الفرق بين المراجعتين لصفحة: «أقسام الاستحسان»

من ویکي‌وحدت
(أنشأ الصفحة ب''''أقسام الاستحسان:''' الاستحسان اصطلاحٌ أصوليٌ وفقهيٌ، وهو عبارة عن دليل ينقدح في نفس المجته...')
 
لا ملخص تعديل
 
(مراجعة متوسطة واحدة بواسطة نفس المستخدم غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
'''أقسام الاستحسان:''' الاستحسان اصطلاحٌ أصوليٌ وفقهيٌ، وهو عبارة عن دليل ينقدح في نفس [[المجتهد]]، يعجز عن التعبير عنه، أو لا يقدر على إظهاره؛ لعدم مساعدة العبارة عنه، أو ما استحسنه المجتهد بلا دليل. وهناک من يقول بحجية الاستحسان وهو أکثرهم، ولکن الشافعية والإمامية ينکرونها.
'''أقسام الاستحسان:''' الاستحسان اصطلاحٌ [[أصول الفقه|أصوليٌ]] [[الفقه|وفقهيٌ]]، وهو عبارة عن دليل ينقدح في نفس [[المجتهد]]، يعجز عن التعبير عنه، أو لا يقدر على إظهاره؛ لعدم مساعدة العبارة عنه، أو ما استحسنه [[المجتهد]] بلا دليل. وهناک من يقول بحجية الاستحسان وهو أکثرهم، ولکن [[الشافعية]] [[الإمامية|والإمامية]] ينکرونها.


