انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «المرجئة»

من ویکي‌وحدت
Halimi (نقاش | مساهمات)
أنشأ الصفحة ب' المرجئة، هذه الفرقة هي إحدى الفرق المنحرفة في الإسلام، وقد قسم الشهرستاني المرجئة إلى أربع فرق رئيسية: مرجئة الخوارج، مرجئة القدرية، مرجئة الجبرية، ومرجئة الخالصة، ==ضرورة البحث عن هذه الفرقة== الظلم والعدل من المفاهيم الفطرية التي تُدرك خارج إطار الدين ف...'
 
Halimi (نقاش | مساهمات)
لا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:




المرجئة، هذه الفرقة هي إحدى الفرق المنحرفة في الإسلام، وقد قسم الشهرستاني المرجئة إلى أربع فرق رئيسية: مرجئة الخوارج، مرجئة القدرية، مرجئة الجبرية، ومرجئة الخالصة،
المرجئة، هذه الفرقة هي إحدى الفرق المنحرفة في الإسلام، فالمرجئة قوم اكتفوا بالإيمان ولم يجعلوا للأعمال دخلاً فيه، لا يرون تفاوتاً في مراتب الإيمان، ولا يرون أن المعصية تضر مع وجود الإيمان، كما أن الطاعة لا تنفع مع وجود الكفر، فكانوا يعتقدون أن الإيمان هو القول باللسان (الإقرار اللفظي)، وأن القول اللفظي مقدم على العمل، وأن من لا يكون له عمل ولكن له إيمان سينجو، هذا هو نفس الاعتقاد الذي لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه
ومن بين معتقداتهم أن من لديه إيمان (إقرار لفظي) ويرتكب كبائر مثل قتل الأقارب، أو الزنا، أو السرقة، أو قتل النفس المحترمة، أو حرق القرآن والكعبة، فإن ذلك لا يضر بإيمانه، وإيمانه مثل إيمان جبريل وميكائيلوقد قسم الشهرستاني المرجئة إلى أربع فرق رئيسية: مرجئة الخوارج، مرجئة القدرية، مرجئة الجبرية، ومرجئة الخالصة.
 
== معنى الإرجاء ==
الرجاء في اللغة ورد بمعنيين:
* الأمل والترجي: "رَجَا، يَرْجُو، رَجَاءً وَرَجْوًا"، ضد اليأس، وبالتالي فإن الهمزة الأخيرة منقلبة عن حرف علة.
*  التأخير والإرجاء: "أَرْجَأَ الأَمْرَ" أي أَخَّرَهُ. وفي القرآن الكريم: "أَرْجِهْ وَأَخَاهُ" (أي أَخِّرْهُ وَأَخَاهُ)<ref>اعراف/سوره۷، آیه۱۱۱ شعراء/سوره۲۶، آیه۳۶</ref>. وهنا الهمزة أصلية. "مُرْجِئ" و"مُرَجِّي" هما اسم فاعل من "إرجاء"، بمعنى "مُؤَمِّل" أو "مُؤَخِّر". ويُقرآن في المقام الأول: "مُرْجِئِي" و"مُرَجِّي".
المرجئة: اسم إحدى أقدم الفرق الإسلامية. ربما اشتُقَّ اسم هذه الفرقة من "الإرجاء" بالمعنى الأول (الترجي) أو الثاني (التأخير)، حيث يناسب كلا المعنيين مذهبهم <ref>الصفی پوری، عبدالرحیم بن عبد الکریم، منتهی الارب، ج۱-۲، ص۴۳۲</ref>. كما سيتضح في البحث اللاحق، فإنهم كانوا إما يُؤَمِّلون العفو الإلهي للمذنبين بشرط إيمانهم (بالمعنى الخاص الذي يعتقدونه)، أو يُؤَخِّرون الحكم عليهم إلى يوم القيامة. وقيل أيضًا إنهم سُمُّوا بذلك لأنهم في مسألة الخلافة أخَّروا عليًّا (عليه السلام) من المرتبة الأولى إلى الرابعة <ref>الشهرستانی، عبدالکریم، ملل و نحل، ج۱، ص۱۳۹</ref>.
 
==أصل تسمية المرجئة==
يبدو أن الاسم مأخوذ من الآية الكريمة: "وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"<ref>التوبة: ١٠٦</ref>.قرأ أهل المدينة والكوفة "مُرْجَوْنَ" (بدون همز)، بينما قرأ الآخرون "مُرْجَؤُونَ" (بهمز).
وقد نزلت هذه الآية -حسب قول مجاهد وقتادة- في هلال بن أمية الواقفي، ومُرَارة بن ربيع، وكعب بن مالك (الأنصاري السلمي، ت. ٥٠ هـ)، الذين تخلَّفوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك دون عذر، بل بسبب التهاون والكسل. فلما عاد النبي إلى المدينة، جاءوا معتذرين نادمين، فتعامل معهم بشدة، ومنع الصحابة من مخاطبتهم، وأمر زوجاتهم بمقاطعتهم. استمر هذا الحال خمسين يومًا حتى قُبِلَت توبتهم.
يبدو أن احتجاج المرجئة بالقرآن على صحة عقيدتهم كان هذه الآية، لأنها تدل على أننا في الدنيا لا ينبغي أن نحكم قطعًا على بعض العصاة بأنهم من أهل الجنة أو النار، فقد يعذبهم الله أو يعفو عنهم. لكن يجب الانتباه إلى أن سبب نزول الآية لا ينطبق على محل النزاع بين المرجئة وخصومهم، لأن الآية نزلت فيمن تابوا وندموا، بينما خلاف المرجئة مع المعتزلة والخوارج كان حول العصاة الذين لم يتوبوا، سواء أكانت معصيتهم بتهاون أم عمدًا <ref>الطبرسی، فضل بن حسن، مجمع البیان، ج۵، ص۶۹</ref>.ونزلت الآية "وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" <ref>التوبة: ١١٨</ref>.إذن، هذه الآية لا يمكن أن تكون حجة للمرجئة، لأنها تتحدث عن تائبين، بينما نزاعهم كان حول غير التائبين. ومع ذلك، قد تستدل الآية على أن قبول التوبة ليس واجبًا على الله، بل هو تفضل منه.


