انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «انقلاب النسبة»

لا يوجد ملخص تحرير
(أنشأ الصفحة ب''''انقلاب النسبة:''' وهذا اصطلاح يختص بأصول فقه الإمامية ولم نعثر عليه في كلمات الأصوليين من [...')
 
لا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:
'''انقلاب النسبة:''' وهذا اصطلاح يختص بأصول فقه [[الإمامية]] ولم نعثر عليه في كلمات الأصوليين من [[أهل السنّة]] لاتصريحا ولاتلميحا، يعنی النسبة بين الدليلين المتعارضين بعد ملاحظة الدليل الثالث تنقلب من التباين مثلاً إلی العموم والخصوص المطلق أو إلی العموم والخصوص من وجه، أو تنقلب من العموم والخصوص إلی التباين مثلاً.  
'''انقلاب النسبة:''' وهذا اصطلاح يختص بأصول فقه [[الإمامية]] ولم نعثر عليه في كلمات الأصوليين من [[أهل السنّة]] لاتصريحا ولاتلميحا، يعنی النسبة بين الدليلين المتعارضين بعد ملاحظة الدليل الثالث تنقلب من التباين مثلاً إلی العموم والخصوص المطلق أو إلی العموم والخصوص من وجه، أو تنقلب من العموم والخصوص إلی التباين مثلاً.
<br>فمثلاً أحد الدليلين قال: '''«أکرم العلماء»''' والدليل الآخر يقول: '''«لاتکرم العلماء»''' والنسبة بينهما هي التباين، لكن هناک دليل ثالث يقول: «أکرم العلماء العدول» فهذا الدليل مخصصٌ للدليل الذي قال بعدم وجوب إکرام العلماء، وحينئذ سوف يکون مفاد لاتکرم: «لاتکرم العلماء إلاّ العدول منهم»، فإنّه يجب اكرامهم، وهذا المفاد و(ناتج هذا التخصيص) هو أخصّ مطلقا من مفاد دليل (أكرم العلماء)، فانقلبت النسبة بين دليل (اكرم العلماء) ودليل (لاتكرم العلماء) إلى العموم والخصوص المطلق بعدما كانت التباين، وهذه النسبة الجديدة بين الدليلين من نوع التعارض غير المستقر الذي يزول بالتأمل وهو ما يصطلح عليه بـ «انقلاب النسبة».
<br>فمثلاً أحد الدليلين قال: '''«أکرم العلماء»''' والدليل الآخر يقول: '''«لاتکرم العلماء»''' والنسبة بينهما هي التباين، لكن هناک دليل ثالث يقول: «أکرم العلماء العدول» فهذا الدليل مخصصٌ للدليل الذي قال بعدم وجوب إکرام العلماء، وحينئذ سوف يکون مفاد لاتکرم: «لاتکرم العلماء إلاّ العدول منهم»، فإنّه يجب اكرامهم، وهذا المفاد و(ناتج هذا التخصيص) هو أخصّ مطلقا من مفاد دليل (أكرم العلماء)، فانقلبت النسبة بين دليل (اكرم العلماء) ودليل (لاتكرم العلماء) إلى العموم والخصوص المطلق بعدما كانت التباين، وهذه النسبة الجديدة بين الدليلين من نوع التعارض غير المستقر الذي يزول بالتأمل وهو ما يصطلح عليه بـ «انقلاب النسبة».


=تعريف انقلاب النسبة=
=تعريف انقلاب النسبة=
الانقلاب هو التحوّل والتبدّل، والنسبة المراد بها عند [[أهل المنطق]] المقايسة بين المعاني المتباينة بحسب المفهوم ومعرفة جهة اجتماعها وعدمه في المصداق، والنسب المتصورة هي أربعة؛ نسبة التساوي، ونسبة التباين، ونسبة العموم والخصوص من وجه، ونسبة العموم والخصوص المطلق، ومحل الكلام هنا هو النسب الثلاث الاخيرات؛ لأنّه لا معنى للتعارض بين الدليلين المتساويين<ref>. راجع: المنطق 1 ـ 3: 64.</ref>.
الانقلاب هو التحوّل والتبدّل، والنسبة المراد بها عند [[أهل المنطق]] المقايسة بين المعاني المتباينة بحسب المفهوم ومعرفة جهة اجتماعها وعدمه في المصداق، والنسب المتصورة هي أربعة؛ نسبة التساوي، ونسبة التباين، ونسبة العموم والخصوص من وجه، ونسبة العموم والخصوص المطلق، ومحل الكلام هنا هو النسب الثلاث الاخيرات؛ لأنّه لا معنى للتعارض بين الدليلين المتساويين<ref>. راجع: المنطق 1 ـ 3: 64.</ref>.
فانقلاب النسبة هو تحوّل النسبة بين الدليلين المتعارضين من حالة إلى حالة أخرى بعد ملاحظة الدليل الثالث وأخذه بعين الاعتبار، فإن النسبة بين الدليلين المتعارضين تارة تكون العموم والخصوص من وجه وثانية العموم والخصوص المطلق وثالثة التباين، وهذه النسبة قد تنقلب ـ بناء على انقلاب النسبة ـ بعد ملاحظة الدليل الثالث واعمال المخصص في أحد المتعارضين كما سيتضح ذلك في الصور.
<br>فانقلاب النسبة هو تحوّل النسبة بين الدليلين المتعارضين من حالة إلى حالة أخرى بعد ملاحظة الدليل الثالث وأخذه بعين الاعتبار، فإن النسبة بين الدليلين المتعارضين تارة تكون العموم والخصوص من وجه وثانية العموم والخصوص المطلق وثالثة التباين، وهذه النسبة قد تنقلب ـ بناء على انقلاب النسبة ـ بعد ملاحظة الدليل الثالث واعمال المخصص في أحد المتعارضين كما سيتضح ذلك في الصور.
وهو من الاصطلاحات التي ظهرت عند الأصوليين المتأخرين وخصوصا [[الإمامية]] منهم، ولم نعثر عليه في كلمات الأصوليين من [[أهل السنّة]] لاتصريحا ولاتلميحا.
<br>وهو من الاصطلاحات التي ظهرت عند الأصوليين المتأخرين وخصوصا [[الإمامية]] منهم، ولم نعثر عليه في كلمات الأصوليين من [[أهل السنّة]] لاتصريحا ولاتلميحا.


