confirmed
١٬٦٣٠
تعديل
Abolhoseini (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''التجرّي:''' وهو اصطلاحٌ أصوليٌ مقابل الانقياد، والمراد به العمل بالشئ باعتقاد أنّه حرامٌ...') |
Abolhoseini (نقاش | مساهمات) لا ملخص تعديل |
||
سطر ٦: | سطر ٦: | ||
=تعريف التجرّي اصطلاحاً= | =تعريف التجرّي اصطلاحاً= | ||
وهو مخالفة الحجّة غير المصادفة للواقع<ref>. القواعد الفقهية البجنوردي 3: 331.</ref>. أو هو: مخالفة القطع بالحكم حال كونه مخالفا للواقع<ref>. جواهر الأصول الصدر: 45.</ref>. | وهو مخالفة الحجّة غير المصادفة للواقع<ref>. القواعد الفقهية البجنوردي 3: 331.</ref>. أو هو: مخالفة القطع بالحكم حال كونه مخالفا للواقع<ref>. جواهر الأصول الصدر: 45.</ref>. | ||
<br>والتعريف الأوّل أبين في إفادة المطلوب، حيث يشمل جميع موارد قيام الحجّة سواء كانت بالقطع أو الظنّ المعتبر أو [[الأصول العملية]] المنجزة<ref>. أنظر: فوائد الأصول 3: 53، مصباح الأصول 2: 18.</ref>، ولايختصّ بالقطع كما هو ظاهر التعريف الثاني، وقد يكون ذكر القطع فيه من باب كونه أظهر أفراد الحجّة. | <br>والتعريف الأوّل أبين في إفادة المطلوب، حيث يشمل جميع موارد قيام الحجّة سواء كانت بالقطع أو [[الظنّ المعتبر]] أو [[الأصول العملية]] المنجزة<ref>. أنظر: فوائد الأصول 3: 53، مصباح الأصول 2: 18.</ref>، ولايختصّ بالقطع كما هو ظاهر التعريف الثاني، وقد يكون ذكر القطع فيه من باب كونه أظهر أفراد الحجّة. | ||
<br>ويمثّل للتجرّي بمن يشرب سائلاً ما يعتقده خمرا، ثُمّ يتبيّن كونه ماء في الواقع<ref>. أنظر: مصباح الأصول 2: 18.</ref>، أو الذي يقتل إنسانا يعتقده معصوم الدم، ثُمّ يتبيّن كونه مهدوره<ref>. أنظر: قواعد الأحكام ابن عبد السلام 1: 33.</ref>. فإنّ المتجرّي في الفروض المذكورة قد تجرّى على الشارع لارتكابه ما يعتقده حراما وإن لم يكن هو كذلك في الواقع. | <br>ويمثّل للتجرّي بمن يشرب سائلاً ما يعتقده خمرا، ثُمّ يتبيّن كونه ماء في الواقع<ref>. أنظر: مصباح الأصول 2: 18.</ref>، أو الذي يقتل إنسانا يعتقده معصوم الدم، ثُمّ يتبيّن كونه مهدوره<ref>. أنظر: قواعد الأحكام ابن عبد السلام 1: 33.</ref>. فإنّ المتجرّي في الفروض المذكورة قد تجرّى على [[الشارع]] لارتكابه ما يعتقده حراما وإن لم يكن هو كذلك في الواقع. | ||
<br>وكذلك لو قامت الحجّة عنده مِنْ ظنّ معتبر أو أصل عملي على كون المائع المذكور خمرا أو كون الإنسان المعيّن معصوم الدم وأقدم على ذلك وتبيّن عدم مطابقة الحجّة الشرعية للواقع، وأنّه لم يكن مرتكبا للحرام؛ فإنّه بذلك يكون قد تجرّى على مولاه وخالقه بمخالفة الحجّة الفعلية في حقّه، بل التجرّي يشمل حتّى صورة احتمال وجود التكليف. | <br>وكذلك لو قامت الحجّة عنده مِنْ ظنّ معتبر أو أصل عملي على كون المائع المذكور خمرا أو كون الإنسان المعيّن معصوم الدم وأقدم على ذلك وتبيّن عدم مطابقة الحجّة الشرعية للواقع، وأنّه لم يكن مرتكبا للحرام؛ فإنّه بذلك يكون قد تجرّى على مولاه وخالقه بمخالفة الحجّة الفعلية في حقّه، بل التجرّي يشمل حتّى صورة احتمال وجود التكليف. | ||
<br>والتجرّي عنوان لمصطلح أصولي استخرجه [[الأصوليون]] من مجموعة من الفروع الفقهية التي يذكرها الفقهاء<ref>. أنظر: قواعد الأحكام ابن عبد السلام 1: 33، القواعد والفوائد 1: 107 ـ 108.</ref>: | <br>والتجرّي عنوان لمصطلح أصولي استخرجه [[الأصوليون]] من مجموعة من الفروع الفقهية التي يذكرها الفقهاء<ref>. أنظر: قواعد الأحكام ابن عبد السلام 1: 33، القواعد والفوائد 1: 107 ـ 108.</ref>: | ||
سطر ٢٠: | سطر ٢٠: | ||
==العصيان== | ==العصيان== | ||
وهو مخالفة الحجّة المصادفة للواقع<ref>. منتهى الأصول 2: 31.</ref>. | وهو مخالفة الحجّة المصادفة للواقع<ref>. منتهى الأصول 2: 31.</ref>. | ||
