٢٬٧٩٦
تعديل
لا ملخص تعديل |
لا ملخص تعديل |
||
سطر ٩: | سطر ٩: | ||
وفي القرآن الكريم : ( خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ) ( سورة التوبة : 102 ) ، ( وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ) ( سورة الأعراف : 56 ) . فالإصلاح هو : التغيير إلى الأفضل ، والحركات الإصلاحية هي : الدعوات التي تحرّك قطاعات من البشر لإصلاح ما فسد في الميادين الاجتماعية المختلفة ، انتقالاً بالحياة إلى درجة أرقى في سلّم التطوّر الإنساني . | وفي القرآن الكريم : ( خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ) ( سورة التوبة : 102 ) ، ( وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ) ( سورة الأعراف : 56 ) . فالإصلاح هو : التغيير إلى الأفضل ، والحركات الإصلاحية هي : الدعوات التي تحرّك قطاعات من البشر لإصلاح ما فسد في الميادين الاجتماعية المختلفة ، انتقالاً بالحياة إلى درجة أرقى في سلّم التطوّر الإنساني . | ||
والإصلاح : تعديل أو تطوير غير جذري في العلاقات الاجتماعية دون المساس بأُسسها . | والإصلاح : تعديل أو تطوير غير جذري في العلاقات الاجتماعية دون المساس بأُسسها . | ||
والإصلاح الإسلامي : إحدى الوجوه المرادة في تقويم الاعوجاج وإقامة الأود الحاصل في الكيان الإسلامي نتيجة الظروف المحيطة به والتحدّيات التي تواجهه . ولا يخفى أنّ ذلك يحتاج إلى سعي حثيث وبذل للجهود ، فضريبة الإصلاح هي الاضطهاد ، على حدّ تعبير الأُستاذ عبد الوهاب حمّودة المصري . | والإصلاح الإسلامي : إحدى الوجوه المرادة في تقويم الاعوجاج وإقامة الأود الحاصل في الكيان الإسلامي نتيجة الظروف المحيطة به والتحدّيات التي تواجهه . ولا يخفى أنّ ذلك يحتاج إلى سعي حثيث وبذل للجهود ، فضريبة الإصلاح هي الاضطهاد ، على حدّ تعبير الأُستاذ عبد الوهاب حمّودة المصري . | ||
ولا يفرّق بين الإصلاح وبين مصطلح الثورة في مستوى التغيير وشموله ، وإنّما من حيث الأُسلوب في التغيير وزمن التغيير ، فكلاهما إسلامي ، يعني التغيير الشامل والعميق ، لكنّ الثورة تسلك سبل العنف غالباً والسرعة في التغيير ، في حين تتمّ التغييرات الإصلاحية بالتدريج ، وكثيراً ما تعطي الثورة الأولوية لتغيير الواقع ، في حين تبدأ مناهج الإصلاح عادةً بتغيير الإنسان وإعادة صياغة نفسه وفق الدعوة الإصلاحية ، وبعد ذلك ينهض هذا الإنسان بتغيير الواقع وإقامة النموذج الإصلاحي الجديد . | ولا يفرّق بين الإصلاح وبين مصطلح الثورة في مستوى التغيير وشموله ، وإنّما من حيث الأُسلوب في التغيير وزمن التغيير ، فكلاهما إسلامي ، يعني التغيير الشامل والعميق ، لكنّ الثورة تسلك سبل العنف غالباً والسرعة في التغيير ، في حين تتمّ التغييرات الإصلاحية بالتدريج ، وكثيراً ما تعطي الثورة الأولوية لتغيير الواقع ، في حين تبدأ مناهج الإصلاح عادةً بتغيير الإنسان وإعادة صياغة نفسه وفق الدعوة الإصلاحية ، وبعد ذلك ينهض هذا الإنسان بتغيير الواقع وإقامة النموذج الإصلاحي الجديد . | ||
ولذلك وصفت رسالات الرسل ( عليهم الصلاة والسلام ) بأنّها دعوات إصلاح ، فيقول رسول الله شعيب (عليه السلام) : ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ ) ( سورة هود : 88 ) . | ولذلك وصفت رسالات الرسل ( عليهم الصلاة والسلام ) بأنّها دعوات إصلاح ، فيقول رسول الله شعيب (عليه السلام) : ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ ) ( سورة هود : 88 ) . | ||
