انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «النبوة»

من ویکي‌وحدت
Halimi (نقاش | مساهمات)
لا ملخص تعديل
Halimi (نقاش | مساهمات)
سطر ١٤٥: سطر ١٤٥:
* [[العصمة]]
* [[العصمة]]
* [[المعجزة]]
* [[المعجزة]]
* [[محمد بن عبد الله (خاتم الانبياء)]]
* [[محمد بن عبدالله (خاتم الانبياء)]]
 


== الهوامش ==
== الهوامش ==

مراجعة ١٢:٣٣، ٨ يونيو ٢٠٢٥


النبوة، يعود إلى "النبأ" بمعنى الخبر، أو خصوص الأخبار ذات الأهمية الكبيرة، التي تحقق فائدة عظيمة، وتُورث علمًا أو ظنًا غالبًا، وفي الإصطلاح، النبي هو الإنسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة بشر، والنبوة هي وظيفة إلهية و سفارة ربانية يجعلها الله تعالى لمن ينتخبه ويختاره من عباده الصالحين و أوليائه الكاملين في إنسانيتهم ، فيرسلهم إلى سائر الناس لغاية إرشادهم إلى ما فيه منافعهم في الدنيا و الآخرة.

حقيقة النبوة

كلمة "النبوة" في اللغة تعني الرسالة، و"النبي" هو الرسول. وفقًا للرأي المشهور، أصل هاتين الكلمتين يعود إلى "النبأ" بمعنى الخبر، أو كما يقول الراغب الأصفهاني: خصوص الأخبار ذات الأهمية الكبيرة، التي تحقق فائدة عظيمة، وتُورث علمًا أو ظنًا غالبًا. (النبأ: خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن، ولا يُقال للخبر في الأصل "نبأ" حتى يتضمن هذه الأمور الثلاثة. [١]، وهذه الصفة موجودة في النبوة؛ لأن الأخبار التي يبلغها الأنبياء ـ عليهم السلام ـ إلى البشر تحمل أعظم الأهمية، إذ تتوقف سعادة البشر أو شقاوتهم على تعاملهم مع هذه الأخبار. بناءً على ذلك، يُعرف النبي في الشرع بأنه مَن يبلغ البشرَ أخبارًا سماويةً عظيمة.

الفرق بين الرسول والنبي

يتضح من هذا أن النبوة ملازمة للرسالة، أي أن مَن يُختار للنبوة يكون رسولًا أيضًا، لكن المقصود ليس أن المصطلحين مترادفان، بل أنهما متلازمان في الاصطلاح الكلامي، والدليل على ذلك أن القرآن الكريم يستخدم كلا اللفظين عند الحديث عن النبوة العامة، مثل:كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾[٢]. ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [٣].

تقييم هذا الراي

النبي هو يبين للناس صلاح معاشهم ومعادهم من أصول الدين وفروعه على ما اقتضته عناية الله من هداية الناس الى سعادتهم, والرسول هو الحامل لرسالة خاصة مشتمل على اتمام حجة يستتبع مخالفته هلاكة أو عذاباً أو نحو ذلك قال تعالى: (( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ))[٤], ولا يظهر من كلامه تعالى في الفرق بينهما أزيد مما يفيده لفظاهما بحسب المفهوم, ولازمه هو الذي أشرنا اليه: من أنّ للرسول شرف الوساطة بين الله تعالى وبين عباده وللنبي شرف العلم بالله وبما عنده [٥].

النظرية الأولى

ما سبق ذكره في بيان الفرق بينهما يتعلق بدراسة النبوة والرسالة من المنظور الكلامي، أي إن فلسفة النبوة والرسالة - كما سيتم توضيحه - هي شيء واحد في علم الكلام، ولا فرق بين النبي والرسول من هذه الناحية والآيتان المذكورتان وغيرهما من الآيات التي تتحدث عن مهمة الأنبياء والرسل (عليهم السلام) لا تفرق بين النبي والرسول. ولكن بما أن هناك تفاضلاً في مراتب الأنبياء، فقد ورد في بعض الآيات أو الروايات تفريق بين النبي والرسول، لكن هذا التفريق لا يتعلق بالمهمة والمسؤولية، بل بصفات أخرى. ففي الروايات: *"الرسول هو الذي يرى مَلَك الوحي في اليقظة والمنام ويسمع صوته، أما النبي فهو الذي يرى المَلَك في المنام فقط ويسمع صوته في اليقظة اصول كافی، ج ۱، كتاب الحجه، باب الفرق بین الرسول و النبی. والجدير بالذكر أن هذه الروايات وردت غالبًا في تفسير الآيتين التاليتين:

  • "وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا"* [٦].
  • "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ"* [٧].
  • الآية الأولى تتحدث عن موسى (عليه السلام)، والثانية عن عموم الأنبياء، وفي كلتيهما أُطلقت كلمتا "رسول" و"نبي" على من كانوا مكلفين بإبلاغ رسالات الله، من الناحية الكلامية، لا فرق بين النبوة والرسالة، لكن ظاهر النصوص يشير إلى نوع من التفريق، لذلك سُئل الأئمة (عليهم السلام) عن الفرق بينهما، فذكروا ما سبق.

النظرية الثانية

النظرية الثانية - وهي المشهورة بين المتكلمين والمفسرين - ترى أن الرسول هو النبي المكلف بإبلاغ الرسالة للناس، أما النبي فهو من أوحي إليه بوحي الله سواء أُمر بالتبليغ أم لا [٨][٩].

تقييم النظرية الثانية

حسب هذا الرأي، العلاقة بين النبي والرسول هي عموم وخصوص مطلق؛ فكل رسول نبي، ولكن ليس كل نبي رسولًا. وهذا قد يتعارض مع القول بالملازمة بين النبوة والرسالة في علم الكلام. لكن يمكن التوفيق بأن المقصود أن بعض الأنبياء حصلوا على مقام النبوة قبل الرسالة، أي كانوا موصولين بالوحي لكن لم يُؤمروا بالتبليغ إلا لاحقًا.

النظرية الثالثة

ذهب بعض العلماء إلى أن الفرق بين النبي والرسول يعتمد على وجود كتاب وشريعة مستقلة، حيث أن: الرسول: هو النبي الذي يأتي بشريعة مستقلة ويحمل كتابًا سماويًا (مثل موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام). النبي: هو النبي الذي لا يحمل شريعة مستقلة ولا كتابًا سماويًا خاصًا به، بل يتبع شريعة رسول سبقه (سواء أُمر بتبليغها للناس أم لا) [١٠][١١][١٢][١٣].

تقييم النظرية الثالثة

هذه النظرية مقبولة من حيث اعتبارها الهداية والتبليغ مهمة مشتركة بين النبي والرسول، لكن التمييز بينهما بمعيار الشريعة والكتاب غير دقيق، وذلك للأسباب التالية: ١. تعارضه مع القرآن: فقد وصف الله تعالى نبيًا مثل إسماعيل (وهو غير إسماعيل بن إبراهيم) بأنه "رَسُولًا نَبِيًّا" [١٤]، مع أنه لم يُنقل أنه كان صاحب كتاب أو شريعة مستقلة. ٢. عمومية لفظ "رسول" في القرآن: كما في قوله تعالى:"وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ"[١٥]. مما يشمل كل الأنبياء المرسلين للهداية، حتى لو لم يأتوا بشرائع جديدة. النتيجة: هذا التقسيم لا يتسق مع الاستخدام القرآني والحديثي لمصطلحي "نبي" و"رسول"، إذ وردت التسميات بشكل مترادف أو متداخل في كثير من النصوص.

النبوّة عند الشيعة

يُعرِّف الإمام الخميني حقيقة النبوة بأنها "إحضارُ الأخبار من عالم الغيب في مرتبة الأحدية، حسب استعدادات المظاهر". فهي تعليمٌ حقيقيٌّ وإنباءٌ ذاتيّ. ويؤكد أن وجود جميع الأنباء الإلهية كـ"مظهر للخلافة المحمدية" ضروري، فلو لم يوجد الإنسان الكامل في العالم، لما استطاع أيٌّ شيء آخر أن يحمل مقام الخلافة الباطنية والإنباء الباطني والنبوة المطلقة . [١٦].