التجرّي بحسب اللغة أعم من | <br>التجرّي بحسب اللغة أعم من [[العصيان]]، وبحسب الاصطلاح الأصولي مباين له<ref>. المصدر السابق: 30.</ref>، و [[الفرق بين العصيان والتجرّي]] مع اشتراكهما في كون كلّ منهما يعتقد مخالفته لأحكام [[الشارع]] هو أنّ العصيان مخالفة لأحكام [[الشارع]] الثابتة واقعا فهو يشرب ما يعتقد كونه خمرا ويصادف فعله هذا الخمر واقعا، بينما التجرّي مخالفة لما يعتقد كونه من أحكام [[الشارع]] مع عدم ثبوته واقعا، فهو يشرب السائل الذي يعتقده خمرا ويظهر عدم كونه خمرا في الواقع. | ||
==[[الانقياد]]== | ==[[الانقياد]]== | ||
وهو موافقة الحجّة غير المصادفة للواقع والعمل على طبقها<ref>. المصدر السابق: 31.</ref>. | وهو موافقة الحجّة غير المصادفة للواقع والعمل على طبقها<ref>. المصدر السابق: 31.</ref>. | ||
كما لو قامت الحجة الشرعية عنده على وجوب أو استحباب عمل ما وأتى بهذا العمل قاصدا امتثال أمر الشارع وظهر عدم وجوبه أو استحبابه في واقع الأمر. | كما لو قامت الحجة الشرعية عنده على وجوب أو استحباب عمل ما وأتى بهذا العمل قاصدا امتثال أمر [[الشارع]] وظهر عدم وجوبه أو استحبابه في واقع الأمر. | ||
<br>و [[الفرق بين الانقياد والتجرّي]] مع اشتراكهما في عدم المطابقة للواقع هو أنّه في [[الانقياد]] يُعتقد الموافقة للواقع، وفي التجرّي يُعتقد المخالفة للواقع. | |||
=أقسام التجرّي= | =أقسام التجرّي= | ||
ذكروا أقساما عديدة للتجرّي، لكن يمكن إرجاعها إلى ثلاثة أقسام رئيسة<ref>. أنظر: فرائد الأصول 1: 48 ـ 49، فوائد الأصول 3: 50 ـ 51، نهاية الأفكار 3: 41، حقائق الأصول 2: 14.</ref>: | ذكروا أقساما عديدة للتجرّي، لكن يمكن إرجاعها إلى ثلاثة أقسام رئيسة<ref>. أنظر: فرائد الأصول 1: 48 ـ 49، فوائد الأصول 3: 50 ـ 51، نهاية الأفكار 3: 41، حقائق الأصول 2: 14.</ref>: | ||
القسم الأوّل: مجرّد القصد إلى فعل المعصية من دون الشروع بمقدّماته. | <br>'''القسم الأوّل:''' مجرّد القصد إلى فعل المعصية من دون الشروع بمقدّماته. | ||
القسم الثاني: القصد إلى فعل المعصية الواقعية مع الشروع ببعض مقدّماته، لكن صَرَفه صارف عن ارتكاب نفس المعصية، كأن أراد أن يشرب الخمر واشتراه من السوق، لكنّه تلف عنده ولم يشربه. | <br>'''القسم الثاني:''' القصد إلى فعل المعصية الواقعية مع الشروع ببعض مقدّماته، لكن صَرَفه صارف عن ارتكاب نفس المعصية، كأن أراد أن يشرب الخمر واشتراه من السوق، لكنّه تلف عنده ولم يشربه. | ||
القسم الثالث: القصد إلى المعصية مع التلبس بما يعتقده معصية، مع عدم كونه كذلك واقعا، كأن أراد أن يشرب الخمر فشرب ما يعتقده خمرا، فتبيّن أنّه خل أو ماء. | <br>'''القسم الثالث:''' القصد إلى المعصية مع التلبس بما يعتقده معصية، مع عدم كونه كذلك واقعا، كأن أراد أن يشرب الخمر فشرب ما يعتقده خمرا، فتبيّن أنّه خل أو ماء. | ||
والقسم الأوّل خارج عن محلّ النزاع؛ لأنّ مجرّد القصد والنية إلى المعصية لا أثر لها عقابا أو ذمّا<ref>. القواعد والفوائد 1: 107.</ref>، وإنّما الكلام في القسم الثاني والثالث. | <br>والقسم الأوّل خارج عن محلّ النزاع؛ لأنّ مجرّد القصد والنية إلى المعصية لا أثر لها عقابا أو ذمّا<ref>. القواعد والفوائد 1: 107.</ref>، وإنّما الكلام في القسم الثاني والثالث. | ||
=أحکام التجرّي= | =أحکام التجرّي= | ||
لا إشكال في حرمة واستحقاق العقاب على مخالفة أحكام الشارع مع مطابقة الحجّة للواقع وكون ما خالفه من أحكامه الثابتة في الواقع، لكن البحث فيما إذا خالف المكلّف ما يعتقد كونه من أحكام | لا إشكال في حرمة واستحقاق العقاب على مخالفة [[أحكام الشارع]] مع مطابقة الحجّة للواقع وكون ما خالفه من أحكامه الثابتة في الواقع، لكن البحث فيما إذا خالف [[المكلّف]] ما يعتقد كونه من أحكام [[الشارع]]، مع عدم كونه كذلك في واقع الأمر. | ||
والبحث في التجرّي تارة يقع في الحرمة والإثم شرعا، وثانية في القبح العقلي وحكم العقل في مورده، وثالثة في استحقاق المتجرّي | <br>والبحث في التجرّي تارة يقع في الحرمة والإثم شرعا، وثانية في [[القبح العقلي]] وحكم العقل في مورده، وثالثة في [[استحقاق المتجرّي للعقاب]]، ولكلّ ملاكه الخاصّ به، فالبحث يقع في ثلاثة محاور: | ||