ومن هنا يتبيّن أنّ المصلح هو المزيل للفساد والعداوة ، والآتي بما هو صالح ونافع ، والمسالم والمصافي ، والمستقيم المؤدّي لواجباته . وهذا هو ديدن المصلحين في الأُمّة الإسلامية ، إلاّ أنّه قلّ أن تجد مصلحاً أو مرشداً إلاّ لقيته قد ضاق من الاضطهاد ألواناً ، وأصاب من العنت والشقاء ضروباً ، وليست هذه السنّة ـ أي : سنّة الاضطهاد والشقاء ـ وقفاً على رسل الله وأنبيائه ، بل هي مطّردة في جميع المجاهدين لإصلاح البشرية ، الذين يحاربون المفسدين للنظم الاجتماعية الصحيحة ، ويكافحون شرور الطغيان ، ويعملون على هدم صروح البغي والتفرقة والعدوان في أيّ عصر كانوا وإلى أيّ أُمّة انتسبوا . | ومن هنا يتبيّن أنّ المصلح هو المزيل للفساد والعداوة ، والآتي بما هو صالح ونافع ، والمسالم والمصافي ، والمستقيم المؤدّي لواجباته . وهذا هو ديدن المصلحين في الأُمّة الإسلامية ، إلاّ أنّه قلّ أن تجد مصلحاً أو مرشداً إلاّ لقيته قد ضاق من الاضطهاد ألواناً ، وأصاب من العنت والشقاء ضروباً ، وليست هذه السنّة ـ أي : سنّة الاضطهاد والشقاء ـ وقفاً على رسل الله وأنبيائه ، بل هي مطّردة في جميع المجاهدين لإصلاح البشرية ، الذين يحاربون المفسدين للنظم الاجتماعية الصحيحة ، ويكافحون شرور الطغيان ، ويعملون على هدم صروح البغي والتفرقة والعدوان في أيّ عصر كانوا وإلى أيّ أُمّة انتسبوا . | ||
يقول الدكتور محمّد عمارة : « والناظر في تاريخ المجتمعات الإنسانية يرى سلسلة من التدافع بين دعوات الإصلاح وحركاته وبين الفساد والإفساد في تلك المجتمعات ، وعلى سبيل المثال : نجد الحركة الإصلاحية التي قادها جمال الدين الأفغاني منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر بدءاً من مصر وشمولاً لكلّ العالم الإسلامي تمثّل إحياءً وتجديداً للفكر الإسلامي بالعودة إلى منابعه الجوهرية : القرآن الكريم ، والسنّة النبوية الصحيحة ، ومناهج السلف الصالح . | يقول الدكتور محمّد عمارة : « والناظر في تاريخ المجتمعات الإنسانية يرى سلسلة من التدافع بين دعوات الإصلاح وحركاته وبين الفساد والإفساد في تلك المجتمعات ، وعلى سبيل المثال : نجد الحركة الإصلاحية التي قادها جمال الدين الأفغاني منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر بدءاً من مصر وشمولاً لكلّ العالم الإسلامي تمثّل إحياءً وتجديداً للفكر الإسلامي بالعودة إلى منابعه الجوهرية: القرآن الكريم ، والسنّة النبوية الصحيحة ، ومناهج السلف الصالح . | ||
=أهداف الحركات الإصلاحية= | =أهداف الحركات الإصلاحية= | ||
قد عبّر الإمام محمّد عبده عن أهداف | قد عبّر الإمام محمّد عبده عن أهداف الحركة الإصلاحية ، فقال : « إنّها ثلاثة : | ||
الأوّل : تحرير الفكر من قيد التقليد ، وفهم الدين على طريقة سلف الأُمّة قبل ظهور الخلاف ، والرجوع في كسب معارفه إلى ينابيعها الأُولى ، واعتباره من ضمن موازين العقل البشري التي وضعها الله لتتمّ حكمة الله في حفظ نظام العالم الإسلامي . | الأوّل : تحرير الفكر من قيد التقليد ، وفهم الدين على طريقة سلف الأُمّة قبل ظهور الخلاف ، والرجوع في كسب معارفه إلى ينابيعها الأُولى ، واعتباره من ضمن موازين العقل البشري التي وضعها الله لتتمّ حكمة الله في حفظ نظام العالم الإسلامي . | ||
الثاني : إصلاح أساليب اللغة العربية في التحرير . | الثاني : إصلاح أساليب اللغة العربية في التحرير . | ||
سطر ٣١: | سطر ٢٩: | ||
=فلسفة تاريخ الإصلاح في الإسلام= | =فلسفة تاريخ الإصلاح في الإسلام= | ||
من الحقائق التاريخية أنّ تاريخ الإصلاح والتجديد متّصل في الإسلام ، والمُتقصّي لهذا التاريخ لا يرى ثغرة ولا ثُلمة في جهود الإصلاح والتجديد ، ولا فترة لم يظهر فيها من يُعارض التيّار | من الحقائق التاريخية أنّ تاريخ الإصلاح والتجديد متّصل في الإسلام ، والمُتقصّي لهذا التاريخ لا يرى ثغرة ولا ثُلمة في جهود الإصلاح والتجديد ، ولا فترة لم يظهر فيها من يُعارض التيّار المنحرف، ويُكافح الفساد الشامل ، ويرفع صوت الحقّ ، ويتحدّى القوى الظالمة أو عناصر الفساد ، ويفتح نوافذ جديدة في التفكير . | ||