=مواطن البحث=
=مواطن البحث=
إذا تعارض دليلان فإنَّ هناك طرقاً عديدةً لعلاج هذا التعارض الذي يوصف بالمستقر تذكر في باب التعارض، وأما إذا تعارض اكثر من دليلين فإنّه يوجد مسلكان أو قولان في علاج التعارض بين هذه الأدلة:
<br>إذا تعارض دليلان فإنَّ هناك طرقاً عديدةً لعلاج هذا التعارض الذي يوصف بالمستقر تذكر في باب التعارض، وأما إذا تعارض اكثر من دليلين فإنّه يوجد مسلكان أو قولان في علاج التعارض بين هذه الأدلة:
<br>'''الأول: ''' المعاملة مع هذه الادلة معاملة الدليلين المتعارضين واجراء أحكام التعارض المستقر، الذي لايزول بالتأمل، عليها دفعة واحدة من اعمال المرجحات فيما بينها والتساقط أو التخيير بعد فقد المرجحات. وهذا معناه إنكار انقلاب النسبة.
<br>'''الأول: ''' المعاملة مع هذه الادلة معاملة الدليلين المتعارضين واجراء أحكام التعارض المستقر، الذي لايزول بالتأمل، عليها دفعة واحدة من اعمال المرجحات فيما بينها والتساقط أو التخيير بعد فقد المرجحات. وهذا معناه إنكار انقلاب النسبة.
<br>'''الثاني:''' الترتيب في علاج هذا التعارض وملاحظة النسبة بين الأدلة قبل اجراء أحكام التعارض المستقر عليها، فمثلاً إذا ورد دليل دلَّ على وجوب اكرام العلماء وورد دليل آخر دلَّ على عدم وجوب اكرامهم، فإنّ هذين الدليلين متعارضان، والنسبة بينهما هي التباين، لكن بعد مجئ دليل ثالث يدل على وجوب اكرام العالم العادل وتخصيص دليل عدم وجوب اكرام العلماء به سوف يكون مفاده عدم وجوب اكرام العلماء إلاّ العدول منهم، فإنّه يجب اكرامهم، وهذا المفاد و(ناتج هذا التخصيص) هو أخصّ مطلقا من مفاد دليل (اكرم العلماء)، فانقلبت النسبة بين دليل (اكرم العلماء) ودليل (لاتكرم العلماء) إلى العموم والخصوص المطلق بعدما كانت التباين، وهذه النسبة الجديدة بين الدليلين من نوع التعارض غير المستقر الذي يزول بالتأمل وهو ما يصطلح عليه بـ «انقلاب النسبة».
<br>'''الثاني:''' الترتيب في علاج هذا التعارض وملاحظة النسبة بين الأدلة قبل اجراء أحكام التعارض المستقر عليها، فمثلاً إذا ورد دليل دلَّ على وجوب اكرام العلماء وورد دليل آخر دلَّ على عدم وجوب اكرامهم، فإنّ هذين الدليلين متعارضان، والنسبة بينهما هي التباين، لكن بعد مجئ دليل ثالث يدل على وجوب اكرام العالم العادل وتخصيص دليل عدم وجوب اكرام العلماء به سوف يكون مفاده عدم وجوب اكرام العلماء إلاّ العدول منهم، فإنّه يجب اكرامهم، وهذا المفاد و(ناتج هذا التخصيص) هو أخصّ مطلقا من مفاد دليل (اكرم العلماء)، فانقلبت النسبة بين دليل (اكرم العلماء) ودليل (لاتكرم العلماء) إلى العموم والخصوص المطلق بعدما كانت التباين، وهذه النسبة الجديدة بين الدليلين من نوع التعارض غير المستقر الذي يزول بالتأمل وهو ما يصطلح عليه بـ «انقلاب النسبة».
سطر ١٧: سطر ١٧:
==القول الأول: انقلاب النسبة==
==القول الأول: انقلاب النسبة==
وهو ما ذهب إليه النراقي<ref>. عوائد الايام: 349 ـ 353.</ref> والانصاري<ref>. فرائد الأصول 4: 111.</ref> والنائيني<ref>. أجود التقريرات 4: 300 وما بعدها.</ref> والخوئي<ref>. مصباح الأصول 3: 386.</ref> والبجنوردي<ref>. منتهى الأصول 2: 577 ـ 580.</ref> والروحاني<ref>. منتقى الأصول 7: 360.</ref>، وعليه فيجب التدرج في علاج الادلة المتعارضة وملاحظة بعضها إلى بعض قبل اجراء احكام التعارض المستقر عليها.
وهو ما ذهب إليه النراقي<ref>. عوائد الايام: 349 ـ 353.</ref> والانصاري<ref>. فرائد الأصول 4: 111.</ref> والنائيني<ref>. أجود التقريرات 4: 300 وما بعدها.</ref> والخوئي<ref>. مصباح الأصول 3: 386.</ref> والبجنوردي<ref>. منتهى الأصول 2: 577 ـ 580.</ref> والروحاني<ref>. منتقى الأصول 7: 360.</ref>، وعليه فيجب التدرج في علاج الادلة المتعارضة وملاحظة بعضها إلى بعض قبل اجراء احكام التعارض المستقر عليها.
ويقوم الدليل على القول بانقلاب النسبة على بيان مقدمتين:
<br>ويقوم الدليل على القول بانقلاب النسبة على بيان مقدمتين:
المقدمة الأولى: وهي أن لكل لفظ دلالات ثلاث:
<br>المقدمة الأولى: وهي أن لكل لفظ دلالات ثلاث:
الدلالة الأولى: وهي كون اللفظ موجبا لانتقال الذهن إلى المعنى، وهي ما يصطلح عليها بالدلالة التصورية، وهي لا تتوقف على الارادة بل الانتقال من نفس اللفظ إلى المعنى.
<br>الدلالة الأولى: وهي كون اللفظ موجبا لانتقال الذهن إلى المعنى، وهي ما يصطلح عليها بالدلالة التصورية، وهي لا تتوقف على الارادة بل الانتقال من نفس اللفظ إلى المعنى.
الدلالة الثانية: وهي دلالة اللفظ على كون المعنى مرادا للمتكلم بالارادة الاستعمالية، وهي ما يصطلح عليها بالدلالة التصديقية الأولى، وهي تحتاج إلى احراز كون المتكلم في مقام البيان لما يريده، ولذلك هي متوقفة على عدم نصب قرينة متصلة.