==حرمة التجرّي والإثم عليه شرعا== | ==حرمة التجرّي والإثم عليه شرعا== | ||
والبحث في حرمة التجرّي مركزه حكم الشارع بحرمة التجرّي سواء كان بملاك الأحكام الأولية أم بملاك حكم العقل | والبحث في حرمة التجرّي مركزه حكم [[الشارع]] بحرمة التجرّي سواء كان بملاك الأحكام الأولية أم بملاك حكم العقل بـ [[قبح التجرّي]] وحرمته بناءً على ثبوت [[الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع]]. ويقال: إنّ البحث في ذلك مسألة فقهية. | ||
وقع البحث في أنّ المتجرّي هل ارتكب حراما بتجرّيه على مولاه أو لا؟ أقوال في ذلك: | <br>وقع البحث في أنّ المتجرّي هل ارتكب حراما بتجرّيه على مولاه أو لا؟ أقوال في ذلك: | ||
===القول الأوّل: الحرمة=== | ===القول الأوّل: الحرمة=== | ||
وهو اختيار جماعة كالرازي<ref>. المحصول 1: 287.</ref> والشهيد الثاني<ref>. مسالك الإفهام 7: 202.</ref>، | وهو اختيار جماعة كالرازي<ref>. المحصول 1: 287.</ref> والشهيد الثاني<ref>. مسالك الإفهام 7: 202.</ref>، | ||
والسبكي<ref>. الإبهاج في شرح المنهاج 1: 80.</ref>، وابن عبد السلام<ref>. قواعد الأحكام 1: 33.</ref>، والإصفهانيين<ref>. الفصول الغروية: 87، هداية المسترشدين 2: 86، 359.</ref>، والشيخ محمّد حسن النجفي<ref>. جواهر الكلام 29: 243 ـ 244.</ref>، واُدعي عليه الإجماع<ref>. أنظر: فرائد الأصول 1: 37.</ref>. | <br>والسبكي<ref>. الإبهاج في شرح المنهاج 1: 80.</ref>، وابن عبد السلام<ref>. قواعد الأحكام 1: 33.</ref>، والإصفهانيين<ref>. الفصول الغروية: 87، هداية المسترشدين 2: 86، 359.</ref>، والشيخ محمّد حسن النجفي<ref>. جواهر الكلام 29: 243 ـ 244.</ref>، واُدعي عليه [[الإجماع]]<ref>. أنظر: فرائد الأصول 1: 37.</ref>. | ||
ويمكن أن يستدلّ لهذا القول بعدّة وجوه: | <br>ويمكن أن يستدلّ لهذا القول بعدّة وجوه: | ||
====الدليل الأوّل==== | ====الدليل الأوّل==== | ||
إنّ الشارع أناط أحكامه بالظنّ والاعتقاد، ويكون الحكم في حقّ المكلّف هو ما ظنّه واعتقده وإن لم يكن ثابتا في الواقع؛ لأنّ الشارع أناط الأحكام بظواهرها، فالذي يرتكب ما يعتقده حراما يكون عاصيا بذلك<ref>. شرح مختصر الروضة 1: 327، المحصول 1: 287.</ref>. | إنّ [[الشارع]] أناط أحكامه بالظنّ والاعتقاد، ويكون الحكم في حقّ المكلّف هو ما ظنّه واعتقده وإن لم يكن ثابتا في الواقع؛ لأنّ [[الشارع]] أناط الأحكام بظواهرها، فالذي يرتكب ما يعتقده حراما يكون عاصيا بذلك<ref>. شرح مختصر الروضة 1: 327، المحصول 1: 287.</ref>. | ||
====الدليل الثاني==== | ====الدليل الثاني==== | ||
شمول أدلّة الأحكام الأوّلية للتجرّي، بحيث تكون أدلّة الحكم الشرعي شاملة لمورد قيام الحجّة، من غير فرق بين كون الحجّة موافقة أو مخالفة له. | شمول أدلّة الأحكام الأوّلية للتجرّي، بحيث تكون أدلّة الحكم الشرعي شاملة لمورد قيام الحجّة، من غير فرق بين كون الحجّة موافقة أو مخالفة له. | ||
وهذا الوجه ذكر له تقريبان: | <br>وهذا الوجه ذكر له تقريبان: | ||
التقريب الأوّل: ما ذكره النائيني وهو يرجع إلى ثلاث مقدّمات<ref>. فوائد الأصول 3: 37 ـ 39 أنظر: مصباح الأصول الخوئي 2: 20 ـ 21، جواهر الأصول (الصدر): 46 ـ 47، أجود التقريرات 3: 43 ـ 45.</ref>: | <br>'''التقريب الأوّل:''' ما ذكره النائيني وهو يرجع إلى ثلاث مقدّمات<ref>. فوائد الأصول 3: 37 ـ 39 أنظر: مصباح الأصول الخوئي 2: 20 ـ 21، جواهر الأصول (الصدر): 46 ـ 47، أجود التقريرات 3: 43 ـ 45.</ref>: | ||
المقدّمة الاُولى: إنّ متعلّق التكليف لابدّ وأن يكون مقدورا حتّى يصحّ تعلّق التكليف به. | <br>المقدّمة الاُولى: إنّ متعلّق التكليف لابدّ وأن يكون مقدورا حتّى يصحّ تعلّق التكليف به. | ||
