انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «حول الإصلاح الإسلامي»

لا يوجد ملخص تحرير
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ٩: سطر ٩:


وفي القرآن ‏الكريم : ( خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ) ( سورة التوبة : 102 ) ، ( وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ ‏إِصْلاَحِهَا ) ( سورة الأعراف : 56 ) . فالإصلاح هو : التغيير إلى الأفضل ، والحركات الإصلاحية ‏هي : الدعوات التي تحرّك قطاعات من البشر لإصلاح ما فسد في الميادين الاجتماعية المختلفة ، ‏انتقالاً بالحياة إلى درجة أرقى في سلّم التطوّر الإنساني .‏
وفي القرآن ‏الكريم : ( خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ) ( سورة التوبة : 102 ) ، ( وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ ‏إِصْلاَحِهَا ) ( سورة الأعراف : 56 ) . فالإصلاح هو : التغيير إلى الأفضل ، والحركات الإصلاحية ‏هي : الدعوات التي تحرّك قطاعات من البشر لإصلاح ما فسد في الميادين الاجتماعية المختلفة ، ‏انتقالاً بالحياة إلى درجة أرقى في سلّم التطوّر الإنساني .‏
والإصلاح : تعديل أو تطوير غير جذري في العلاقات الاجتماعية دون المساس بأُسسها .  
والإصلاح : تعديل أو تطوير غير جذري في العلاقات الاجتماعية دون المساس بأُسسها .  
‏والإصلاح الإسلامي : إحدى الوجوه المرادة في تقويم الاعوجاج وإقامة الأود الحاصل في الكيان ‏الإسلامي نتيجة الظروف المحيطة به والتحدّيات التي تواجهه . ولا يخفى أنّ ذلك يحتاج إلى سعي ‏حثيث وبذل للجهود ، فضريبة الإصلاح هي الاضطهاد ، على حدّ تعبير الأُستاذ عبد الوهاب حمّودة ‏المصري .‏
‏والإصلاح الإسلامي : إحدى الوجوه المرادة في تقويم الاعوجاج وإقامة الأود الحاصل في الكيان ‏الإسلامي نتيجة الظروف المحيطة به والتحدّيات التي تواجهه . ولا يخفى أنّ ذلك يحتاج إلى سعي ‏حثيث وبذل للجهود ، فضريبة الإصلاح هي الاضطهاد ، على حدّ تعبير الأُستاذ عبد الوهاب حمّودة ‏المصري .‏
ولا يفرّق بين الإصلاح وبين مصطلح الثورة في مستوى التغيير وشموله ، وإنّما من حيث ‏الأُسلوب في التغيير وزمن التغيير ، فكلاهما إسلامي ،  يعني التغيير الشامل والعميق ، لكنّ الثورة ‏تسلك سبل العنف غالباً والسرعة في التغيير ، في حين تتمّ التغييرات الإصلاحية بالتدريج ، وكثيراً ما ‏تعطي الثورة الأولوية لتغيير الواقع ، في حين تبدأ مناهج الإصلاح عادةً بتغيير الإنسان وإعادة صياغة ‏نفسه وفق الدعوة الإصلاحية ، وبعد ذلك ينهض هذا الإنسان بتغيير الواقع وإقامة النموذج الإصلاحي ‏الجديد .‏
