انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «محمد عاكف»

أُضيف ١٠٠ بايت ،  ٥ يوليو ٢٠٢١
لا يوجد ملخص تحرير
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ٣٠: سطر ٣٠:
</div>
</div>
'''محمّد عاكف''': شاعر [[الوحدة الإسلامية]] في [[تركيا]]، ومصلح ديني.
'''محمّد عاكف''': شاعر [[الوحدة الإسلامية]] في [[تركيا]]، ومصلح ديني.
<br>كان والد عاكف مدرّساً في مدرسة الفاتح بإسطنبول، وذا نزعة دينية حميدة، فحين وُلد نجله الشاعر سنة 1873 م اهتمّ بتربيته وألحقه بالمدارس النظامية، فنال قدراً من التعليم المدني أهّله إلى الالتحاق بكلّية الطبّ البيطري، فتخرّج منها ظافراً بشهادتها النهائية، وفي الوقت نفسه زاوج تعليمه، فحفظ القرآن، وروى الحديث، ودرس اللغة العربية والفارسية والفرنسية مع التركية، فكانت دراسته الشخصية ذات أثر بالغ في حياته؛ لأنّه حين دعا إلى الوحدة الإسلامية كان يغترف من قراءاته الخاصّة.
=الولادة والدراسة=
<br>وكان هناك رجلان طغيا على تفكيره في صدر شبابه، فأثّر كلاهما بشخصيته تأثيراً قوياً في نفس الشاعر:<br>أمّا الرجل الأوّل ف  [[جمال الدين الأفغاني]]، وهو أُستاذ المصلحين في ربوع الإسلام، فتح عيونهم على الهوّة العميقة التي تنحدر إليها ممالك الإسلام بتكالب أوروبّا ومكايد أحقادها الثائرة، ورسم الطريق إلى الخلاص بإيضاح حقوق الحاكم وواجباته، <br>
كان والد عاكف مدرّساً في مدرسة الفاتح بإسطنبول، وذا نزعة دينية حميدة، فحين وُلد نجله الشاعر سنة 1873 م اهتمّ بتربيته وألحقه بالمدارس النظامية، فنال قدراً من التعليم المدني أهّله إلى الالتحاق بكلّية الطبّ البيطري، فتخرّج منها ظافراً بشهادتها النهائية، وفي الوقت نفسه زاوج تعليمه، فحفظ القرآن، وروى الحديث، ودرس اللغة العربية والفارسية والفرنسية مع التركية، فكانت دراسته الشخصية ذات أثر بالغ في حياته؛ لأنّه حين دعا إلى الوحدة الإسلامية كان يغترف من قراءاته الخاصّة.
=التأثر من السيد جمال الدين و أبو الهدى الصيّادي=
وكان هناك رجلان طغيا على تفكيره في صدر شبابه، فأثّر كلاهما بشخصيته تأثيراً قوياً في نفس الشاعر:<br>أمّا الرجل الأوّل ف  [[جمال الدين الأفغاني]]، وهو أُستاذ المصلحين في ربوع الإسلام، فتح عيونهم على الهوّة العميقة التي تنحدر إليها ممالك الإسلام بتكالب أوروبّا ومكايد أحقادها الثائرة، ورسم الطريق إلى الخلاص بإيضاح حقوق الحاكم وواجباته، <br>
وتحقيق سعادة الرعية ورفاهتها، والانضواء تحت ألوية المعرفة والحضارة بعيداً عن الجمود والقنوط والاستسلام، ثمّ الدعوة إلى وحدة شاملة عزيزة تجمع ممالك الإسلام نحو هدف واحد!<br>هذه الآراء قد لمست من قلب عاكف وتراً حسّاساً، فهام بها واعتنقها، <br>
وتحقيق سعادة الرعية ورفاهتها، والانضواء تحت ألوية المعرفة والحضارة بعيداً عن الجمود والقنوط والاستسلام، ثمّ الدعوة إلى وحدة شاملة عزيزة تجمع ممالك الإسلام نحو هدف واحد!<br>هذه الآراء قد لمست من قلب عاكف وتراً حسّاساً، فهام بها واعتنقها، <br>