<br>الدلالة الثانية: وهي دلالة اللفظ على كون المعنى مرادا للمتكلم بالارادة الاستعمالية، وهي ما يصطلح عليها بالدلالة التصديقية الأولى، وهي تحتاج إلى احراز كون المتكلم في مقام البيان لما يريده، ولذلك هي متوقفة على عدم نصب قرينة متصلة.
الدلالة الثالثة: وهي دلالة اللفظ على كون المعنى مرادا للمتكلم بالارادة الجدية، وهي ما يصطلح عليها بالدلالة التصديقية الثانية، وهي متوقفة على عدم نصب قرينة متصلة أو منفصلة؛ لأنّ القرينة المنفصلة سوف تكون كاشفة عن عدم تعلق الارادة الجدية بجميع افراد العام بل  ما عدا أفراد الخاص، فلاينعقد للكلام ظهور على مستوى الارادة الجدية الكاشفة عن المراد.
<br>الدلالة الثالثة: وهي دلالة اللفظ على كون المعنى مرادا للمتكلم بالارادة الجدية، وهي ما يصطلح عليها بالدلالة التصديقية الثانية، وهي متوقفة على عدم نصب قرينة متصلة أو منفصلة؛ لأنّ القرينة المنفصلة سوف تكون كاشفة عن عدم تعلق الارادة الجدية بجميع افراد العام بل  ما عدا أفراد الخاص، فلاينعقد للكلام ظهور على مستوى الارادة الجدية الكاشفة عن المراد.
المقدمة الثانية: أنّ التعارض إنّما يكون بين دليلين كلاهما حجة في نفسيهما لولا المعارضة؛ لأ نّه لا معنى للمعارضة بين الحجة واللاحجة، والعام الذي ورد المخصص المنفصل عليه لايصلح أن يكون طرفا في المعارضة أمام الخاص، بل الخاص يقدّم عليه بملاك الأظهرية؛ لأ نّه يكشف عن عدم كون العام مرادا للشارع أو المتكلم، كما ذكرنا ذلك في المقدمة الأولى، فلاينعقد له ظهور في تمام المدلول بل في بعض المدلول وما عدا أفراد الخاص، وعليه فتجب ملاحظة النسبة بعد التخصيص لا قبل التخصيص؛ لأن العام قبل التخصيص ليس ظاهرا في تمام المدلول فلايدخل طرفا في المعارضة مع سائر الادلة إلاّ بعد التخصيص وهو معنى انقلاب النسبة<ref>. لاحظ هذا الدليل بمقدّمتيه في مصباح الأصول 3: 386 ـ 388، ومنتهى الأصول 2: 577 ـ 580، وبمقدمته الثانية في فوائد الأصول 4: 747 ـ 748.</ref>.
<br>المقدمة الثانية: أنّ التعارض إنّما يكون بين دليلين كلاهما حجة في نفسيهما لولا المعارضة؛ لأ نّه لا معنى للمعارضة بين الحجة واللاحجة، والعام الذي ورد المخصص المنفصل عليه لايصلح أن يكون طرفا في المعارضة أمام الخاص، بل الخاص يقدّم عليه بملاك الأظهرية؛ لأ نّه يكشف عن عدم كون العام مرادا للشارع أو المتكلم، كما ذكرنا ذلك في المقدمة الأولى، فلاينعقد له ظهور في تمام المدلول بل في بعض المدلول وما عدا أفراد الخاص، وعليه فتجب ملاحظة النسبة بعد التخصيص لا قبل التخصيص؛ لأن العام قبل التخصيص ليس ظاهرا في تمام المدلول فلايدخل طرفا في المعارضة مع سائر الادلة إلاّ بعد التخصيص وهو معنى انقلاب النسبة<ref>. لاحظ هذا الدليل بمقدّمتيه في مصباح الأصول 3: 386 ـ 388، ومنتهى الأصول 2: 577 ـ 580، وبمقدمته الثانية في فوائد الأصول 4: 747 ـ 748.</ref>.


==القول الثاني: عدم انقلاب النسبة==
==القول الثاني: عدم انقلاب النسبة==
وهو ما ذهب إليه المحقق الخراساني<ref>. كفاية الأصول: 452.</ref>، والحائري<ref>. دُرر الفوائد 1 ـ 2: 681 ـ 683.</ref>، والإصفهاني<ref>. نهاية الدراية 6: 349 ـ 351.</ref>، والعراقي<ref>. نهاية الأفكار 4 ق 2: 162.</ref>، ونسبه السيد الصدر إلى المشهور<ref>. بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 288.</ref>، وعليه تلاحظ الادلة المتعارضة دفعة واحدة واجراء احكام [[التعارض المستقر]] عليها.
وهو ما ذهب إليه المحقق الخراساني<ref>. كفاية الأصول: 452.</ref>، والحائري<ref>. دُرر الفوائد 1 ـ 2: 681 ـ 683.</ref>، والإصفهاني<ref>. نهاية الدراية 6: 349 ـ 351.</ref>، والعراقي<ref>. نهاية الأفكار 4 ق 2: 162.</ref>، ونسبه السيد الصدر إلى المشهور<ref>. بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 288.</ref>، وعليه تلاحظ الادلة المتعارضة دفعة واحدة واجراء احكام [[التعارض المستقر]] عليها.
واستدل لعدم انقلاب النسبة بكون الدليل المنفصل الذي يرد على العام لايثلم ظهور العام ولايمنعه من ظهوره في الشمول، غاية الأمر أنَّ المخصص المنفصل يصادم حجية العام في تمام مدلوله، والمعارضة في الحجية لا تمنع من إنعقاد ظهور العام في تمام المدلول وشموله له؛ لأنّه هناك فرق بين مقام الحجية وبين مقام الظهور، ومادام أنّ العام ظاهر في الشمول سوف يكون معارضا لظهور الخاص وبعد تحقق المعارضة بين ظهور العام وظهور الخاص، المنفصل لا تصل النوبة إلى انقلاب النسبة؛ لأنّ نسبة ظهور العام إلى المخصص المنفصل لا تتغير لا قبل التخصيص ولا بعده<ref>. كفاية الأصول: 452.</ref>.