ولا يفرّق بين الإصلاح وبين مصطلح الثورة في مستوى التغيير وشموله ، وإنّما من حيث ‏الأُسلوب في التغيير وزمن التغيير ، فكلاهما إسلامي ،  يعني التغيير الشامل والعميق ، لكنّ الثورة ‏تسلك سبل العنف غالباً والسرعة في التغيير ، في حين تتمّ التغييرات الإصلاحية بالتدريج ، وكثيراً ما ‏تعطي الثورة الأولوية لتغيير الواقع ، في حين تبدأ مناهج الإصلاح عادةً بتغيير الإنسان وإعادة صياغة ‏نفسه وفق الدعوة الإصلاحية ، وبعد ذلك ينهض هذا الإنسان بتغيير الواقع وإقامة النموذج الإصلاحي ‏الجديد .‏
ولذلك وصفت رسالات الرسل ( عليهم الصلاة والسلام ) بأنّها دعوات إصلاح ، فيقول رسول الله ‏شعيب (عليه السلام) : ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ ) ( سورة هود : 88 ) .‏
ولذلك وصفت رسالات الرسل ( عليهم الصلاة والسلام ) بأنّها دعوات إصلاح ، فيقول رسول الله ‏شعيب (عليه السلام) : ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ ) ( سورة هود : 88 ) .‏
ومن هنا يتبيّن أنّ المصلح هو المزيل للفساد والعداوة ، والآتي بما هو صالح ونافع ، والمسالم ‏والمصافي ، والمستقيم المؤدّي لواجباته . وهذا هو ديدن المصلحين في الأُمّة الإسلامية ، إلاّ أنّه قلّ أن ‏تجد مصلحاً أو مرشداً إلاّ لقيته قد ضاق من الاضطهاد ألواناً ، وأصاب من العنت والشقاء ضروباً ، ‏وليست هذه السنّة ـ أي : سنّة الاضطهاد والشقاء ـ وقفاً على رسل الله وأنبيائه ، بل هي مطّردة في ‏جميع المجاهدين لإصلاح البشرية ، الذين يحاربون المفسدين للنظم الاجتماعية الصحيحة ، ويكافحون ‏شرور الطغيان ، ويعملون على هدم صروح البغي والتفرقة والعدوان في أيّ عصر كانوا وإلى أيّ أُمّة ‏انتسبوا .‏
ومن هنا يتبيّن أنّ المصلح هو المزيل للفساد والعداوة ، والآتي بما هو صالح ونافع ، والمسالم ‏والمصافي ، والمستقيم المؤدّي لواجباته . وهذا هو ديدن المصلحين في الأُمّة الإسلامية ، إلاّ أنّه قلّ أن ‏تجد مصلحاً أو مرشداً إلاّ لقيته قد ضاق من الاضطهاد ألواناً ، وأصاب من العنت والشقاء ضروباً ، ‏وليست هذه السنّة ـ أي : سنّة الاضطهاد والشقاء ـ وقفاً على رسل الله وأنبيائه ، بل هي مطّردة في ‏جميع المجاهدين لإصلاح البشرية ، الذين يحاربون المفسدين للنظم الاجتماعية الصحيحة ، ويكافحون ‏شرور الطغيان ، ويعملون على هدم صروح البغي والتفرقة والعدوان في أيّ عصر كانوا وإلى أيّ أُمّة ‏انتسبوا .‏
يقول الدكتور محمّد عمارة : « والناظر في تاريخ المجتمعات الإنسانية يرى سلسلة من التدافع بين ‏دعوات الإصلاح وحركاته وبين الفساد والإفساد في تلك المجتمعات ، وعلى سبيل المثال : نجد الحركة ‏الإصلاحية التي قادها جمال الدين الأفغاني منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر بدءاً من مصر ‏وشمولاً لكلّ العالم الإسلامي تمثّل إحياءً وتجديداً للفكر الإسلامي بالعودة إلى منابعه الجوهرية : القرآن ‏الكريم ، والسنّة النبوية الصحيحة ، ومناهج السلف الصالح .‏