مراتب النبوة عند الإمام الخميني

ويقسم الإمام الخميني حقيقة النبوة ـ بحسب اختلاف العوالم والنشآت ـ إلى خمس مراتب: إنباء الأسماء في مقام الواحدية: أعلى مراتب النبوة، حيث تُبلغ الحقائق المستورة في الهوية الغيبية إلى الأسماء في مرتبة الواحدية. الإنباء في مرتبة الأعيان الثابتة: وهو عينُ الثابت للإنسان الكامل الذي يخبر عن حقائق الأعيان الثابتة. الإنباء في مرتبة النفس الرحماني: يتم عبر الاسم الأعظم "الله". الإنباء في عالم العقل: وهو تبليغ أهل السرّ (كالملائكة المقربين). تعليم آدم (ع) للملائكة الأسماء الإلهية مثالٌ على هذا. النبوة في عالم الطبيعة: تبليغ الحكمة لأهل الدنيا المحجوبين عن أسرار الغيب. [١٧]. ويشير الإمام إلى أن النبوة ليست منصبًا اعتباريًا، بل هي قائمةٌ بـ"العين الثابتة" للنبي، لأنه يجب أن يكون قادرًا على كشف الحقائق من الغيب ونشرها في عالم الشهادة. كما أن مدى نبوة كل نبي يتناسب مع إحاطة "عينه الثابتة"، وكتابه السماوي نزل وفقًا لها. وبما أن العين الثابتة المحمدية تابعة للاسم الأعظم، فإن النبوة خُتمت به، والقرآن ـ كآخر الكتب ـ هو مظهر الاسم الأعظم، جامعٌ بين الإجمال والتفصيل، لذا سُمي[١٨].

مراحل عصمة الانبياء

وتتجلّى عصمة الرسول في مراحل ثلاث : مرحلة تلقي الوحي وحفظه وأدائه إلى الأمّة. مرحلة القول والفعل ، وعلى ذلك فهو من عباده المكرمين الذين لا يعصون الله ما أمرهم وهم بأمره يعملون .. مرحلة تطبيق الشريعة وغيرها من الأمور المربوطة بحياته صلّى الله عليه وآله لا يسهو ولا يخطئ في حياته الفرديّة والاجتماعيّة ... [١٩].

تصريح بعض الاعاظم في العصمة

نذكر بعض الآراء في هذا الشأن ومنها:

راي الشيخ محمّد جواد مغنية في العصمة

يقول الشيخ محمّد جواد مغنية : الأنبياء معصومون عن الذنوب، كبيرها وصغيرها، قبل النبوّة وبعدها، لا يصدر عنهم ما يشين لا عمداً ولا سهواً. وأنّهم منزّهون عن دناءة الآباء وعهر الأمّهات، وعن الفظاظة والغلظة، وعن الأمراض المنفرة كالبرص والجذام ، بل وعن كثير من الأعمال المباحة المنافية للتعظيم والتوقير كالأكل في الطريق ونحوه

تبيين الآيات المناقضة للعصمة

وقد اشتغل علماء الإماميّة بالنصوص القرآنيّة التي توهّم مناقضتها للعصمة الكليّة والتي استند إليها أهل السنّة في موقفهم منها. وقاموا بشرحها ومناقشة مدلولاتها على ضوء اللغة والعقل مثل قوله تعالى :

  • ( وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ ).
  • وقوله تعالى : ( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ).
  • وقوله : ( .. مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ .. ).
  • وقوله : ( فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ ).
  • وقوله : ( عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ ).
  • وقوله ( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ ).

راي السيّد شبّرفي العصمة

يقول السيّد شبّر : والعصمة عبارة عن قوّة العقل من حيث لا يغلب مع كونه قادراً على المعاصي كلّها. كجائز الخطأ. وليس معنى العصمة أنّ الله يجبره على ترك المعصية ، بل يفعل به ألطافاً يترك معها المعصية باختياره مع قدرته عليها. كقوّة العقل وكمال الفطنة والذكاء ونهاية صفاء النفس وكمال الاعتناء بطاعة الله تعالى : ولو لم يكن قادراً على المعاصي بل كان مجبوراً على الطاعات لكان منافياً للتكليف وعدم الإكراه في الدين. والنبي أوّل من كلّف حيث قال : فأنا أوّل العابدين وأنا أوّل المسلمين ، وقال تعالى : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) [٢٠] . ولأنه لو لم يكن قادراً على المعصية لكان أدنى مرتبة من صلحاء المؤمنين القادرين على المعاصي التاركين لها عصمة الأنبياء. و[٢١].

