confirmed
١٬٦٣٠
تعديل
Abolhoseini (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''الانصراف:''' اصطلاحٌ أصوليٌ بمعنی توجّه الذهن إلی المعنی الذي يتبادر من اللفظ، ويمثّل له بان...') |
Abolhoseini (نقاش | مساهمات) لا ملخص تعديل |
||
سطر ١: | سطر ١: | ||
'''الانصراف:''' اصطلاحٌ أصوليٌ بمعنی توجّه الذهن إلی المعنی الذي يتبادر من اللفظ، ويمثّل له بانصراف لفظ [[المسح]] في أدلّة [[الوضوء]] و [[التيمّم]] إلى المسح بباطن الكفّ لا ظاهره. | '''الانصراف:''' اصطلاحٌ أصوليٌ بمعنی توجّه الذهن إلی المعنی الذي يتبادر من اللفظ، ويمثّل له بانصراف لفظ [[المسح]] في أدلّة [[الوضوء]] و [[التيمّم]] إلى المسح بباطن الكفّ لا ظاهره. وکانصراف أدلّة الغسل إلى الغسل بالماء المطلق دون غيره كالماء المضاف؛ لأنّ العادة جارية على الغسل بالماء المطلق لا المضاف. | ||
=تعريف الانصراف= | =تعريف الانصراف= | ||
هو ردّ الشيء عن وجهه، وصارف نفسه عن الشيء صرفها عنه<ref>. لسان العرب 2: 2182 مادة «صرف».</ref>. وهو في الاصطلاح عبارة عن أنس الذهن بمعنى معيّن ممّا ينطبق عليه اللفظ<ref>. بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 431.</ref>. | هو ردّ الشيء عن وجهه، وصارف نفسه عن الشيء صرفها عنه<ref>. لسان العرب 2: 2182 مادة «صرف».</ref>. وهو في الاصطلاح عبارة عن أنس الذهن بمعنى معيّن ممّا ينطبق عليه اللفظ<ref>. بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 431.</ref>. | ||
<br>ويمثّل له بانصراف لفظ «المسح» في أدلّة [[الوضوء]] و [[التيمّم]] إلى [[المسح]] بباطن الكفّ لا ظاهره<ref>. أنظر: أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 242.</ref>. والبحث في الانصراف هو من البحوث المتعلّقة | <br>ويمثّل له بانصراف لفظ «المسح» في أدلّة [[الوضوء]] و [[التيمّم]] إلى [[المسح]] بباطن الكفّ لا ظاهره<ref>. أنظر: أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 242.</ref>. والبحث في الانصراف هو من البحوث المتعلّقة ب[[الإطلاق]] ومن شؤونه. | ||
=الألفاظ ذات الصلة= | =الألفاظ ذات الصلة= | ||
==تبادر== | ==تبادر== | ||
وهو انسباق المعنى من نفس اللفظ مجرّدا عن كلّ قرينة<ref>. المصدر السابق: 69.</ref>. | وهو انسباق المعنى من نفس اللفظ مجرّدا عن كلّ قرينة<ref>. المصدر السابق: 69.</ref>. | ||
[[الفرق بين التبادر والانصراف]]، هو أنّ الأوّل يراد منه استكشاف وضع اللفظ للمعنى المتبادر ويعدُّ من علامات الوضع، بينما الثاني يراد منه استكشاف مراد المتكلّم بعد ثبوت وضع اللفظ لمطلق المعنى، فيُراد بالانصراف إثبات كون المعنى المنصرف إليه هو المراد بالخصوص من | <br> [[الفرق بين التبادر والانصراف]]، هو أنّ الأوّل يراد منه استكشاف وضع اللفظ للمعنى المتبادر ويعدُّ من علامات الوضع، بينما الثاني يراد منه استكشاف مراد المتكلّم بعد ثبوت وضع اللفظ لمطلق المعنى، فيُراد بالانصراف إثبات كون المعنى المنصرف إليه هو المراد بالخصوص من [[الإطلاق]]. وقد يُتَسامح في استعمال أحدهما مكان الآخر. | ||
=أقسام الانصراف= | =أقسام الانصراف= | ||
سطر ٢٠: | سطر ٢٠: | ||
====القول الأوّل: الحجّية والاعتبار==== | ====القول الأوّل: الحجّية والاعتبار==== | ||
