الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الجناية»

من ویکي‌وحدت
ط (استبدال النص - '=المصادر=↵{{الهوامش|2}}' ب'== الهوامش == {{الهوامش}}')
 
سطر ٦٠: سطر ٦٠:
<br>إذا وجب القود للقاتل فهلك قبل أن يستقاد منه، سقط القصاص ويرجع إلى الدية بدلالة قوله ( عليه السلام ): لا يطل دم امرئ مسلم، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يسقط [[القصاص]] لا إلى بدل. <ref> الخلاف : 5 / 184 مسألة 50 ، وكان في النسخة : يسقط القصاص لا إلى دية .</ref>
<br>إذا وجب القود للقاتل فهلك قبل أن يستقاد منه، سقط القصاص ويرجع إلى الدية بدلالة قوله ( عليه السلام ): لا يطل دم امرئ مسلم، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يسقط [[القصاص]] لا إلى بدل. <ref> الخلاف : 5 / 184 مسألة 50 ، وكان في النسخة : يسقط القصاص لا إلى دية .</ref>


=المصادر=
== الهوامش ==
{{الهوامش|2}}
{{الهوامش}}
[[تصنيف: الفقه المقارن]]
[[تصنيف: الفقه المقارن]]

المراجعة الحالية بتاريخ ١٨:٢١، ٥ أبريل ٢٠٢٣

الجناية: وهي الجريمة التي يُعاقب عليها الشارع والقانون بالإعدام أَو السجن. ولها أحکام في الفقه الإسلامي وسنذکرها للقارئ الکريم تطبیقاً علی الفقه الإمامية و الحنفية و الشافعية.

أقسام الجناية

الجنايات على ضربين: قتل وغير قتل، فالقتل على ضروب ثلاثة: عمد محض، وخطأ محض، وخطأ شبيه العمد.

الجناية العمدي

فالعمد المحض هو ما وقع من كامل العقل عن قصد بلا خلاف، سواء كان بمحدد، أو مثقل أو سم أو خنق أو تحريق أو تغريق[١]، وفي ذلك خلاف، فعندنا إذا ضربه بمثقل يقصد به القتل غالبا كالدبوس واللت والخشبة الثقيلة والحجر الثقيل فعليه القود، وكذلك إن قتله بكل ما يقصد به القتل غالبا مثل أن حرقه أو غرقه أو غمه حتى يتلف أو هدم عليه بيتا أو طينه عليه بغير طعام حتى مات، أو والى عليه بالخنق فقتله، ففي كل هذا القود، وإن ضربه بعصا خفيفة فقتله ينظر، فإن كان نضو الخلق ضعيف القوة والبطش يموت مثله منها فهو عمد محض، وإن كان قوي الخلقة والبطش لم يكن عمدا محضا، وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمد والشافعي.
وقال أبو حنيفة متى قتله بمثقل وبجميع ما ذكرناه فلا قود، وإليه ذهب الشعبي والنخعي والحسن البصري، وفصل أبو حنيفة وقال لا قود إلا إذا قتله بمثقل حديد أو بمحدد أو النار ففيه القود. [٢]
لنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا}[٣] لأنه لم يفصل بين أن يكون القتل بمحدد أو غيره، وما رووه من قوله ( عليه السلام ): ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل، وأنا والله عاقلته، فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين: إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية، لأنه لم يفرق أيضا. [٤]

الجناية الخطأيي

والخطأ المحض، وهو ما وقع من غير قصد، إليه، ولا إيقاع سببه بالمقتول، نحو أن يقصد المرء رمي طائر مثلا فيصيب إنسانا فقتله، بلا خلاف.