والدارس لهذا التاريخ والمتتبّع لحوادثه وشخصياته لا يعرف عهداً قصيراً ساد الظلام فيه على العالم الإسلامي ، وخَبت مصابيح الإصلاح ، وخفتت أصوات الحقّ ، ومات الضمير الإسلامي ، وتبلّد الشعور ، وأضرب الفكر الإسلامي عن العمل . | والدارس لهذا التاريخ والمتتبّع لحوادثه وشخصياته لا يعرف عهداً قصيراً ساد الظلام فيه على العالم الإسلامي ، وخَبت مصابيح الإصلاح ، وخفتت أصوات الحقّ ، ومات الضمير الإسلامي ، وتبلّد الشعور ، وأضرب الفكر الإسلامي عن العمل . | ||
إنّ هذه الثغرات قد نشعر بها في دراستنا العابرة للتاريخ الإسلامي وفي نظرتنا العجلى في | إنّ هذه الثغرات قد نشعر بها في دراستنا العابرة للتاريخ الإسلامي وفي نظرتنا العجلى في كتبه، إنّ مردّها إلى منهج التأليف الذي اتّخذه المؤرّخون للإسلام قديماً وحديثاً ودرجت عليه الأجيال . . إنّ النقص ـ ومعذرتي إلى المؤلّفين الذين أدين لهم في معلوماتي ومحاضراتي ويدين لهم كلّ مؤلّف ودارس ـ في التأليف وليس في التاريخ ، أو بكلمة أُخرى : إنّ المسؤولية تقع على المؤرّخين والمؤلّفين ، لا على المُجدّدين والمصلحين الذين ظهروا حيناً بعد حين ، وحفظوا على الإسلام جدّته وشبابه ، وقضوا على كثير من الفتن والبدع والمؤامرات والتحريفات ، حتّى أصبحت مطمورة في ركام الماضي ، لا يهتدي إليها أحد في هذا العصر إلاّ بعد بحث وعناء ، وكثير من أفراد هذا الجيل لم يسمعوا بأسمائها ولا يعرفون حقيقتها إلاّ بشقّ الأنفس واجتهاد العقل والعين ! | ||
وقد كان بعض هذه المذاهب وبعض هذه الحركات تتمتّع بحماية البلاط ، وتستند إلى الملك والسلطان والمال والجاه ، وقد كانت في عصرها صاحبة حَوْل وطَوْل ، ولكنّها طُويت بفضل جهود هؤلاء المصلحين المخلصين في صحائف الماضي ، وأصبحت موضوع علماء الآثار ، لا محلّ لها إلاّ في المتاحف والصحائف ! | وقد كان بعض هذه المذاهب وبعض هذه الحركات تتمتّع بحماية البلاط ، وتستند إلى الملك والسلطان والمال والجاه ، وقد كانت في عصرها صاحبة حَوْل وطَوْل ، ولكنّها طُويت بفضل جهود هؤلاء المصلحين المخلصين في صحائف الماضي ، وأصبحت موضوع علماء الآثار ، لا محلّ لها إلاّ في المتاحف والصحائف! | ||
إنّ هذا النقص في التأليف الذي صرّحت به مع الاعتذار جعل كثيراً من الناس يعتقدون أنّ تاريخ الإصلاح والكفاح في الإسلام متقطّع يحتوي على ثغرات واسعة وفترات طويلة ، لا ترى فيها إلاّ المندفعين مع التيّار المستسلمين للفساد ، وأقزاماً في العقل والتفكير والعلم والإنتاج ، لقد كان يظهر « عملاق » أو نابغة أو عبقري بعد عصر طويل ، وقد تخلو قرون ومئات سنين عن عظيم يستحقّ أن يسمّى عملاقاً أو عبقرياً أو مجدّداً في العلم والدين . | إنّ هذا النقص في التأليف الذي صرّحت به مع الاعتذار جعل كثيراً من الناس يعتقدون أنّ تاريخ الإصلاح والكفاح في الإسلام متقطّع يحتوي على ثغرات واسعة وفترات طويلة ، لا ترى فيها إلاّ المندفعين مع التيّار المستسلمين للفساد ، وأقزاماً في العقل والتفكير والعلم والإنتاج ، لقد كان يظهر « عملاق » أو نابغة أو عبقري بعد عصر طويل ، وقد تخلو قرون ومئات سنين عن عظيم يستحقّ أن يسمّى عملاقاً أو عبقرياً أو مجدّداً في العلم والدين . | ||
إنّ هذه العقيدة الخاطئة التي لم تَقُم إلاّ على الدراسة القاصرة المستعجلة للتاريخ ، وعلى منهاج التأليف الذي اتّخذه مع الأسف أكثر المؤرّخين ، وهو تأليف التاريخ الذي يدور حول الملوك وحاشيتهم ، وحول الحوادث التي لها اتّصال بالسياسة والحكم ، قد تنتهي ببعض الشباب المتحمّسين وببعض رجال الدعوة إلى سوء الظنّ بالإسلام وضعف إنتاجه ، إنّها نتيجة خطرة تُضعِف الثقة بالإسلام ، وتُضعف العاطفة والإرادة للكفاح في هذا العصر ، فإنّ القوّة الباطنة التي تدفع إلى الكفاح والعمل للدعوة لا تنبع إلاّ من الثقة بالماضي وبأنّ هنالك رصيداً من الجهاد والإخلاص وسنداً من الكفاح والنجاح . | إنّ هذه العقيدة الخاطئة التي لم تَقُم إلاّ على الدراسة القاصرة المستعجلة للتاريخ ، وعلى منهاج التأليف الذي اتّخذه مع الأسف أكثر المؤرّخين ، وهو تأليف التاريخ الذي يدور حول الملوك وحاشيتهم ، وحول الحوادث التي لها اتّصال بالسياسة والحكم ، قد تنتهي ببعض الشباب المتحمّسين وببعض رجال الدعوة إلى سوء الظنّ بالإسلام وضعف إنتاجه ، إنّها نتيجة خطرة تُضعِف الثقة بالإسلام ، وتُضعف العاطفة والإرادة للكفاح في هذا العصر ، فإنّ القوّة الباطنة التي تدفع إلى الكفاح والعمل للدعوة لا تنبع إلاّ من الثقة بالماضي وبأنّ هنالك رصيداً من الجهاد والإخلاص وسنداً من الكفاح والنجاح . | ||