==أقسام الاستحسان==
=أقسام الاستحسان=
باعتبار العلاقة بين القياس والاستحسان على بعض معانيه، والتي هي علاقة تعارض بين قياسين أو استثناء، أو علاقة تخصيص أو تقييد، ينقسم الاستحسان إلى الأقسام التالية التي هي في الحقيقة عبارة عن مناشئ الاستحسان، من نصٍّ أو إجماع أو ضرورة أو عرف أو مصلحة.<ref> انظر : اللمع : 244 ـ 245، أصول السرخسي 2 : 202، كشف الأسرار البخاري 4 : 10، المسوّدة : 405، أصول الفقه ابن مفلح 4 : 1465.</ref>
باعتبار العلاقة بين القياس والاستحسان على بعض معانيه، والتي هي علاقة تعارض بين قياسين أو استثناء، أو علاقة تخصيص أو تقييد، ينقسم الاستحسان إلى الأقسام التالية التي هي في الحقيقة عبارة عن مناشئ الاستحسان، من نصٍّ أو إجماع أو ضرورة أو عرف أو مصلحة.<ref> انظر : اللمع : 244 ـ 245، أصول السرخسي 2 : 202، كشف الأسرار البخاري 4 : 10، المسوّدة : 405، أصول الفقه ابن مفلح 4 : 1465.</ref>
===1 ـ استحسان السنّة===
==1 ـ استحسان السنّة==
وهو أن يثبت من السنّة ما يوجب ردّ القياس في موضعها، من قبيل تصحيح الصيام عند الأكل والشرب نسيانا، فإنَّ القياس يستلزم بطلان الصوم لكن ورد في السنَّة ما يصحِّح هذا الصوم.<ref> أصول السرخسي 2 : 202، أصول الفقه أبو زهرة : 249.</ref>
وهو أن يثبت من السنّة ما يوجب ردّ القياس في موضعها، من قبيل تصحيح الصيام عند الأكل والشرب نسيانا، فإنَّ القياس يستلزم بطلان الصوم لكن ورد في السنَّة ما يصحِّح هذا الصوم.<ref> أصول السرخسي 2 : 202، أصول الفقه أبو زهرة : 249.</ref>
ويدعى استحسان النصّ كذلك<ref> أصول الفقه البرديسي : 292.</ref>، باعتبار أنَّ النصَّ الذي يوجب ردّ القياس قد يكون من القرآن ولايختص بالسنّة، والتسمية بالسنّة باعتبار الغالب.
ويدعى استحسان النصّ كذلك<ref> أصول الفقه البرديسي : 292.</ref>، باعتبار أنَّ النصَّ الذي يوجب ردّ القياس قد يكون من القرآن ولايختص بالسنّة، والتسمية بالسنّة باعتبار الغالب.
ومثِّل لذلك بقوله تعالى: '''«من بعد وصيَّة يوصي بها أو دين»'''<ref> النساء : 11.</ref>، فإنَّه يردُّ القياس القاضي هنا بعدم جواز الوصية وعدم شرعيتها؛ لكونها تمليكا مضافا إلى زمن ينقطع فيه سلطان التملك وهو ما بعد الموت.<ref> نظرية الاستحسان : 32.</ref>
ومثِّل لذلك بقوله تعالى: '''«من بعد وصيَّة يوصي بها أو دين»'''<ref> النساء : 11.</ref>، فإنَّه يردُّ القياس القاضي هنا بعدم جواز الوصية وعدم شرعيتها؛ لكونها تمليكا مضافا إلى زمن ينقطع فيه سلطان التملك وهو ما بعد الموت.<ref> نظرية الاستحسان : 32.</ref>
===2 ـ استحسان الإجماع===
==2 ـ استحسان الإجماع==
وهو عبارة عن تخصيص القياس بداعي انعقاد [[الإجماع]] على ما يخصّصه في الموضع المجمع عليه، كانعقاد [[إجماع المسلمين]] على صحَّة [[عقد الاستصناع]]<ref> الاستصناع : هو أن يطلب شخص من صاحب حرفة أو مهنة أو من شركة صناعة سلعة بكذا كمية، ويبرم الطرفان عقدا بناءً على هذا الطلب، والإشكال المحتمل في هذا العقد ناشئ عن عدم وجود السلعة المبيع حين العقد.</ref> وإن كان [[القياس]] يستوجب بطلانه.<ref> أصول السرخسي 2 : 203، أصول الفقه أبو زهرة : 249.</ref>
وهو عبارة عن تخصيص القياس بداعي انعقاد [[الإجماع]] على ما يخصّصه في الموضع المجمع عليه، كانعقاد [[إجماع المسلمين]] على صحَّة [[عقد الاستصناع]]<ref> الاستصناع : هو أن يطلب شخص من صاحب حرفة أو مهنة أو من شركة صناعة سلعة بكذا كمية، ويبرم الطرفان عقدا بناءً على هذا الطلب، والإشكال المحتمل في هذا العقد ناشئ عن عدم وجود السلعة المبيع حين العقد.</ref> وإن كان [[القياس]] يستوجب بطلانه.<ref> أصول السرخسي 2 : 203، أصول الفقه أبو زهرة : 249.</ref>
===3 ـ استحسان الضرورة===
==3 ـ استحسان الضرورة==
أن تكون هناك ضرورة تدعو [[المجتهد]] لرفع اليد عن القياس، من قبيل الحكم بطهارة الآبار والحياض بعد تنجُّسها، فإنَّ القياس يستوجب الحكم بنجاستها، لكن الحرج الذي يتبع ذلك يفرض على المجتهد الحكم بالطهارة<ref> أصول السرخسي 2 : 203، أصول الفقه ابو زهرة : 249.</ref>، وفي توضيح الضرورة هنا يقول علاء الدين البخاري: فإنَّ القياس نافي طهارة هذه الأشياء بعد تنجُّسها؛ لأنَّه لايمكن صبّ الماء على الحوض أو البئر ليتطهَّر، وكذا الماء الداخل في الحوض أو الذي ينبع من البئر تتنجس بـ : [[ملاقاة النَّجس]]، والدلو تتنجَّس أيضا بملاقاة الماء، فلا تزال تعود وهي نجسة.<ref> كشف الأسرار 4 : 11.</ref>