وأصدر جريدتين كبيرتين للدعاية لها، ورسم طريقه في الإصلاح على نهجها، منجذباً إلى تلاميذ جمال الدين ممّن يجتمعون معه في الرأي والاتّجاه، فترجم كثيراً من آراء محمّد عبده إلى اللغة التركية، لا سيّما ردّه المفحم على «هانوتو» وبعض تفسيراته العصرية لآيات من كتاب اللَّه... كما كان معجباً أكثر الإعجاب بالمدافعين عن الإسلام في العربية من أمثال محمّد فريد وجدي؛ <br>
وأصدر جريدتين كبيرتين للدعاية لها، ورسم طريقه في الإصلاح على نهجها، منجذباً إلى تلاميذ جمال الدين ممّن يجتمعون معه في الرأي والاتّجاه، فترجم كثيراً من آراء محمّد عبده إلى اللغة التركية، لا سيّما ردّه المفحم على «هانوتو» وبعض تفسيراته العصرية لآيات من كتاب اللَّه... كما كان معجباً أكثر الإعجاب بالمدافعين عن الإسلام في العربية من أمثال محمّد فريد وجدي؛ <br>
سطر ٣٧: سطر ٣٩:
<br>أمّا الرجل الثاني صاحب التأثير البعيد في نفس عاكف فقد كان أبا الهدى الصيّادي ذا النفوذ البعيد لدى عبد الحميد، فقد تزيّى بزيّ رجال الدين، ونصّب نفسه حامياً للشرع والخليفة، وهو في أطواء نفسه أفّاق محتال يعمل لرغبات شخصية، لا يبالي أن تتجاوز حدود اللَّه، <br>
<br>أمّا الرجل الثاني صاحب التأثير البعيد في نفس عاكف فقد كان أبا الهدى الصيّادي ذا النفوذ البعيد لدى عبد الحميد، فقد تزيّى بزيّ رجال الدين، ونصّب نفسه حامياً للشرع والخليفة، وهو في أطواء نفسه أفّاق محتال يعمل لرغبات شخصية، لا يبالي أن تتجاوز حدود اللَّه، <br>
ناصباً شتّى المؤامرات لإبادة من يجبهه بكلمة الحقّ!<br>هذا الداهية الوصولي قد أثّر في نفس عاكف تأثيراً لا يقلّ عن أثر جمال الدين، وإن اختلف اتّجاه التأثيرين إلى درجة التناقض، حيث إنّ '''محمّد عاكف''' قد عزّ عليه أن يكون الإسلام السمح بعدله وإنسانيته ستاراً يحتمي به الممخرقون من أدعياء الولاية والتصوّف! وهاله أن يعدّ هذا الأفّاق المحترف مع أشياعه من كبار حماته وأساطين أعلامه، ثمّ يقترفون الأوزار، فترجع في نظر الناس إلى دينهم البري‏ء لا إلى فسوقهم الشائن، فصمّم على أن يقوم بدعوة الإصلاح الديني؛ ليفضح هؤلاء الفجرة المارقين.
ناصباً شتّى المؤامرات لإبادة من يجبهه بكلمة الحقّ!<br>هذا الداهية الوصولي قد أثّر في نفس عاكف تأثيراً لا يقلّ عن أثر جمال الدين، وإن اختلف اتّجاه التأثيرين إلى درجة التناقض، حيث إنّ '''محمّد عاكف''' قد عزّ عليه أن يكون الإسلام السمح بعدله وإنسانيته ستاراً يحتمي به الممخرقون من أدعياء الولاية والتصوّف! وهاله أن يعدّ هذا الأفّاق المحترف مع أشياعه من كبار حماته وأساطين أعلامه، ثمّ يقترفون الأوزار، فترجع في نظر الناس إلى دينهم البري‏ء لا إلى فسوقهم الشائن، فصمّم على أن يقوم بدعوة الإصلاح الديني؛ ليفضح هؤلاء الفجرة المارقين.
