٠].

علوم القرآن

حظيت علوم القرآن باهتمام كبير في حوزة قم. فقد ألف أبو طالب عبد الله بن صلت القمي (أحد رواة الإمام الرضا) كتاباً في التفسير. كما ألف أبو عبد الله البرقي كتابين في التفسير هما "كتاب التنزيل والتعبير" و"التفسير". وكان لأخيه حسن بن خالد البرقي تفسير في 120 مجلداً أملى عليه الإمام حسن العسكري. كما ألف محمد بن حسن الصفار (توفي 290) كتاباً عن القرآن بعنوان "فضل القرآن". وكتب أبو القاسم سعد بن عبد الله الأشعري القمي كتاباً بعنوان "ناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه". وفي هذه الفترة أيضاً كتب تفسير علي بن إبراهيم القمي الذي أصبح أساساً للعديد من التفاسير المأثورة اللاحقة [١١].

علم الكلام

كانت المسائل العقائدية والكلامية موضوعاً آخر للتأليف والتدريس في حوزة قم القديمة، حيث كانت قضية غيبة الإمام الثاني عشر والإمامة في صلب هذه المناقشات. ومن الكتب التي ألفت في هذا المجال:

  • "كتاب الجبر والتفويض" و"كتاب ما يفعل الناس حين يفقدون الإمام" لأبي جعفر أحمد بن أبي زاهر الأشعري القمي
  • "كتاب الغيبة" و"كتاب الإمامة" لأبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري القمي
  • "كتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة" لعلي بن حسين بن بابويه [١٢].

الرد على الغلاة

شكل جزء كبير من النشاط الكلامي في حوزة قم في إطار مكافحة الأفكار المنحرفة للغلاة. حيث ألف كل من:

  • الحسين بن سعيد الأهوازي
  • محمد بن حسن الصفار القمي
  • أبو القاسم سعد بن عبد الله الأشعري
  • كتباً في الرد على الغلاة [١٣].

التاريخ والجغرافيا

كان التاريخ والجغرافيا من العلوم الأخرى التي حظيت باهتمام في حوزة قم القديمة. فقد كان أبو عبد الله البرقي (حسب النجاشي) عالماً بأخبار العرب وعلومهم، وألف عدة كتب منها "كتاب مكة والمدينة" و"كتاب حروب الأوس والخزرج". أما ابنه أبو جعفر البرقي فقد ألف العديد من الكتب التاريخية مثل "أنساب الأمم" و"الأوائل" و"بنات النبي وأزواجه" و"كتاب التاريخ" و"كتاب المغازي" و"طبقات الرجال"، بالإضافة إلى كتاب في الجغرافيا بعنوان "البلدان والمساحة" الذي كان من مصادر تاريخ قم. وكان تلميذ أبي جعفر البرقي، أحمد بن إسماعيل (الملقب بالسمكة) متخصصاً في التاريخ أيضاً، ومن مؤلفاته "كتاب العباسي" الذي وصفه النجاشي بأنه كان في عشرة آلاف ورقة، وقد استفاد منه حسن بن محمد القمي مؤلف تاريخ قم. كما كان أبو جعفر محمد بن عبد الله الحميري عالماً بالتاريخ والجغرافيا، وألف كتاب "المساحة والبلدان" بناءً على كتاب أبي جعفر البرقي. وألف أبو القاسم جعفر بن محمد بن جعفر (ابن قولويه) عدة كتب في التاريخ منها "تاريخ الشهور والحوادث فيها" [١٤].

  1. القمی، حسن بن محمد، تاریخ قم، ج۱، ص۲۴۰
  2. المهاجر، جعفر، رجال الاشعریین من المحدثین و اصحاب الائمة، ج۱، ص۱۹۲- ۱۹۵
  3. البرقی، احمد بن محمد، کتاب الرجال، ج۱، ص۴۳
  4. النجاشی، احمد بن علی، رجال النجاشی، ص۲۱۹-۲۲۰
  5. الطوسی، محمد بن حسن، فهرست کتب الشیعة و اصولهم و اسماء المصنفین و اصحاب‌الاصول، ج۱، ص۳۵-۳۶
  6. النجاشی، احمد بن علی، رجال النجاشی، ص۴۹
  7. الصدوق، محمد بن علی، معانی‌ الاخبار، ص۱۸۱۹
  8. المجلسی، محمدباقر بن محمدتقی، بحارالانوار، ج۵۷، ص۲۱۷
  9. المجلسی، محمدباقر بن محمدتقی، بحارالانوار، ج۵۱، ص۳۵۹
  10. النجاشی، احمد بن علی، رجال النجاشی، ص۳۵۳
  11. النجاشی، احمد بن علی، رجال النجاشی، ص۱۷۷-۱۷۸
  12. السبحانی، جعفر، موسوعة طبقات الفقهاء، ج۴، ص۲۸۴
  13. النجاشی، احمد بن علی، رجال النجاشی، ص۱۷۷-۱۷۸
  14. النجاشی، احمد بن علی، رجال النجاشی، ص۱۲۳-۱۲۴