وهذا القول يمكن أن يُستفاد من استدلال الفقهاء بالانصراف في بعض الموارد لكون الفرد المنصرف عنه الإطلاق هو من الأفراد النادرة<ref>. أنظر: بدائع الصنائع 1: 159، إشارات الأصول 1: 392 ـ 393، مطارح الأنظار 2: 266، فقه الصادق 1: 155.</ref>. | وهذا القول يمكن أن يُستفاد من استدلال [[الفقهاء]] بالانصراف في بعض الموارد لكون الفرد المنصرف عنه [[الإطلاق]] هو من الأفراد النادرة<ref>. أنظر: بدائع الصنائع 1: 159، إشارات الأصول 1: 392 ـ 393، مطارح الأنظار 2: 266، فقه الصادق 1: 155.</ref>. | ||
====القول الثاني: عدم الحجّية والاعتبار==== | ====القول الثاني: عدم الحجّية والاعتبار==== | ||
ويبدو | ويبدو أنّه اختيار الأكثر وقد صرّح به متأخّرو الأصوليين كالأنصاري<ref>. كتاب الطهارة 2: 224.</ref>، والخراساني<ref>. كفاية الأصول: 249.</ref>، والنائيني<ref>. أجود التقريرات 2: 435.</ref>، والعراقي<ref>. نهاية الأفكار 1 ـ 2: 575 ـ 576.</ref>، والمظفر<ref>. أصول الفقه 1: 243.</ref>، والإمام الخميني<ref>. كتاب البيع 3: 44.</ref>، والخوئي<ref>. مصباح الأُصول 1 ق 2: 603.</ref> والصدر<ref>. بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 431، دروس في علم الأصول ح 1: 247 ـ 248.</ref>، والروحاني<ref>. منتقى الأصول 3: 446 ـ 447.</ref>. | ||
والدليل الذي يمكن أن يقام لذلك يتكوّن من عدّة مقدّمات: | <br>والدليل الذي يمكن أن يقام لذلك يتكوّن من عدّة مقدّمات: | ||
<br>'''المقدّمة الأولى:''' أن المدار هو مراد المتكلّم، ولا يكون شيء معتبرا إلاّ إذا كان طريقا لمراده. | <br>'''المقدّمة الأولى:''' أن المدار هو مراد المتكلّم، ولا يكون شيء معتبرا إلاّ إذا كان طريقا لمراده. | ||
<br>'''المقدّمة الثانية:''' أنّ فهم مراد المتكلّم يتمّ بطريقين إمّا الوضع وإمّا القرينة، فإذا جيء بلفظ كان ذلك دالاًّ على إرادة المعنى الموضوع له، وإذا قامت القرينة على خلافه، فإنّه سوف يكون دالاًّ على إرادة ما تدلّ عليه القرينة<ref>. أنظر: أصول الفقه المظفّر 1 ـ 2: 240 ـ 241.</ref>. | <br>'''المقدّمة الثانية:''' أنّ فهم مراد المتكلّم يتمّ بطريقين إمّا الوضع وإمّا القرينة، فإذا جيء بلفظ كان ذلك دالاًّ على إرادة المعنى الموضوع له، وإذا قامت القرينة على خلافه، فإنّه سوف يكون دالاًّ على إرادة ما تدلّ عليه القرينة<ref>. أنظر: أصول الفقه المظفّر 1 ـ 2: 240 ـ 241.</ref>. | ||
<br>'''المقدّمة الثالثة:''' أنّ الانصراف إنّما يكون حجّة لكونه يشكّل قرينة لفهم مراد المتكلّم، باعتبار | <br>'''المقدّمة الثالثة:''' أنّ الانصراف إنّما يكون حجّة لكونه يشكّل قرينة لفهم مراد المتكلّم، باعتبار أنّه كالتقييد للمطلق، فلا يكون المتكلّم مريدا لتمام ما يدلّ عليه المطلق، بل حصّة خاصّة دلّ عليها الانصراف<ref>. أنظر: مطارح الانظار 2: 265، أصول الفقه المظفّر 1 ـ 2: 242 ـ 243.</ref>. | ||
<br>'''المقدّمة الرابعة:''' أنّ مجرّد حصول الانصراف وخطور الفرد إلى الذهن لايكفي في اعتباره وحجّيته، بل لابدّ من كون الانصراف معيّنا لمراد المتكلّم<ref>. أنظر: كتاب الطهارة الأنصاري 2: 224.</ref>. | <br>'''المقدّمة الرابعة:''' أنّ مجرّد حصول الانصراف وخطور الفرد إلى الذهن لايكفي في اعتباره وحجّيته، بل لابدّ من كون الانصراف معيّنا لمراد المتكلّم<ref>. أنظر: كتاب الطهارة الأنصاري 2: 224.</ref>. | ||