<br>واستدل لعدم انقلاب النسبة بكون الدليل المنفصل الذي يرد على العام لايثلم ظهور العام ولايمنعه من ظهوره في الشمول، غاية الأمر أنَّ المخصص المنفصل يصادم حجية العام في تمام مدلوله، والمعارضة في الحجية لا تمنع من إنعقاد ظهور العام في تمام المدلول وشموله له؛ لأنّه هناك فرق بين مقام الحجية وبين مقام الظهور، ومادام أنّ العام ظاهر في الشمول سوف يكون معارضا لظهور الخاص وبعد تحقق المعارضة بين ظهور العام وظهور الخاص، المنفصل لا تصل النوبة إلى انقلاب النسبة؛ لأنّ نسبة ظهور العام إلى المخصص المنفصل لا تتغير لا قبل التخصيص ولا بعده<ref>. كفاية الأصول: 452.</ref>.


=صور انقلاب النسبة=
=صور انقلاب النسبة=
سطر ٣٣: سطر ٣٣:
==الصورة الأولى: ما إذا ورد دليل عام وورد أكثر من دليل خاص بينها تباين==
==الصورة الأولى: ما إذا ورد دليل عام وورد أكثر من دليل خاص بينها تباين==
فإذا جاء عام «اكرم النحويين» وخاص «لايجب اكرام الكوفيين من النحويين» وخاص آخر «لايجب اكرام البصريين من النحويين»، فإن النسبة بين كلٍّ من الخاصين وبين العام هي العموم والخصوص المطلق. ولا اشكال هنا في تخصيص العام بكلا الخاصين ويقال بوجوب اكرام النحويين ما عدا الكوفيين والبصريين، ولا فرق في ذلك بين القول بانقلاب النسبة وعدمه<ref>. أنظر: فرائد الأصول 4: 102، فوائد الأصول 4: 742، نهاية الأفكار 4 ق 2: 160، مصباح الأصول 3: 389.</ref>.
فإذا جاء عام «اكرم النحويين» وخاص «لايجب اكرام الكوفيين من النحويين» وخاص آخر «لايجب اكرام البصريين من النحويين»، فإن النسبة بين كلٍّ من الخاصين وبين العام هي العموم والخصوص المطلق. ولا اشكال هنا في تخصيص العام بكلا الخاصين ويقال بوجوب اكرام النحويين ما عدا الكوفيين والبصريين، ولا فرق في ذلك بين القول بانقلاب النسبة وعدمه<ref>. أنظر: فرائد الأصول 4: 102، فوائد الأصول 4: 742، نهاية الأفكار 4 ق 2: 160، مصباح الأصول 3: 389.</ref>.
ويستثنى من جواز التخصيص ما إذا كان التخصيص مستهجنا أو ادى إلى بقاء العام بلا مورد فإنّه في هذه الحالة لايجوز تخصيص العام بل يجب اجراء التعارض المستقر بين العام وبين مجموع الخاصين<ref>. راجع: المصادر السابقة.</ref>.
<br>ويستثنى من جواز التخصيص ما إذا كان التخصيص مستهجنا أو ادى إلى بقاء العام بلا مورد فإنّه في هذه الحالة لايجوز تخصيص العام بل يجب اجراء التعارض المستقر بين العام وبين مجموع الخاصين<ref>. راجع: المصادر السابقة.</ref>.


==الصورة الثانية: ما إذا ورد دليل عام ثم ورد أكثر من دليل خاص بينها عموم وخصوص من وجه==
==الصورة الثانية: ما إذا ورد دليل عام ثم ورد أكثر من دليل خاص بينها عموم وخصوص من وجه==
وفي هذه الصورة يوجد فرضان:
وفي هذه الصورة يوجد فرضان:
الفرض الأول: أن لايكون بين الخاصين تناف في مورد الاجتماع.
<br>الفرض الأول: أن لايكون بين الخاصين تناف في مورد الاجتماع.
فإذا جاء عام «اكرم العلماء» وخاص «لا تكرم العالم الفاسق» وخاص آخر «لاتكرم النحويين»، ومورد اجتماع الخاصين هو «العالم الفاسق النحوي» فإنّهما متطابقان فيه.
<br>فإذا جاء عام «اكرم العلماء» وخاص «لا تكرم العالم الفاسق» وخاص آخر «لاتكرم النحويين»، ومورد اجتماع الخاصين هو «العالم الفاسق النحوي» فإنّهما متطابقان فيه.
وفي هذا الفرض ذهب السيّد الروحاني إلى تخصيص العام بكلا الخاصين دفعة واحدة بلا تقديم لأحدهما وملاحظة النسبة بين العام بعد تخصيصه والخاص الآخر<ref>. منتقى الأصول 7: 378.</ref>.
<br>وفي هذا الفرض ذهب السيّد الروحاني إلى تخصيص العام بكلا الخاصين دفعة واحدة بلا تقديم لأحدهما وملاحظة النسبة بين العام بعد تخصيصه والخاص الآخر<ref>. منتقى الأصول 7: 378.</ref>.
وتوهم هنا القول بانقلاب النسبة، وذلك بتخصيص العام بمورد اجتماع المخصصين ثم ملاحظة النسبة بين العام وبين موردي الافتراق في المخصصين فتكون النسبة هي العموم والخصوص من وجه بعدما كانت العموم والخصوص المطلق<ref>. بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 303.</ref>.
<br>وتوهم هنا القول بانقلاب النسبة، وذلك بتخصيص العام بمورد اجتماع المخصصين ثم ملاحظة النسبة بين العام وبين موردي الافتراق في المخصصين فتكون النسبة هي العموم والخصوص من وجه بعدما كانت العموم والخصوص المطلق<ref>. بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 303.</ref>.
وردّ هذا التوهم بأ نّه مستلزم لمحذور الترجيح بلا مرجح لكون الخاص قرينة على العام بتمام مفاده وملاحظة جزء منه وهو مورد الاجتماع قبل الجزء الآخر وهو مورد الافتراق ترجيح بلا مرجّح<ref>. بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 303.</ref>.
<br>وردّ هذا التوهم بأ نّه مستلزم لمحذور الترجيح بلا مرجح لكون الخاص قرينة على العام بتمام مفاده وملاحظة جزء منه وهو مورد الاجتماع قبل الجزء الآخر وهو مورد الافتراق ترجيح بلا مرجّح<ref>. بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 303.</ref>.
وذكر [[السيد محمّد باقر الصدر]] شقين لهذا الفرض:
<br>وذكر [[السيد محمّد باقر الصدر]] شقين لهذا الفرض:
الشق الأول: أن يكون الخاصان صادرين في زمان واحد.