==ضرورة البحث عن هذه الفرقة==
==ضرورة البحث عن هذه الفرقة==
الظلم والعدل من المفاهيم الفطرية التي تُدرك خارج إطار الدين فكل إنسان يستطيع بعقله أن يدرك هذه المفاهيم ويستوعب قبح الظلم وذم الظالم، لكن نشر الشبهات إلى حد تشويه الفكر السليم يمكن أن يؤدي إلى تبرير الأفعال القبيحة، وتحويل الشبهة إلى فكر ديني يُعد من أخطر الآفات التي قد تقضي على الإدراكات العقلية، وظهرت المرجئة كأكثر الفكر المناهض للعقل تأصيلًا في أحضان أهل السنة، وهي فكرة تهدف إلى تبرير أفعال الظالمين.
الظلم والعدل من المفاهيم الفطرية التي تُدرك خارج إطار الدين فكل إنسان يستطيع بعقله أن يدرك هذه المفاهيم ويستوعب قبح الظلم وذم الظالم، لكن نشر الشبهات إلى حد تشويه الفكر السليم يمكن أن يؤدي إلى تبرير الأفعال القبيحة، وتحويل الشبهة إلى فكر ديني يُعد من أخطر الآفات التي قد تقضي على الإدراكات العقلية، وظهرت المرجئة كأكثر الفكر المناهض للعقل تأصيلًا في أحضان أهل السنة، وهي فكرة تهدف إلى تبرير أفعال الظالمين.


==تعريف المرجئة==
==وجه التسمية==
كلمة "المرجئة" مشتقة من "الإرجاء"، بمعنى التأخير  <ref>الشهرستانی، عبدالکریم، الملل والنحل،  ج۱، ص۱۶۱</ref>.وقيل: الإرجاء بمعنى التأخير يشير إلى تأخير مرتبة الإمام علي (عليه السلام) من الأولى إلى الرابعة بين الخلفاء.  
كلمة "المرجئة" مشتقة من "الإرجاء"، بمعنى التأخير  <ref>الشهرستانی، عبدالکریم، الملل والنحل،  ج۱، ص۱۶۱</ref>.وقيل: الإرجاء بمعنى التأخير يشير إلى تأخير مرتبة الإمام علي (عليه السلام) من الأولى إلى الرابعة بين الخلفاء.  
وقد يُطلق مصطلح "المرجئة" على جميع أهل السنة عمومًا، <ref>المجلسی، محمدباقر، بحار الانوار،  ج۲۳، ص۱۸</ref>.كما يُطلق خصوصًا على هذه الفرقة<ref>المجلسی، محمدباقر، بحار الانوار،  ج۲۳، ص۱۸</ref>.
وقد يُطلق مصطلح "المرجئة" على جميع أهل السنة عمومًا، <ref>المجلسی، محمدباقر، بحار الانوار،  ج۲۳، ص۱۸</ref>.كما يُطلق خصوصًا على هذه الفرقة<ref>المجلسی، محمدباقر، بحار الانوار،  ج۲۳، ص۱۸</ref>.
فالمرجئة هي أحد المذاهب الكلامية لأهل السنة نشأ هذا الفكر في العهد الأموي، لكنه ظهر كمدرسة كلامية في أواخر القرن الأول، اشتُق المصطلح من عقيدتهم القائلة بأن العمل يُؤخَّر عن النية والإيمان،<ref>بغدادی، عبدالقاهر بن طاهر، الفرق بین الفرق و بیان الفرقة الناجیة، ۱مجلد، ص۱۹۰</ref>.ولا يضر بالإيمان، وبالتالي فإن "الرجاء" يعني أيضًا الأمل. ويقولون إن مرتكب الكبيرة لا يخلد في النار، بل أمره موكول إلى الله. <ref>الشهرستانی، عبدالکریم، الملل والنحل،  ج۱، ص۱۶۲</ref>.
فالمرجئة هي أحد المذاهب الكلامية لأهل السنة نشأ هذا الفكر في العهد الأموي، لكنه ظهر كمدرسة كلامية في أواخر القرن الأول، اشتُق المصطلح من عقيدتهم القائلة بأن العمل يُؤخَّر عن النية والإيمان،<ref>بغدادی، عبدالقاهر بن طاهر، الفرق بین الفرق و بیان الفرقة الناجیة، ۱مجلد، ص۱۹۰</ref>.ولا يضر بالإيمان، وبالتالي فإن "الرجاء" يعني أيضًا الأمل. ويقولون إن مرتكب الكبيرة لا يخلد في النار، بل أمره موكول إلى الله <ref>الشهرستانی، عبدالکریم، الملل والنحل،  ج۱، ص۱۶۲</ref>.


==نشأة فكر المرجئة==
==نشأة فكر المرجئة==
كل فكر أو عقيدة تنبني على مجموعة من الأسئلة الأساسية. أهم سؤال طرحه فكر الإرجاء هو: هل مرتكب الكبيرة يخلد في النار أم لا؟ ومن خلال هذا السؤال، حددوا مفهوم الإيمان وعرفوا المؤمن. [١٠]
كل فكر أو عقيدة تنبني على مجموعة من الأسئلة الأساسية. أهم سؤال طرحه فكر الإرجاء هو: هل مرتكب الكبيرة يخلد في النار أم لا؟ ومن خلال هذا السؤال، حددوا مفهوم الإيمان وعرفوا المؤمن <ref>المجلسی، محمدباقر، بحار الانوار، ج۶۵، ص۲۹۷</ref>.
 