<br>'''المقدّمة الخامسة:''' أنّ كون الانصراف معينا لمراد المتكلّم متوقّف على نشوء علاقة وثيقة بين اللفظ والفرد المنصرف إليه توجب ظهور اللفظ فيه، ومن دون حصول تلك العلاقة لايكون الانصراف المذكور حجّة في تعيين المراد والحصّة الخاصّة من المطلق<ref>. أنظر: دروس في علم الأصول ح1: 247 ـ 248.</ref>. | <br>'''المقدّمة الخامسة:''' أنّ كون الانصراف معينا لمراد المتكلّم متوقّف على نشوء علاقة وثيقة بين اللفظ والفرد المنصرف إليه توجب ظهور اللفظ فيه، ومن دون حصول تلك العلاقة لايكون الانصراف المذكور حجّة في تعيين المراد والحصّة الخاصّة من المطلق<ref>. أنظر: دروس في علم الأصول ح1: 247 ـ 248.</ref>. | ||
فطبق الدليل المذكور أنّ الملاك في حجّية الانصراف هو نشوء علاقة بين اللفظ والمعنى الخاصّ المنصرف إليه توجب ظهور اللفظ المطلق فيه، وصرف غلبة الوجود في الخارج لا توجب نشوء العلاقة المذكورة. | <br>فطبق الدليل المذكور أنّ الملاك في [[حجّية الانصراف]] هو نشوء علاقة بين اللفظ والمعنى الخاصّ المنصرف إليه توجب ظهور اللفظ المطلق فيه، وصرف غلبة الوجود في الخارج لا توجب نشوء العلاقة المذكورة. | ||
فلا يكون الانصراف في موردها حجّة. | فلا يكون الانصراف في موردها حجّة. | ||
===أنواع الانصراف الناشئ من الغلبة الوجودية=== | ===أنواع الانصراف الناشئ من الغلبة الوجودية=== | ||
إنّ المتأخّرين وإن ذهبوا إلى عدم حجّية الانصراف المذكور، غير | إنّ المتأخّرين وإن ذهبوا إلى عدم [[حجّية الانصراف]] المذكور، غير أنّهم اعتبروه في بعض الموارد الفقهية حجّة أو حكموا بـ [[الإجمال]] في مورده. ولمعرفة حقيقة الحال لابدّ من التطرّق إلى الأنواع المتصوّرة للانصراف المذكور. | ||
====النوع الأوّل: كون الغلبة الوجودية للمنصرف إليه مقابل ندرة المعنى المنصرف عنه==== | ====النوع الأوّل: كون الغلبة الوجودية للمنصرف إليه مقابل ندرة المعنى المنصرف عنه==== | ||
وهذه الندرة في المنصرف عنه يمكن أن تتصوّر بصور عدّة : | وهذه الندرة في المنصرف عنه يمكن أن تتصوّر بصور عدّة : | ||
<br>'''الصورة الأولى:''' ما إذا كانت الندرة في المعنى المنصرف عنه ندرة عادية، باعتبار | <br>'''الصورة الأولى:''' ما إذا كانت الندرة في المعنى المنصرف عنه ندرة عادية، باعتبار أنّه قليل الوجود عادة، ومثال ذلك انصراف لفظ «الماء» في العراق إلى ماء دجلة والفرات لكونهما الأفراد الغالبة وغيرهما نادر الوجود عادةً<ref>. أنظر: أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 243.</ref>. | ||
وفي هذه الصورة لا إشكال في عدم حجّية الانصراف المذكور<ref>. أنظر: أجود التقريرات 2: 435، بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 431.</ref>. | <br>وفي هذه الصورة لا إشكال في عدم [[حجّية الانصراف]] المذكور<ref>. أنظر: أجود التقريرات 2: 435، بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 431.</ref>. | ||
<br>'''الصورة الثانية:''' ما إذا كانت الندرة في المعنى المنصرف عنه ندرة ملحقة بالعدم. | <br>'''الصورة الثانية:''' ما إذا كانت الندرة في المعنى المنصرف عنه ندرة ملحقة بالعدم. | ||
ومثال ذلك النصّ الشرعي الوارد: «يجزيكم أذان جاركم» فإنّ الأذان المذكور منصرف عن أذان المرأة وناظر إلى أذان الرجل فقط، باعتبار أنّ أذانها فرد نادر يلحق بالعدم<ref>. أنظر: مستمسك العروة الوثقى 5: 580.</ref>. | ومثال ذلك النصّ الشرعي الوارد: «يجزيكم أذان جاركم» فإنّ الأذان المذكور منصرف عن أذان المرأة وناظر إلى أذان الرجل فقط، باعتبار أنّ أذانها فرد نادر يلحق بالعدم<ref>. أنظر: مستمسك العروة الوثقى 5: 580.</ref>. | ||