<br>الشق الأول: أن يكون الخاصان صادرين في زمان واحد.
وهنا لا كلام في تخصيص العام بهما دفعة واحدة ولا وجه لترجيح أحدهما على الآخر، ولا فرق في ذلك بين القول بانقلاب النسبة وعدمه<ref>. المصدر السابق: 304.</ref>.
<br>وهنا لا كلام في تخصيص العام بهما دفعة واحدة ولا وجه لترجيح أحدهما على الآخر، ولا فرق في ذلك بين القول بانقلاب النسبة وعدمه<ref>. المصدر السابق: 304.</ref>.
الشق الثاني: أن يكون الخاصان مترتبين زمانا كما إذا ورد مخصص عن الامام الباقر عليه‏السلام ومخصص آخر عن [[الامام الصادق]] عليه‏السلام.
<br>الشق الثاني: أن يكون الخاصان مترتبين زمانا كما إذا ورد مخصص عن الامام الباقر عليه‏السلام ومخصص آخر عن [[الامام الصادق]] عليه‏السلام.
فهنا قد تثار شبهة وهي لزوم تخصيص العام بالخاص المتقدّم وملاحظة العام بعد ذلك مع الخاص المتأخر فتكون النسبة قد انقلبت من العموم والخصوص المطلق إلى العموم والخصوص من وجه. ومبنى هذه الشبهة هو أن العام بعد ورود المخصص المتقدم عليه لايكون حجة إلاّ في المقدار الباقي؛ لأ نّه يكشف عن عدم تعلّق الإرادة الجدية من لفظ العام، فلايقع التعارض بين العام وبين هذا المخصص، بخلاف المخصص الآخر فلابدّ من ملاحظة النسبة الحادثة بين العام بعد التخصيص وبين المخصص المتأخّر<ref>. أنظر : مصباح الأصول 3 : 392، بحوث في علم الأصول الهاشمي 7 :  304.</ref>.
<br>فهنا قد تثار شبهة وهي لزوم تخصيص العام بالخاص المتقدّم وملاحظة العام بعد ذلك مع الخاص المتأخر فتكون النسبة قد انقلبت من العموم والخصوص المطلق إلى العموم والخصوص من وجه. ومبنى هذه الشبهة هو أن العام بعد ورود المخصص المتقدم عليه لايكون حجة إلاّ في المقدار الباقي؛ لأ نّه يكشف عن عدم تعلّق الإرادة الجدية من لفظ العام، فلايقع التعارض بين العام وبين هذا المخصص، بخلاف المخصص الآخر فلابدّ من ملاحظة النسبة الحادثة بين العام بعد التخصيص وبين المخصص المتأخّر<ref>. أنظر : مصباح الأصول 3 : 392، بحوث في علم الأصول الهاشمي 7 :  304.</ref>.
وقد أجاب السيد الخوئي<ref>. مصباح الأصول 3: 393.</ref> عن هذه الشبهة بأن الكلام الصادر عن الأئمة بمنزلة كلام واحد، وأ نّه كاشف عن مراد الشارع في عالم الثبوت وإن كان هناك تقديم وتأخير في عالم الاثبات، فكما أنّ المخصص المتقدّم يكشف عن عدم ارادة الشمول من العام كذلك المخصص المتأخر، ولا توجد لأحدهما مزية على الآخر من هذا الجانب، وكلاهما في رتبة واحدة.
<br>وقد أجاب [[السيد الخوئي]]<ref>. مصباح الأصول 3: 393.</ref> عن هذه الشبهة بأن الكلام الصادر عن الأئمة بمنزلة كلام واحد، وأ نّه كاشف عن مراد الشارع في عالم الثبوت وإن كان هناك تقديم وتأخير في عالم الاثبات، فكما أنّ المخصص المتقدّم يكشف عن عدم ارادة الشمول من العام كذلك المخصص المتأخر، ولا توجد لأحدهما مزية على الآخر من هذا الجانب، وكلاهما في رتبة واحدة.
الفرض الثاني: أن يكون بين الخاصين تناف في مورد الاجتماع.
<br>الفرض الثاني: أن يكون بين الخاصين تناف في مورد الاجتماع.
فإذا ورد عام «أكرم العلماء» وخاص «لا تكرم الفاسق من العلماء» وخاص آخر «يستحب اكرام النحويين» فمورد الاجتماع هو «النحوي الفاسق» ويتخالفان فيه.
<br>فإذا ورد عام «أكرم العلماء» وخاص «لا تكرم الفاسق من العلماء» وخاص آخر «يستحب اكرام النحويين» فمورد الاجتماع هو «النحوي الفاسق» ويتخالفان فيه.
وفي هذا الفرض ذهب السيّد محمّد باقر الصدر<ref>. بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 303 ـ 304.</ref> إلى الرجوع إلى العام في مورد الاجتماع لتعارضهما فيه والمرجع هو العام، وتخصيص العام بهما في مورد الافتراق.
<br>وفي هذا الفرض ذهب السيّد محمّد باقر الصدر<ref>. بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 303 ـ 304.</ref> إلى الرجوع إلى العام في مورد الاجتماع لتعارضهما فيه والمرجع هو العام، وتخصيص العام بهما في مورد الافتراق.
بينما ذهب السيّد الروحاني<ref>. منتقى الأصول 7: 378.</ref> إلى إجراء أحكام التعارض المستقرّ بين الخاصّين في مورد الاجتماع وتخصيص العام بهما في مورد الافتراق.
<br>بينما ذهب السيّد الروحاني<ref>. منتقى الأصول 7: 378.</ref> إلى إجراء أحكام التعارض المستقرّ بين الخاصّين في مورد الاجتماع وتخصيص العام بهما في مورد الافتراق.
وقد ذهب الأنصاري<ref>. فرائد الأصول 4: 102.</ref>، والنائيني<ref>. فوائد الأصول 4: 745.</ref>، والخوئي<ref>. مصباح الأصول 3: 392.</ref> إلى إطلاق القول بتخصيص العام بكلا الخاصّين في هذه الصورة من دون تفصيل بين هذه الفروض وتلك التشقيقات.
<br>وقد ذهب الأنصاري<ref>. فرائد الأصول 4: 102.</ref>، والنائيني<ref>. فوائد الأصول 4: 745.</ref>، والخوئي<ref>. مصباح الأصول 3: 392.</ref> إلى إطلاق القول بتخصيص العام بكلا الخاصّين في هذه الصورة من دون تفصيل بين هذه الفروض وتلك التشقيقات.