== أنصار المرجئة==
تختلف دوافع المؤيدين والمنتسبين لأي مذهب أو عقيدة، لكن التعرف على هؤلاء الأفراد يكشف لنا الوجه الحقيقي لهذه الأفكار. نذكر بعضًا من أنصار فكر المرجئة:
* أبو حنيفة
* أبو يوسف
*  بشر المريسي
*  طلق بن حبيب
*  عمرو بن مرة
*  محارب بن زياد
*  مقاتل بن سليمان
*  قديد بن جعفر
*  عمرو بن ذر
*  حماد بن أبي سليمان
*  غيلان بن مروان
*  عامة حكام وعمال بني أمية الظالمين
يُذكر أن عقائد المرجئة انتشرت في عدة فرق، ولهذا نجد هذا الفكر لدى الخوارج والمعتزلة أيضًا، <ref>البغدادی، عبدالقاهر بن طاهر بن محمد، الفرق بین الفرق  ص۱۹۰</ref>.
لكن المرجئة الخالصة تنقسم إلى ست فرق
 
==فرق المرجئة الخالصة==
ساهم أفراد مختلفون في نشر هذا الفكر، لذا نُسبت فرق المرجئة إلى زعمائها، مثل:
* اليونسية: أتباع يونس بن عون النميري
* العبيدية: أتباع عبيد المكْتئب
* الغسانية: أتباع غسان الكوفي
* الثوبانية: أتباع أبي ثوبان الكوفي
* التومنية: أتباع أبي معاذ التومني
* الصالحية: أتباع صالح بن عمرو الصالحي
 
==عقائد المرجئة==
تُدرس عقائد المرجئة من جانبين: مسألة الإيمان، ومسألة الحكم والخلافة.
 
===مسألة الإيمان===
كانوا يعتقدون أن الإيمان هو القول باللسان (الإقرار اللفظي)، وأن القول اللفظي مقدم على العمل، وأن من لا يكون له عمل ولكن له إيمان سينجو <ref>المجلسی، محمدباقر، بحار الانوار، ج۲۷، ص۷۰</ref>.
هذا هو نفس الاعتقاد الذي لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه <ref>الشهرستانی، عبدالکریم، الملل والنحل، ج۱، ص۱۶۲</ref>.
ومن بين معتقداتهم أن من لديه إيمان (إقرار لفظي) ويرتكب كبائر مثل قتل الأقارب، أو الزنا، أو السرقة، أو قتل النفس المحترمة، أو حرق القرآن والكعبة، فإن ذلك لا يضر بإيمانه، وإيمانه مثل إيمان جبريل وميكائيل <ref>المجلسی، محمدباقر، بحار الانوار، ج۲۳، ص۱۸</ref>.فالمرجئة قوم اكتفوا بالإيمان ولم يجعلوا للأعمال دخلاً فيه. لا يرون تفاوتاً في مراتب الإيمان، ولا يرون أن المعصية تضر مع وجود الإيمان، كما أن الطاعة لا تنفع مع وجود الكفر <ref>المجلسی، محمدباقر، بحار الانوار،  ج۲۷، ص۷۰</ref>.
 
===استدلال مردود===
كانت المرجئة تؤجل حكم مرتكبي الكبائر إلى الله، ولا ترى أنهم خالدون في النار. واحتجوا على ذلك بالآية ١٠٧ من سورة التوبة:"وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" <ref>توبه/سوره۹، آیه۱۰۷</ref>.للرد على هذا الاستدلال، يجب النظر إلى أدلة أخرى غفلت عنها المرجئة، مثل سبب نزول الآية وأدلة التوبة. لأن التوبة من جميع الكبائر لا تكون على وجه واحد. ومن التفاسير يتضح أن الآية تتعلق بمشركين ارتكبوا كبائر لا تُجبر مثل قتل حمزة سيد الشهداء وجعفر الطيار، ثم أسلموا ولكن بدون إيمان. هؤلاء لا يعلمون هل غُفر لهم أم لا؟  <ref>الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج۲، ص۴۰۷</ref>.
وبالتالي، لا علاقة لهذه الآية بعقيدة المرجئة، ولا يمكن أن تكون دليلاً عليها.
 
===الحكم والخلافة===
هذه الفرقة - مع بعض الفرق المنحرفة - تعتقد أن أبا بكر وعمر (غاصبي الخلافة) والظالمين لولاية أهل البيت، ليسوا فقط غير ظالمين وآثمين، بل كان أداؤهم صحيحاً وهم من أهل الجنة. وتؤمن هذه الفرقة بخلافة هؤلاء الغاصبين والظالمين <ref>المفید، محمد بن نعمان، اوائل المقالات، ص۴۱</ref>.كما كانت تؤيد الحكومات الجائرة الأموية.
 
===رد الإمام الصادق على رأي المرجئة===
عرض أحدهم على الإمام (عليه السلام) أن المرجئة يحتجون عليهم بقولهم: "كما أن كل كافر عندنا فهو كافر عند الله، فكل مؤمن عندنا فهو مؤمن عند الله".
فقال الإمام (عليه السلام): "سبحان الله! كيف يستويان؟! فالكفر إقرار العبد على نفسه، ولا يحتاج إلى بينة، أما الإيمان فهو ادعاء يحتاج إلى شاهد، وهو الاعتقاد والعمل. فإذا توافقت هذه الأمور ثبت ادعاؤه وترتبت عليه الأحكام الظاهرية. ولكن قد يكون من يظهر الإيمان غير مؤمن عند الله"  <ref>الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج۲، ص۳۹-۴۰</ref>.
 
==أخطأء المرجئة==
يمكن بحث الإيمان من جانبين:
الأول: من حيث الآثار الدنيوية، حيث يكفي الإقرار بالشهادتين.
الثاني: من حيث الآثار الأخروية والسعادة والنجاة، حيث لا يكفي الاعتقاد القلبي والإقرار اللفظي، بل لا بد من العمل الصالح، ولهذا اقترن الإيمان بالعمل الصالح في القرآن، لكن المرجئة جعلت الآثار الأخروية للإيمان كالآثار الدنيوية، ولم تفرق بينهما، ولم تفرق بين الإسلام والإيمان <ref>الشیخ مفید، محمد بن نعمان، اوائل المقالات، ، ص۴۶</ref>.
 
==أضرار المرجئة==
أهم أضرار نظرية المرجئة تظهر في الجانبين السياسي والأخلاقي.
 