<br>وكان طريقه في مفتتح حياته شاقّاً تهبّ به الأعاصير في كلّ اتّجاه، ولكنّه استطاع أن يكون ذا أنصار وأتباع بجهاده الصابر ودفاعه المستميت!<br>وقد كان إلى ذلك كلّه أُستاذاً في الجامعة التركية، وعضواً في المجلس الوطني، وصاحب مجلّتي «'''الصراط المستقيم، وسبيل الرشاد'''»، وكلّ ذلك يجعله ممّن يقولون فيسمعون، بل إنّه ما وصل إلى مكان القيادة في الجامعة والمجلس الوطني إلّابما عُرف عنه من سداد وإخلاص.
<br>وكان طريقه في مفتتح حياته شاقّاً تهبّ به الأعاصير في كلّ اتّجاه، ولكنّه استطاع أن يكون ذا أنصار وأتباع بجهاده الصابر ودفاعه المستميت!<br>وقد كان إلى ذلك كلّه أُستاذاً في الجامعة التركية، وعضواً في المجلس الوطني، وصاحب مجلّتي «'''الصراط المستقيم، وسبيل الرشاد'''»، وكلّ ذلك يجعله ممّن يقولون فيسمعون، بل إنّه ما وصل إلى مكان القيادة في الجامعة والمجلس الوطني إلّابما عُرف عنه من سداد وإخلاص. ولم يخدم الفكرة الإسلامية بقلمه الثائر وحده، بل بدواوينه الخمسة التي توالت حارّة قوية نفّاذة، تحت عنوان واحد هو «الصفحات»، وإذا كان الشعر أخلد من النثر؛ لكثرة رواته وعظيم تأثيره، فإنّ الكاتب المصلح محمّد عاكف قد شاء له القدر أن يدخل حرم التاريخ من باب الشعر على أن يذكر جهاده الإصلاحي الدائب وكفاحه العلمي الثائر من بين معارجه الرفيعة التي حملته إلى ذروة الوحي فتلقّى أشعّة الإلهام ليترنّم بها أبناء اللغة التركية في فخر وإكبار.
<br>ولم يخدم الفكرة الإسلامية بقلمه الثائر وحده، <br>
<br>وقد كان ادّعاء [[أبي الهدى الصيّادي]] سمت التصوّف دافعاً للشاعر أن يبحث عن أُصول التصوّف الحقيقي في الإسلام، فدرس فطاحل المتصوّفين في العربية والفارسية والتركية، واشتدّ إعجابه بابن الفارض في العربية وبسعدي الشيرازي في الفارسية، حتّى ترجم عنه أكثر أشعاره في صدر شبابه بمجلّة «ثروت فنون»، ففتح عيون القارئين على بحر عميق الغور، ووصل بين الفارسية والتركية بأسباب أكيدة فوق ما عرف عن اللغتين من الامتزاج المتقارب في بعض الوجوه والسمات.
بل بدواوينه الخمسة التي توالت حارّة قوية نفّاذة، تحت عنوان واحد هو «الصفحات»، وإذا كان الشعر أخلد من النثر؛ لكثرة رواته وعظيم تأثيره، فإنّ الكاتب المصلح محمّد عاكف قد شاء له القدر أن يدخل حرم التاريخ من باب الشعر على أن يذكر جهاده الإصلاحي الدائب وكفاحه العلمي الثائر من بين معارجه الرفيعة التي حملته إلى ذروة الوحي فتلقّى أشعّة الإلهام ليترنّم بها أبناء اللغة التركية في فخر وإكبار.
<br>وقد كان ادّعاء <br>
[[أبي الهدى الصيّادي]] سمت التصوّف دافعاً للشاعر أن يبحث عن أُصول التصوّف الحقيقي في الإسلام، فدرس فطاحل المتصوّفين في العربية والفارسية والتركية، واشتدّ إعجابه بابن الفارض في العربية وبسعدي الشيرازي في الفارسية، حتّى ترجم عنه أكثر أشعاره في صدر شبابه بمجلّة «ثروت فنون»، ففتح عيون القارئين على بحر عميق الغور، ووصل بين الفارسية والتركية بأسباب أكيدة فوق ما عرف عن اللغتين من الامتزاج المتقارب في بعض الوجوه والسمات.