==الصورة الثالثة: ما إذا ورد دليل عام وورد خاصّان بينهما عموم وخصوص مطلق==
==الصورة الثالثة: ما إذا ورد دليل عام وورد خاصّان بينهما عموم وخصوص مطلق==
وفي هذه الصورة فرضان:
وفي هذه الصورة فرضان:
الفرض الأوّل: أن يكون كلا الخاصّين منفصلين.
<br>الفرض الأوّل: أن يكون كلا الخاصّين منفصلين.
فإذا ورد عام: «أكرم العلماء» وخاصّ: «لايجوز إكرام العالم العاصي» وخاصّ آخر: «لايجوز إكرام العالم المرتكب للكبائر». فهنا لا إشكال في تخصيص العام بكلا الخاصّين؛ لأنّ نسبتهما إلى العام على حدّ سواء ولا وجه لتقديم أحدهما، ولا منافاة بين الخاصّ والأخصّ<ref>. أنظر: فوائد الأصول 4: 743، مصباح الأصول 3: 393 ـ 394، بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 306.</ref>.
<br>فإذا ورد عام: «أكرم العلماء» وخاصّ: «لايجوز إكرام العالم العاصي» وخاصّ آخر: «لايجوز إكرام العالم المرتكب للكبائر». فهنا لا إشكال في تخصيص العام بكلا الخاصّين؛ لأنّ نسبتهما إلى العام على حدّ سواء ولا وجه لتقديم أحدهما، ولا منافاة بين الخاصّ والأخصّ<ref>. أنظر: فوائد الأصول 4: 743، مصباح الأصول 3: 393 ـ 394، بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 306.</ref>.
وقد يُعمد هنا إلى تخصيص العام بأخصّ الخاصّين وانقلاب النسبة بملاحظة العام بعد التخصيص بالأخصّ مع الخاصّ الأعم<ref>. نهاية الأفكار 4 ق 2: 161 ـ 162.</ref>.
<br>وقد يُعمد هنا إلى تخصيص العام بأخصّ الخاصّين وانقلاب النسبة بملاحظة العام بعد التخصيص بالأخصّ مع الخاصّ الأعم<ref>. نهاية الأفكار 4 ق 2: 161 ـ 162.</ref>.
وردّ بأنّ نسبة العام إلى كلّ من الخاصّين على حدّ سواء ولا وجه لتقديم أخصّ الخاصّين وتخصيص العام به، بل لابدّ من تخصيص بكلّ منهما دفعة واحدة<ref>. فوائد الأصول 4: 743، مصباح الأصول 3: 394.</ref>.
<br>وردّ بأنّ نسبة العام إلى كلّ من الخاصّين على حدّ سواء ولا وجه لتقديم أخصّ الخاصّين وتخصيص العام به، بل لابدّ من تخصيص بكلّ منهما دفعة واحدة<ref>. فوائد الأصول 4: 743، مصباح الأصول 3: 394.</ref>.
الفرض الثاني: ما إذا كان أحد الخاصّين متّصلاً بالعام.
<br>الفرض الثاني: ما إذا كان أحد الخاصّين متّصلاً بالعام.
وفي هذا الفرض نحوان:
<br>وفي هذا الفرض نحوان:
النحو الأوّل: ألاّ يكون العام المخصَّص بالمتّصل قد ورد في دليل آخر.
<br>النحو الأوّل: ألاّ يكون العام المخصَّص بالمتّصل قد ورد في دليل آخر.
فإذا ورد عام: «أكرم العلماء غير الكوفيين من النحويين» وخاصّ: «لاتكرم النحويين» فهنا تنقلب النسبة بين العام وبين الخاصّ الأعم من العموم والخصوص المطلق إلى العموم والخصوص من وجه؛ لأنّ اتّصال الخاصّ الأخصّ بالعام يكشف عن عدم تعلّق الارادة بما يشمل أفراد الخاصّ من الأوّل فلاينعقد للعام ظهور بما يشمل أفراد الخاصّ الأخصّ<ref>. فوائد الأصول 4: 743، مصباح الأصول 3: 394 ـ 395.</ref>.
<br>فإذا ورد عام: «أكرم العلماء غير الكوفيين من النحويين» وخاصّ: «لاتكرم النحويين» فهنا تنقلب النسبة بين العام وبين الخاصّ الأعم من العموم والخصوص المطلق إلى العموم والخصوص من وجه؛ لأنّ اتّصال الخاصّ الأخصّ بالعام يكشف عن عدم تعلّق الارادة بما يشمل أفراد الخاصّ من الأوّل فلاينعقد للعام ظهور بما يشمل أفراد الخاصّ الأخصّ<ref>. فوائد الأصول 4: 743، مصباح الأصول 3: 394 ـ 395.</ref>.
النحو الثاني: أن يكون العام المخصّص بالمتّصل قد ورد في دليل آخر.
<br>النحو الثاني: أن يكون العام المخصّص بالمتّصل قد ورد في دليل آخر.
فإذا ورد عام: «أكرم العلماء» وخاصّ: «أكرم العلماء إلاّ المرتكب للكبائر» وخاصّ آخر: «يحرم إكرام العالم العاصي» فهنا ذهب النائيني<ref>. فوائد الأصول 4: 744.</ref> إلى انقلاب النسبة من العموم والخصوص المطلق إلى العموم والخصوص من وجه أيضا، واستدلّ لذلك بدليلين:
<br>فإذا ورد عام: «أكرم العلماء» وخاصّ: «أكرم العلماء إلاّ المرتكب للكبائر» وخاصّ آخر: «يحرم إكرام العالم العاصي» فهنا ذهب النائيني<ref>. فوائد الأصول 4: 744.</ref> إلى انقلاب النسبة من العموم والخصوص المطلق إلى العموم والخصوص من وجه أيضا، واستدلّ لذلك بدليلين:
الأوّل: أنّ العام قد تخصص بالمخصِّص المتّصل بالعام الثاني، فيكون مفاده عين مفاد العام الثاني الذي اتّصل به المخصص، فتلاحظ النسبة بينه وبين الخاصّ الأعم.
<br>الأوّل: أنّ العام قد تخصص بالمخصِّص المتّصل بالعام الثاني، فيكون مفاده عين مفاد العام الثاني الذي اتّصل به المخصص، فتلاحظ النسبة بينه وبين الخاصّ الأعم.