الجناية شبه العمدي

والخطأ شبيه العمد، هو ما وقع من غير قصد إليه، بل إلى إيقاع ما يحصل القتل عنده بما لم تجر العادة بانتفاء الحياة بمثله نحو أن يقصد المرء تأديب من له تأديبه أو معالجة غيره بما جرت العادة بحصول النفع عنده، من مشروب، أو فصد أو غيرهما.
وبما قلنا من أقسام القتل قال أبو حنيفة والشافعي. وقال مالك: القتل ضربان: عمد محض، وخطأ محض، وما سميناه شبيه العمد جعله عمدا، وأوجب فيه القود. والحجة على مالك قوله ( عليه السلام ): ألا إن دية الخطأ شبيه العمد ما كان بالسوط والعصا مئة من الإبل راويه عبادة بن صامت[٥]، وما رواه أيضا عبد الله بن عمر أن النبي ( عليه السلام ) قال: ألا إن في قتل العمد الخطأ بالسوط والعصا مئة من الإبل وهذا نص[٦]

أحکام الجناية

والضرب الأول من القتل موجبة القود بشروط:
منها: أن يكون غير مستحق بلا خلاف.
ومنها: أن يكون القاتل بالغا كامل العقل، فإن حكم العمد ممن ليست هذه حاله حكم الخطأ[٧] روى أصحابنا أن عمد الصبي والمجنون وخطأهما سواء، فعلى هذا يسقط القود عنهما والدية محققة على العاقلة. وللشافعي فيه قولان: أحدهما: ما قلنا والآخر: أن الدية في قتلهما دية العمد المحض مغلظة حالة في ماله، وقال في المجنون: إذا شرب شيئا أو أكل جن منه، فكان كالسكران والسكران كالصاحي. لنا بعد إجماع الإمامية ما روي عن النبي ( عليه السلام )، رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي والمجنون والنائم.[٨]
ومنها: أن لا يكون المقتول مجنونا بلا خلاف بين أصحابنا.
ومنها: أن لا يكون صغيرا، على خلاف بينهم فيه، وظاهر القرآن يقتضي الاستقادة به.[٩] وفي البداية: يقتل الحر بالحر، والعبد بالعبد، والعبد بالحرة والحر بالعبد، والمسلم بالذمي، ولا يقتل بالمستأمن، ويقتل الرجل بالمرأة، والكبير بالصغير، والصحيح بالأعمى والزمن. [١٠]
ومنها: أن لا يكون القاتل حرا والمقتول عبدا، سواء كان عبد نفسه، أو عبد غيره، فإن كان عبد نفسه عزر وعليه الكفارة، وإن كان عبد غيره عزر وغرم قيمته. وهو إجماع الصحابة. وبه قال: الشافعي. وقال أبو حنيفة: يقتل بعبد غيره، ولا يقتل بعبد نفسه، وقال النخعي: يقتل به، سواء كان عبده أو عبد غيره. لنا مضافا إلى إجماع الإمامية قوله تعالى: {الحر بالحر والعبد بالعبد} [١١] وما رووه من قوله ( عليه السلام ): لا يقتل حر بعبد. [١٢]
ومنها: أن لا يكون القاتل والد المقتول[١٣]، وبه قال عمر، وفي الفقهاء: ربيعة والأوزاعي والثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وقال مالك: إن قتله خذفا بالسيف فلا قود، وإن قتله ذبحا أو شق بطنه فعليه القود. وبه قال عثمان البتي.[١٤] لنا ما رووه من قوله ( عليه السلام ) لا يقتل الوالد بولده.
ومنها: أن لا يكون القاتل مسلما والمقتول كافرا سواء كان معاهدا أو مستأمنا أو حربيا[١٥]، وبه قال: في الصحابة علي ( عليه السلام ) وعمر وعثمان وزيد بن ثابت وفي الفقهاء مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: يقتل بالذمي، ولا يقتل بالمستأمن والحربي وإليه ذهب الشعبي والنخعي. لنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} [١٦] بيانا وقوله ( عليه السلام ): لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهدة في عهده. [١٧] ويقتل الحر بالحرة بشرط أن يؤدي أوليائها إلى ورثته الفاضل عن ديتها من ديته وهو النصف. [١٨] خلافا لجميع الفقهاء: فإنهم قالوا يقتل بها، ولا يرد أولياؤها شيئا. [١٩] لنا قوله تعالى: {والأنثى بالأنثى} [٢٠] لأنه يدل أن الذكر لا يقتل بالأنثى إلا أنا أخرجنا من ذلك قتله بها مع الشرط الذي ذكرناه بدليل.