<br>على أنّ أكبر أديب احتلّ شعوره وملك عليه منافذ تفكيره كان الشاعر المعاصر محمّد إقبال؛ إذ أنّ صيحات إقبال العظيم في إيقاظ الشعور الإسلامي قد وجدت صداها الرنّان في نفس عاكف، فكانت دواوينه الرائعة سلوى نفسه ومثار عواطفه... يتحدّث عنه صديقه الكبير الدكتور عبد الوهّاب عزّام حين ودّع الحياة في 29 ديسمبر سنة 1936 م، فيقول بالعدد (187) من مجلّة «الرسالة» الغرّاء: «وكم تحدّثنا وقرأنا في سيرنا وجلوسنا في الآداب الثلاثة العربية والفارسية والتركية، وكنت أُحبّ أن أقرأ عليه شعره، وكان يسرّه أن يستمع إليه، وكانت كلّ أحاديثنا وقراءاتنا متعة نجتمع فيها على الفكر والذوق والأمل والألم، وكان أطيب المجالس مجلساً نفرغ فيه إلى شعر محمّد إقبال، <br>
<br>على أنّ أكبر أديب احتلّ شعوره وملك عليه منافذ تفكيره كان الشاعر المعاصر محمّد إقبال؛ إذ أنّ صيحات إقبال العظيم في إيقاظ الشعور الإسلامي قد وجدت صداها الرنّان في نفس عاكف، فكانت دواوينه الرائعة سلوى نفسه ومثار عواطفه... يتحدّث عنه صديقه الكبير الدكتور عبد الوهّاب عزّام حين ودّع الحياة في 29 ديسمبر سنة 1936 م، فيقول بالعدد (187) من مجلّة «الرسالة» الغرّاء: «وكم تحدّثنا وقرأنا في سيرنا وجلوسنا في الآداب الثلاثة العربية والفارسية والتركية، وكنت أُحبّ أن أقرأ عليه شعره، وكان يسرّه أن يستمع إليه، وكانت كلّ أحاديثنا وقراءاتنا متعة نجتمع فيها على الفكر والذوق والأمل والألم، وكان أطيب المجالس مجلساً نفرغ فيه إلى شعر محمّد إقبال، <br>
فقد عرّفني رحمه الله بإقبال يوم أعارني ديوانه «بيام مشرق»، فإذا صفا الوقت عمدت إلى أحد كتب إقبال فقرأت، واستمع مُقبلًا مستغرقاً، يقطع إنشادي في الحين بعد الحين بالاستعادة أو الاستحسان أو التعجّب أو التأوّه، وشدّ ما كان يثير إقبال نفسه أو يثلج صدره وشدّ ما كان يحزنه أو يفرحه، وأذكر أنّنا بدأنا كتاب إقبال «أسرار خودي»، فوالينا الجلسات حتّى أنهيناه إنشاداً، ثمّ أتبعنا به أخاه «رموز بي خودي»، فختمناه على شوق إلى الإعادة».
فقد عرّفني رحمه الله بإقبال يوم أعارني ديوانه «بيام مشرق»، فإذا صفا الوقت عمدت إلى أحد كتب إقبال فقرأت، واستمع مُقبلًا مستغرقاً، يقطع إنشادي في الحين بعد الحين بالاستعادة أو الاستحسان أو التعجّب أو التأوّه، وشدّ ما كان يثير إقبال نفسه أو يثلج صدره وشدّ ما كان يحزنه أو يفرحه، وأذكر أنّنا بدأنا كتاب إقبال «أسرار خودي»، فوالينا الجلسات حتّى أنهيناه إنشاداً، ثمّ أتبعنا به أخاه «رموز بي خودي»، فختمناه على شوق إلى الإعادة».
سطر ٧٣: سطر ٧٢:
<br>أقول: وأدعو له أنا أيضاً بما دعا له الدكتور البيّومي.
<br>أقول: وأدعو له أنا أيضاً بما دعا له الدكتور البيّومي.


== المراجع ==
= المراجع =
(انظر ترجمته في: النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين 1: 375- 387).
(انظر ترجمته في: النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين 1: 375- 387).
<br>
<br>
٤٬٩٤١

تعديل