أن تكون هناك ضرورة تدعو [[المجتهد]] لرفع اليد عن القياس، من قبيل الحكم بطهارة الآبار والحياض بعد تنجُّسها، فإنَّ القياس يستوجب الحكم بنجاستها، لكن الحرج الذي يتبع ذلك يفرض على المجتهد الحكم بالطهارة<ref> أصول السرخسي 2 : 203، أصول الفقه ابو زهرة : 249.</ref>، وفي توضيح الضرورة هنا يقول علاء الدين البخاري: فإنَّ القياس نافي طهارة هذه الأشياء بعد تنجُّسها؛ لأنَّه لايمكن صبّ الماء على الحوض أو البئر ليتطهَّر، وكذا الماء الداخل في الحوض أو الذي ينبع من البئر تتنجس بـ : [[ملاقاة النَّجس]]، والدلو تتنجَّس أيضا بملاقاة الماء، فلا تزال تعود وهي نجسة.<ref> كشف الأسرار 4 : 11.</ref>
===4 ـ الاستحسان بالمصلحة===
==4 ـ الاستحسان بالمصلحة==
وهو عبارة عن الأخذ بمصلحة هي أقرب إلى مورد الشرع، فيها تحقيق مصلحة أو درء مفسدة، من قبيل تجويز أبي حنيفة الزكاة لبني هاشم رعايةً لمصالحهم وحفظا لهم من الضياع<ref> على أنّ رأي الشيعة في باب الخمس هو عدم الاختصاص بغنائم الحرب، وعليه يكون الخمس متوافرا حتَّى في عصرنا الحاضر، ولاينقطع سبيل الإحسان إلى الهاشميين على مرِّ العصور.</ref>، رغم أنَّ القياس يقضي بحرمته لهم. <ref> أصول الفقه البرديسي : 301، نظرية الاستحسان : 38 ـ 39.</ref>
وهو عبارة عن الأخذ بمصلحة هي أقرب إلى مورد الشرع، فيها تحقيق مصلحة أو درء مفسدة، من قبيل تجويز أبي حنيفة الزكاة لبني هاشم رعايةً لمصالحهم وحفظا لهم من الضياع<ref> على أنّ رأي الشيعة في باب الخمس هو عدم الاختصاص بغنائم الحرب، وعليه يكون الخمس متوافرا حتَّى في عصرنا الحاضر، ولاينقطع سبيل الإحسان إلى الهاشميين على مرِّ العصور.</ref>، رغم أنَّ القياس يقضي بحرمته لهم. <ref> أصول الفقه البرديسي : 301، نظرية الاستحسان : 38 ـ 39.</ref>
هذا بناءً على التفريق بين الاستحسان والمصالح المرسلة، كما تذهب إليه جُلّ التعاريف، وأنَّ الفرق الدقيق بينهما في أنَّ الاستحسان استثناء من القواعد، بينما المصالح المرسلة دليل بحدِّ ذاتها حيث لا دليل. <ref> انظر : أصول الفقه أبو زهرة : 246 ـ 247.</ref>
هذا بناءً على التفريق بين الاستحسان والمصالح المرسلة، كما تذهب إليه جُلّ التعاريف، وأنَّ الفرق الدقيق بينهما في أنَّ الاستحسان استثناء من القواعد، بينما المصالح المرسلة دليل بحدِّ ذاتها حيث لا دليل. <ref> انظر : أصول الفقه أبو زهرة : 246 ـ 247.</ref>
===5 ـ الاستحسان بالعرف===
==5 ـ الاستحسان بالعرف==
وهو عبارة عن تقديم العمل بالعرف ورفع اليد عن القياس، إذا نتج عن تطبيق القياس غلو أو ضرر كبير، من قبيل صحَّة إجارة الحمَّام بأجرة معيَّنة دون تحديد مقدار الماء المستعمل ومدَّة البقاء فيه، رغم أنَّ القياس يقتضي عدم الجواز إلاَّ بعد التحديد؛ وذلك لأنَّ العرف السائد بين الناس يقتضي التساهل في الأشياء الصغيرة، وعدم التساهل هنا يستلزم ضررا كبيرا وإخلالاً في مورد من موارد النظم الاجتماعي. <ref> نظرية الاستحسان : 39 ـ 40.</ref>. وكذلك من حلف أن لا يأكل لحما فأكل سمكا، لا يُعدُّ حانثا للحلف؛ لأنَّ العرف لايعدُّ السمك لحما، رغم أنَّ القياس يقضي بكونه حنثا. <ref> أصول الفقه البرديسي : 299.</ref>
وهو عبارة عن تقديم العمل بالعرف ورفع اليد عن القياس، إذا نتج عن تطبيق القياس غلو أو ضرر كبير، من قبيل صحَّة إجارة الحمَّام بأجرة معيَّنة دون تحديد مقدار الماء المستعمل ومدَّة البقاء فيه، رغم أنَّ القياس يقتضي عدم الجواز إلاَّ بعد التحديد؛ وذلك لأنَّ العرف السائد بين الناس يقتضي التساهل في الأشياء الصغيرة، وعدم التساهل هنا يستلزم ضررا كبيرا وإخلالاً في مورد من موارد النظم الاجتماعي. <ref> نظرية الاستحسان : 39 ـ 40.</ref>. وكذلك من حلف أن لا يأكل لحما فأكل سمكا، لا يُعدُّ حانثا للحلف؛ لأنَّ العرف لايعدُّ السمك لحما، رغم أنَّ القياس يقضي بكونه حنثا. <ref> أصول الفقه البرديسي : 299.</ref>