مسائل اخری في أحکام الجناية وديتها

وتقتل الجماعة بالواحد بشرط أن يؤدي ولي الدم إلى ورثتهم الفاضل من دية صاحبه، فإن اختار ولي الدم قتل واحد منهم، كان له ذلك، ويؤدي المستبقون ما يجب عليهم من أقساط الدية إلى ورثة المقاد منه[٢١] وبه قال في الفقهاء: مالك والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق، إلا أنهم لا يعتبرون ما اعتبرناه. وذهبت طائفة إلى أن الجماعة لا تقتل بالواحد، لكن ولي المقتول يقتل منهم واحدا، وتسقط الدية بحسبه ويأخذ من الباقين أو الباقي من الدية على عدد الجناة وهو قول عبد الله بن الزبير ومعاذ بن جبل وابن سيرين والزهري.
وذهبت طائفة إلى أن الجماعة لا تقتل بالواحد ولا واحد منهم، لكن يسقط القود وتجب الدية بالحصة على عدد الجناة ذهب إليه ربيعة بن أبي عبد الرحمن وداود وأهل الظاهر.[٢٢] يدل على ما اعتبرناه أنه أشبه بالعدل وأليق به، ويدل على جواز قتل الجماعة بالواحد بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا} [٢٣] لأنه لم يفرق بين الواحد والجماعة، وأيضا قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة} [٢٤] لأن المعنى أن القاتل إذا علم أنه إذا قتل يقتل كف عن القتل، وكان في ذلك حياته وحياة من هم بقتله، وسقوط القود بالاشتراك في القتل يبطل المقصود بالآية، وقوله تعالى: {النفس بالنفس} [٢٥] و {الحر بالحر} [٢٦] المراد به الجنس لا العدد، فكأنه قال: إن جنس النفوس يؤخذ بجنس النفوس وجنس الأحرار يؤخذ بجنس الأحرار.
ولا تجب الدية في قتل العمد مع تكامل الشروط الموجبة للقود، فإن بذلها القاتل ورضي بها ولي الدم جاز ذلك، وسقط حقه من القصاص.[٢٧] ولا تثبت له الدية على القاتل بغير رضاه، وإنما يثبت المال على القاتل إذا اصطلحوا على مال، قليلا كان أو كثيرا، فأما ثبوت الدية بغير رضاه فلا، وبه قال أبو حنيفة ومالك،
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: أن موجب القتل أصلان: القود أو الدية وهو اختيار أبي حامد. والقول الثاني: موجبه القود فقط، والولي بالخيار بين أن يقتله أو يعفو، فإن قتل فلا كلام، وإن عفا على مال سقط القود وتثبت الدية بدلا عن القود، فتكون الدية على هذا بدلا عن بدل، وعلى القولين معا تثبت الدية بالعفو سواء رضي الجاني ذلك أو سخط، وبه قال في التابعين: سعيد بن المسيب و الحسن البصري وعطاء، وفي الفقهاء أحمد وإسحاق.[٢٨]
ومتى هرب قاتل العمد، ولم يقدر عليه حتى مات، أخذت الدية من ماله، فإن لم يكن له مال، أخذت من الأقرب فالأقرب من أوليائه الذين يرثون الدية.
ويقتل واحد بجماعة فإن اختار أولياء الدم قتله، فلا شئ لهم غيره، فإن تراضوا بالدية فعليه من الديات الكاملة بعدد من قتل، وإن أراد بعض الأولياء القود وبعض الدية، كان لهم ذلك، وإن عفا بعضهم سقط حقه، وبقي حق من لم يعف على مراده[٢٩] وإن بادر واحد منهم فقتله، سقط حق كل واحد من الباقين، وبه قال الشافعي إلا أنه قال: يسقط حق الباقين إلى بدل، وهو كمال الدية في ماله خاصة.