والذنب ليس على المؤرّخين فقط ، إنّ الذنب على من يقتصر على كتب التاريخ « الرسمي » | والذنب ليس على المؤرّخين فقط ، إنّ الذنب على من يقتصر على كتب التاريخ « الرسمي » والمصطلح، ولا يتعدّى هذه الكتب إلى الكتب التي لا تحمل اسم التاريخ ولا توجد في ركن التاريخ في مكتبة ، ولكنّها مادّة واسعة للتاريخ ، ومصدر قيّم من مصادر التاريخ ، هي : كتب الأدب ، وكتب الدين ، والكتب التي دوّن فيها بعض العظماء اعترافاتهم وسجّلوا حوادث حياتهم وتجاربهم ، والكتب التي حفظ فيها بعض التلاميذ وأصحاب الشيوخ كلمات شيوخهم أو مواعظهم أو ما دار في مجلسهم من حديث أو حوار ، ومجاميع الرسائل والخطب التي تدلّ على روح أصحابها وفكرتهم ، أو الكتب التي أُلّفت في الحسبة وفي انتقاد المجتمع وإنكار البدع والمنكرات . | ||
فلو اتّسعت الدراسة وشملت هذه المصادر المهجورة ، وتخصّص لهذا الموضوع باحث واسع الفكر ، صبور على المطالعة ، دقيق في الملاحظة ، استطاع أن يُنتج تاريخاً متّصلاً شاملاً للإصلاح والتجديد والتفكير الجديد في الإسلام ، يدلّ على أنّ الإصلاح والكفاح مرافقان لهذه الأُمّة لا يتخلّفان عنها . | فلو اتّسعت الدراسة وشملت هذه المصادر المهجورة ، وتخصّص لهذا الموضوع باحث واسع الفكر ، صبور على المطالعة ، دقيق في الملاحظة ، استطاع أن يُنتج تاريخاً متّصلاً شاملاً للإصلاح والتجديد والتفكير الجديد في الإسلام ، يدلّ على أنّ الإصلاح والكفاح مرافقان لهذه الأُمّة لا يتخلّفان عنها . | ||
ويجب على هذا الدارس ألاّ يقتصر على بعض النقول ، وألاّ يقتضب العبارات المنقولة عن كتب هذه الشخصيات العظيمة ، ولا يضُنّ بالألفاظ والكلمات ، وألاّ يمرّ بها وبمؤلّفاتها ومنتجاتها مرّاً سريعاً في دراسته التاريخية ، بل يجب أن يعيش في كتبها ومؤلّفاتها وأفكارها مدّة ، ويتذّوق أدبها وفكرتها ، ويتنسّم طِيبها ، ويحاول أن ينتقل من جوّه إلى جوّ هؤلاء الرجال ، ومن عصره إلى | ويجب على هذا الدارس ألاّ يقتصر على بعض النقول ، وألاّ يقتضب العبارات المنقولة عن كتب هذه الشخصيات العظيمة ، ولا يضُنّ بالألفاظ والكلمات ، وألاّ يمرّ بها وبمؤلّفاتها ومنتجاتها مرّاً سريعاً في دراسته التاريخية ، بل يجب أن يعيش في كتبها ومؤلّفاتها وأفكارها مدّة ، ويتذّوق أدبها وفكرتها ، ويتنسّم طِيبها ، ويحاول أن ينتقل من جوّه إلى جوّ هؤلاء الرجال ، ومن عصره إلى عصرهم، حتّى يعرفهم على حقيقتهم ، ويُصورّهم في حقيقتهم ، ويُشعر القارئ أنّه انتقل إلى عصرهم ، وعرفهم معرفة شخصية ، وعاش معهم مدّة من الزمان . | ||
ثمّ الخطيئة الثانية التي يرتكبها يعض المتحمّسين والمؤلّفين في هذا العصر أنّهم يكوّنون في ذهنهم صورة خاصّة للمجدّد أو المصلح ، ثمّ يلتمسونها في تاريخ الإسلام ومجموع صور الأعلام ، فإذا لم يجدوا هذه الصورة الحبيبة في التاريخ الإسلامي أو في عصر من العصور تذمّروا وأنكروا ، وكثير منهم عندهم مقاييس خاصّة ، وهي مقاييس عصرية يقيسون بها « العظيم » أو « الداعي » أو « المصلح » أو « المفكّر » في كلّ زمن وفي كلّ بيئة ، فإذا لم تنطبق هذه المقاييس ـ والتي هي مقاييس العصر ـ على رجل مهما كان عظيماً ، ومهما كان قديماً ، ومهما كانت خدمته للإسلام | ثمّ الخطيئة الثانية التي يرتكبها يعض المتحمّسين والمؤلّفين في هذا العصر أنّهم يكوّنون في ذهنهم صورة خاصّة للمجدّد أو المصلح ، ثمّ يلتمسونها في تاريخ الإسلام ومجموع صور الأعلام ، فإذا لم يجدوا هذه الصورة الحبيبة في التاريخ الإسلامي أو في عصر من العصور تذمّروا وأنكروا ، وكثير منهم عندهم مقاييس خاصّة ، وهي مقاييس عصرية يقيسون بها « العظيم » أو « الداعي » أو « المصلح » أو « المفكّر » في كلّ زمن وفي كلّ بيئة ، فإذا لم تنطبق هذه المقاييس ـ والتي هي مقاييس العصر ـ على رجل مهما كان عظيماً ، ومهما كان قديماً ، ومهما كانت خدمته للإسلام عظيمة، ومهما كان مخلصاً ، ومهما نجح في مهمّته التي تكفّلها أو أُسندت إليه ، أسقطوه أو بخسوه حقّه ، ولم يعدّوه من المصلحين ! | ||