==تقسيمات الحنفية==
=تقسيمات الحنفية=
والحنفية يسبقون التقسيم الماضي بتقسيم آخر للاستحسان، وهو:
والحنفية يسبقون التقسيم الماضي بتقسيم آخر للاستحسان، وهو:
===الأوَّل: استحسان القياس===
==الأوَّل: استحسان القياس==
وهو أن يكون وصفان يقتضيان قياسين متباينين: أحدهما ظاهر متبادر، وهو القياس الاصطلاحي، والآخر خفي يقتضي الإلحاق بأصل آخر، فالثاني يسمى استحسانا. ويمثّلون لهذا القياس بالستر للمرأة، حيث القواعد والقياسات تقتضي حرمة النظر إلى بدن المرأة مطلقا، والاستحسان في إباحة النظر للطبيب عند المعالجة، فالوصف الجلي هنا هو كون جسمها عورة يؤدي الى الفتنة، والوصف الخفي هو لزوم المشقة أحيانا.
وهو أن يكون وصفان يقتضيان قياسين متباينين: أحدهما ظاهر متبادر، وهو القياس الاصطلاحي، والآخر خفي يقتضي الإلحاق بأصل آخر، فالثاني يسمى استحسانا. ويمثّلون لهذا القياس بالستر للمرأة، حيث القواعد والقياسات تقتضي حرمة النظر إلى بدن المرأة مطلقا، والاستحسان في إباحة النظر للطبيب عند المعالجة، فالوصف الجلي هنا هو كون جسمها عورة يؤدي الى الفتنة، والوصف الخفي هو لزوم المشقة أحيانا.
===والثاني: الاستحسان المسبَّب عن معارضة القياس===
==والثاني: الاستحسان المسبَّب عن معارضة القياس==
لأدلة شرعية أخرى، وهو الذي ينشأ عنوجود دليل يعارض القياس، وهذا هو الذي يقسَّم إلى استحسان السنّة والإجماع والضرورة. <ref> انظر : أصول الفقه أبو زهرة : 247 ـ 249، أصول الفقه (البرديسي) : 297 ـ 298، الوجيز في أصول الفقه (عوض أحمد إدريس) : 66 ـ 68.</ref>
لأدلة شرعية أخرى، وهو الذي ينشأ عنوجود دليل يعارض القياس، وهذا هو الذي يقسَّم إلى استحسان السنّة والإجماع والضرورة. <ref> انظر : أصول الفقه أبو زهرة : 247 ـ 249، أصول الفقه (البرديسي) : 297 ـ 298، الوجيز في أصول الفقه (عوض أحمد إدريس) : 66 ـ 68.</ref>
<br>وقد يقال بأنّ الأول ليس استحسانا بل قياسا، وقد يقال بأنّ الاستحسان هو القياس ومن مصاديقه، وفرّقوا بينه وبين الأقسام الثلاثة المتقدمة في إمكانية التعدّي والتعميم فيه، وعدم إمكانية ذلك في الثلاثة؛ باعتبارها واردة في موارد خاصة تخصّ مواردها ولا تتعداها، كما أ نّها غير معلولة، بينما استحسان القياس معلَّل فيمكن تعديته، ومثَّلوا للتعدية بتحالف البائع والمشتري إذا اختلفا في مقدار الثمن قبل قبض المبيع، وهو ثابت بالاستحسان عن طريق القياس الخفي، ويمكن تعديته إلى ورثتهما وإلى الإجارة كذلك. <ref> أصول الفقه ابن مفلح 4 : 1466، أصول الفقه (البرديسي) : 306 ـ 307.</ref>
<br>وقد يقال بأنّ الأول ليس استحسانا بل قياسا، وقد يقال بأنّ الاستحسان هو القياس ومن مصاديقه، وفرّقوا بينه وبين الأقسام الثلاثة المتقدمة في إمكانية التعدّي والتعميم فيه، وعدم إمكانية ذلك في الثلاثة؛ باعتبارها واردة في موارد خاصة تخصّ مواردها ولا تتعداها، كما أ نّها غير معلولة، بينما استحسان القياس معلَّل فيمكن تعديته، ومثَّلوا للتعدية بتحالف البائع والمشتري إذا اختلفا في مقدار الثمن قبل قبض المبيع، وهو ثابت بالاستحسان عن طريق القياس الخفي، ويمكن تعديته إلى ورثتهما وإلى الإجارة كذلك. <ref> أصول الفقه ابن مفلح 4 : 1466، أصول الفقه (البرديسي) : 306 ـ 307.</ref>