يقول الدكتور محمّد عمارة : « والناظر في تاريخ المجتمعات الإنسانية يرى سلسلة من التدافع بين ‏دعوات الإصلاح وحركاته وبين الفساد والإفساد في تلك المجتمعات ، وعلى سبيل المثال : نجد الحركة ‏الإصلاحية التي قادها جمال الدين الأفغاني منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر بدءاً من مصر ‏وشمولاً لكلّ العالم الإسلامي تمثّل إحياءً وتجديداً للفكر الإسلامي بالعودة إلى منابعه الجوهرية: القرآن ‏الكريم ، والسنّة النبوية الصحيحة ، ومناهج السلف الصالح .‏


=أهداف الحركات الإصلاحية=
=أهداف الحركات الإصلاحية=


قد عبّر الإمام محمّد عبده عن أهداف هذه الحركة ، فقال : « إنّها ثلاثة :‏
قد عبّر الإمام محمّد عبده عن أهداف الحركة الإصلاحية ، فقال : « إنّها ثلاثة :‏
الأوّل : تحرير الفكر من قيد التقليد ، وفهم الدين على طريقة سلف الأُمّة قبل ظهور الخلاف ، ‏والرجوع في كسب معارفه إلى ينابيعها الأُولى ، واعتباره من ضمن موازين العقل البشري التي ‏وضعها الله لتتمّ حكمة الله في حفظ نظام العالم الإسلامي .‏
الأوّل : تحرير الفكر من قيد التقليد ، وفهم الدين على طريقة سلف الأُمّة قبل ظهور الخلاف ، ‏والرجوع في كسب معارفه إلى ينابيعها الأُولى ، واعتباره من ضمن موازين العقل البشري التي ‏وضعها الله لتتمّ حكمة الله في حفظ نظام العالم الإسلامي .‏
الثاني : إصلاح أساليب اللغة العربية في التحرير .‏
الثاني : إصلاح أساليب اللغة العربية في التحرير .‏
سطر ٣١: سطر ٢٩:
=فلسفة تاريخ الإصلاح في الإسلام=
=فلسفة تاريخ الإصلاح في الإسلام=


من الحقائق التاريخية أنّ تاريخ الإصلاح والتجديد متّصل في الإسلام ، والمُتقصّي لهذا ‏التاريخ لا يرى ثغرة ولا ثُلمة في جهود الإصلاح والتجديد ، ولا فترة لم يظهر فيها من يُعارض التيّار ‏المنحرف ، ويُكافح الفساد الشامل ، ويرفع صوت الحقّ ، ويتحدّى القوى الظالمة أو عناصر الفساد ، ‏ويفتح نوافذ جديدة في التفكير .‏
من الحقائق التاريخية أنّ تاريخ الإصلاح والتجديد متّصل في الإسلام ، والمُتقصّي لهذا ‏التاريخ لا يرى ثغرة ولا ثُلمة في جهود الإصلاح والتجديد ، ولا فترة لم يظهر فيها من يُعارض التيّار ‏المنحرف، ويُكافح الفساد الشامل ، ويرفع صوت الحقّ ، ويتحدّى القوى الظالمة أو عناصر الفساد ، ‏ويفتح نوافذ جديدة في التفكير .‏
والدارس لهذا التاريخ والمتتبّع لحوادثه وشخصياته لا يعرف عهداً قصيراً ساد الظلام فيه على ‏العالم الإسلامي ، وخَبت مصابيح الإصلاح ، وخفتت أصوات الحقّ ، ومات الضمير الإسلامي ، وتبلّد ‏الشعور ، وأضرب الفكر الإسلامي عن العمل .‏
والدارس لهذا التاريخ والمتتبّع لحوادثه وشخصياته لا يعرف عهداً قصيراً ساد الظلام فيه على ‏العالم الإسلامي ، وخَبت مصابيح الإصلاح ، وخفتت أصوات الحقّ ، ومات الضمير الإسلامي ، وتبلّد ‏الشعور ، وأضرب الفكر الإسلامي عن العمل .‏