المقدّمة الثانية: إنّ الباعث للمكلّف نحو الفعل هو القطع بالنفع، والزاجر له عن العمل هو القطع بالضرر، فالشيء بوجوده العلمي هو الباعث للمكلّف نحو ارتكاب الشيء أو الاجتناب عنه لا وجوده الواقعي، فالإنسان يطلب ما يعتقده ماء وإن كان في الواقع سرابا، ويفر عمّا يعتقده أسد وإن كان الواقع ليس كذلك. | <br>المقدّمة الثانية: إنّ الباعث للمكلّف نحو الفعل هو القطع بالنفع، والزاجر له عن العمل هو القطع بالضرر، فالشيء بوجوده العلمي هو الباعث للمكلّف نحو ارتكاب الشيء أو الاجتناب عنه لا وجوده الواقعي، فالإنسان يطلب ما يعتقده ماء وإن كان في الواقع سرابا، ويفر عمّا يعتقده أسد وإن كان الواقع ليس كذلك. | ||
المقدّمة الثالثة: إنّ متعلّق التكليف هو إرادة الفعل واختياره لا الفعل المراد والمختار، فمتعلّق الحرمة هو ارادة شرب الخمر واختياره، أمّا مطابقة ذلك للواقع وعدمه فهو خارج عن إرادته واختياره، فلايكون متعلّقا للتكليف، فيكون متعلّقه هو ما اعتقد كونه امتثالاً لأمر الشارع في جانب | <br>المقدّمة الثالثة: إنّ متعلّق التكليف هو إرادة الفعل واختياره لا الفعل المراد والمختار، فمتعلّق الحرمة هو ارادة شرب الخمر واختياره، أمّا مطابقة ذلك للواقع وعدمه فهو خارج عن إرادته واختياره، فلايكون متعلّقا للتكليف، فيكون متعلّقه هو ما اعتقد كونه امتثالاً لأمر [[الشارع]] في جانب [[الامتثال]]، ومخالفة له في جانب [[العصيان]]. | ||
التقريب الثاني: وهو ما ذكره السيّد الصدر من أنّ السبب في كون دليل حرمة الخمر مثلاً شامل لجميع حالاته سواء في ذلك مصادفة الخمر الواقعي أو عدم مصادفته، هو عدم إمكان تضمين قيد المصادفة في دليل الحكم بأن يقال: «لاتشرب الخمر إن صادف الواقع»، لكون الإصابة وعدم الإصابة غير اختياريين حتّى يمكن تضمينهما في دليل الحكم، فلايمكن تعليق الحكم على أمر غير اختياري<ref>. جواهر الأصول: 45 ـ 46.</ref>. | <br>'''التقريب الثاني:''' وهو ما ذكره [[السيّد الصدر]] من أنّ السبب في كون دليل حرمة الخمر مثلاً شامل لجميع حالاته سواء في ذلك مصادفة الخمر الواقعي أو عدم مصادفته، هو عدم إمكان تضمين قيد المصادفة في دليل الحكم بأن يقال: «لاتشرب الخمر إن صادف الواقع»، لكون الإصابة وعدم الإصابة غير اختياريين حتّى يمكن تضمينهما في دليل الحكم، فلايمكن تعليق الحكم على أمر غير اختياري<ref>. جواهر الأصول: 45 ـ 46.</ref>. | ||
====الدليل الثالث==== | ====الدليل الثالث==== | ||
إنّ تعلّق القطع أو الظنّ المعتبر بانطباق عنوان ذي مصلحة توجب حصول مصلحة فيه، وأنّ تعلّقهما بعنوان ذي مفسدة يوجب حصول مفسدة فيه، فيكون حراما بمقتضى العنوان الثانوي وإن كان بعنوانه الأوّلي يختلف عمّا هو عليه من عنوانه الثانوي. فالعلم أو الظنّ بالشيء من العناوين الثانوية التي توجب تغيير جهة الشيء من ناحية الحسن والقبح والمصلحة والمفسدة، فالقطع بخمرية المائع الموجود يوجب حدوث مفسدة وبمقتضى تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد يكون الفعل المتجرّى به حراما<ref>. أنظر: فوائد الأصول 3: 41، مصباح الأصول 2: 22.</ref>. | إنّ تعلّق القطع أو الظنّ المعتبر بانطباق عنوان ذي مصلحة توجب حصول مصلحة فيه، وأنّ تعلّقهما بعنوان ذي مفسدة يوجب حصول مفسدة فيه، فيكون حراما بمقتضى العنوان الثانوي وإن كان بعنوانه الأوّلي يختلف عمّا هو عليه من عنوانه الثانوي. فالعلم أو الظنّ بالشيء من العناوين الثانوية التي توجب تغيير جهة الشيء من ناحية الحسن والقبح والمصلحة والمفسدة، فالقطع بخمرية المائع الموجود يوجب حدوث مفسدة وبمقتضى [[تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد]] يكون الفعل المتجرّى به حراما<ref>. أنظر: فوائد الأصول 3: 41، مصباح الأصول 2: 22.</ref>. | ||
====الدليل الرابع==== | ====الدليل الرابع==== | ||
سطر ٦٩: | سطر ٦٩: | ||
===القول الثاني: عدم حرمته شرعا=== | ===القول الثاني: عدم حرمته شرعا=== | ||