وبعضهم يلتزم مقياساً واحداً كمقياس الإبداع في الأفكار مثلاً ، أو فتح باب الاجتهاد مثلاً ، أو الكفاح لإقامة الحكم الإسلامي ، أو معارضة الدولة القائمة في عصره مثلاً ، فإذا لم يُحقّق هذه الشريطة لم يكن رجل عصره ، ولم يستحقّ أن يدخل في صفّ المصلحين ! | وبعضهم يلتزم مقياساً واحداً كمقياس الإبداع في الأفكار مثلاً ، أو فتح باب الاجتهاد مثلاً ، أو الكفاح لإقامة الحكم الإسلامي ، أو معارضة الدولة القائمة في عصره مثلاً ، فإذا لم يُحقّق هذه الشريطة لم يكن رجل عصره ، ولم يستحقّ أن يدخل في صفّ المصلحين ! | ||
إنّ هذه المقاييس والمعايير لها قيمة عظيمة ، وأنا لا أُنكر أهمّيتها ومكانتها في الإصلاح ، ولكن الذي أُريد أن أقول : إنّ الزمان والبيئة عاملان هامّان في حياة الرجال ، فلكلّ عصر مشاكل ومسائل وملابسات وعوائق ، قد تحدّد نطاق العمل ، وقد تفرض منهجاً دون منهج وأُسلوباً دون | إنّ هذه المقاييس والمعايير لها قيمة عظيمة ، وأنا لا أُنكر أهمّيتها ومكانتها في الإصلاح ، ولكن الذي أُريد أن أقول : إنّ الزمان والبيئة عاملان هامّان في حياة الرجال ، فلكلّ عصر مشاكل ومسائل وملابسات وعوائق ، قد تحدّد نطاق العمل ، وقد تفرض منهجاً دون منهج وأُسلوباً دون أُسلوب، والغاية واحدة . | ||
فلا يجوز لنا أن ننقل رجلاً من عصره ، ونُطبّق عليه مقاييس هذا العصر ، ثمّ نحكم عليه بالفشل والإخفاق أو الضعف والعجز ، ونسلبه محاسن نفسه ، ونحرمه من كلّ مأثرة وكلّ عظمة ; لأنّه لم يحقّق شرطاً من شروطنا ، ولم يكن « المثل الكامل » في الإصلاح المنشود والتجديد المطلوب . | فلا يجوز لنا أن ننقل رجلاً من عصره ، ونُطبّق عليه مقاييس هذا العصر ، ثمّ نحكم عليه بالفشل والإخفاق أو الضعف والعجز ، ونسلبه محاسن نفسه ، ونحرمه من كلّ مأثرة وكلّ عظمة ; لأنّه لم يحقّق شرطاً من شروطنا ، ولم يكن « المثل الكامل » في الإصلاح المنشود والتجديد المطلوب . | ||
إنّ هذا التراث الذي وصل إلى أيدينا اليوم ، ولست أسمّيه التراث بالمعنى الذي يريده الغربيّون من كلمة ( Legacy ) ; لأنّ الإسلام دين حيّ خالد ، ولكن أُسمّيه بمعنى الثروة التي انتقلت إلينا من أسلافنا : تراث العلم الواسع ، والعقيدة المحفوظة ، والإيمان القوي ، والسُنّة الخالصة ، والأخلاق المستقيمة ، وثروة الفقه والتشريع الزاخرة ، والأدب الإسلامي الرائع ، مجموعة فيها نصيب ، لكلّ مَن ساهم فيها بإقامة حكم على منهاج الرشد ، ومحاربة الجاهلية والمادّية ، وبالعودة إلى الله وإلى دار السلام ، وإحياء ما دُرِس من الخصائص الإسلامية ، وبثّ الروح الإيمانية في هذه الأُمّة . . | إنّ هذا التراث الذي وصل إلى أيدينا اليوم ، ولست أسمّيه التراث بالمعنى الذي يريده الغربيّون من كلمة ( Legacy ) ; لأنّ الإسلام دين حيّ خالد ، ولكن أُسمّيه بمعنى الثروة التي انتقلت إلينا من أسلافنا : تراث العلم الواسع ، والعقيدة المحفوظة ، والإيمان القوي ، والسُنّة الخالصة ، والأخلاق المستقيمة ، وثروة الفقه والتشريع الزاخرة ، والأدب الإسلامي الرائع ، مجموعة فيها نصيب ، لكلّ مَن ساهم فيها بإقامة حكم على منهاج الرشد ، ومحاربة الجاهلية والمادّية ، وبالعودة إلى الله وإلى دار السلام ، وإحياء ما دُرِس من الخصائص الإسلامية ، وبثّ الروح الإيمانية في هذه الأُمّة . . | ||
سطر ٧٥: | سطر ٧٣: | ||