وفي هذه الصورة قد يقال | <br>وفي هذه الصورة قد يقال بـ [[حجّية الانصراف]] المذكور، باعتبار أنه يشكل قرينة توجب ظهور اللفظ المطلق في الفرد المنصرف إليه<ref>. تقريرات المجدد الشيرازي 2: 28 ـ 29، بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 431.</ref>. | ||
<br>'''الصورة الثالثة:''' ما إذا كانت الندرة غير مشخَّصة هل هي ندرة عادية أم ندرة ملحقة بالعدم؟ | <br>'''الصورة الثالثة:''' ما إذا كانت الندرة غير مشخَّصة هل هي ندرة عادية أم ندرة ملحقة بالعدم؟ | ||
ويمثّل له بانصراف دليل مسح الرأس في الوضوء إلى المسح مقبلاً وانصرافه عن المسح منكوسا، ويشك في كون المسح منكوسا هل هو من الفرد النادر ندرة عادية أم ندرة ملحقة بالعدم، فيحكم | ويمثّل له بانصراف دليل [[مسح الرأس]] في الوضوء إلى المسح مقبلاً وانصرافه عن المسح منكوسا، ويشك في كون المسح منكوسا هل هو من الفرد النادر ندرة عادية أم ندرة ملحقة بالعدم، فيحكم بـ [[الاجمال]] وعدم امكان الأخذ بالانصراف ولا ب[[الإطلاق]] بحيث يكون اللفظ شاملاً للمسح منكوسا <ref>. أنظر: مصباح الفقيه 2: 390، كتاب الطهارة الكلبايكاني 1: 86.</ref>. | ||
====النوع الثاني: كون الغلبة الوجودية للمنصرف إليه مقابل كون المعنى المنصرف عنه أخسّ الأفراد==== | ====النوع الثاني: كون الغلبة الوجودية للمنصرف إليه مقابل كون المعنى المنصرف عنه أخسّ الأفراد==== | ||
سطر ٥٠: | سطر ٥٠: | ||
==2 ـ الانصراف الناشئ من كثرة الاستعمال== | ==2 ـ الانصراف الناشئ من كثرة الاستعمال== | ||
ويمثّل له بما إذا كثر إستعمال لفظ «دابة» في ذوات الأربع دون كلّ | ويمثّل له بما إذا كثر إستعمال لفظ «دابة» في ذوات الأربع دون كلّ ما يدبّ على الأرض كما هو معناها لغةً، فإن الانصراف المذكور يشكل قرينة قوية توجب بروز علاقة وأنس بين اللفظ وبين المعنى المنصرف إليه. | ||
ويبدو أنه لا خلاف في اعتباره وحجيته<ref>. أنظر: المستصفى 1: 272، الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 27، حقائق الأصول 1: 151، بحوث في علم الأصول (الهاشمي) 3: 431.</ref>. | <br>ويبدو أنه لا خلاف في اعتباره وحجيته<ref>. أنظر: المستصفى 1: 272، الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 27، حقائق الأصول 1: 151، بحوث في علم الأصول (الهاشمي) 3: 431.</ref>. | ||
وهو يمكن أن يقع على صور عدّة: | وهو يمكن أن يقع على صور عدّة: | ||
<br>'''الصورة الأولى:''' كون كثرة الاستعمال موجبة لبلوغ المعنى المنصرف إليه حدّ المجاز المشهور<ref>. أنظر: منتهى الدراية 4: 328.</ref>. | <br>'''الصورة الأولى:''' كون كثرة الاستعمال موجبة لبلوغ المعنى المنصرف إليه حدّ [[المجاز المشهور]]<ref>. أنظر: منتهى الدراية 4: 328.</ref>. | ||
<br>'''الصورة الثانية:''' كون كثرة الاستعمال موجبة لبلوغ المعنى المنصرف إليه حد الاشتراك | <br>'''الصورة الثانية:''' كون كثرة الاستعمال موجبة لبلوغ المعنى المنصرف إليه حد [[الاشتراك اللفظي]]، مثل إنصراف لفظ «الصعيد» إلى التراب الخالص مع أنه موضوع لغةً لمطلق وجه الأرض<ref>. أنظر: المصدر السابق.</ref>. | ||