وهو اختيار [[العلاّمة الحلّي]]<ref>. تذكرة الفقهاء 2: 391.</ref>، والفاضل السيوري<ref>. نضد القواعد الفقهية: 408.</ref>، والبهائي<ref>. زبدة الأصول: 73.</ref>، والطباطبائي<ref>. مفاتيح الأصول 308.</ref>، وهو اختيار أكثر المتأخّرين<ref>. أنظر: فرائد الأصول 1: 45، كفاية الأصول: 259، نهاية الأفكار 3: 30، مصباح الأصول 2: 27.</ref>، وتنظر فيه الشهيد الأوّل<ref>. القواعد والفوائد 1: 107.</ref>. | وهو اختيار [[العلاّمة الحلّي]]<ref>. تذكرة الفقهاء 2: 391.</ref>، والفاضل السيوري<ref>. نضد القواعد الفقهية: 408.</ref>، والبهائي<ref>. زبدة الأصول: 73.</ref>، والطباطبائي<ref>. مفاتيح الأصول 308.</ref>، وهو اختيار أكثر المتأخّرين<ref>. أنظر: فرائد الأصول 1: 45، كفاية الأصول: 259، نهاية الأفكار 3: 30، مصباح الأصول 2: 27.</ref>، وتنظر فيه الشهيد الأوّل<ref>. القواعد والفوائد 1: 107.</ref>. | ||
وقد يستدلّ لهذا القول بعدّة وجوه: | <br>وقد يستدلّ لهذا القول بعدّة وجوه: | ||
====الدليل الأوّل==== | ====الدليل الأوّل==== | ||
إنّ الظاهر من أدلّة الأحكام الشرعية أنّ الآثار المترتّبة عليها مترتّبة على نفس تلك الاُمور لا على القطع بها، فقوله تعالى: «الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ»<ref>. العنكبوت: 45.</ref>. أنّ النهي عن المنكر إنّما هو من آثار نفس الصلاة لا القطع بها، وهذا كما هو حال الشارع الحقيقي حال الشارع العرفي، كذلك فإنّ غرضه إنّما يتعلّق بنفس العمل<ref>. مصباح الأصول 2: 21.</ref>. | إنّ الظاهر من أدلّة الأحكام الشرعية أنّ الآثار المترتّبة عليها مترتّبة على نفس تلك الاُمور لا على القطع بها، فقوله تعالى: '''«الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ»'''<ref>. العنكبوت: 45.</ref>. أنّ النهي عن المنكر إنّما هو من آثار نفس الصلاة لا القطع بها، وهذا كما هو حال [[الشارع]] الحقيقي حال [[الشارع]] العرفي، كذلك فإنّ غرضه إنّما يتعلّق بنفس العمل<ref>. مصباح الأصول 2: 21.</ref>. | ||
====الدليل الثاني==== | ====الدليل الثاني==== | ||
سطر ٨٤: | سطر ٨٤: | ||
===القول الثالث: التفصيل بين القصد إلى فعل المعصية والشروع في مقدّماتها=== | ===القول الثالث: التفصيل بين القصد إلى فعل المعصية والشروع في مقدّماتها=== | ||
القول | وهذا القول هو التفصيل بين القسم الثاني وهو القصد إلى فعل المعصية والشروع في مقدّماتها، لكن صرفه صارف عن ارتكابها وبين القسم الثالث، وهو القصد إلى فعل المعصية مع ارتكاب ما يعتقده كذلك، ويتبيّن أنّ الأمر ليس كذلك، فذهب النائيني إلى الحرمة في القسم الثاني وعدمها في القسم الثالث<ref>. فوائد الأصول 3: 52 ـ 53.</ref>. | ||
==قبح التجري عقلاً== | ==قبح التجري عقلاً== | ||
والبحث في القبح العقلي للتجرّي يرتكز على اثبات حكم العقل | والبحث في القبح العقلي للتجرّي يرتكز على اثبات حكم العقل بـ [[قبح التجرّي]] بغض النظر عن حرمته شرعا. هناك تقريرات عدّة ذكرت لـ [[قبح التجرّي]] عقلاً: | ||
===التقرير الأوّل=== | ===التقرير الأوّل=== | ||
إنّ [[قبح التجرّي]] إنّما هو بملاك عدم احترام المولى والتعدّي على حقوقه في الطاعة، فإنّ هذا لايفرّق فيه بين مخالفة الحكم الثابت في الواقع وبين الحكم الثابت في اعتقاد المكلّف وتقديره وإن لم يكن ثابتا في الواقع<ref>. أنظر: نهاية الأفكار 3: 30، مصباح الأصول 2: 27 ـ 28، جواهر الأصول الصدر: 65.</ref>. | إنّ [[قبح التجرّي]] إنّما هو بملاك عدم احترام المولى والتعدّي على حقوقه في الطاعة، فإنّ هذا لايفرّق فيه بين مخالفة الحكم الثابت في الواقع وبين الحكم الثابت في اعتقاد المكلّف وتقديره وإن لم يكن ثابتا في الواقع<ref>. أنظر: نهاية الأفكار 3: 30، مصباح الأصول 2: 27 ـ 28، جواهر الأصول الصدر: 65.</ref>. | ||
ومفاد هذا التصوير أنّ مركز القبح ليس هو الفعل ولا الفاعل، بل مركزه الفعل المضاف إلى الفاعل المتجرّي به<ref>. جواهر الأصول الصدر: 65.</ref>. | <br>ومفاد هذا التصوير أنّ مركز القبح ليس هو الفعل ولا الفاعل، بل مركزه الفعل المضاف إلى الفاعل المتجرّي به<ref>. جواهر الأصول الصدر: 65.</ref>. | ||
