الفرق بين المراجعتين لصفحة: «ضرورة التقريب»
(ضرورة_التقريب ایجاد شد) |
لا ملخص تعديل |
||
سطر ١: | سطر ١: | ||
'''ضرورة التقريب''' الحاجة الماسّة إلى [[التقريب]] والداعية إليه. ويمكن إجمال أهمّية وأسباب ضرورة نجاح الجهود التقريبية فيما يلي :<br><br> | |||
1 - إنّ الأُمّة الإسلامية قد وصلت إلى حاله مؤلمة من الضعف والهوان بسبب التمزّق والاختلاف الذي يؤدّي إلى الشقاق والنزاع الذي نهىٰ عنه الإسلام وحذّر منه، وتحتاج إلى التجمّع والتوحّد تحت راية الإسلام.<br><br> | |||
2 - إنّ [[التقريب بين المذاهب الإسلامية|التقريب بين المذاهب]] والابتعاد عن التصّب المذهبي يرجع في الأساس إلى أنّ هذه المذاهب ليست من أصل الدين ولم توجد ليعتنقها الناس أو لكي كون ملزمة لهم، بل وجدت على أنّها آراء لأصحابها فيما عرض عليهم أو تعرّضوا له من المسائل والمبادئ، تتمثّل فيها أفكارهم وأنظارهم،<br> | |||
ويتبيّن منها حكمهم على الأشياء أو حكم اللّٰه في نظرهم. فاللّٰه سبحانه وتعالى لم يأمر المسلمين بالتمذهب بمذهب بعينه، بل أمرهم بطاعة اللّٰه وطاعة الرسول وأُولي الأمر بقوله تعالى : (يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اَللّٰهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنٰازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اَللّٰهِ وَ اَلرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (سورة النساء : 59).<br><br> | |||
3 - إنّ وجود المذاهب المتمايزة بأسمائها وأتباعها الذين ينتسبون لها ولا يرون الحقّ إلّا فيما ذهبت إليه ليس ضرورة حتمية لوجود الخلاف،<br> | |||
بدليل أنّ الخلاف موجود فعلاً في إطار المذهب الواحد دون أن ينقسم المذهب إلى مذاهب متعدّدة تنتسب إلى أصحاب هذا الخلاف. من ذلك مثلاً ما نراه في مذهب [[ الحنيفة|أبي حنيفة]]، حيث نرىٰ اختلافاً كثيراً بينه وبين أصحابه أبي يوسف ومحمّد وزفر واختلافاً بين بعضهم مع بعض في كثير من المسائل دون أن ينقسم هذا المذهب إلى مذهب لأبي حنيفة ومذهب لأبي يوسف ومذهب لمحمّد وهكذا.<br><br> | |||
4 - إنّه من المهمّ جدّاً لدراسة [[المذاهب الفقهية]] دراسة دقيقة عميقة محيطة بجميع نواحيها واتّجاهاتها وموازنة بعضها ببعض وترجيح بعضها على البعض أن نرجع هذه المذاهب إلى أُصولها ونتبيّن إن كان بينها اختلافاً في الأُصول والمبادئ أم ليس بينها اختلاف في الأُصول والمبادئ،<br>فلا يكون هناك محلّ للإبقاء على التعصّب والتنافر.<br><br> | |||
5 - إنّ بيان مواقع الاتّفاق ومحاولة [[التقريب بين المذاهب الإسلامية|التقريب بين المذاهب]] في الأصل تشترك في الأُصول والمبادئ والأدلّة التي تستقي منها الأحكام الشرعية، له أهمّيته العظمىٰ وأثره القوي في جواز التلفيق بين الآراء من المذاهب المختلفة والخروج منها برأي موحّد مؤلّف من رأيين أو أكثر أو عدم جواز ذلك<br> | |||
لأنّ أُصول الآراء إذا كانت مختلفة متعارضة لم يكن من المقبول التلفيق بينها بأخذ رأي في مسألة من المسائل يعتبر مزيجاً من جملة آراء تتعارض أُصولها بعضها مع بعض ؛ لأن كلّ أصل اعتمدت عليه في ناحية يستلزم بطلان ما أخذت به في الناحية الأُخرى ٰ من المسألة ؛ إذ لا يصحّ أن ترىٰ الشيء الواحد في وقت واحد صحيحاً باطلاً، فذلك لا يقبله عقل ولا يسوّغه نظر، أمّا عند اتّحاد الأصل فليس ثمّة ما يمنع من ذلك.<br><br> | |||
6 - إنّنا كأُمّة إسلامية واحدة نحتاج إلى تطبيق آداب الخلاف فيما بيننا مبتعدين عن منهج [[التكفير]] أو [[التسفيه]] الذي يعطي لأعداء الإسلام الذخيرة الحيّة التي يضربون بها مبادئ الإسلام التي تقوم على احترام الآخر وعلى الحجّة والبرهان وحسن الظنّ بالمخالف وتغليب جانب الأُخوّة في اللّٰه على كلّ اعتبار عملاً بمبدأ «الوقاية خير من العلاج».<br> | |||
ولنتذكّر أنّ الأُمم التي حلّقت عالياً في آفاق التقدّم هي الأُمم التي أقرّت التعدّدية واحترمت الخلاف وقبلت بالرأي الآخر في كلّ المجالات، وإذا كانت التعدّدية في إطار الوحدة أصلاً في بناء الأُمّة الإسلامية فنحن بحاجة ملحّة إلى العودة لهذا الأصل.<br> | |||
[[تصنيف: المفاهيم التقريبية]] |
المراجعة الحالية بتاريخ ١١:٥٧، ٢ فبراير ٢٠٢١
ضرورة التقريب الحاجة الماسّة إلى التقريب والداعية إليه. ويمكن إجمال أهمّية وأسباب ضرورة نجاح الجهود التقريبية فيما يلي :
1 - إنّ الأُمّة الإسلامية قد وصلت إلى حاله مؤلمة من الضعف والهوان بسبب التمزّق والاختلاف الذي يؤدّي إلى الشقاق والنزاع الذي نهىٰ عنه الإسلام وحذّر منه، وتحتاج إلى التجمّع والتوحّد تحت راية الإسلام.