وقال: أبو حنيفة: يتداخل حقوقهم من القصاص، وليس لواحد منهم أن ينفرد بقتله بل يقتل بجماعتهم، فإن قتلوه فقد استوفوا حقوقهم، وإن بادر واحد فقتله فقد استوفى حقه، ويسقط حق الباقين إلى بدل[٣٠] ولو كان المقتول واحدا، وأولياؤه جماعة فاختار بعضهم القود والبعض الآخر الدية أو العفو، جاز قتله بشرط أن يؤدي من أراده إلى مريدي الدية أقساطهم منها، أو إلى ورثة المقاد منه أقساط من عفا.[٣١] وقال الشافعي وباقي الفقهاء: إذا عفا بعض الأولياء عن القود سقط القصاص ووجب للباقين الدية على قدر حقهم. [٣٢]
إذا كان القصاص لابنين فعفى أحدهما عن القصاص، سقط حقه ولم يسقط حق أخيه إذا رد على أولياء المعفو عنه نصف الدية، وقال الشافعي يسقط حقهما عن القصاص لأن القصاص لا يتبعض، وكان لأخيه نصف الدية. [٣٣] لنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا} [٣٤] ومن أسقط القود مع عفو بعض الأولياء، وأراد به الدية فقد ترك الظاهر.
ويجوز لأحد الأولياء استيفاء القصاص من غير استئذان الشركاء فيه، بشرط أن يضمن نصيبهم من الدية[٣٥] وقال جميع الفقهاء: ليس له ذلك حتى يستأذنهم إن كانوا حاضرين، ويقدموا إن كانوا غائبين. [٣٦] لنا بعد إجماع الإمامية ظاهر الآية لأنه ولي فيجب أن يكون له سلطان. ويقتل الذمي بمن قتله من المسلمين، ويرجع على تركته أو أهله بديات الأحرار وقيمة الرقيق، وبما يلحقه من قسط ذلك إذا كان مشاركا في القتل.
إذا قتل العبد الحر، وجب تسليمه إلى ولي الدم وما معه من مال وولد إن شاء قتله ويملك ماله وولده وإن شاء استرقه فإن كان للعبد شريكا للحر في هذا القتل، واختار الأولياء قتل الحر فعلى سيد العبد لورثته نصف ديته، أو تسليم العبد إليهم يكون رقا لهم، وإن اختاروا قتل العبد، كان لهم بلا خلاف بين أصحابنا.
وليس لسيد العبد على الحر سبيل عند الأكثر منهم، وهو الظاهر في الروايات، ومنهم من قال يؤدي الحر إلى سيد العبد نصف قيمته، وإن اختاروا قتلهما جميعا كان لهم ذلك بلا خلاف بين أصحابنا، ومنهم من قال: بشرط أن يردوا قيمة العبد إلى سيده خاصة ومنهم من قال إلى ورثة الحر أيضا.
وإذا قامت البينة بالقتل على إنسان، وأقر آخر بذلك القتل وبرأ المشهود عليه منه فأولياؤه مخيرون بين قبول الدية منهما نصفين، وبين قتلهما ورد نصف ديته على ورثة المشهود عليه دون المقر ببراءته وبين قتل المشهود عليه ويؤدي المقر إلى ورثته نصف ديته وبين قتل المقر ولا شئ لورثته على المشهود عليه، وإذا لم يبرئ المقر المشهود عليه كانا شريكين في القتل متساويين فيما يقتضيه. وإذا أقر إنسان بقتل يوجب القود وأقر آخر بذلك القتل خطأ، كان ولي الدم بالخيار بين قتل المقر، بالعمد ولا شئ لهم على الآخر، وبين أخذ الدية منهما نصفين.
والقود على المباشر للقتل، دون الآمر به أو المكره عليه.[٣٧] وفرض الفقهاء ذلك في الإمام والمتغلب مثل الخوارج والخلاف، في الإمام والآمر واحد، وللشافعي فيه قولان: أحدهما: يجب عليهما القود كأنهما باشرا قتله معا، وبه قال زفر قال: وإن عفا الأولياء فعلى كل واحد منهما نصف الدية والكفارة. والقول الثاني: يجب على الملجئ وحده القود، وعلى الملجأ نصف الدية فإن عفى عن الإمام فعليه نصف الدية، وعلى كل واحد منهما الكفارة، فلا يختلف مذهبه في أن الدية عليهما نصفين وعلى كل واحد منهما الكفارة، وأن على الإمام القود.