===التقرير الثاني=== | ===التقرير الثاني=== | ||
إنّ [[قبح التجرّي]] بملاك القبح الفاعلي مع عدم القبح الفعلي له، باعتبار أنّ المتجرّي لم يصدر منه فعل قبيح، بل إنّ صدور الفعل من الفاعل هو القبيح، باعتبار تجريه وتمرّده على مولاه وكونه بصدد العصيان<ref>. فوائد الأصول 3: 42.</ref>. | إنّ [[قبح التجرّي]] بملاك القبح الفاعلي مع عدم القبح الفعلي له، باعتبار أنّ المتجرّي لم يصدر منه فعل قبيح، بل إنّ صدور الفعل من الفاعل هو القبيح، باعتبار تجريه وتمرّده على مولاه وكونه بصدد العصيان<ref>. فوائد الأصول 3: 42.</ref>. | ||
والتقريران المذكوران يشتركان في كون [[قبح التجرّي]] ذاتيا. | <br>والتقريران المذكوران يشتركان في كون [[قبح التجرّي]] ذاتيا. | ||
وفي المقابل ذهب الاصفهاني إلى عدم [[قبح التجرّي]] ذاتا، بل إنّ قبحه يختلف بالوجوه والاعتبارات، فمرّة يصادف الفعل المتجرى به للمعصية الواقعية، فيكون فيه ملاك [[قبح التجرّي]] وملاك المعصية ويتداخل العقابان، واُخرى يصادف الفعل المتجرى به المكروه الواقعي، فيكون قبحه أقلّ، وثالثة يصادف الفعل المتجرى به المباح الواقعي وهو أقلّ قبحا من الذي قبله، ورابعة يصادف الواجب الواقعي، فهنا يقع التزاحم بين ملاك الوجوب وملاك [[قبح التجرّي]]<ref>. الفصول الغروية: 432.</ref>. | <br>وفي المقابل ذهب الاصفهاني إلى عدم [[قبح التجرّي]] ذاتا، بل إنّ قبحه يختلف بالوجوه والاعتبارات، فمرّة يصادف الفعل المتجرى به للمعصية الواقعية، فيكون فيه ملاك [[قبح التجرّي]] وملاك المعصية ويتداخل العقابان، واُخرى يصادف الفعل المتجرى به المكروه الواقعي، فيكون قبحه أقلّ، وثالثة يصادف الفعل المتجرى به المباح الواقعي وهو أقلّ قبحا من الذي قبله، ورابعة يصادف الواجب الواقعي، فهنا يقع التزاحم بين ملاك الوجوب وملاك [[قبح التجرّي]]<ref>. الفصول الغروية: 432.</ref>. | ||
وذهب الشيخ الأنصاري إلى عدم [[قبح التجرّي]] عقلاً ـ فعليا أو فاعليا ـ باعتبار أنّه لايكشف إلاّ عن سوء السريرة وخبث الباطن وهو لايستتبع إلاّ اللوم والذم، كما في البخل والحسد<ref>. فرائد الأصول 1: 45.</ref>. | <br>وذهب الشيخ الأنصاري إلى عدم [[قبح التجرّي]] عقلاً ـ فعليا أو فاعليا ـ باعتبار أنّه لايكشف إلاّ عن سوء السريرة وخبث الباطن وهو لايستتبع إلاّ اللوم والذم، كما في البخل والحسد<ref>. فرائد الأصول 1: 45.</ref>. | ||
==وجوه الاستدلال علی عدم قبح التجرّي عقلاً== | ==وجوه الاستدلال علی عدم قبح التجرّي عقلاً== | ||
سطر ١٠٣: | سطر ١٠٣: | ||
===الوجه الأوّل=== | ===الوجه الأوّل=== | ||
إنّ تعلّق القطع أو الظنّ المعتبر بشيء لايوجب انقلابه عمّا كان عليه من جهة الحسن | إنّ تعلّق القطع أو الظنّ المعتبر بشيء لايوجب انقلابه عمّا كان عليه من جهة [[الحسن والقبح]]، فالفعل المتجرّى به يبقى عمّا هو عليه من الحسن والقبح، فإنّ القطع بالحسن والقبح ليس من الوجوه والاعتبارات التي توجب اتّصاف الفعل بالحسن والقبح، والشاهد على ذلك الوجدان، فإنّه حاكم بقبح قتل ابن المولى ولو كان معتقدا بكونه عدوّه، وإن قتل عدو المولى حسن ولو كان معتقدا أنّه ابنه، فالقطع المذكور في كلّ الأحوال لايغيّر جهة [[الحسن والقبح]] في الفعل<ref>. كفاية الأصول: 259 ـ 260، أنظر: منتهى الدراية 4: 419 ـ 420.</ref>. | ||
===الوجه الثاني=== | ===الوجه الثاني=== | ||
سطر ١١٠: | سطر ١١٠: | ||
===الوجه الثالث=== | ===الوجه الثالث=== | ||