===الجانب الأخلاقي===
نظرية الإرجاء خطر عظيم على الأخلاق الفردية والاجتماعية، وهي من عوامل انتشار الفساد والانحلال، لأنها ترى أن الكبائر لا تضر بالإيمان، ولا يمكن الحكم على مرتكب الكبيرة بأنه من أهل الجنة أو النار <ref>الشهرستانی، عبدالکریم، الملل والنحل، ص۱۶۲.</ref>.
 
===الجانب السياسي===
كانت عقائد المرجئة ملاذاً للأمويين الذين لم يتحرجوا من الظلم والعدوان والكبائر سراً وعلناً. لأن عقيدة المرجئة أدت إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحجة أن الإمام أو الخليفة إذا ارتكب كبيرة لا يخرج من الإيمان ويجب طاعته. فأصبح الفكر المرجئي أداة بيد الحكام المستبدين. ولهذا لم يعارض أي من الحكام الأمويين المرجئة، بل دعم هذا الفكر.
 
===موقف مكتب الوحي من المرجئة===
قام أهل البيت (عليهم السلام) بمحاربة هذه الفرقة علمياً، وكشفوا حقيقتها، طلب الإمام الصادق (عليه السلام) من الشيعة أن يحفظوا أولادهم من خطر المرجئة بتعليمهم معارف أهل البيت: حيث قال:"علموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة بضلالها" <ref>العاملی، محمد بن حسن، وسائل الشیعة، ج۲۱، ص۴۷۸</ref>. وقال الإمام الصادق (عليه السلام): لعن الله المرجئة، كانوا أعداء لنا في الدنيا والآخرة" <ref>الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی،  ج۸، ص۲۷۶.</ref>. وفي موقف آخر، لعن المرجئة مرتين، فسأله بعض الأصحاب عن السبب، فقال: "المرجئة تعتبرون قاتلينا مؤمنين، فدماؤنا ملطخة بثياب المرجئة إلى يوم القيامة" <ref>الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج۲، ص۴۰۹.</ref>.


٤ - أنصار المرجئة
==التقسيم السياسي والكلامي للإرجاء==
[تعديل]
من خلال التأمل في العوامل والأسباب التي أدت إلى ظهور مذهب الإرجاء في الإسلام، وتحليل آراء وعقائد المرجئة، يمكن تقسيم الإرجاء إلى قسمين: سياسي وكلامي، أو اعتبار أن له بعدين سياسي وكلامي، حيث كان هناك دائماً نوع من الاتصال والترابط بينهما من الناحية التاريخية.


تختلف دوافع المؤيدين والمنتسبين لأي مذهب أو عقيدة، لكن التعرف على هؤلاء الأفراد يكشف لنا الوجه الحقيقي لهذه الأفكار. نذكر بعضًا من أنصار فكر المرجئة: [١١] [١٢]
===البعد السياسي للإرجاء===
كان مذهب المرجئة في البداية، مثل الشيعة والخوارج، ذا طابع سياسي، لكن مع فارق أن رأي الشيعة فيما يتعلق بالحكومة والأمانة كان يقوم على حكومة النخب الدينية والإلهية، أو ما يُعرف بـ "الثيوقراطية" (theocracy)، حيث اعتبروا الإمامة والخلافة منصبا إلهيا مثل النبوة والرسالة، وكانوا يعتقدون أن الإمام يجب أن يُعيَّن من قِبَل الله ويُعرَّف للناس عن طريق الرسول، وعلى الناس أن يطيعوا الإمام المعصوم دون مناقشة. أما الخوارج، فعلى العكس، كانوا يرون أن الحكم والإمامة منصب شعبي، ويقولون إن واجب الجماهير وعامة الناس هو اختيار الإمام دون النظر إلى النسب أو العرق أو القبيلة، وطاعة الإمام واجبة فقط ما لم ينحرف عن الطريق، وبالتالي، كان رأيهم -بتعبير اليوم- ديمقراطياً (democracy)، أو حكومة الجماهير والعوام.
وكانت كل من الفرقتين ثابتتين في عقيدتهما، ودائماً ما كانتا في صراع مع مخالفيهما الفكريين والعقائديين. مع ذلك، كانت الشيعة معتدلة، بينما كان الخوارج متشددين ومتعصبين للغاية، أما فرقة المرجئة، التي توافقت إلى حد ما مع الخوارج في مسألة تعيين الإمام والخليفة -أي أنها اعتبرت الخلافة منصباً شعبياً- إلا أنها كانت معتدلة جداً، ولم تكن متشددة أبداً في ما يتعلق بأفعال الخلفاء والرعايا، بل كانت تروج لمذهب التسامح والتساهل.
كانت سياستهم في الواقع سياسة العفو والتغاضي والصفح. أراد المرجئة الأوائل، أو المرجئة السياسيون، في تلك الأيام التي كانت فيها الحروب والاضطرابات الداخلية تهدد وحدة المجتمع الإسلامي، أن يحققوا السلام والمصالحة بين الجماهير بأي طريقة ممكنة، دون الالتفات إلى الحق والحقيقة، وجمع جميع المسلمين -أي الموحدين وأهل القبلة- تحت لواء التوحيد القلبي أو اللفظي، ومنعوا التفرق والانقسام بين الفرق والقبائل.


١. أبو حنيفة
===بداية ظهور الإرجاء السياسي===
٢. أبو يوسف
وُضعت أساسات الإرجاء السياسي، مثل الاعتزال السياسي، في عصر الصحابة الأواخر في آخر خلافة عثمان في المدينة. فقد اعتزل بعض الصحابة مثل أبي بكرة، وعبد الله بن عمر (توفي ٧٣ هـ)، وعمران بن حصين، النزاع الذي حدث بين المسلمين في آخر عهد عثمان، ولم ينحازوا إلى أي طرف. واحتجوا بحديث رواه أبو بكرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا اللفظ: "سَتَكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيْهَا. أَلَا فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ" فقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا أَرْضٌ؟ قَالَ: "يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ، ثُمَّ لِيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاةَ". <ref>النیشابوری، مسلم بن حجاج، صحیح مسلم، مج ۱۷، ج۲۲، ص۲۲۱۲</ref>.كما يلاحظ، يدل الحديث على أن الإنسان في زمن الفتن والاضطرابات يجب أن يبتعد قدر المستطاع، ويشغل نفسه بأموره الخاصة. والمقصود من العبارة الأخيرة ("يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ...") هو أن يكسر سيفه ليغلق على نفسه باب القتال. لكن هذا المنطق لا يتوافق مع روح الإسلام الذي يدعو إلى العدالة والدفاع عن الحق.
٣. بشر المريسي
٤. طلق بن حبيب
٥. عمرو بن مرة
٦. محارب بن زياد
٧. مقاتل بن سليمان
٨. قديد بن جعفر
٩. عمرو بن ذر
١٠. حماد بن أبي سليمان
١١. غيلان بن مروان
١٢. عامة حكام وعمال بني أمية الظالمين