<br>'''الصورة الثالثة:''' كون كثرة الاستعمال موجبة لبلوغ المعنى المنصرف إليه حد النقل إليه ومهجورية المعنى المطلق<ref>. أنظر: المصدر نفسه.</ref>. | <br>'''الصورة الثالثة:''' كون كثرة الاستعمال موجبة لبلوغ المعنى المنصرف إليه حد النقل إليه ومهجورية المعنى المطلق<ref>. أنظر: المصدر نفسه.</ref>. | ||
==3 ـ الانصراف الناشئ من الجهة المقصودة للشيء== | ==3 ـ الانصراف الناشئ من الجهة المقصودة للشيء== | ||
مثل ما دل على حرمة الدم والميتة، فإن المنصرف من ذلك هو حرمة الأكل والشرب باعتبار أن الأكل والشرب هما الجهة المقصودة لهما آنذاك في عصر التشريع، أما | مثل ما دل على حرمة الدم والميتة، فإن المنصرف من ذلك هو حرمة الأكل والشرب باعتبار أن الأكل والشرب هما الجهة المقصودة لهما آنذاك في عصر التشريع، أما المنافع الأُخرى المتعارفة اليوم فإنّ النص منصرف عنها<ref>. أنظر: شرح مختصر الروضة 2: 660.</ref>. | ||
المنافع الأُخرى المتعارفة اليوم فإنّ النص منصرف عنها<ref>. أنظر: شرح مختصر الروضة 2: 660.</ref>. | |||
==4 ـ الانصراف الناشئ من الارتكاز== | ==4 ـ الانصراف الناشئ من الارتكاز== | ||
كالانصراف الناشئ من مناسبات عرفية أو عقلائية كما في التشريعات التي لها جذور عرفية مركوزة عرفا أو عقلائيا فإنّها قد توجب تقييد اللفظ المطلق بالمعنى المنصرف إليه<ref>. بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 432.</ref>. | كالانصراف الناشئ من مناسبات عرفية أو عقلائية كما في التشريعات التي لها جذور عرفية مركوزة عرفا أو عقلائيا فإنّها قد توجب تقييد اللفظ المطلق بالمعنى المنصرف إليه<ref>. بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 432.</ref>. | ||
وهذا القسم يمكن أن يقع على صور متعددة: | <br>وهذا القسم يمكن أن يقع على صور متعددة: | ||
<br>'''الصورة الأولى:''' الإرتكاز الذي يكون خلاف النص الشرعي. | <br>'''الصورة الأولى:''' [[الإرتكاز]] الذي يكون خلاف [[النص الشرعي]]. | ||
مثل أن يرد نص على ثبوت الولاية للأقرب فيما يتعلق بغسل الميت ودفنه، فإنّ النص المذكور يصادم الإرتكاز الموجود بكون الوصي بمنزلة الميت فمع وجود الوصي ينصرف النص المذكور عن الأقرب<ref>. أنظر: مستمسك العروة الوثقى 4: 61.</ref>. | <br>مثل أن يرد نص على ثبوت الولاية للأقرب فيما يتعلق بغسل الميت ودفنه، فإنّ النص المذكور يصادم الإرتكاز الموجود بكون الوصي بمنزلة الميت فمع وجود الوصي ينصرف النص المذكور عن الأقرب<ref>. أنظر: مستمسك العروة الوثقى 4: 61.</ref>. | ||
<br>'''الصورة الثانية:''' الارتكاز الذي لايكون خلاف النص الشرعي. | <br>'''الصورة الثانية:''' [[الارتكاز]] الذي لايكون خلاف [[النص الشرعي]]. | ||
مثل أن يرد نص «الماء مطهّر» فإنّه ينصرف إلى الماء الطاهر بارتكاز العقلاء أما الماء النجس فإنّه لايصلح للتطهير<ref>. أنظر: مستمسك العروة الوثقى 2: 7، بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 432.</ref>. | <br>مثل أن يرد نص «الماء مطهّر» فإنّه ينصرف إلى الماء الطاهر بارتكاز العقلاء أما الماء النجس فإنّه لايصلح للتطهير<ref>. أنظر: مستمسك العروة الوثقى 2: 7، بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 432.</ref>. | ||
الصورة الثالثة: الارتكاز الذي يكون مفسّرا لموضوع الحكم الشرعي. | <br>'''الصورة الثالثة:''' [[الارتكاز]] الذي يكون مفسّرا لموضوع [[الحكم الشرعي]]. | ||