وقال أبو حنيفة ومحمد: القود على المكره وحده ولا ضمان على المكره في قود ولا دية ولا كفارة. وقال: أبو يوسف: لا قود على الإمام ولا على المكره، أما المكره فلأنه ملجأ، وأما الإمام فلأنه ما باشر القتل. لنا على ما ذهبنا إليه قوله تعالى: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا} [٣٨] وهذا مقتول ظلما وفيه إجماع الصحابة. [٣٩]
الإمام عندنا لا يأمر بقتل من لا يجب قتله لأنه معصوم، لكن يجوز ذلك في الأمير فمتى أمره بقتل من لا يجب قتله، وعلم المأمور ذلك فقتله، من غير إكراه فإن القود على القاتل بلا خلاف، وإن لم يعلم أن قتله واجب إلا أنه اعتقد أن الإمام لا يأمر بقتل من لا يجب قتله، فقتله، فعند الشافعي لا قود على القاتل وإن القود على الإمام.
والذي يقتضيه مذهبنا أن هذا المأمور إن كان له طريق يعلم به أن قتله محرم، فأقدم من غير توصل إليه فإن عليه القود لأنه متمكن من العلم بذلك، وإن لم يكن من أهل ذلك فلا شئ عليه، وعلى الآمر القود. [٤٠] وقد روي إن كان الآمر سيد العبد، وكان معتادا لذلك قتل السيد وخلد العبد الحبس، وإذا كان نادرا قتل العبد وخلد السيد الحبس. [٤١]
في الخلاف: اختلفت روايات أصحابنا في أن السيد إذا أمر غلامه بقتل غيره فقتله، على من يجب القود؟ فرووا في بعضها: أن على الآمر القود. وفي بعضها: أن على العبد القود ولم يفصلوا. والوجه في ذلك أنه إذا كان العبد مميزا عاقلا يعلم أن ما أمره به معصية، فإن القود على العبد، وإن كان صغيرا أو كبيرا لا يميز، ويعتقد أن جميع ما أمره سيده واجب عليه كان القود على السيد.
قال الشيخ: والأقوى في نفسي أنه إن كان العبد عالما بأنه لا يستحق القتل، أو متمكنا من العلم به، فعليه القود، وإن كان صغيرا أو مجنونا [٤٢] فإنه يسقط القود ويجب فيه الدية، قال الشافعي: إن كان العبد صغيرا لا يعقل ويعتقد أن كل ما يأمره سيده فعليه فعله أو كان كبيرا أعجميا جاهلا يعتقد طاعة مولاه واجبة وحتما في كل ما يأمر به ولا يعلم أنه لا طاعة في معصية الله تعالى فعلى السيد القود لأن العبد منصرف عن رأيه فكان كالآلة بمنزلة السكين والسيف. [٤٣]
وإذا اجتمع ثلاثة في قتل واحد فأمسك أحدهم، وضرب الآخر وكان الثالث عينا لهم، قتل القاتل، وخلد الممسك الحبس وسملت عين الرقيب[٤٤]، وبه قال: ربيعة في القاتل والممسك. وقال الشافعي: إن أمسكه متلاعبا مازحا فلا شئ عليه، وإن أمسكه للقتل أو للضرب ولم يعلم أنه يقتله فقد عصى وأثم، وعليه التعزير، ورووا ذلك عن علي ( عليه السلام ) وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه. وقال مالك: إذا كان متلاعبا لا شئ عليه، وإن كان للقتل فعليهما القود معا، كما لو اشتركا في قتله. وأما الثالث وهو العين قلنا يسمل عينه ولا يقتل.
قال أبو حنيفة: يجب عليه القتل دون الممسك. وقال مالك: يجب على الممسك دونه. وقال الشافعي: يجب القتل على المباشر دونهما. لنا مضافا إلى إجماع الإمامية ما روي عن النبي ( عليه السلام ) أنه قال: يقتل القاتل ويصبر الصابر، وقال أبو عبيد: معناه يحبس الحابس. [٤٥] وإذا قتل السيد عبده بالغ السلطان في تأديبه وأغرمه قيمته، وتصدق بها، فإن كان معتادا لقتل الرقيق مصرا عليه قتل لفساده في الأرض لا على وجه القصاص، وكذا لو كان معتادا لقتل أهل الذمة. [٤٦]