شخصية الرسول عند الإمامية

إنّ شخصيّة الرسول عند الشيعة الإماميّة هي شخصيّة متكاملة متجانسة مع روح الإسلام وطبيعة الوحي ، وليست شخصيّة مهزوزة متقلبة ضعيفة الجذور متلوّنة أخلاقيّاً .. من هنا فإنّ الشيعة يرفضون وبقوّة أيّ مساس بشخص الرسول كالسحر والخطأ والنسيان وتعرية حياته الشخصيّة ومشاركة بعض الصحابة له في شؤون الوحي ونسبة الكفر إلى والديه وعمّه [٢٢].

راي الإمامية في آباء وأمّهات الأنبياء

يقول السيّد شبّر : المشهور بين الإماميّة ـ بل حكى عليه الإجماع ـ أنّه يجب تنزيه الأنبياء عن كفر الآباء والأمّهات وعهرهن. لئلّا يعيّروا ويعابوا في ذلك ، ولئلّا يتنفر عنهم. فإنّ ما في الآباء من العيوب يعود إلى الأبناء عرفاً .. ورووا الرويات في ذلك من طرق العامّة والخاصّة ولقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ) [٢٣] . وقد اتّفق المخالف والموالف أنّ أوّل من أوى النبي صلّى الله عليه وآله ونصره أبو طالب [٢٤][٢٥].

الدليل العقلي على عصمته

عمدة الدليل على عصمة الانبياء عند الشيعة وخصوصاً النبيّ (صلّى الله عليه وآله) هو العقل من جهات متعدّدة ، ومع هذا الدليل العقلي القطعي لابدّ من تأويل كلّ آية أو حديث يظهر منه إرتكاب الأنبياء مايخالف العصمة . وإليك بعض الأدلّةالعقلية على عصمة الأنبياء :

  • لولم يكن النبيّ معصوماً لانتفى الوثوق بقوله ، فلا يطاع ، ولا يقبل أحد منه قولاً ، ويصيرنصبه عبثاً ولغواً .
  • لو جاز عليه الخطأ خارجاً مع لزوم اتّباعه عقلاً ، كان الأمر باتّباعه قبيحاً بحكم العقل ، بل يلزم اجتماع الضدين فيه ، لوجوب متابعته ؛ لأنّه نبيّ مطاع ، و وجوب مخالفته ؛ لأنّه أخطأ .
  • لوجاز على النبيّ الخطأ لاحتاج إلى مَن يسدّده ، وذلك المسدِّد إمّا أن يكون معصوماً ، فهو المطلوب ؛ لأنّه هو النبيّ في الحقيقة ، وإمّا أن لايكون معصوماً ، فيحتاج إلى مسدّد آخر ، وهلّم جرّاً .
  • إنّ من أغراض النبوّة إقامة العدل ، ومنع الظلم ، فلو صدرت من النبيّ المعصية لانتفى غرض النبوّة ؛ لأنّ المعصية ظلم .
  • إنّ النبيّ أُسوة وقدوة ، فلو صدر منه الكذب والمعصية لاقتدى به الناس ، وانتفت فائدة البعثة والنبوّة .
  • النبيّ هادٍ وحافظ للشرع ، وحجّة الله على الخلق ، فلو جاز عليه الكذب والخطأ لأدّى ذلك إلى التضليل ، فكان نصبه قبيحاً .
  • النبيّ راعٍ لأُمّته ، ومسؤول عن رعيته ، وصدور الذنب من الراعي أفحش من ذنب الرعية ، فيصير بذلك أسوء حالاً من رعيته ، ولا يليق للرئاسة الشرعية عليهم .
  • النبيّ أمين ، والعاصي خائن ، ولايؤتمن الخائن .
  • لوكان النبيّ لايؤمن عليه من الخطأ ، أو السهو ، أو النسيان ، أو العصيان كان اختياره للنبوّة ترجيحاً للمرجوح على الراجح ؛ إذ في الأُمّة مَن لايكون كذلك ، أو ترجيحاً بلا مرجّح ، وهو قبيح [٢٦].