إنّ الإيمان الحقيقي وعمل الصالحات لا يكون من أثره في الأُمم إلاّ السيادة والعزّة والغلبة ، فإذا فقدنا المسبّب عرفنا أنّ السبب مفقود وغير محقّق الوجود . | إنّ الإيمان الحقيقي وعمل الصالحات لا يكون من أثره في الأُمم إلاّ السيادة والعزّة والغلبة ، فإذا فقدنا المسبّب عرفنا أنّ السبب مفقود وغير محقّق الوجود . | ||
أراك ـ يا أخي ـ قد حميت واشتدّ غيظك عليَّ وقلت في نفسك : إنّي من المفسدين ، أو لا فمن المتطرّفين المتهوّرين ! اصبر قليلاً ولا تعجل . . | أراك ـ يا أخي ـ قد حميت واشتدّ غيظك عليَّ وقلت في نفسك : إنّي من المفسدين ، أو لا فمن المتطرّفين المتهوّرين ! اصبر قليلاً ولا تعجل . . | ||
أنا لم أشكّ في إسلام كلّ فرد من المسلمين ، أي : لم أقل بالشكّ في إسلام جميعهم ، وإنّما الشك في إسلام مجموعهم ، فيقال : إنّ الهيئة العامة للإسلام فقدت مسحتها وتجرّدت عن صبغتها ، بدليل فقد أثرها الطبيعي بشهادة القرآن ، وذلك الأثر هو العزّة والغلبة والاستخلاف في الأرض والإرث لها . وإنّ في المسلمين أفراداً كثيرين كمل إسلامهم وصحّ يقينهم ، وقد ظهر أثر ذلك في أخلاقهم وأعمالهم وسائر ضروب معاملاتهم ، وهؤلاء ناجون وفي الجنان منعمون إن شاء الله تعالى . . لكنّ إسلام هؤلاء الأفراد لا يكفي في تحصيل الأثر العامّ الذي ينبغي أن تكتسبه الأُمّة بمجموعها ، من العزّة وإرث الأرض والاستخلاف فيها . فهل حسّنت ظنّك بي الآن يا أخي ، وعرفت الفرق بين إسلام الأفراد وإسلام المجموع وأنّ أحدهما لا يستلزم الآخر ، وأنّ لكلّ منهما أثراً خاصّاً به ؟ ! | أنا لم أشكّ في إسلام كلّ فرد من المسلمين ، أي : لم أقل بالشكّ في إسلام جميعهم ، وإنّما الشك في إسلام مجموعهم ، فيقال : إنّ الهيئة العامة للإسلام فقدت مسحتها وتجرّدت عن صبغتها ، بدليل فقد أثرها الطبيعي بشهادة القرآن ، وذلك الأثر هو العزّة والغلبة والاستخلاف في الأرض والإرث لها. وإنّ في المسلمين أفراداً كثيرين كمل إسلامهم وصحّ يقينهم ، وقد ظهر أثر ذلك في أخلاقهم وأعمالهم وسائر ضروب معاملاتهم ، وهؤلاء ناجون وفي الجنان منعمون إن شاء الله تعالى . . لكنّ إسلام هؤلاء الأفراد لا يكفي في تحصيل الأثر العامّ الذي ينبغي أن تكتسبه الأُمّة بمجموعها ، من العزّة وإرث الأرض والاستخلاف فيها . فهل حسّنت ظنّك بي الآن يا أخي ، وعرفت الفرق بين إسلام الأفراد وإسلام المجموع وأنّ أحدهما لا يستلزم الآخر ، وأنّ لكلّ منهما أثراً خاصّاً به ؟ ! | ||
فتحصّل معنا : أنّ المسلمين في أيّ زمن كانوا وعلى أيّة حالة أصبحوا يكثر بينهم وجود أفراد كاملي الإسلام ناجين ، كما يكثر وجود آخرين مقصّرين وعن أعمالهم بين يدي الله محاسبين . | فتحصّل معنا : أنّ المسلمين في أيّ زمن كانوا وعلى أيّة حالة أصبحوا يكثر بينهم وجود أفراد كاملي الإسلام ناجين ، كما يكثر وجود آخرين مقصّرين وعن أعمالهم بين يدي الله محاسبين . | ||
أمّا الأُمّة الإسلامية بمجموعها وبقطع النظر عن أفرادها فقد يأتي عليها دور أو تدخل في طور تكون فيه بمعزل عن . . عن أيّ شيء ! لا أقدر أن أقول : بمعزل عن الإسلام ، ولكن أقول : بمعزل عن أن تكون قد استوفت آثار الإسلام وجوائزه السماوية التي وعدها الله المسلمين في الآيات المختلفة والنصوص المتعدّدة . . | أمّا الأُمّة الإسلامية بمجموعها وبقطع النظر عن أفرادها فقد يأتي عليها دور أو تدخل في طور تكون فيه بمعزل عن . . عن أيّ شيء ! لا أقدر أن أقول : بمعزل عن الإسلام ، ولكن أقول : بمعزل عن أن تكون قد استوفت آثار الإسلام وجوائزه السماوية التي وعدها الله المسلمين في الآيات المختلفة والنصوص المتعدّدة . . | ||
سطر ٩٠: | سطر ٨٨: | ||
هذه الإصلاحات إنّما يقوم بها أُولئك الذين لم تلههم مناصب الجاه ولا مظاهر العظمة عن النظر في ما حلّ بقومهم من البؤس والشقاء والبحث عن أسبابه ووسائل النجاة منه . | هذه الإصلاحات إنّما يقوم بها أُولئك الذين لم تلههم مناصب الجاه ولا مظاهر العظمة عن النظر في ما حلّ بقومهم من البؤس والشقاء والبحث عن أسبابه ووسائل النجاة منه . | ||