مثل أن يرد أن الظرف الذي يلغ فيه الكلب يجب تعفيره، فإن عنوان «الظرف» وإن كان يشمل في وضعه اللغوي كل ظرف سواء الأواني أو الظروف المصنوعة من القماش، غير أنّ هذا العنوان ينصرف إلى الإناء فقط بحكم مناسبة التعفير<ref>. أنظر: مصباح الفقيه 8: 414 ـ 415، التنقيح في شرح العروة الوثقى 3: 61.</ref>. | <br>مثل أن يرد أن الظرف الذي يلغ فيه الكلب يجب تعفيره، فإن عنوان «الظرف» وإن كان يشمل في وضعه اللغوي كل ظرف سواء الأواني أو الظروف المصنوعة من القماش، غير أنّ هذا العنوان ينصرف إلى الإناء فقط بحكم مناسبة التعفير<ref>. أنظر: مصباح الفقيه 8: 414 ـ 415، التنقيح في شرح العروة الوثقى 3: 61.</ref>. | ||
==5 ـ الانصراف الناشئ من غلبة الارادة== | ==5 ـ الانصراف الناشئ من غلبة الارادة== | ||
سطر ٧٥: | سطر ٧٤: | ||
==6 ـ الانصراف الناشئ من وجود قدر متيقَّن== | ==6 ـ الانصراف الناشئ من وجود قدر متيقَّن== | ||
ويمثل له بقول السيّد لعبده «اشترِ اللحمَ» فإنّ القدر المتيقّن منه هو لحم الغنم فينصرف المطلق إليه، ولو أراد المتكلّم بيان الشمول لكان عليه أن يبيّنه ولايجوز الاتكال على | ويمثل له بقول السيّد لعبده «اشترِ اللحمَ» فإنّ القدر المتيقّن منه هو لحم الغنم فينصرف المطلق إليه، ولو أراد المتكلّم بيان الشمول لكان عليه أن يبيّنه ولايجوز الاتكال على [[الإطلاق]] مع وجود القدر المتيقَّن<ref>. أصول الفقه المظفر 1ـ2: 241 وأنظر: تعليقة على معالم الأصول (القزويني) 4: 825.</ref>. | ||
وقد وقع الخلاف في | <br>وقد وقع الخلاف في [[حجّية الانصراف]] المذكور واعتباره<ref>. أنظر: كفاية الأصول: 247، نهاية الأفكار 1ـ2: 574، مصباح الأصول 1ق2: 600، بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 425.</ref>. | ||
==7 ـ الانصراف الناشئ من التشكيك في الماهية== | ==7 ـ الانصراف الناشئ من التشكيك في الماهية== | ||
والانصراف المذكور يتصور على نحوين: | والانصراف المذكور يتصور على نحوين: | ||
<br>'''النحو الأول:''' الانصراف الناشئ من علو مرتبة بعض أفراد الماهية. كانصراف لفظ «الحيوان» عن الإنسان، فإن لفظه وإن كان موضوعا لغةً لكل ما له حياة إلاّ أنّ العرف يصرفه عن الإنسان، فإذا جاء النص الشرعي القائل: «لا تصلِّ فيما لايؤكل لحمه» فإنّه غير شامل للإنسان فتجوز الصلاة في شعر الإنسان ونحوه<ref>. أنظر: أجود التقريرات 2: 435، مصباح الأصول 1 ق 2: 603، منتهى الدراية 4: 327.</ref>. | <br>'''النحو الأول:''' الانصراف الناشئ من علو مرتبة بعض أفراد الماهية. كانصراف لفظ «الحيوان» عن الإنسان، فإن لفظه وإن كان موضوعا لغةً لكل ما له حياة إلاّ أنّ العرف يصرفه عن الإنسان، فإذا جاء النص الشرعي القائل: «لا تصلِّ فيما لايؤكل لحمه» فإنّه غير شامل للإنسان فتجوز الصلاة في شعر الإنسان ونحوه<ref>. أنظر: أجود التقريرات 2: 435، مصباح الأصول 1 ق 2: 603، منتهى الدراية 4: 327.</ref>. | ||
والانصراف المذكور حجة باعتباره يشكّل قرينة متصلة تمنع ظهور المطلق في إطلاقه<ref>. أنظر: المصادر السابقة.</ref>. | <br>والانصراف المذكور حجة باعتباره يشكّل قرينة متصلة تمنع ظهور المطلق في إطلاقه<ref>. أنظر: المصادر السابقة.</ref>. | ||