الدليل النقلي على عصمة الأنبياء

الآية الاولى

عّبر القرآن الكريم عن بعض الأفراد بـ(المخلَص)1، حيث لا يطمع في إغوائهم حتى الشيطان، ومن هنا أقسم الشيطان على إغواء بني آدم جميعهم وأستثنى المخلصين كما جاء في الآيتين 82 و 83 من سورة ص: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِين﴾. ولا شك في أن السبب في يأس الشيطان من إغوائهم إنما هو، ما يملكونه من تنزيه وصيانة من الضلال والآثام، وإلا فإن عداءه شامل حتى لهؤلاء، ولو كان يمكنه إغواؤهم لما تخلى عن إغوائهم وأعرض عنهم. إذن فعنوان (المخلص) مساو لـ(المعصوم)، وأنه وإن لم يوجد دليل على اختصاص هذه الصفة بالأنبياء إلا أنه لا يمكن الشك في شمولها لهم. وقد اعتبر القرآن الكريم بعض الأنبياء من المخلصين كما جاء الآيتين 45 و 46 من سورة ص: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّار﴾. وفي الآية (51) من سورة مريم: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّاً﴾. وكذلك اعتبر السبب في تنزه يوسف عليه السلام عن الإنحراف في أشد الظروف هو أنه كان مخلصا كما في الآية (24) من سورة يوسف: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾.

الأية الثانية

لقد فرض القرآن الكريم على البشر إطاعة الأنبياء بصورة مطلقة كما جاء في الآية (64) من سورة النساء: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ﴾. وإنما تصح إطاعتهم المطلقة فيما لو كانت في مسار إطاعة الله وعلى إمتدادها، بحيث لا تكون إطاعتهم منافية لإطاعة الله، وإلا فإن الأمر بالإطاعة المطلقة للّه تعالى، والأمر بالطاعة المطلقة لمن هم معرضون للخطأ والإنحراف سيكونان على طرفي نقيض.

الآية الثالثة

لقد خصص القرآن الكريم المناصب الإلهية لأولئك الذين لم يتلوثوا بـ(الظلم). يقول تعالى في جوابه لإبراهيم عليه السلام الذي طلب منصب الإمامة لأبنائه: ﴿... لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ [٢٧]. ونحن نعلم أن كل معصية هي ظلم للنفس على الأقل، وكل عاص ومذنب ظالم في عرف القرآن الكريم، إذن فالأنبياء أصحاب المنصب الإلهي (النبوة والرسالة) لا بد وأن يكونوا منزهين عن كل ظلم ومعصية. ويمكن إستفادة عصمة الأنبياء عليه السلام من آيات أخرى، وروايات كثيرة نعرض عن ذكرها [٢٨].

نبوة نبينا محمد ص

في نبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله:إن نبي هذه الأمة، هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن نضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن نزار بن معد بن عدنان صلى الله عليه وآله الطاهرين، لأنه ادعى النبوة وأظهر المعجزة على يديه، وكل من ادعى النبوة وأظهر المعجز المطابق على يديه فهو نبي، وقد تواتر بين المسلمين وغيرهم من جميع أهل الدنيا، أنه قد ظهر رجل في مكة المشرفة اسمه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، ادعى النبوة وأظهر الله المعجز على يديه المطابق لدعواه، المقرون بالتحدي، فيكون نبياً حقاً، وهذا التواتر موجب للقطع إلا لمن سبقت له شبهة.