أمثال هؤلاء هم المرجوون للبحث في الإصلاح ، لا أُولئك الرؤساء والعظماء الذين لا يشعرون بالحاجة إليه ، وقد يأنفون من الاشتغال به ، بل ربّما قاوموه أشدّ مقاومة ; لأنّه قلّما يخلو من تحطيم امتيازاتهم وزحزحتهم عن مستوى عظمتهم ! | أمثال هؤلاء هم المرجوون للبحث في الإصلاح ، لا أُولئك الرؤساء والعظماء الذين لا يشعرون بالحاجة إليه ، وقد يأنفون من الاشتغال به ، بل ربّما قاوموه أشدّ مقاومة ; لأنّه قلّما يخلو من تحطيم امتيازاتهم وزحزحتهم عن مستوى عظمتهم ! | ||
ومحصّل القول : إنّ أيّ نوع من الإصلاح لا يتمّ إلاّ بسعي الذين يعنيهم أمره ، وإصلاحنا الإسلامي إنّما يعني علماء الدين ، فهم المكلّفون به ، المخاطبون شرعاً بالعمل على تحصيله ، وليس العمل منهم سوى الدعوة إليه بخطبهم وكتاباتهم وتآليفهم ، حتّى إذا اقتنع بذلك جمهور الأُمّة ومعظم أفرادها هبّوا هبّة واحدة ، فاكتتبوا لمدارس يشيّدونها ، ونشرات يوزّعونها ، ومؤتمرات يعقدونها ، ومن كلّ ما فيه تحصيل هذا الإصلاح وتحقيق أمره . | ومحصّل القول : إنّ أيّ نوع من الإصلاح لا يتمّ إلاّ بسعي الذين يعنيهم أمره ، وإصلاحنا الإسلامي إنّما يعني علماء الدين ، فهم المكلّفون به ، المخاطبون شرعاً بالعمل على تحصيله ، وليس العمل منهم سوى الدعوة إليه بخطبهم وكتاباتهم وتآليفهم ، حتّى إذا اقتنع بذلك جمهور الأُمّة ومعظم أفرادها هبّوا هبّة واحدة ، فاكتتبوا لمدارس يشيّدونها ، ونشرات يوزّعونها ، ومؤتمرات يعقدونها ، ومن كلّ ما فيه تحصيل هذا الإصلاح وتحقيق أمره (4). | ||
(4)البينات ج1 ،ص2-8 . | |||
=أركان وأصول الإصلاح= | =أركان وأصول الإصلاح= | ||
سطر ١٠٠: | سطر ١٠٠: | ||
3 ـ أن لا ندع أحداً يعدّ نفسه من رجال الدين ، ويتزيّا بزي أهله ، ويتصدّى للفتيا والإرشاد ، ما لم نتحقّق أهليته ، بواسطة جمعية مكلّفة بذلك . | 3 ـ أن لا ندع أحداً يعدّ نفسه من رجال الدين ، ويتزيّا بزي أهله ، ويتصدّى للفتيا والإرشاد ، ما لم نتحقّق أهليته ، بواسطة جمعية مكلّفة بذلك . | ||
4 ـ إذا أراد الله وعاد إلينا الاجتهاد فلا يكون اجتهادنا ( فردياً ) ، وإنّما يكون ( إجماعياً ) ، فيجتمع المجتهدون ، ويقرّرون الحكم بالأكثرية . | 4 ـ إذا أراد الله وعاد إلينا الاجتهاد فلا يكون اجتهادنا ( فردياً ) ، وإنّما يكون ( إجماعياً ) ، فيجتمع المجتهدون ، ويقرّرون الحكم بالأكثرية . | ||
5 ـ أن ننظر إلى جميع المذاهب على السواء ، فلا نفرّق بين الأئمّة ، ولا نلتزم أقوال إمام | 5 ـ أن ننظر إلى جميع المذاهب على السواء ، فلا نفرّق بين الأئمّة ، ولا نلتزم أقوال إمام بعينه، وإنّما يأخذ أهل كلّ عصر من مذهب كلّ إمام ما يناسب مصلحتهم . | ||
6 ـ أن يكون مدار الأحكام الشرعية والمعاملات القضائية المصلحة ، فهي المحكّمة في كلّ محكمة والمسؤولة في كلّ مسألة . | 6 ـ أن يكون مدار الأحكام الشرعية والمعاملات القضائية المصلحة ، فهي المحكّمة في كلّ محكمة والمسؤولة في كلّ مسألة . | ||
7 ـ أن لا نحدث في الدين حَدَثاً ، ولا نبتدع شيئاً كبيراً بداعي أنّ له في السنّة أصلاً صغيراً ، وإنّما نقف عند حدّ ما ورد عن الشارع وثبت في السنّة بقدره . | 7 ـ أن لا نحدث في الدين حَدَثاً ، ولا نبتدع شيئاً كبيراً بداعي أنّ له في السنّة أصلاً صغيراً ، وإنّما نقف عند حدّ ما ورد عن الشارع وثبت في السنّة بقدره . | ||
سطر ١٠٨: | سطر ١٠٨: | ||
11 ـ أن نرفع من شأن العمل قليلاً ، فلا نزعم أنّ المسلم ينجو بمجرّد أقوال يردّدها ، أو تقاليد يُبطنها ، أو حركات يأتي بها ، بل إنّ المسلم : من سلم المسلمون من لسانه ويده بالفعل ، وعمل الأعمال التي حثّ عليها الإسلام ، وتخلّق بالأخلاق التي أمر بها ، وإلاّ كان الدين دعاوي فارغة وألفاظاً مهملة ، أو يقال : كان الدين عبثاً والوحي سدى . | 11 ـ أن نرفع من شأن العمل قليلاً ، فلا نزعم أنّ المسلم ينجو بمجرّد أقوال يردّدها ، أو تقاليد يُبطنها ، أو حركات يأتي بها ، بل إنّ المسلم : من سلم المسلمون من لسانه ويده بالفعل ، وعمل الأعمال التي حثّ عليها الإسلام ، وتخلّق بالأخلاق التي أمر بها ، وإلاّ كان الدين دعاوي فارغة وألفاظاً مهملة ، أو يقال : كان الدين عبثاً والوحي سدى . | ||