إنّ هذه الثغرات قد نشعر بها في دراستنا العابرة للتاريخ الإسلامي وفي نظرتنا العجلى في كتبه ، ‏إنّ مردّها إلى منهج التأليف الذي اتّخذه المؤرّخون للإسلام قديماً وحديثاً ودرجت عليه الأجيال . . إنّ ‏النقص ـ ومعذرتي إلى المؤلّفين الذين أدين لهم في معلوماتي ومحاضراتي ويدين لهم كلّ مؤلّف ‏ودارس ـ في التأليف وليس في التاريخ ، أو بكلمة أُخرى : إنّ المسؤولية تقع على المؤرّخين ‏والمؤلّفين ، لا على المُجدّدين والمصلحين الذين ظهروا حيناً بعد حين ، وحفظوا على الإسلام جدّته ‏وشبابه ، وقضوا على كثير من الفتن والبدع والمؤامرات والتحريفات ، حتّى أصبحت مطمورة في ‏ركام الماضي ، لا يهتدي إليها أحد في هذا العصر إلاّ بعد بحث وعناء ، وكثير من أفراد هذا الجيل لم ‏يسمعوا بأسمائها ولا يعرفون حقيقتها إلاّ بشقّ الأنفس واجتهاد العقل والعين !‏
إنّ هذه الثغرات قد نشعر بها في دراستنا العابرة للتاريخ الإسلامي وفي نظرتنا العجلى في كتبه، ‏إنّ مردّها إلى منهج التأليف الذي اتّخذه المؤرّخون للإسلام قديماً وحديثاً ودرجت عليه الأجيال . . إنّ ‏النقص ـ ومعذرتي إلى المؤلّفين الذين أدين لهم في معلوماتي ومحاضراتي ويدين لهم كلّ مؤلّف ‏ودارس ـ في التأليف وليس في التاريخ ، أو بكلمة أُخرى : إنّ المسؤولية تقع على المؤرّخين ‏والمؤلّفين ، لا على المُجدّدين والمصلحين الذين ظهروا حيناً بعد حين ، وحفظوا على الإسلام جدّته ‏وشبابه ، وقضوا على كثير من الفتن والبدع والمؤامرات والتحريفات ، حتّى أصبحت مطمورة في ‏ركام الماضي ، لا يهتدي إليها أحد في هذا العصر إلاّ بعد بحث وعناء ، وكثير من أفراد هذا الجيل لم ‏يسمعوا بأسمائها ولا يعرفون حقيقتها إلاّ بشقّ الأنفس واجتهاد العقل والعين !‏
وقد كان بعض هذه المذاهب وبعض هذه الحركات تتمتّع بحماية البلاط ، وتستند إلى الملك ‏والسلطان والمال والجاه ، وقد كانت في عصرها صاحبة حَوْل وطَوْل ، ولكنّها طُويت بفضل جهود ‏هؤلاء المصلحين المخلصين في صحائف الماضي ، وأصبحت موضوع علماء الآثار ، لا محلّ لها إلاّ ‏في المتاحف والصحائف !‏
وقد كان بعض هذه المذاهب وبعض هذه الحركات تتمتّع بحماية البلاط ، وتستند إلى الملك ‏والسلطان والمال والجاه ، وقد كانت في عصرها صاحبة حَوْل وطَوْل ، ولكنّها طُويت بفضل جهود ‏هؤلاء المصلحين المخلصين في صحائف الماضي ، وأصبحت موضوع علماء الآثار ، لا محلّ لها إلاّ ‏في المتاحف والصحائف!‏
إنّ هذا النقص في التأليف الذي صرّحت به مع الاعتذار جعل كثيراً من الناس يعتقدون أنّ تاريخ ‏الإصلاح والكفاح في الإسلام متقطّع يحتوي على ثغرات واسعة وفترات طويلة ، لا ترى فيها إلاّ ‏المندفعين مع التيّار المستسلمين للفساد ، وأقزاماً في العقل والتفكير والعلم والإنتاج ، لقد كان يظهر ‏‏« عملاق » أو نابغة أو عبقري بعد عصر طويل ، وقد تخلو قرون ومئات سنين عن عظيم يستحقّ أن ‏يسمّى عملاقاً أو عبقرياً أو مجدّداً في العلم والدين .‏