يُذكر أن عقائد المرجئة انتشرت في عدة فرق، ولهذا نجد هذا الفكر لدى الخوارج والمعتزلة أيضًا، [١٣]
وقد ذكر النووي في شرحه على صحيح مسلم:"أجمع معظم الصحابة والتابعون وعلماء الإسلام على أنه في زمن الفتن والاضطرابات يجب نصر الحق ومقاتلة الظالمين، كما قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} <ref>الحجرات: ٩."</ref>.
لكن المرجئة الخالصة تنقسم إلى ست فرق
لكن مع ذلك، كما ذُكر، خالف بعض الصحابة مثل أبي بكرة وآخرين، ولم يجيزوا الدخول في الفتن التي حدثت بين المسلمين، بل رفضوا حتى الدفاع عن النفس. بينما قال عبد الله بن عمر وعمران بن حصين وآخرون: لا يجوز الدخول في الفتن إلا إذا تعرضت حياة الإنسان للخطر، فحينها يكون الدفاع عن النفس واجباً <ref>النیشابوری، مسلم بن حجاج، صحیح مسلم، مج ۱۷، ج۸، ص۱۰</ref>.
وقد ذكر النوبختي (محمد بن الحسن، من أعلام القرن الثالث) والأشعري القمي (سعد بن عبد الله، توفي ٢٩٩/٣٠١ هـ) من أصحاب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أن بعض الصحابة مثل سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة الأنصاري وأسامة بن زيد اعتزلوا ولم يشاركوا في القتال مع أو ضد أمير المؤمنين علي (عليه السلام)<ref>نوبختی، حسن بن موسی، فرق‌الشیعه، ص۵</ref>.

مراجعة ٢٢:٥٩، ٢٨ أبريل ٢٠٢٥


المرجئة، هذه الفرقة هي إحدى الفرق المنحرفة في الإسلام، فالمرجئة قوم اكتفوا بالإيمان ولم يجعلوا للأعمال دخلاً فيه، لا يرون تفاوتاً في مراتب الإيمان، ولا يرون أن المعصية تضر مع وجود الإيمان، كما أن الطاعة لا تنفع مع وجود الكفر، فكانوا يعتقدون أن الإيمان هو القول باللسان (الإقرار اللفظي)، وأن القول اللفظي مقدم على العمل، وأن من لا يكون له عمل ولكن له إيمان سينجو، هذا هو نفس الاعتقاد الذي لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه ومن بين معتقداتهم أن من لديه إيمان (إقرار لفظي) ويرتكب كبائر مثل قتل الأقارب، أو الزنا، أو السرقة، أو قتل النفس المحترمة، أو حرق القرآن والكعبة، فإن ذلك لا يضر بإيمانه، وإيمانه مثل إيمان جبريل وميكائيلوقد قسم الشهرستاني المرجئة إلى أربع فرق رئيسية: مرجئة الخوارج، مرجئة القدرية، مرجئة الجبرية، ومرجئة الخالصة.

معنى الإرجاء

الرجاء في اللغة ورد بمعنيين:

  • الأمل والترجي: "رَجَا، يَرْجُو، رَجَاءً وَرَجْوًا"، ضد اليأس، وبالتالي فإن الهمزة الأخيرة منقلبة عن حرف علة.
  • التأخير والإرجاء: "أَرْجَأَ الأَمْرَ" أي أَخَّرَهُ. وفي القرآن الكريم: "أَرْجِهْ وَأَخَاهُ" (أي أَخِّرْهُ وَأَخَاهُ)[١]. وهنا الهمزة أصلية. "مُرْجِئ" و"مُرَجِّي" هما اسم فاعل من "إرجاء"، بمعنى "مُؤَمِّل" أو "مُؤَخِّر". ويُقرآن في المقام الأول: "مُرْجِئِي" و"مُرَجِّي".

المرجئة: اسم إحدى أقدم الفرق الإسلامية. ربما اشتُقَّ اسم هذه الفرقة من "الإرجاء" بالمعنى الأول (الترجي) أو الثاني (التأخير)، حيث يناسب كلا المعنيين مذهبهم [٢]. كما سيتضح في البحث اللاحق، فإنهم كانوا إما يُؤَمِّلون العفو الإلهي للمذنبين بشرط إيمانهم (بالمعنى الخاص الذي يعتقدونه)، أو يُؤَخِّرون الحكم عليهم إلى يوم القيامة. وقيل أيضًا إنهم سُمُّوا بذلك لأنهم في مسألة الخلافة أخَّروا عليًّا (عليه السلام) من المرتبة الأولى إلى الرابعة [٣].