==المصادر==
=المصادر=


[[تصنيف: تقسيمات الاستحسان]][[تصنيف: اصطلاحات الأصول]][[تصنيف: علم الأصول]]
[[تصنيف: تقسيمات الاستحسان]][[تصنيف: اصطلاحات الأصول]][[تصنيف: علم الأصول]]

المراجعة الحالية بتاريخ ٢١:٠٥، ١٤ مارس ٢٠٢١

أقسام الاستحسان: الاستحسان اصطلاحٌ أصوليٌ وفقهيٌ، وهو عبارة عن دليل ينقدح في نفس المجتهد، يعجز عن التعبير عنه، أو لا يقدر على إظهاره؛ لعدم مساعدة العبارة عنه، أو ما استحسنه المجتهد بلا دليل. وهناک من يقول بحجية الاستحسان وهو أکثرهم، ولکن الشافعية والإمامية ينکرونها.

أقسام الاستحسان

باعتبار العلاقة بين القياس والاستحسان على بعض معانيه، والتي هي علاقة تعارض بين قياسين أو استثناء، أو علاقة تخصيص أو تقييد، ينقسم الاستحسان إلى الأقسام التالية التي هي في الحقيقة عبارة عن مناشئ الاستحسان، من نصٍّ أو إجماع أو ضرورة أو عرف أو مصلحة.[١]

1 ـ استحسان السنّة

وهو أن يثبت من السنّة ما يوجب ردّ القياس في موضعها، من قبيل تصحيح الصيام عند الأكل والشرب نسيانا، فإنَّ القياس يستلزم بطلان الصوم لكن ورد في السنَّة ما يصحِّح هذا الصوم.[٢] ويدعى استحسان النصّ كذلك[٣]، باعتبار أنَّ النصَّ الذي يوجب ردّ القياس قد يكون من القرآن ولايختص بالسنّة، والتسمية بالسنّة باعتبار الغالب. ومثِّل لذلك بقوله تعالى: «من بعد وصيَّة يوصي بها أو دين»[٤]، فإنَّه يردُّ القياس القاضي هنا بعدم جواز الوصية وعدم شرعيتها؛ لكونها تمليكا مضافا إلى زمن ينقطع فيه سلطان التملك وهو ما بعد الموت.[٥]

2 ـ استحسان الإجماع

وهو عبارة عن تخصيص القياس بداعي انعقاد الإجماع على ما يخصّصه في الموضع المجمع عليه، كانعقاد إجماع المسلمين على صحَّة عقد الاستصناع[٦] وإن كان القياس يستوجب بطلانه.[٧]

3 ـ استحسان الضرورة

أن تكون هناك ضرورة تدعو المجتهد لرفع اليد عن القياس، من قبيل الحكم بطهارة الآبار والحياض بعد تنجُّسها، فإنَّ القياس يستوجب الحكم بنجاستها، لكن الحرج الذي يتبع ذلك يفرض على المجتهد الحكم بالطهارة[٨]، وفي توضيح الضرورة هنا يقول علاء الدين البخاري: فإنَّ القياس نافي طهارة هذه الأشياء بعد تنجُّسها؛ لأنَّه لايمكن صبّ الماء على الحوض أو البئر ليتطهَّر، وكذا الماء الداخل في الحوض أو الذي ينبع من البئر تتنجس بـ : ملاقاة النَّجس، والدلو تتنجَّس أيضا بملاقاة الماء، فلا تزال تعود وهي نجسة.[٩]

4 ـ الاستحسان بالمصلحة

وهو عبارة عن الأخذ بمصلحة هي أقرب إلى مورد الشرع، فيها تحقيق مصلحة أو درء مفسدة، من قبيل تجويز أبي حنيفة الزكاة لبني هاشم رعايةً لمصالحهم وحفظا لهم من الضياع[١٠]، رغم أنَّ القياس يقضي بحرمته لهم. [١١] هذا بناءً على التفريق بين الاستحسان والمصالح المرسلة، كما تذهب إليه جُلّ التعاريف، وأنَّ الفرق الدقيق بينهما في أنَّ الاستحسان استثناء من القواعد، بينما المصالح المرسلة دليل بحدِّ ذاتها حيث لا دليل. [١٢]