إنّ هذا النقص في التأليف الذي صرّحت به مع الاعتذار جعل كثيراً من الناس يعتقدون أنّ تاريخ ‏الإصلاح والكفاح في الإسلام متقطّع يحتوي على ثغرات واسعة وفترات طويلة ، لا ترى فيها إلاّ ‏المندفعين مع التيّار المستسلمين للفساد ، وأقزاماً في العقل والتفكير والعلم والإنتاج ، لقد كان يظهر ‏‏« عملاق » أو نابغة أو عبقري بعد عصر طويل ، وقد تخلو قرون ومئات سنين عن عظيم يستحقّ أن ‏يسمّى عملاقاً أو عبقرياً أو مجدّداً في العلم والدين .‏
إنّ هذه العقيدة الخاطئة التي لم تَقُم إلاّ على الدراسة القاصرة المستعجلة للتاريخ ، وعلى منهاج ‏التأليف الذي اتّخذه مع الأسف أكثر المؤرّخين ، وهو تأليف التاريخ الذي يدور حول الملوك ‏وحاشيتهم ، وحول الحوادث التي لها اتّصال بالسياسة والحكم ، قد تنتهي ببعض الشباب المتحمّسين ‏وببعض رجال الدعوة إلى سوء الظنّ بالإسلام وضعف إنتاجه ، إنّها نتيجة خطرة تُضعِف الثقة ‏بالإسلام ، وتُضعف العاطفة والإرادة للكفاح في هذا العصر ، فإنّ القوّة الباطنة التي تدفع إلى الكفاح ‏والعمل للدعوة لا تنبع إلاّ من الثقة بالماضي وبأنّ هنالك رصيداً من الجهاد والإخلاص وسنداً من ‏الكفاح والنجاح .‏
إنّ هذه العقيدة الخاطئة التي لم تَقُم إلاّ على الدراسة القاصرة المستعجلة للتاريخ ، وعلى منهاج ‏التأليف الذي اتّخذه مع الأسف أكثر المؤرّخين ، وهو تأليف التاريخ الذي يدور حول الملوك ‏وحاشيتهم ، وحول الحوادث التي لها اتّصال بالسياسة والحكم ، قد تنتهي ببعض الشباب المتحمّسين ‏وببعض رجال الدعوة إلى سوء الظنّ بالإسلام وضعف إنتاجه ، إنّها نتيجة خطرة تُضعِف الثقة ‏بالإسلام ، وتُضعف العاطفة والإرادة للكفاح في هذا العصر ، فإنّ القوّة الباطنة التي تدفع إلى الكفاح ‏والعمل للدعوة لا تنبع إلاّ من الثقة بالماضي وبأنّ هنالك رصيداً من الجهاد والإخلاص وسنداً من ‏الكفاح والنجاح .‏
والذنب ليس على المؤرّخين فقط ، إنّ الذنب على من يقتصر على كتب التاريخ « الرسمي » ‏والمصطلح ، ولا يتعدّى هذه الكتب إلى الكتب التي لا تحمل اسم التاريخ ولا توجد في ركن التاريخ في ‏مكتبة ، ولكنّها مادّة واسعة للتاريخ ، ومصدر قيّم من مصادر التاريخ ، هي : كتب الأدب ، وكتب ‏الدين ، والكتب التي دوّن فيها بعض العظماء اعترافاتهم وسجّلوا حوادث حياتهم وتجاربهم ، والكتب ‏التي حفظ فيها بعض التلاميذ وأصحاب الشيوخ كلمات شيوخهم أو مواعظهم أو ما دار في مجلسهم من ‏حديث أو حوار ، ومجاميع الرسائل والخطب التي تدلّ على روح أصحابها وفكرتهم ، أو الكتب التي ‏أُلّفت في الحسبة وفي انتقاد المجتمع وإنكار البدع والمنكرات .‏
والذنب ليس على المؤرّخين فقط ، إنّ الذنب على من يقتصر على كتب التاريخ « الرسمي » ‏والمصطلح، ولا يتعدّى هذه الكتب إلى الكتب التي لا تحمل اسم التاريخ ولا توجد في ركن التاريخ في ‏مكتبة ، ولكنّها مادّة واسعة للتاريخ ، ومصدر قيّم من مصادر التاريخ ، هي : كتب الأدب ، وكتب ‏الدين ، والكتب التي دوّن فيها بعض العظماء اعترافاتهم وسجّلوا حوادث حياتهم وتجاربهم ، والكتب ‏التي حفظ فيها بعض التلاميذ وأصحاب الشيوخ كلمات شيوخهم أو مواعظهم أو ما دار في مجلسهم من ‏حديث أو حوار ، ومجاميع الرسائل والخطب التي تدلّ على روح أصحابها وفكرتهم ، أو الكتب التي ‏أُلّفت في الحسبة وفي انتقاد المجتمع وإنكار البدع والمنكرات .‏