النبي ص هو خاتم الانبياء

لأنه صلى الله عليه وآله خاتم النبيين فلا يكون نبي بعده ولا معه، فيجب أن يكون نبياً مرسلاً إلى الناس كافة، لأنهم مكلفون ولا يصح تكليفهم بغير حجة، ولا تثبت لله حجة على خلقه إلا على النحو المذكور، فتثبت نبوته بالتواتر عند جميع المكلفين، وأما من سبقت له شبهة فكذلك، وإن كانت نفسه قد تعودت على الإنكار، لأن الله سبحانه يقول: { وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ }. وذلك مثال اليهود والنصارى المنكرين لخاتمية ونبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكذا النواصب المنكرين ولاية أمير المؤمنين وأبنائه المعصومين عليهم السلام بالخلافة. فعلماء اليهود والنصارى نصبوا شبهات لأتباعهم على عدم نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله، وعلى أثر ذلك قلد العوام من الناس علماءهم في ذلك وكذا بعض المسلمين المنكرين ولاية أمير المؤمنين - عليه السلام - نصبوا شبهات إلى أتباعهم ومقلديهم بأن المراد من الولي في قوله تعالى : {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ}. وقوله صلى الله عليه وآله ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) كونه ابن عمه أو أنه يحبه أو غير ذلك من التدليسات الصارفة للمعنى الحقيقي الذي يقتضيه المقام من أن المراد من الولي هي الولاية الثابتة لله ولرسوله، فكما أنه تعالى ولي على جميع خلقه كذلك رسوله ووصيه أمير المؤمنين سلام الله عليهما، بأنهما أولى بالمؤمنين من أنفسهم فإذا حصل للسامع هذه الشبهة لا يكون الخبر المتواتر مفيداً للقطع بالنسبة إليه إلا أن يتخلى عما في ذهنه من شبهات وتخيلات المخالفة للواقع. (( وأول من أعتبر هذا الشرط هو علم الهدى ( رحمه الله ) وتبعه على ذلك المحققون، وهو شرط متين، وبه يندفع احتجاج المشركين من اليهود والنصارى وغيرهم على انتفاء معجزات الرسول صلى الله عليه وآله كانشقاق القمر وحنين الجذع وتسبيح الحصا، واحتجاج مخالفينا في المذهب على انتفاء النص على أمير المؤمنين - عليه السلام - بالإمامة )). فشرط عدم وجود شبهة عند السامع في غاية الأهمية، وكيف لا يكون كذلك وبه تثبت الولاية لأمير المؤمنين - عليه السلام.

أدلة على صدقية نبوة نبينا ص

سنشير الى بعض الأدلة ومنها:

بشارات الأنبياء السابقين

سلسلة الأنبياء الإلهيين تمثل مسارًا متواصلاً من الهداة الإلهيين، يهدف إلى توجيه البشرية خطوة بخطوة نحو كمال أعلى وحضارة أكثر ازدهارًا.[٢٩]. ولمنع ضلال الناس بادعاءات الأنبياء الكذبة، ولضمان عدم انسداد باب الهداية الإلهية، كان الأنبياء السابقون يبشرون بقدوم النبي أو الأنبياء اللاحقين. بالإضافة إلى ذلك، وبما أن النبوة منصب إلهي ـ كما جاء في القرآن:﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾[٣٠].فهي خاضعة للإرادة الإلهية، ولا يعلمها إلا الله ومن أطلعه الله عليها. لذا، فإن إخبار النبي السابق ببعثة النبي اللاحق يُعد أحد طرق التمييز بين النبي الصادق والدعي الكاذب. ومن هنا يتجلى بطلان فرقتي "البابية" و"البهائية"، إذ لا توجد أي آية أو رواية تبشر بظهور نبي أو دين بعد الإسلام (لمعرفة المزيد عن البهائية، يمكن الرجوع إلى كتاب [٣١]،بل على العكس، وردت نصوص صريحة تؤكد ختمية الإسلام ونفي أي نبوة أو رسالة بعده.

أمثلة على بشارات الأنبياء السابقين

نذكر هنا بعض الشواهد التاريخية والدلائل على بشارات الأنبياء السابقين بنبوة ورسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم:[٣٢].

الشاهد الأول

روي عن عبدالله بن مسعود قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه معبدًا لليهود، فرأى جماعة منهم يقرؤون التوراة، فلما وصلوا إلى أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم المذكورة فيها، توقفوا عن القراءة. وكان في جانب الكنيس رجل مريض، فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم: "لماذا توقفتم عن القراءة؟"** فقال المريض: **"لأنهم وصلوا إلى صفتك فامتنعوا!"** فأخذ التوراة وقرأ أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم كاملة، ثم قال: "هذه صفتك وصفة أمتك، وأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله." فمات في الحال، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسله وتكفينه وصلى عليه ودُفن كمسلم.[٣٣].