الثاني: أنّ الخاصّ الأعم لايمكن أن يكون مخصصا للعام الأوّل؛ لأ نّه مبتلى بالمعارض وهو الخاصّ المتّصل بالعام الثاني.
<br>الثاني: أنّ الخاصّ الأعم لايمكن أن يكون مخصصا للعام الأوّل؛ لأ نّه مبتلى بالمعارض وهو الخاصّ المتّصل بالعام الثاني.
وناقش السيّد الخوئي<ref>. مصباح الأصول 3: 396.</ref> فيما استدلّ به النائيني:
<br>وناقش [[السيّد الخوئي]]<ref>. مصباح الأصول 3: 396.</ref> فيما استدلّ به النائيني:
فأمّا ما استدلّ به أوّلاً: فإنّ نسبة العام إلى المخصصين نسبة واحدة فلا وجه لتقديم تخصيصه بالخاصّ المتّصل بالعام الثاني.
<br>فأمّا ما استدلّ به أوّلاً: فإنّ نسبة العام إلى المخصصين نسبة واحدة فلا وجه لتقديم تخصيصه بالخاصّ المتّصل بالعام الثاني.
وأمّا ما استدلّ به ثانيا: فإنّه لاينتج التعارض بين العام الأوّل وبين الخاصّ الأعم المنفصل؛ لأ نّه إذا كان الخاصّ المنفصل مبتلى بالمعارض لابدّ من علاج هذا التعارض قبل الرجوع إلى العام الأوّل وملاحظة نسبته إليه، وبعد علاج هذا التعارض لايبقى، أي تعارض بين العام الأوّل وبين المخصّص المنفصل.
<br>وأمّا ما استدلّ به ثانيا: فإنّه لاينتج التعارض بين العام الأوّل وبين الخاصّ الأعم المنفصل؛ لأ نّه إذا كان الخاصّ المنفصل مبتلى بالمعارض لابدّ من علاج هذا التعارض قبل الرجوع إلى العام الأوّل وملاحظة نسبته إليه، وبعد علاج هذا التعارض لايبقى، أي تعارض بين العام الأوّل وبين المخصّص المنفصل.
هذا كلّه فيما إذا كان الخاصّان دليلين لفظيين.
<br>هذا كلّه فيما إذا كان الخاصّان دليلين لفظيين.
وأمّا إذا كان أحد الخاصين دليلاً لبيا كالإجماع أو العقل فقد نسب إلى البعض القول بانقلاب النسبة في هذه الصورة وملاحظة العام المخصَّص بالدليل اللبي مع المخصّص الآخر اللفظي ومعه تنقلب النسبة إلى العموم والخصوص من وجه بعدما كانت العموم والخصوص المطلق، باعتبار أنّ المخصِّص اللبي يكون كالمخصِّص المتّصل فكأنّ العام قد استعمل منذ البدء فيما عدا أفراد المخصِّص اللبي<ref>. أنظر: فرائد الأصول 4: 103.</ref>.
<br>وأمّا إذا كان أحد الخاصين دليلاً لبيا كالإجماع أو العقل فقد نسب إلى البعض القول بانقلاب النسبة في هذه الصورة وملاحظة العام المخصَّص بالدليل اللبي مع المخصّص الآخر اللفظي ومعه تنقلب النسبة إلى العموم والخصوص من وجه بعدما كانت العموم والخصوص المطلق، باعتبار أنّ المخصِّص اللبي يكون كالمخصِّص المتّصل فكأنّ العام قد استعمل منذ البدء فيما عدا أفراد المخصِّص اللبي<ref>. أنظر: فرائد الأصول 4: 103.</ref>.
وقد ردّه الأنصاري: بأنّ المخصص اللبي واللفظي سواء في مانعية انعقاد العام في ظهوره في الشمول لتمام الأفراد، فيكون مخصَّصا بهما معا ولا وجه لتقديم المخصِّص اللبي<ref>. المصدر السابق: 103 ـ 104.</ref>.
<br>وقد ردّه الأنصاري: بأنّ المخصص اللبي واللفظي سواء في مانعية انعقاد العام في ظهوره في الشمول لتمام الأفراد، فيكون مخصَّصا بهما معا ولا وجه لتقديم المخصِّص اللبي<ref>. المصدر السابق: 103 ـ 104.</ref>.


==الصورة الرابعة: ما إذا ورد دليلان عامان من وجه وورد مخصص لهما في مورد الاجتماع==
==الصورة الرابعة: ما إذا ورد دليلان عامان من وجه وورد مخصص لهما في مورد الاجتماع==
سطر ٨٠: سطر ٨٠:
==الصورة الخامسة: ما إذا ورد دليلان عامان من وجه وورد مخصِّص لهما في مادّة الافتراق في أحدهم==
==الصورة الخامسة: ما إذا ورد دليلان عامان من وجه وورد مخصِّص لهما في مادّة الافتراق في أحدهم==
فإذا ورد عام: «يستحبّ إكرام العلماء» وعام: «يحرم إكرام الفساق» وخاصّ: «يجب إكرام العالم العادل» فمورد اجتماع العامين هو «العالم العادل» فيقع فيه التعارض بينهما ومورد افتراق العام الأوّل هو نفس مورد الخاصّ، وبعد تخصيص العام الأوّل بالخاصّ تكون النتيجة هي «استحباب إكرام العلماء الفساق، وأمّا العدول فيجب إكرامهم» وهو بهذا يكون أخصّ من العام الثاني؛ لأنّ العام الأوّل مختصّ بالعالم الفاسق، والعام الثاني عام لكلّ الفسّاق، فيقدّم عليه بالتخصيص وتكون النتيجة هي: «حرمة إكرام الفساق ماعدا العلماء، فإنّه يستحبّ إكرامهم»، فانقلبت النسبة بين العامين من العموم والخصوص من وجه إلى العموم والخصوص المطلق<ref>. فوائد الأصول 4: 745، نهاية الأفكار 4 ق 2: 164، مصباح الأصول 3: 399.</ref>.