<br>'''النحو الثاني:''' الانصراف الناشئ من دنوّ مرتبة بعض أفراد الماهية. مثل انصراف لفظ «الماء» عن ماء الكبريت ونحوه لدنو مرتبته. | <br>'''النحو الثاني:''' الانصراف الناشئ من دنوّ مرتبة بعض أفراد الماهية. مثل انصراف لفظ «الماء» عن ماء الكبريت ونحوه لدنو مرتبته. | ||
والانصراف المذكور أيضا حجّة؛ لأ نّه بحكم القرينة المتّصلة التي تمنع من ظهور اللفظ في الإطلاق والشمول<ref>. أنظر: المصادر السابقة.</ref>. | <br>والانصراف المذكور أيضا حجّة؛ لأ نّه بحكم القرينة المتّصلة التي تمنع من ظهور اللفظ في [[الإطلاق]] والشمول<ref>. أنظر: المصادر السابقة.</ref>. | ||
==8 ـ الانصراف الناشئ من العادة والتعارف== | ==8 ـ الانصراف الناشئ من العادة والتعارف== | ||
ويمثّل له: بانصراف أدلّة الغسل إلى الغسل بالماء المطلق دون غيره كالماء المضاف؛ لأنّ العادة جارية على الغسل بالماء المطلق لا المضاف. | ويمثّل له: بانصراف أدلّة الغسل إلى الغسل بالماء المطلق دون غيره كالماء المضاف؛ لأنّ العادة جارية على الغسل بالماء المطلق لا المضاف. | ||
ويذكر أنّ الانصراف المذكور حجّة؛ لأنّ الانصراف إلى الغالب والمعهود مورد قبول أهل اللغة؛ لأن الغلبة والعادة كالعهد تشكّل قرينة توجب ظهور المطلق فيما ينصرف إليه<ref>. أنظر: مفاتيح الأصول: 196.</ref>. | <br>ويذكر أنّ الانصراف المذكور حجّة؛ لأنّ الانصراف إلى الغالب والمعهود مورد قبول أهل اللغة؛ لأن الغلبة والعادة كالعهد تشكّل قرينة توجب ظهور المطلق فيما ينصرف إليه<ref>. أنظر: مفاتيح الأصول: 196.</ref>. | ||
=مجال ومورد الانصراف= | =مجال ومورد الانصراف= | ||
المعروف أنّ الانصراف يجري في الالفاظ | المعروف أنّ الانصراف يجري في [[الالفاظ المطلقة]]، بحيث يكون بمنزلة المقيّد لها، لكن وقع الكلام في جريانه في [[ألفاظ العموم]] أيضا كما هو ظاهر الشهيد الثاني، حيث ذكر أنّ الحلف على عدم أكل الرؤوس ينصرف إلى الغالب من رؤوس الغنم<ref>. تمهيد القواعد: 212. وأنظر: تعليقة على معالم الأصول القزويني 4: 821.</ref>، وهو ظاهر السيّد علي الطباطبائي<ref>. رياض المسائل 8: 113 ـ 114 وانظر: تعليقة على معالم الأصول (القزويني) 4: 821.</ref> حيث ذكر انصراف قوله تعالى: '''«أوفوا بالعقود»'''<ref>. المائدة: 1.</ref> إلى العقود المتعارفة في زمان [[الشارع]]. | ||
<br>وهو ظاهر بعض [[أهل السنّة]] أيضا حيث حكموا بانصراف لفظ «الدابة» إلى ذوات الأربع مع أنّ وضعها اللغوي بمقتضى «ال» التعريف تدلّ على كلّ ما يدب على الأرض<ref>. الإحكام الآمدي 1ـ2: 534.</ref>. | <br>وهو ظاهر بعض [[أهل السنّة]] أيضا حيث حكموا بانصراف لفظ «الدابة» إلى ذوات الأربع مع أنّ وضعها اللغوي بمقتضى «ال» التعريف تدلّ على كلّ ما يدب على الأرض<ref>. الإحكام الآمدي 1ـ2: 534.</ref>. | ||
ولا يخفى أنّ هذه الاستفادة تبتني على كون مدخول «ال» التعريف إنّما يفيد العموم وضعا بسبب الأداة لا | <br>ولا يخفى أنّ هذه الاستفادة تبتني على كون مدخول «ال» التعريف إنّما يفيد العموم وضعا بسبب الأداة لا بـ [[مقدّمات الحكمة]] و [[الإطلاق]]، وإلاّ فلو كان مدخول الأداة يفيد العموم بالإطلاق وبمقدّمات الحكمة يكون المورد من جريان الانصراف في [[الألفاظ المطلقة]] لا الألفاظ العامة كما هو ظاهر جماعة<ref>. مصباح الأصول 1ق2: 341، أصول الفقه المظفر 1ـ2: 192.</ref>. | ||