وإذا قتل عبد غيره عزر وغرم قيمته. وهو إجماع الصحابة. وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يقتل بعبد غيره، ولا يقتل بعبد نفسه. وقال النخعي: يقتل به سواء عبده أو عبد غيره. [٤٧] ولا يستقيد إلا سلطان الإسلام، أو من يأذن له في ذلك، وهو ولي من ليس له ولي من أهله، يقتل بالعمد أو يأخذ الدية، ويأخذ دية الخطأ، ولا يجوز له العفو كغيره من الأولياء.
ولا يستقاد إلا بضرب العنق ولا يجوز له القتل بغير الحديد وإن كان هو فعل ذلك بلا خلاف بين أصحابنا في ذلك كله. [٤٨] وقال الشافعي: قتل بما قتل، وقال أبو حنيفة: لا يستقاد منه إلا فيما قتل بمثقل الحديد أو النار، ولا يستقاد منه إلا بالحديد مثل ما قلناه. لنا بعد إجماع الإمامية و أخبارهم قوله ( عليه السلام ): لا قود إلا بحديد وهذا خبر معناه النهي. [٤٩]
ومن أصحابنا من قال: إن قصاص الطرف يدخل في قصاص النفس، وكذلك ديته تدخل في دية النفس ومنهم من قال: إن قطع يده أو قلع عينه ثم قتله بفعل آخر، فعل به مثل ذلك ثم قتل، وظاهر قوله تعالى: {والجروح قصاص} [٥٠] وقوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [٥١] معه[٥٢]
قال الشيخ في الخلاف: يدخل[٥٣] قصاص الطرف في قصاص النفس، ودية الطرف تدخل في دية النفس، مثل أن يقطع يده ثم يقتله، أو يقلع عينه ثم يقتله، فليس عليه إلا القود أو دية النفس، ولا يجمع بينهما، وقال الشافعي: لا يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس ويدخل دية الطرف في دية النفس كما بيناه.
وقال الإصطخري: لا يدخل دية الطرف في دية النفس أيضا وقال أبو حنيفة: يدخلان جميعا في النفس في القصاص وفي الدية. [٥٤] الأم إذا قتلت ولدها قتلت به، وكذلك أمهاتها وأمهات الأب، وأما الأجداد فيجرون مجرى الأب لا يقادون به لتناول اسم الأب لهم. وقال الشافعي وباقي الفقهاء: لا يقاد الأم ولا واحد من الأجداد والجدات في الطرفين بالولد. [٥٥]
إذا قطع واحد يد إنسان، وآخر رجله [٥٦] وأوضحه الثالث، فسرى إلى نفسه، فهم قتلة، فإن أراد ولي الدم قتلهم، قتلهم وليس له أن يقتص منهم ثم يقتلهم. وقال الشافعي: له أن يقطع قاطع اليد ثم يقتله ويقطع رجل القاطع ثم يقتله وكذلك أوضح الذي أوضحه ثم يقتله. [٥٧]
إذا أخذ صغيرا فحبسه ظلما، فوقع عليه حائط أو قتله سبع أو لسعته حية أو عقرب كان عليه ضمانه، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: لا ضمان عليه. [٥٨]
إذا جعل السم في طعام نفسه، وقرّبه إلى الغير، ولم يعلمه أنه مسموم، فأكله، فعليه القود، لأنه كالقاتل له بتعريضه لأكل الطعام. وللشافعي فيه قولان: أحدهما ما قلناه، والآخر: لا قود عليه، بل عليه الدية. [٥٩]
إذا وجب القود للقاتل فهلك قبل أن يستقاد منه، سقط القصاص ويرجع إلى الدية بدلالة قوله ( عليه السلام ): لا يطل دم امرئ مسلم، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يسقط القصاص لا إلى بدل. [٦٠]