أصل تسمية المرجئة

يبدو أن الاسم مأخوذ من الآية الكريمة: "وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"[٤].قرأ أهل المدينة والكوفة "مُرْجَوْنَ" (بدون همز)، بينما قرأ الآخرون "مُرْجَؤُونَ" (بهمز). وقد نزلت هذه الآية -حسب قول مجاهد وقتادة- في هلال بن أمية الواقفي، ومُرَارة بن ربيع، وكعب بن مالك (الأنصاري السلمي، ت. ٥٠ هـ)، الذين تخلَّفوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك دون عذر، بل بسبب التهاون والكسل. فلما عاد النبي إلى المدينة، جاءوا معتذرين نادمين، فتعامل معهم بشدة، ومنع الصحابة من مخاطبتهم، وأمر زوجاتهم بمقاطعتهم. استمر هذا الحال خمسين يومًا حتى قُبِلَت توبتهم. يبدو أن احتجاج المرجئة بالقرآن على صحة عقيدتهم كان هذه الآية، لأنها تدل على أننا في الدنيا لا ينبغي أن نحكم قطعًا على بعض العصاة بأنهم من أهل الجنة أو النار، فقد يعذبهم الله أو يعفو عنهم. لكن يجب الانتباه إلى أن سبب نزول الآية لا ينطبق على محل النزاع بين المرجئة وخصومهم، لأن الآية نزلت فيمن تابوا وندموا، بينما خلاف المرجئة مع المعتزلة والخوارج كان حول العصاة الذين لم يتوبوا، سواء أكانت معصيتهم بتهاون أم عمدًا [٥].ونزلت الآية "وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" [٦].إذن، هذه الآية لا يمكن أن تكون حجة للمرجئة، لأنها تتحدث عن تائبين، بينما نزاعهم كان حول غير التائبين. ومع ذلك، قد تستدل الآية على أن قبول التوبة ليس واجبًا على الله، بل هو تفضل منه.

ضرورة البحث عن هذه الفرقة

الظلم والعدل من المفاهيم الفطرية التي تُدرك خارج إطار الدين فكل إنسان يستطيع بعقله أن يدرك هذه المفاهيم ويستوعب قبح الظلم وذم الظالم، لكن نشر الشبهات إلى حد تشويه الفكر السليم يمكن أن يؤدي إلى تبرير الأفعال القبيحة، وتحويل الشبهة إلى فكر ديني يُعد من أخطر الآفات التي قد تقضي على الإدراكات العقلية، وظهرت المرجئة كأكثر الفكر المناهض للعقل تأصيلًا في أحضان أهل السنة، وهي فكرة تهدف إلى تبرير أفعال الظالمين.

وجه التسمية

كلمة "المرجئة" مشتقة من "الإرجاء"، بمعنى التأخير [٧].وقيل: الإرجاء بمعنى التأخير يشير إلى تأخير مرتبة الإمام علي (عليه السلام) من الأولى إلى الرابعة بين الخلفاء. وقد يُطلق مصطلح "المرجئة" على جميع أهل السنة عمومًا، [٨].كما يُطلق خصوصًا على هذه الفرقة[٩]. فالمرجئة هي أحد المذاهب الكلامية لأهل السنة نشأ هذا الفكر في العهد الأموي، لكنه ظهر كمدرسة كلامية في أواخر القرن الأول، اشتُق المصطلح من عقيدتهم القائلة بأن العمل يُؤخَّر عن النية والإيمان،[١٠].ولا يضر بالإيمان، وبالتالي فإن "الرجاء" يعني أيضًا الأمل. ويقولون إن مرتكب الكبيرة لا يخلد في النار، بل أمره موكول إلى الله [١١].

نشأة فكر المرجئة

كل فكر أو عقيدة تنبني على مجموعة من الأسئلة الأساسية. أهم سؤال طرحه فكر الإرجاء هو: هل مرتكب الكبيرة يخلد في النار أم لا؟ ومن خلال هذا السؤال، حددوا مفهوم الإيمان وعرفوا المؤمن [١٢].

أنصار المرجئة

تختلف دوافع المؤيدين والمنتسبين لأي مذهب أو عقيدة، لكن التعرف على هؤلاء الأفراد يكشف لنا الوجه الحقيقي لهذه الأفكار. نذكر بعضًا من أنصار فكر المرجئة:

* أبو حنيفة
* أبو يوسف
*  بشر المريسي
*  طلق بن حبيب
*  عمرو بن مرة
*  محارب بن زياد
*  مقاتل بن سليمان
*  قديد بن جعفر
*  عمرو بن ذر
*  حماد بن أبي سليمان
*  غيلان بن مروان
*  عامة حكام وعمال بني أمية الظالمين

يُذكر أن عقائد المرجئة انتشرت في عدة فرق، ولهذا نجد هذا الفكر لدى الخوارج والمعتزلة أيضًا، [١٣]. لكن المرجئة الخالصة تنقسم إلى ست فرق

فرق المرجئة الخالصة

ساهم أفراد مختلفون في نشر هذا الفكر، لذا نُسبت فرق المرجئة إلى زعمائها، مثل:

  • اليونسية: أتباع يونس بن عون النميري
  • العبيدية: أتباع عبيد المكْتئب
  • الغسانية: أتباع غسان الكوفي
  • الثوبانية: أتباع أبي ثوبان الكوفي
  • التومنية: أتباع أبي معاذ التومني
  • الصالحية: أتباع صالح بن عمرو الصالحي

عقائد المرجئة

تُدرس عقائد المرجئة من جانبين: مسألة الإيمان، ومسألة الحكم والخلافة.

مسألة الإيمان

كانوا يعتقدون أن الإيمان هو القول باللسان (الإقرار اللفظي)، وأن القول اللفظي مقدم على العمل، وأن من لا يكون له عمل ولكن له إيمان سينجو [١٤]. هذا هو نفس الاعتقاد الذي لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه [١٥]. ومن بين معتقداتهم أن من لديه إيمان (إقرار لفظي) ويرتكب كبائر مثل قتل الأقارب، أو الزنا، أو السرقة، أو قتل النفس المحترمة، أو حرق القرآن والكعبة، فإن ذلك لا يضر بإيمانه، وإيمانه مثل إيمان جبريل وميكائيل [١٦].فالمرجئة قوم اكتفوا بالإيمان ولم يجعلوا للأعمال دخلاً فيه. لا يرون تفاوتاً في مراتب الإيمان، ولا يرون أن المعصية تضر مع وجود الإيمان، كما أن الطاعة لا تنفع مع وجود الكفر [١٧].