12 ـ أن نرفع أيضاً من شأن الأسباب قليلاً ، ونعتبرها مظاهر لإرادة الله تعالى وقدرته ، فلا نهملها إلى حدّ أن نقول : إنّ السمّ لا دخل له في موت من تناوله فمات به ، وإنّ هذا المتناول لو لم يتناوله لمات حتماً ! فإنّ هذا القول يؤدّي إلى تعطيل الحدود والشكّ في حكمة المعبود . | 12 ـ أن نرفع أيضاً من شأن الأسباب قليلاً ، ونعتبرها مظاهر لإرادة الله تعالى وقدرته ، فلا نهملها إلى حدّ أن نقول : إنّ السمّ لا دخل له في موت من تناوله فمات به ، وإنّ هذا المتناول لو لم يتناوله لمات حتماً ! فإنّ هذا القول يؤدّي إلى تعطيل الحدود والشكّ في حكمة المعبود . | ||
13 ـ أن يترك الفقهاء كثيراً من النظريات والمسائل إلى أرباب الاختصاص في علومها ، فلا يكون الفقيه طبيباً ومهندساً وكيمياوياً وقائد حرب . . الخ ، وإنّما يبحث فيما يعلم ، ويدع ما لا يعلم لمن يعلم من الأخصّائيّين المسلمين »( | 13 ـ أن يترك الفقهاء كثيراً من النظريات والمسائل إلى أرباب الاختصاص في علومها ، فلا يكون الفقيه طبيباً ومهندساً وكيمياوياً وقائد حرب . . الخ ، وإنّما يبحث فيما يعلم ، ويدع ما لا يعلم لمن يعلم من الأخصّائيّين المسلمين »(5) . | ||
( | (5)البينات ج1 ،ص13-17. | ||
=مميزات المشاريع الإصلاحية للمجددين= | |||
هذا ، ولا بدّ في المقام من وقفة قصيرة جدّاً مع موضوع « التجديد » : | هذا ، ولا بدّ في المقام من وقفة قصيرة جدّاً مع موضوع « التجديد » : | ||
فالتجديد كان قائماً على مرّ التاريخ الإسلامي ، خاصّة في عصر الحركة الحضارية نرى ذلك التجديد في الفقه والأُصول والتفسير والحياة الأدبية والسياسية والاجتماعية . الاجتهاد وشيوع حديث ظهور المجدّدين على رأس كلّ قرن من مظاهر هذا التجديد المستمرّ . | فالتجديد كان قائماً على مرّ التاريخ الإسلامي ، خاصّة في عصر الحركة الحضارية نرى ذلك التجديد في الفقه والأُصول والتفسير والحياة الأدبية والسياسية والاجتماعية . الاجتهاد وشيوع حديث ظهور المجدّدين على رأس كلّ قرن من مظاهر هذا التجديد المستمرّ . | ||
وكان من المفروض في عصر الركود الحضاري أن لا تظهر في العالم الإسلامي مشاريع تجديدية ، غير أنّ الإسلام بما فيه من طاقات ذاتية يأبى على أتباعه الخضوع للوضع القائم ، ويثير فيهم الهمّة للإصلاح والتجديد . | وكان من المفروض في عصر الركود الحضاري أن لا تظهر في العالم الإسلامي مشاريع تجديدية ، غير أنّ الإسلام بما فيه من طاقات ذاتية يأبى على أتباعه الخضوع للوضع القائم ، ويثير فيهم الهمّة للإصلاح والتجديد . | ||
من هنا نرى قائمة المجدّدين في عصرنا غنية بالأسماء والمشاريع النظرية والعلمية . | من هنا نرى قائمة المجدّدين في عصرنا غنية بالأسماء والمشاريع النظرية والعلمية . | ||
وقد قدّم بعض هؤلاء المجدّدين مشاريع لعملهم ، يمكن تلخيصها فيما يلي : | وقد قدّم بعض هؤلاء المجدّدين مشاريع لعملهم ، يمكن تلخيصها فيما يلي : | ||
سطر ١٢٩: | سطر ١٢٩: | ||
8 ـ الشورى ، أي : مشاركة الأُمّة في صنع القرارات . | 8 ـ الشورى ، أي : مشاركة الأُمّة في صنع القرارات . | ||
9 ـ العدالة الاجتماعية التي تحقّق التكافل الاجتماعي بين الأُمّة كلّها . | 9 ـ العدالة الاجتماعية التي تحقّق التكافل الاجتماعي بين الأُمّة كلّها . | ||
10 ـ إنصاف المرأة لتشارك الرجل في القيام بفرائض وتكاليف العمل العامّ ( | 10 ـ إنصاف المرأة لتشارك الرجل في القيام بفرائض وتكاليف العمل العامّ (6). | ||
( | (6)نقل عن د.محمد عمارة في المعجم الوسيط للساعدي ج1 ،ص93 . | ||
=المصدر= | =المصدر= |
تعديل