إنّ الذي يتّصف بالحسن والقبح لابدّ أن يكون ملتفتا إليه، فإنّ الفعل المتجرّى به بعنوان كونه شربا للخمر الواقعي لايكون قبيحا لعدم وقوعه منه خارجا، وبعنوان كونه مقطوع الخمرية لايكن ملتفتا إليه غالبا حتّى يقع تحت إرادته؛ لأنّه إنّما يقصد مقطوع الخمرية باعتبار كون القطع آلة وكاشفا عن مقطوعه لا بما هو مقطوع في نفسه، فالقطع المذكور غير ملتفت إليه أصلاً حتّى يقع تحت الارادة والاختيار متّصفا بحسن ولا قبح<ref>. كفاية الأصول: 260، أنظر: منتهى الدراية 4: 420.</ref>. | إنّ الذي يتّصف بالحسن والقبح لابدّ أن يكون ملتفتا إليه، فإنّ الفعل المتجرّى به بعنوان كونه شربا للخمر الواقعي لايكون قبيحا لعدم وقوعه منه خارجا، وبعنوان كونه مقطوع الخمرية لايكن ملتفتا إليه غالبا حتّى يقع تحت إرادته؛ لأنّه إنّما يقصد مقطوع الخمرية باعتبار كون القطع آلة وكاشفا عن مقطوعه لا بما هو مقطوع في نفسه، فالقطع المذكور غير ملتفت إليه أصلاً حتّى يقع تحت الارادة والاختيار متّصفا بحسن ولا قبح<ref>. كفاية الأصول: 260، أنظر: منتهى الدراية 4: 420.</ref>. | ||
وذكر جماعة: إنّ حكم العقل بقبح العصيان والتجرّي لايستتبع جعل حكم شرعي مولوي، بل لايمكن جعل حكم في مورده، كما هو الحال في أوامر الطاعة<ref>. نهاية الأفكار 3: 36 ـ 37، مصباح الأصول 2: 27.</ref>. | <br>وذكر جماعة: إنّ حكم العقل بقبح العصيان والتجرّي لايستتبع جعل حكم شرعي مولوي، بل لايمكن جعل حكم في مورده، كما هو الحال في أوامر الطاعة<ref>. نهاية الأفكار 3: 36 ـ 37، مصباح الأصول 2: 27.</ref>. | ||
==استحقاق العقاب الأخروي== | ==استحقاق العقاب الأخروي== | ||
والكلام في هذا المحور يرتكز على أنّ المتجرّي على مولاه يستحقّ العقاب بحكم وملاك العقل حتّى لو لم نقل بالحرمة شرعا، باعتبار أنّ الحكم العقلي لا يستتبع الحكم الشرعي. والبحث في ذلك مسألة كلامية. | والكلام في هذا المحور يرتكز على أنّ المتجرّي على مولاه يستحقّ العقاب بحكم وملاك العقل حتّى لو لم نقل بالحرمة شرعا، باعتبار أنّ الحكم العقلي لا يستتبع الحكم الشرعي. والبحث في ذلك مسألة كلامية. | ||
فوقع البحث في أنّ المتجرّي بتجرّيه على مولاه هل يستحق العقاب على ذلك أو لا؟ وقد ذكرت عدّة وجوه | <br>فوقع البحث في أنّ المتجرّي بتجرّيه على مولاه هل يستحق العقاب على ذلك أو لا؟ وقد ذكرت عدّة وجوه | ||
لإثبات استحقاقه العقاب: | لإثبات استحقاقه العقاب: | ||
===الوجه الأوّل في استحقاق العقاب في التجرّي=== | ===الوجه الأوّل في استحقاق العقاب في التجرّي=== | ||
إنّ الملاك في استحقاق العقاب في التجرّي والعصيان واحد وهو سلب المولى حقّه والتجرّي عليه والخروج عن رسم العبودية، فيكون المتجرّي مستحقّا للعقاب بنفس الملاك الذي يستحقّ به العاصي للعقاب<ref>. أنظر: نهاية الأفكار 3: 30 ـ 31، مصباح الأصول 2: 27 ـ 28، جواهر الأصول الصدر: 75، تهذيب الأصول (السبزواري) 2: 21.</ref>. | إنّ الملاك في استحقاق العقاب في التجرّي والعصيان واحد وهو سلب المولى حقّه والتجرّي عليه والخروج عن رسم العبودية، فيكون المتجرّي مستحقّا للعقاب بنفس الملاك الذي يستحقّ به العاصي للعقاب<ref>. أنظر: نهاية الأفكار 3: 30 ـ 31، مصباح الأصول 2: 27 ـ 28، جواهر الأصول الصدر: 75، تهذيب الأصول (السبزواري) 2: 21.</ref>. | ||
وذهب السيّد الصدر إنّ ذلك بناءً على مسلك حقّ الطاعة وأوضح قائلاً: «لأنّ حقّ الطاعة ينشأ من لزوم احترام المولى عقلاً ورعاية حرمته، ولا شكّ في أنّه من الناحية الاحترامية ورعاية الحرمة لا فرق بين التحدّي الذي يقع من العاصي والتحدّي الذي يقع من المتجرّي، فالمتجرّي إذن يستحقّ العقاب كالعاصي»<ref>. دروس في علم الأصول 1: 177.</ref>. | <br>وذهب [[السيّد الصدر]] إنّ ذلك بناءً على مسلك [[حقّ الطاعة]] وأوضح قائلاً: «لأنّ حقّ الطاعة ينشأ من لزوم احترام المولى عقلاً ورعاية حرمته، ولا شكّ في أنّه من الناحية الاحترامية ورعاية الحرمة لا فرق بين التحدّي الذي يقع من العاصي والتحدّي الذي يقع من المتجرّي، فالمتجرّي إذن يستحقّ العقاب كالعاصي»<ref>. دروس في علم الأصول 1: 177.</ref>. | ||
===الوجه الثاني في استحقاق العقاب في التجرّي=== | ===الوجه الثاني في استحقاق العقاب في التجرّي=== | ||
سطر ١٢٨: | سطر ١٢٨: | ||
===الوجه الرابع في استحقاق العقاب في التجرّي=== | ===الوجه الرابع في استحقاق العقاب في التجرّي=== | ||