استدلال مردود

كانت المرجئة تؤجل حكم مرتكبي الكبائر إلى الله، ولا ترى أنهم خالدون في النار. واحتجوا على ذلك بالآية ١٠٧ من سورة التوبة:"وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" [١٨].للرد على هذا الاستدلال، يجب النظر إلى أدلة أخرى غفلت عنها المرجئة، مثل سبب نزول الآية وأدلة التوبة. لأن التوبة من جميع الكبائر لا تكون على وجه واحد. ومن التفاسير يتضح أن الآية تتعلق بمشركين ارتكبوا كبائر لا تُجبر مثل قتل حمزة سيد الشهداء وجعفر الطيار، ثم أسلموا ولكن بدون إيمان. هؤلاء لا يعلمون هل غُفر لهم أم لا؟ [١٩]. وبالتالي، لا علاقة لهذه الآية بعقيدة المرجئة، ولا يمكن أن تكون دليلاً عليها.

الحكم والخلافة

هذه الفرقة - مع بعض الفرق المنحرفة - تعتقد أن أبا بكر وعمر (غاصبي الخلافة) والظالمين لولاية أهل البيت، ليسوا فقط غير ظالمين وآثمين، بل كان أداؤهم صحيحاً وهم من أهل الجنة. وتؤمن هذه الفرقة بخلافة هؤلاء الغاصبين والظالمين [٢٠].كما كانت تؤيد الحكومات الجائرة الأموية.

رد الإمام الصادق على رأي المرجئة

عرض أحدهم على الإمام (عليه السلام) أن المرجئة يحتجون عليهم بقولهم: "كما أن كل كافر عندنا فهو كافر عند الله، فكل مؤمن عندنا فهو مؤمن عند الله". فقال الإمام (عليه السلام): "سبحان الله! كيف يستويان؟! فالكفر إقرار العبد على نفسه، ولا يحتاج إلى بينة، أما الإيمان فهو ادعاء يحتاج إلى شاهد، وهو الاعتقاد والعمل. فإذا توافقت هذه الأمور ثبت ادعاؤه وترتبت عليه الأحكام الظاهرية. ولكن قد يكون من يظهر الإيمان غير مؤمن عند الله" [٢١].

أخطأء المرجئة

يمكن بحث الإيمان من جانبين: الأول: من حيث الآثار الدنيوية، حيث يكفي الإقرار بالشهادتين. الثاني: من حيث الآثار الأخروية والسعادة والنجاة، حيث لا يكفي الاعتقاد القلبي والإقرار اللفظي، بل لا بد من العمل الصالح، ولهذا اقترن الإيمان بالعمل الصالح في القرآن، لكن المرجئة جعلت الآثار الأخروية للإيمان كالآثار الدنيوية، ولم تفرق بينهما، ولم تفرق بين الإسلام والإيمان [٢٢].

أضرار المرجئة

أهم أضرار نظرية المرجئة تظهر في الجانبين السياسي والأخلاقي.

الجانب الأخلاقي

نظرية الإرجاء خطر عظيم على الأخلاق الفردية والاجتماعية، وهي من عوامل انتشار الفساد والانحلال، لأنها ترى أن الكبائر لا تضر بالإيمان، ولا يمكن الحكم على مرتكب الكبيرة بأنه من أهل الجنة أو النار [٢٣].

الجانب السياسي

كانت عقائد المرجئة ملاذاً للأمويين الذين لم يتحرجوا من الظلم والعدوان والكبائر سراً وعلناً. لأن عقيدة المرجئة أدت إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحجة أن الإمام أو الخليفة إذا ارتكب كبيرة لا يخرج من الإيمان ويجب طاعته. فأصبح الفكر المرجئي أداة بيد الحكام المستبدين. ولهذا لم يعارض أي من الحكام الأمويين المرجئة، بل دعم هذا الفكر.

موقف مكتب الوحي من المرجئة

قام أهل البيت (عليهم السلام) بمحاربة هذه الفرقة علمياً، وكشفوا حقيقتها، طلب الإمام الصادق (عليه السلام) من الشيعة أن يحفظوا أولادهم من خطر المرجئة بتعليمهم معارف أهل البيت: حيث قال:"علموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة بضلالها" [٢٤]. وقال الإمام الصادق (عليه السلام): لعن الله المرجئة، كانوا أعداء لنا في الدنيا والآخرة" [٢٥]. وفي موقف آخر، لعن المرجئة مرتين، فسأله بعض الأصحاب عن السبب، فقال: "المرجئة تعتبرون قاتلينا مؤمنين، فدماؤنا ملطخة بثياب المرجئة إلى يوم القيامة" [٢٦].

التقسيم السياسي والكلامي للإرجاء

من خلال التأمل في العوامل والأسباب التي أدت إلى ظهور مذهب الإرجاء في الإسلام، وتحليل آراء وعقائد المرجئة، يمكن تقسيم الإرجاء إلى قسمين: سياسي وكلامي، أو اعتبار أن له بعدين سياسي وكلامي، حيث كان هناك دائماً نوع من الاتصال والترابط بينهما من الناحية التاريخية.

البعد السياسي للإرجاء

كان مذهب المرجئة في البداية، مثل الشيعة والخوارج، ذا طابع سياسي، لكن مع فارق أن رأي الشيعة فيما يتعلق بالحكومة والأمانة كان يقوم على حكومة النخب الدينية والإلهية، أو ما يُعرف بـ "الثيوقراطية" (theocracy)، حيث اعتبروا الإمامة والخلافة منصبا إلهيا مثل النبوة والرسالة، وكانوا يعتقدون أن الإمام يجب أن يُعيَّن من قِبَل الله ويُعرَّف للناس عن طريق الرسول، وعلى الناس أن يطيعوا الإمام المعصوم دون مناقشة. أما الخوارج، فعلى العكس، كانوا يرون أن الحكم والإمامة منصب شعبي، ويقولون إن واجب الجماهير وعامة الناس هو اختيار الإمام دون النظر إلى النسب أو العرق أو القبيلة، وطاعة الإمام واجبة فقط ما لم ينحرف عن الطريق، وبالتالي، كان رأيهم -بتعبير اليوم- ديمقراطياً (democracy)، أو حكومة الجماهير والعوام. وكانت كل من الفرقتين ثابتتين في عقيدتهما، ودائماً ما كانتا في صراع مع مخالفيهما الفكريين والعقائديين. مع ذلك، كانت الشيعة معتدلة، بينما كان الخوارج متشددين ومتعصبين للغاية، أما فرقة المرجئة، التي توافقت إلى حد ما مع الخوارج في مسألة تعيين الإمام والخليفة -أي أنها اعتبرت الخلافة منصباً شعبياً- إلا أنها كانت معتدلة جداً، ولم تكن متشددة أبداً في ما يتعلق بأفعال الخلفاء والرعايا، بل كانت تروج لمذهب التسامح والتساهل. كانت سياستهم في الواقع سياسة العفو والتغاضي والصفح. أراد المرجئة الأوائل، أو المرجئة السياسيون، في تلك الأيام التي كانت فيها الحروب والاضطرابات الداخلية تهدد وحدة المجتمع الإسلامي، أن يحققوا السلام والمصالحة بين الجماهير بأي طريقة ممكنة، دون الالتفات إلى الحق والحقيقة، وجمع جميع المسلمين -أي الموحدين وأهل القبلة- تحت لواء التوحيد القلبي أو اللفظي، ومنعوا التفرق والانقسام بين الفرق والقبائل.