الهوامش

  1. الغنية : 401 .
  2. الخلاف : 5 / 159 مسألة 18 .
  3. الإسراء : 33 .
  4. الغنية 402 .
  5. ابن قيس ، الأنصاري ، الخزرجي ، أبو الوليد المدني ، شهد العقبة الأولى والثانية وهو أحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة روى عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) . مات بالرملة من أرض الشام سنة ( 34 ) وهو ابن ( 72 ) سنة . تهذيب الكمال : 14 / 183 رقم 3107 .
  6. الغنية 402 - 403 ، والخلاف 5 / 217 مسألة 2 ، وليس في الخلاف ذكر لعبادة بن الصامت بل نسب الحديث إلى ابن عمر.
  7. الغنية : 403 .
  8. الخلاف : 5 / 270 مسألة 87 .
  9. الغنية 403 .
  10. الهداية في شرح البداية : 4 / 444 .
  11. البقرة : 178 .
  12. الخلاف : 5 / 148 مسألة 4 .
  13. الغنية : 403 .
  14. الخلاف : 5 / 151 مسألة 9 ، الغنية : 403 .
  15. الغنية : 404 .
  16. النساء : 141 .
  17. الخلاف : 5 / 145 مسألة 2 .
  18. الغنية : 404 .
  19. الخلاف : 5 / 145 مسألة 1 .
  20. البقرة 178 .
  21. الغنية : 404 .
  22. الخلاف : 5 / 155 مسألة 14 .
  23. الإسراء : 33 .
  24. البقرة : 179 .
  25. المائدة : 45 .
  26. البقرة 178 .
  27. الغنية 405 .
  28. الخلاف : 5 / 176 مسألة 40 .
  29. الغنية 405 .
  30. الخلاف : 5 / 182 مسألة 47 .
  31. الغنية : 406 .
  32. الخلاف : 5 / 153 مسألة 12 .
  33. الخلاف : 5 / 181 مسألة 44 .
  34. الإسراء : 33 .
  35. الغنية : 406 .
  36. الخلاف : 5 / 181 مسألة 44 .
  37. الغنية 406 - 407 .
  38. الإسراء : 33 .
  39. الخلاف : 5 / 166 مسألة 29 .
  40. الخلاف : 5 / 166 مسألة 28 .
  41. الغنية 407 .
  42. كذا في الخلاف ، وفي النسخة : أو موؤفا به .
  43. الخلاف : 5 / 168 مسألة 30 .
  44. الغنية : 407 .
  45. الخلاف 5 / 174 مسألة 36 و 37 .
  46. الغنية 407 .
  47. الخلاف : 5 / 148 مسألة 4 .
  48. الغنية : 408 .
  49. الخلاف : 5 / 189 مسألة 5 .
  50. المائدة : 4 .
  51. البقرة 194 .
  52. الغنية 407 - 408 .
  53. في النسخة : لا يدخل .
  54. الخلاف : 5 / 163 مسألة 23 .
  55. الخلاف : 5 / 152 مسألة 10 .
  56. في النسخة : وآخر يده . والتصويب من الخلاف ، والسياق يقتضيه .
  57. الخلاف : 5 / 158 مسألة 16 .
  58. الخلاف : 5 / 161 مسألة 19 .
  59. الخلاف : 5 / 170 مسألة 31 .
  60. الخلاف : 5 / 184 مسألة 50 ، وكان في النسخة : يسقط القصاص لا إلى دية .