إنّه لا فرق بين العاصي والمتجرّي إلاّ في كون العاصي مصيبا في قطعه، والمتجرّي غير مصيب فيه، وهذا الفارق لايصلح أن يكون فارقا فيما هو الملاك في استحقاق العقاب؛ لكون الإصابة وعدمها خارجة عن اختيار | إنّه لا فرق بين العاصي والمتجرّي إلاّ في كون العاصي مصيبا في قطعه، والمتجرّي غير مصيب فيه، وهذا الفارق لايصلح أن يكون فارقا فيما هو الملاك في استحقاق العقاب؛ لكون الإصابة وعدمها خارجة عن اختيار [[المكلّف]]، وإذا ثبت عدم الفرق بينهما فأمّا أن يكون كلاهما مستحقّا أو لايكونا، والثاني باطل فيتعين الأوّل<ref>. فرائد الأصول 1: 38 ـ 39، أنظر: جواهر الأصول: 78.</ref>. | ||
===الوجه الخامس في استحقاق العقاب في التجرّي=== | ===الوجه الخامس في استحقاق العقاب في التجرّي=== | ||
إنّ الملاك في استحقاق العقاب هو العزم والاختيار وكونه بصدد الطغيان والعصيان لا لنفس الفعل المتجرّى به لعدم كونه قبيحا، ولا مجرّد سوء السريرة؛ لأنّها بمجرّدها لاتوجب الاستحقاق ما لم ينضم إليها العزم والاختيار<ref>. كفاية الأصول: 259 ـ 260.</ref>. | إنّ الملاك في استحقاق العقاب هو العزم والاختيار وكونه بصدد الطغيان والعصيان لا لنفس الفعل المتجرّى به لعدم كونه قبيحا، ولا مجرّد سوء السريرة؛ لأنّها بمجرّدها لاتوجب الاستحقاق ما لم ينضم إليها العزم والاختيار<ref>. كفاية الأصول: 259 ـ 260.</ref>. | ||
وذهب ابن عبد السلام إلى أنّ المتجري يستحقّ العقاب الأخروي، لكن لايعاقب بعقاب الفعل المتجرى به، أي شرب الخمر والزنا والقتل، لكون تلك العقوبات مترتّبة على المفاسد الواقعية، وقصد المعصية لا تأثير له في ذلك، ويعذب عذابا متوسّطا بين مرتكب الكبيرة ومرتكب الصغيرة بجرأته على اللّه بما يعتقد كونه معصية<ref>. قواعد الأحكام 1: 33 ـ 34.</ref>. | <br>وذهب ابن عبد السلام إلى أنّ المتجري يستحقّ العقاب الأخروي، لكن لايعاقب بعقاب الفعل المتجرى به، أي شرب الخمر والزنا والقتل، لكون تلك العقوبات مترتّبة على المفاسد الواقعية، وقصد المعصية لا تأثير له في ذلك، ويعذب عذابا متوسّطا بين مرتكب الكبيرة ومرتكب الصغيرة بجرأته على اللّه بما يعتقد كونه معصية<ref>. قواعد الأحكام 1: 33 ـ 34.</ref>. | ||
ثُمّ إنّه هناك مسألة وهي أنّ البعض ذكر: إنّ من الآثار المترتّبة على التجرّي الفسق؛ وذلك لأنّه لتمرده أسقط ملكة العدالة في نفسه وهي الملكة النفسانية التي تبعث صاحبها على التقوى، فيكون المتجرّي فاسقا وإن لم يستحقّ العقاب، ويترتّب على ذلك بطلان أعماله التي ترتّبت على العدالة<ref>. قواعد الأحكام ابن عبد السلام 1: 33، محاضرات في أصول الفقه 2: 385.</ref>. | <br>ثُمّ إنّه هناك مسألة وهي أنّ البعض ذكر: إنّ من الآثار المترتّبة على التجرّي الفسق؛ وذلك لأنّه لتمرده أسقط ملكة العدالة في نفسه وهي الملكة النفسانية التي تبعث صاحبها على التقوى، فيكون المتجرّي فاسقا وإن لم يستحقّ العقاب، ويترتّب على ذلك بطلان أعماله التي ترتّبت على العدالة<ref>. قواعد الأحكام ابن عبد السلام 1: 33، محاضرات في أصول الفقه 2: 385.</ref>. | ||
هذا كلّه في الحكم التكليفي والعقاب الأخروي، أمّا الحكم الوضعي والعقاب الدنيوي كالحد والقصاص وغيرهما فلا يثبت في حقّ المتجرّي؛ لأنّه لم يترتّب ما يوجبهما؛ لأنّ مثل هذه العقوبات قد رتّبها الشارع على مفاسدها الواقعية المتحقّقة خارجا، والمتجرّي لم يفعل شيئا من ذلك<ref>. شرح مختصر الروضة 1: 327.</ref>. | <br>هذا كلّه في [[الحكم التكليفي]] والعقاب الأخروي، أمّا [[الحكم الوضعي]] والعقاب الدنيوي كالحد والقصاص وغيرهما فلا يثبت في حقّ المتجرّي؛ لأنّه لم يترتّب ما يوجبهما؛ لأنّ مثل هذه العقوبات قد رتّبها [[الشارع]] على مفاسدها الواقعية المتحقّقة خارجا، والمتجرّي لم يفعل شيئا من ذلك<ref>. شرح مختصر الروضة 1: 327.</ref>. | ||
=المصادر= | =المصادر= | ||
[[تصنيف: اصطلاحات الأصول]] | [[تصنيف: اصطلاحات الأصول]] |