بداية ظهور الإرجاء السياسي

وُضعت أساسات الإرجاء السياسي، مثل الاعتزال السياسي، في عصر الصحابة الأواخر في آخر خلافة عثمان في المدينة. فقد اعتزل بعض الصحابة مثل أبي بكرة، وعبد الله بن عمر (توفي ٧٣ هـ)، وعمران بن حصين، النزاع الذي حدث بين المسلمين في آخر عهد عثمان، ولم ينحازوا إلى أي طرف. واحتجوا بحديث رواه أبو بكرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا اللفظ: "سَتَكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيْهَا. أَلَا فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ" فقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا أَرْضٌ؟ قَالَ: "يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ، ثُمَّ لِيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاةَ". [٢٧].كما يلاحظ، يدل الحديث على أن الإنسان في زمن الفتن والاضطرابات يجب أن يبتعد قدر المستطاع، ويشغل نفسه بأموره الخاصة. والمقصود من العبارة الأخيرة ("يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ...") هو أن يكسر سيفه ليغلق على نفسه باب القتال. لكن هذا المنطق لا يتوافق مع روح الإسلام الذي يدعو إلى العدالة والدفاع عن الحق.

وقد ذكر النووي في شرحه على صحيح مسلم:"أجمع معظم الصحابة والتابعون وعلماء الإسلام على أنه في زمن الفتن والاضطرابات يجب نصر الحق ومقاتلة الظالمين، كما قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [٢٨]. لكن مع ذلك، كما ذُكر، خالف بعض الصحابة مثل أبي بكرة وآخرين، ولم يجيزوا الدخول في الفتن التي حدثت بين المسلمين، بل رفضوا حتى الدفاع عن النفس. بينما قال عبد الله بن عمر وعمران بن حصين وآخرون: لا يجوز الدخول في الفتن إلا إذا تعرضت حياة الإنسان للخطر، فحينها يكون الدفاع عن النفس واجباً [٢٩]. وقد ذكر النوبختي (محمد بن الحسن، من أعلام القرن الثالث) والأشعري القمي (سعد بن عبد الله، توفي ٢٩٩/٣٠١ هـ) من أصحاب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أن بعض الصحابة مثل سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة الأنصاري وأسامة بن زيد اعتزلوا ولم يشاركوا في القتال مع أو ضد أمير المؤمنين علي (عليه السلام)[٣٠].

  1. اعراف/سوره۷، آیه۱۱۱ شعراء/سوره۲۶، آیه۳۶
  2. الصفی پوری، عبدالرحیم بن عبد الکریم، منتهی الارب، ج۱-۲، ص۴۳۲
  3. الشهرستانی، عبدالکریم، ملل و نحل، ج۱، ص۱۳۹
  4. التوبة: ١٠٦
  5. الطبرسی، فضل بن حسن، مجمع البیان، ج۵، ص۶۹
  6. التوبة: ١١٨
  7. الشهرستانی، عبدالکریم، الملل والنحل، ج۱، ص۱۶۱
  8. المجلسی، محمدباقر، بحار الانوار، ج۲۳، ص۱۸
  9. المجلسی، محمدباقر، بحار الانوار، ج۲۳، ص۱۸
  10. بغدادی، عبدالقاهر بن طاهر، الفرق بین الفرق و بیان الفرقة الناجیة، ۱مجلد، ص۱۹۰
  11. الشهرستانی، عبدالکریم، الملل والنحل، ج۱، ص۱۶۲
  12. المجلسی، محمدباقر، بحار الانوار، ج۶۵، ص۲۹۷
  13. البغدادی، عبدالقاهر بن طاهر بن محمد، الفرق بین الفرق ص۱۹۰
  14. المجلسی، محمدباقر، بحار الانوار، ج۲۷، ص۷۰
  15. الشهرستانی، عبدالکریم، الملل والنحل، ج۱، ص۱۶۲
  16. المجلسی، محمدباقر، بحار الانوار، ج۲۳، ص۱۸
  17. المجلسی، محمدباقر، بحار الانوار، ج۲۷، ص۷۰
  18. توبه/سوره۹، آیه۱۰۷
  19. الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج۲، ص۴۰۷
  20. المفید، محمد بن نعمان، اوائل المقالات، ص۴۱
  21. الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج۲، ص۳۹-۴۰
  22. الشیخ مفید، محمد بن نعمان، اوائل المقالات، ، ص۴۶
  23. الشهرستانی، عبدالکریم، الملل والنحل، ص۱۶۲.
  24. العاملی، محمد بن حسن، وسائل الشیعة، ج۲۱، ص۴۷۸
  25. الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج۸، ص۲۷۶.
  26. الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج۲، ص۴۰۹.
  27. النیشابوری، مسلم بن حجاج، صحیح مسلم، مج ۱۷، ج۲۲، ص۲۲۱۲
  28. الحجرات: ٩."
  29. النیشابوری، مسلم بن حجاج، صحیح مسلم، مج ۱۷، ج۸، ص۱۰
  30. نوبختی، حسن بن موسی، فرق‌الشیعه، ص۵