ومع ذلك ذهب الأكثر إلى عدم وجود الانصراف إلى ألفاظ العموم باعتبار أنّ العام لايقبل التشكيك، بل هو يصدق على جميع أفراده وضعا<ref>. أنظر: تعليقة على معالم الأصول القزويني 4: 821.</ref>. | <br>ومع ذلك ذهب الأكثر إلى عدم وجود الانصراف إلى ألفاظ العموم باعتبار أنّ العام لايقبل التشكيك، بل هو يصدق على جميع أفراده وضعا<ref>. أنظر: تعليقة على معالم الأصول القزويني 4: 821.</ref>. | ||
=الشكّ في الانصراف= | =الشكّ في الانصراف= | ||
لو شكّ في بلوغ الانصراف حدّا يكون موجبا لعدم ظهور الكلام في | لو شكّ في بلوغ الانصراف حدّا يكون موجبا لعدم ظهور الكلام في [[الإطلاق]]، فهل يمكن الأخذ به والمنع من الإطلاق أو لايمكن الأخذ به والحكم بالإطلاق؟ | ||
ذكر الشيخ الأنصاري: إنّ مقتضى الأصل هو عدم الإطلاق؛ لعدم وجود ما يثبت كون المتكلّم في مقام بيان الشمول<ref>. مطارح الأنظار 2: 265.</ref>. | <br>ذكر الشيخ الأنصاري: إنّ مقتضى الأصل هو عدم الإطلاق؛ لعدم وجود ما يثبت كون المتكلّم في مقام بيان الشمول<ref>. مطارح الأنظار 2: 265.</ref>. | ||
=حكم الانصراف= | =حكم الانصراف= | ||
من شروط التمسّك بإطلاق اللفظ عدم وجود انصراف إلى بعض الأفراد يمنع من التمسّك به، ويبدو | من شروط التمسّك بإطلاق اللفظ عدم وجود انصراف إلى بعض الأفراد يمنع من التمسّك به، ويبدو أنّه لاخلاف بين الأصوليين في أنّ الانصراف الموجِب لظهور لفظ المطلق في الفرد المنصرف إليه حجّةً ومعتبرا ويكون بمنزلة المقيِّد للفظ المطلق. بينما الانصراف الذي لايوجب الظهور المذكور بل كان ناشئا من سبب خارجي خارج علاقة اللّفظ بالمعنى_ لا يكون حجة ومعتبرا ويبقى اطلاق اللفظ على حاله، ويمكن أن يصطلح عليه في هذه الحالة بـ «الانصراف البدوي»<ref>. أنظر: أجود التقريرات 2: 435، نهاية الأفكار 1ـ2: 576، مصباح الأصول 1 ق 2: 603، بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 431، أصول الفقه (المظفر) 1: 243، منتقى الأصول 3: 446.</ref>. | ||
وهذا الكلام واضح من الناحية النظرية لكن وقع البحث في مصاديقه وفي تشخيص ذلك وأنه من أي النحوين هو، من الانصراف الذي يوجب ظهور اللفظ في الفرد المنصرف إليه أم هو من الانصراف البدوي الذي يزول بأدنى تأمل؟<ref>. أنظر: أصول الفقه المظفر 1: 243.</ref> فإن للانصراف مراتب؛ منها ما يوجب التشكيك البدوي بوضع اللفظ للمعنى الذي يزول بأدنى تأمّل، ومنها ما يوجب التشكيك المستحكم والمستقر الذي لايزول بالتأمّل، ومنها ما يوجب أنس الذهن بالمعنى بحيث يكون كالتقييد اللفظي وغير ذلك من المراتب<ref>. نهاية الأفكار 1 ـ 2: 575 ـ 576.</ref>. وقد تقدمت مناقشة الأقسام وأحكامها تحت عنوان الأقسام. | <br>وهذا الكلام واضح من الناحية النظرية لكن وقع البحث في مصاديقه وفي تشخيص ذلك وأنه من أي النحوين هو، من الانصراف الذي يوجب ظهور اللفظ في الفرد المنصرف إليه أم هو من الانصراف البدوي الذي يزول بأدنى تأمل؟<ref>. أنظر: أصول الفقه المظفر 1: 243.</ref> فإن للانصراف مراتب؛ منها ما يوجب التشكيك البدوي بوضع اللفظ للمعنى الذي يزول بأدنى تأمّل، ومنها ما يوجب التشكيك المستحكم والمستقر الذي لايزول بالتأمّل، ومنها ما يوجب أنس الذهن بالمعنى بحيث يكون كالتقييد اللفظي وغير ذلك من المراتب<ref>. نهاية الأفكار 1 ـ 2: 575 ـ 576.</ref>. وقد تقدمت مناقشة الأقسام وأحكامها تحت عنوان الأقسام. | ||
=المصادر= | =المصادر= | ||
[[تصنيف: اصطلاحات الأصول]] | [[تصنيف: اصطلاحات الأصول]] |