فإذا ورد عام: «يستحبّ إكرام العلماء» وعام: «يحرم إكرام الفساق» وخاصّ: «يجب إكرام العالم العادل» فمورد اجتماع العامين هو «العالم العادل» فيقع فيه التعارض بينهما ومورد افتراق العام الأوّل هو نفس مورد الخاصّ، وبعد تخصيص العام الأوّل بالخاصّ تكون النتيجة هي «استحباب إكرام العلماء الفساق، وأمّا العدول فيجب إكرامهم» وهو بهذا يكون أخصّ من العام الثاني؛ لأنّ العام الأوّل مختصّ بالعالم الفاسق، والعام الثاني عام لكلّ الفسّاق، فيقدّم عليه بالتخصيص وتكون النتيجة هي: «حرمة إكرام الفساق ماعدا العلماء، فإنّه يستحبّ إكرامهم»، فانقلبت النسبة بين العامين من العموم والخصوص من وجه إلى العموم والخصوص المطلق<ref>. فوائد الأصول 4: 745، نهاية الأفكار 4 ق 2: 164، مصباح الأصول 3: 399.</ref>.
هذا فيما إذا كان الخاصّ واردا على تمام مادّة الافتراق، وأمّا إذا ورد على بعضها، فإنّه لا تنقلب النسبة ويبقى التعارض قائما<ref>. مصباح الأصول 3: 399.</ref>.
<br>هذا فيما إذا كان الخاصّ واردا على تمام مادّة الافتراق، وأمّا إذا ورد على بعضها، فإنّه لا تنقلب النسبة ويبقى التعارض قائما<ref>. مصباح الأصول 3: 399.</ref>.


==الصورة السادسة: ما إذا ورد دليلان عامان وورد مخصّص لمادّة الافتراق لكليهما==
==الصورة السادسة: ما إذا ورد دليلان عامان وورد مخصّص لمادّة الافتراق لكليهما==
سطر ٩٣: سطر ٩٣:
==الصورة التاسعة: ما إذا ورد دليلان متباينان وورد مخصِّص لكلٍّ منهما==
==الصورة التاسعة: ما إذا ورد دليلان متباينان وورد مخصِّص لكلٍّ منهما==
مع التنافي بينهما بالعموم والخصوص من وجه.
مع التنافي بينهما بالعموم والخصوص من وجه.
فإذا ورد عام: «يجب إكرام العلماء» وعام آخر: «لايجب إكرام العلماء» وخاصّ: «يجب إكرام العالم العادل» وخاصّ آخر: «لايجب إكرام العالم النحوي» فإنّه لا يختلف حكم هذه الصورة سواء قيل بانقلاب النسبة أو  بعدمه.
<br>فإذا ورد عام: «يجب إكرام العلماء» وعام آخر: «لايجب إكرام العلماء» وخاصّ: «يجب إكرام العالم العادل» وخاصّ آخر: «لايجب إكرام العالم النحوي» فإنّه لا يختلف حكم هذه الصورة سواء قيل بانقلاب النسبة أو  بعدمه.
أمّا على القول بانقلاب النسبة تكون النسبة بعد التخصيص هي العموم والخصوص من وجه بعدما كانت التباين، حيث يخصَّص دليل وجوب إكرام العلماء بخاصّ عدم إكرام العالم النحوي ودليل عدم وجوب إكرام العلماء بخاصّ وجوب إكرام العالم العادل ويجتمعان في العالم العادل النحوي ويرجع فيه إلى احكام التعارض المستقرّ.
<br>أمّا على القول بانقلاب النسبة تكون النسبة بعد التخصيص هي العموم والخصوص من وجه بعدما كانت التباين، حيث يخصَّص دليل وجوب إكرام العلماء بخاصّ عدم إكرام العالم النحوي ودليل عدم وجوب إكرام العلماء بخاصّ وجوب إكرام العالم العادل ويجتمعان في العالم العادل النحوي ويرجع فيه إلى احكام التعارض المستقرّ.
وأمّا على القول بعدم انقلاب النسبة يسقط العمومان عن الحجّية رأسا ويؤخذ بالخاصّين، وحيث إنّ بينهما عموم وخصوص من وجه ومورد اجتماعهما هو العالم العادل النحوي، فيرجع فيه إلى أحكام التعارض المستقرّ<ref>. المصدر السابق: 402.</ref>.
<br>وأمّا على القول بعدم انقلاب النسبة يسقط العمومان عن الحجّية رأسا ويؤخذ بالخاصّين، وحيث إنّ بينهما عموم وخصوص من وجه ومورد اجتماعهما هو العالم العادل النحوي، فيرجع فيه إلى أحكام التعارض المستقرّ<ref>. المصدر السابق: 402.</ref>.


=تطبيقات=
=تطبيقات=
سطر ١٠٢: سطر ١٠٢:
==1 ـ الأدلّة الواردة في إرث الزوجة==
==1 ـ الأدلّة الواردة في إرث الزوجة==
فإنّ منها ما ورد بعنوان: «الزوجة ترث من العقار» ومنها ما ورد بعنوان: «الزوجة لاترث من العقار» ومنها ما ورد بعنوان: «إرث الزوجة من العقار إذا كانت أم ولد»<ref>. أنظر: فوائد الأصول 4: 746، مصباح الأصول 3: 401، منتقى الأصول 7: 393.</ref>.
فإنّ منها ما ورد بعنوان: «الزوجة ترث من العقار» ومنها ما ورد بعنوان: «الزوجة لاترث من العقار» ومنها ما ورد بعنوان: «إرث الزوجة من العقار إذا كانت أم ولد»<ref>. أنظر: فوائد الأصول 4: 746، مصباح الأصول 3: 401، منتقى الأصول 7: 393.</ref>.
فإنّ التعارض بين الدليلين الأوّلين هو التباين، لكن بعد ملاحظة النسبة بين الدليل الثاني والدليل الثالث وتخصيصه به تنقلب النسبة من التباين إلى العموم والخصوص المطلق، وتكون النتيجة إرث الزوجة من العقار إذا كانت أم ولد ولاترث منه إذا لم تكن كذلك.
<br>فإنّ التعارض بين الدليلين الأوّلين هو التباين، لكن بعد ملاحظة النسبة بين الدليل الثاني والدليل الثالث وتخصيصه به تنقلب النسبة من التباين إلى العموم والخصوص المطلق، وتكون النتيجة إرث الزوجة من العقار إذا كانت أم ولد ولاترث منه إذا لم تكن كذلك.


==2 ـ الأدلّة الواردة في ضمان العارية==
==2 ـ الأدلّة الواردة في ضمان العارية==
confirmed
١٬٦٣٠

تعديل