5 ـ الاستحسان بالعرف

وهو عبارة عن تقديم العمل بالعرف ورفع اليد عن القياس، إذا نتج عن تطبيق القياس غلو أو ضرر كبير، من قبيل صحَّة إجارة الحمَّام بأجرة معيَّنة دون تحديد مقدار الماء المستعمل ومدَّة البقاء فيه، رغم أنَّ القياس يقتضي عدم الجواز إلاَّ بعد التحديد؛ وذلك لأنَّ العرف السائد بين الناس يقتضي التساهل في الأشياء الصغيرة، وعدم التساهل هنا يستلزم ضررا كبيرا وإخلالاً في مورد من موارد النظم الاجتماعي. [١٣]. وكذلك من حلف أن لا يأكل لحما فأكل سمكا، لا يُعدُّ حانثا للحلف؛ لأنَّ العرف لايعدُّ السمك لحما، رغم أنَّ القياس يقضي بكونه حنثا. [١٤]

تقسيمات الحنفية

والحنفية يسبقون التقسيم الماضي بتقسيم آخر للاستحسان، وهو:

الأوَّل: استحسان القياس

وهو أن يكون وصفان يقتضيان قياسين متباينين: أحدهما ظاهر متبادر، وهو القياس الاصطلاحي، والآخر خفي يقتضي الإلحاق بأصل آخر، فالثاني يسمى استحسانا. ويمثّلون لهذا القياس بالستر للمرأة، حيث القواعد والقياسات تقتضي حرمة النظر إلى بدن المرأة مطلقا، والاستحسان في إباحة النظر للطبيب عند المعالجة، فالوصف الجلي هنا هو كون جسمها عورة يؤدي الى الفتنة، والوصف الخفي هو لزوم المشقة أحيانا.

والثاني: الاستحسان المسبَّب عن معارضة القياس

لأدلة شرعية أخرى، وهو الذي ينشأ عنوجود دليل يعارض القياس، وهذا هو الذي يقسَّم إلى استحسان السنّة والإجماع والضرورة. [١٥]
وقد يقال بأنّ الأول ليس استحسانا بل قياسا، وقد يقال بأنّ الاستحسان هو القياس ومن مصاديقه، وفرّقوا بينه وبين الأقسام الثلاثة المتقدمة في إمكانية التعدّي والتعميم فيه، وعدم إمكانية ذلك في الثلاثة؛ باعتبارها واردة في موارد خاصة تخصّ مواردها ولا تتعداها، كما أ نّها غير معلولة، بينما استحسان القياس معلَّل فيمكن تعديته، ومثَّلوا للتعدية بتحالف البائع والمشتري إذا اختلفا في مقدار الثمن قبل قبض المبيع، وهو ثابت بالاستحسان عن طريق القياس الخفي، ويمكن تعديته إلى ورثتهما وإلى الإجارة كذلك. [١٦]

المصادر

  1. انظر : اللمع : 244 ـ 245، أصول السرخسي 2 : 202، كشف الأسرار البخاري 4 : 10، المسوّدة : 405، أصول الفقه ابن مفلح 4 : 1465.
  2. أصول السرخسي 2 : 202، أصول الفقه أبو زهرة : 249.
  3. أصول الفقه البرديسي : 292.
  4. النساء : 11.
  5. نظرية الاستحسان : 32.
  6. الاستصناع : هو أن يطلب شخص من صاحب حرفة أو مهنة أو من شركة صناعة سلعة بكذا كمية، ويبرم الطرفان عقدا بناءً على هذا الطلب، والإشكال المحتمل في هذا العقد ناشئ عن عدم وجود السلعة المبيع حين العقد.
  7. أصول السرخسي 2 : 203، أصول الفقه أبو زهرة : 249.
  8. أصول السرخسي 2 : 203، أصول الفقه ابو زهرة : 249.
  9. كشف الأسرار 4 : 11.
  10. على أنّ رأي الشيعة في باب الخمس هو عدم الاختصاص بغنائم الحرب، وعليه يكون الخمس متوافرا حتَّى في عصرنا الحاضر، ولاينقطع سبيل الإحسان إلى الهاشميين على مرِّ العصور.
  11. أصول الفقه البرديسي : 301، نظرية الاستحسان : 38 ـ 39.
  12. انظر : أصول الفقه أبو زهرة : 246 ـ 247.
  13. نظرية الاستحسان : 39 ـ 40.
  14. أصول الفقه البرديسي : 299.
  15. انظر : أصول الفقه أبو زهرة : 247 ـ 249، أصول الفقه (البرديسي) : 297 ـ 298، الوجيز في أصول الفقه (عوض أحمد إدريس) : 66 ـ 68.
  16. أصول الفقه ابن مفلح 4 : 1466، أصول الفقه (البرديسي) : 306 ـ 307.