الشاهد الثاني

تشير بعض الروايات التاريخية إلى أن علماء أهل الكتاب كانوا يعرفون زمان ومكان ظهور النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم وصفاته. نقل القطب الراوندي: أن رجلاً من مكة ذهب إلى الشام قبل البعثة مع قافلة تجارية، فقال: لما دخلنا سوق "بصرى"، ناداهم راهب من صومعته: "اسألوا أهل هذا الموسم: هل فيهم أحد من مكة؟" فقالوا: نعم. فقال الراهب: "اسألوهم: هل ظهر أحمد بن عبدالله بن عبد المطلب؟ فإن هذا شهر ظهوره، وهو خاتم الأنبياء، سيخرج من الحرم ويهاجر إلى أرض كثيرة النخل والحجارة والملوحة."** فلما عاد الرجل إلى مكة سأل: **"هل حدث أمر جديد؟"** فقالوا: **"نعم، ظهر محمد بن عبدالله الأمين، وادعى النبوة![٣٤].

الشاهد الثالث

في سفر التثنية [٣٥] من التوراة: "جاء الرب من سيناء، وأشرق من ساعير، وتجلى من جبل فاران، ومعه ربوات الأطهار، وفي يمينه نار شريعة."** "مجيء الرب من سيناء"** إشارة إلى نزول التوراة على موسى. "والإشراق من ساعير"** إشارة إلى إعطاء الإنجيل لعيسى. والتجلي من جبل فاران"** إشارة إلى نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، لأن "فاران" من جبال مكة. ويدل على ذلك ما ورد في [٣٦]. عن إسماعيل:"وكان الله مع الغلام (إسماعيل)، فكبر وسكن في البرية، وأصبح قناصًا، وسكن في برية فاران."ومن اللافت أن الإمام الرضا عليه السلام استشهد بهذه الفقرة في مناظرة له مع أهل الكتاب.[٣٧].

مواضيع ذات صلة

الهوامش

  1. راغب الاصفهاني ، المفردات ، ماده النبأ
  2. البقرة: 213
  3. الحديد: 25
  4. النساء:165
  5. مقتبس من موقع الابحاث الاعقائدية
  6. مريم: ٥١.
  7. الحج: ٥٢
  8. تفسیر التبیان، ج ۷، ص ۳۳۱. مجمع البیان، ج ۴، ص ۹۱
  9. تفسیر المنار، ج ۹، ص ۲۲۶ـ۲۲۵
  10. تفسیر الجلالین، تفسیر آیه ۵۲،
  11. تفسیر الكشاف، ج ۲، ص ۳۵۲ـ۱۶۵
  12. تفسیر بیضاوی، ج ۴، ص ۵۷
  13. اسرار الحكم، ص ۳۹۵
  14. مريم: ٥٤
  15. النحل: ٣٦،
  16. الخمینی، روح الله، مصباح الهدایه، ص۴۰-۳۸،
  17. الخمینی، روح الله، مصباح الهدایه، ص۸۲،
  18. جوامع الكلم" خالمینی، روح الله، آداب الصلاة، ص۳۱۰-۳۰۹،
  19. معالم النبوّة في القرآن للشيخ جعفر السبحاني ـ ط. بيروت
  20. الحجر : ۹۹
  21. كتب التفسير الخاصة بالشيعة مثل الميزان ومجمع البيان. وكتب العقائد الشيعيّة وتنزيه الأنبياء للشريف المرتضى
  22. حق اليقين ، ج ۱
  23. الأنفال : ۷٤
  24. حقّ اليقين ، ج ۱. إيمان أبي طالب ـ ط. بيروت
  25. ونهج الحق وكشف الصدق
  26. مقتبس من موقع المعارف الإسلامية
  27. البقرة:124
  28. دروس في العقيدة الاسلامية ،إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية.ط1،ص112-117
  29. مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير الامثل، ج۱، ص۷۵
  30. الأنعام: ١٢٤
  31. "تاريخ جامع بهائيت" لبهرام أفروسيابي
  32. الطباطبائي، محمد حسين، تفسیر المیزان، ج۱، ص۳۳۶
  33. المجلسی، حیات القلوب، ج۳، ص۱۱۲
  34. المجلسی، حیات القلوب، ج۳، ص۱۱۲
  35. الإصحاح ٣٣، الآية ٢
  36. سفر التكوين لإصحاح ٢١، الآية ٢١
  37. الطبرسی، الاحتجاج علی اهل اللجاج، ج۲، ص۴۱۶