2 - إنّ التقريب بين المذاهب والابتعاد عن التصّب المذهبي يرجع في الأساس إلى أنّ هذه المذاهب ليست من أصل الدين ولم توجد ليعتنقها الناس أو لكي كون ملزمة لهم، بل وجدت على أنّها آراء لأصحابها فيما عرض عليهم أو تعرّضوا له من المسائل والمبادئ، تتمثّل فيها أفكارهم وأنظارهم،
ويتبيّن منها حكمهم على الأشياء أو حكم اللّٰه في نظرهم. فاللّٰه سبحانه وتعالى لم يأمر المسلمين بالتمذهب بمذهب بعينه، بل أمرهم بطاعة اللّٰه وطاعة الرسول وأُولي الأمر بقوله تعالى : (يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اَللّٰهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنٰازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اَللّٰهِ وَ اَلرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (سورة النساء : 59).
3 - إنّ وجود المذاهب المتمايزة بأسمائها وأتباعها الذين ينتسبون لها ولا يرون الحقّ إلّا فيما ذهبت إليه ليس ضرورة حتمية لوجود الخلاف،
بدليل أنّ الخلاف موجود فعلاً في إطار المذهب الواحد دون أن ينقسم المذهب إلى مذاهب متعدّدة تنتسب إلى أصحاب هذا الخلاف. من ذلك مثلاً ما نراه في مذهب أبي حنيفة، حيث نرىٰ اختلافاً كثيراً بينه وبين أصحابه أبي يوسف ومحمّد وزفر واختلافاً بين بعضهم مع بعض في كثير من المسائل دون أن ينقسم هذا المذهب إلى مذهب لأبي حنيفة ومذهب لأبي يوسف ومذهب لمحمّد وهكذا.
4 - إنّه من المهمّ جدّاً لدراسة المذاهب الفقهية دراسة دقيقة عميقة محيطة بجميع نواحيها واتّجاهاتها وموازنة بعضها ببعض وترجيح بعضها على البعض أن نرجع هذه المذاهب إلى أُصولها ونتبيّن إن كان بينها اختلافاً في الأُصول والمبادئ أم ليس بينها اختلاف في الأُصول والمبادئ،
فلا يكون هناك محلّ للإبقاء على التعصّب والتنافر.
5 - إنّ بيان مواقع الاتّفاق ومحاولة التقريب بين المذاهب في الأصل تشترك في الأُصول والمبادئ والأدلّة التي تستقي منها الأحكام الشرعية، له أهمّيته العظمىٰ وأثره القوي في جواز التلفيق بين الآراء من المذاهب المختلفة والخروج منها برأي موحّد مؤلّف من رأيين أو أكثر أو عدم جواز ذلك
لأنّ أُصول الآراء إذا كانت مختلفة متعارضة لم يكن من المقبول التلفيق بينها بأخذ رأي في مسألة من المسائل يعتبر مزيجاً من جملة آراء تتعارض أُصولها بعضها مع بعض ؛ لأن كلّ أصل اعتمدت عليه في ناحية يستلزم بطلان ما أخذت به في الناحية الأُخرى ٰ من المسألة ؛ إذ لا يصحّ أن ترىٰ الشيء الواحد في وقت واحد صحيحاً باطلاً، فذلك لا يقبله عقل ولا يسوّغه نظر، أمّا عند اتّحاد الأصل فليس ثمّة ما يمنع من ذلك.
6 - إنّنا كأُمّة إسلامية واحدة نحتاج إلى تطبيق آداب الخلاف فيما بيننا مبتعدين عن منهج التكفير أو التسفيه الذي يعطي لأعداء الإسلام الذخيرة الحيّة التي يضربون بها مبادئ الإسلام التي تقوم على احترام الآخر وعلى الحجّة والبرهان وحسن الظنّ بالمخالف وتغليب جانب الأُخوّة في اللّٰه على كلّ اعتبار عملاً بمبدأ «الوقاية خير من العلاج».
ولنتذكّر أنّ الأُمم التي حلّقت عالياً في آفاق التقدّم هي الأُمم التي أقرّت التعدّدية واحترمت الخلاف وقبلت بالرأي الآخر في كلّ المجالات، وإذا كانت التعدّدية في إطار الوحدة أصلاً في بناء الأُمّة الإسلامية فنحن بحاجة ملحّة إلى العودة لهذا الأصل.