فلو اتّسعت الدراسة وشملت هذه المصادر المهجورة ، وتخصّص لهذا الموضوع باحث واسع ‏الفكر ، صبور  على المطالعة ، دقيق في الملاحظة ، استطاع أن يُنتج تاريخاً متّصلاً شاملاً للإصلاح ‏والتجديد والتفكير الجديد في الإسلام ، يدلّ على أنّ الإصلاح والكفاح مرافقان لهذه الأُمّة لا يتخلّفان ‏عنها .‏
فلو اتّسعت الدراسة وشملت هذه المصادر المهجورة ، وتخصّص لهذا الموضوع باحث واسع ‏الفكر ، صبور  على المطالعة ، دقيق في الملاحظة ، استطاع أن يُنتج تاريخاً متّصلاً شاملاً للإصلاح ‏والتجديد والتفكير الجديد في الإسلام ، يدلّ على أنّ الإصلاح والكفاح مرافقان لهذه الأُمّة لا يتخلّفان ‏عنها .‏
ويجب على هذا الدارس ألاّ يقتصر على بعض النقول ، وألاّ يقتضب العبارات المنقولة عن كتب ‏هذه الشخصيات العظيمة ، ولا يضُنّ بالألفاظ والكلمات ، وألاّ يمرّ بها وبمؤلّفاتها ومنتجاتها مرّاً سريعاً ‏في دراسته التاريخية ، بل يجب أن يعيش في كتبها ومؤلّفاتها وأفكارها مدّة ، ويتذّوق أدبها وفكرتها ، ‏ويتنسّم طِيبها ، ويحاول أن ينتقل من جوّه إلى جوّ هؤلاء الرجال ، ومن عصره إلى عصرهم ، حتّى ‏يعرفهم على حقيقتهم ، ويُصورّهم في حقيقتهم ، ويُشعر القارئ أنّه انتقل إلى عصرهم ، وعرفهم ‏معرفة شخصية ، وعاش معهم مدّة من الزمان .‏
ويجب على هذا الدارس ألاّ يقتصر على بعض النقول ، وألاّ يقتضب العبارات المنقولة عن كتب ‏هذه الشخصيات العظيمة ، ولا يضُنّ بالألفاظ والكلمات ، وألاّ يمرّ بها وبمؤلّفاتها ومنتجاتها مرّاً سريعاً ‏في دراسته التاريخية ، بل يجب أن يعيش في كتبها ومؤلّفاتها وأفكارها مدّة ، ويتذّوق أدبها وفكرتها ، ‏ويتنسّم طِيبها ، ويحاول أن ينتقل من جوّه إلى جوّ هؤلاء الرجال ، ومن عصره إلى عصرهم، حتّى ‏يعرفهم على حقيقتهم ، ويُصورّهم في حقيقتهم ، ويُشعر القارئ أنّه انتقل إلى عصرهم ، وعرفهم ‏معرفة شخصية ، وعاش معهم مدّة من الزمان .‏
ثمّ الخطيئة الثانية التي يرتكبها يعض المتحمّسين والمؤلّفين في هذا العصر أنّهم يكوّنون في ‏ذهنهم صورة خاصّة للمجدّد أو المصلح ، ثمّ يلتمسونها في تاريخ الإسلام ومجموع صور الأعلام ، فإذا ‏لم يجدوا هذه الصورة الحبيبة في التاريخ الإسلامي أو في عصر من العصور تذمّروا وأنكروا ، وكثير ‏منهم عندهم مقاييس خاصّة ، وهي مقاييس عصرية يقيسون بها « العظيم » أو « الداعي » أو ‏‏« المصلح » أو « المفكّر » في كلّ زمن وفي كلّ بيئة ، فإذا لم تنطبق هذه المقاييس ـ والتي هي ‏مقاييس العصر ـ على رجل مهما كان عظيماً ، ومهما كان قديماً ، ومهما كانت خدمته للإسلام ‏عظيمة ، ومهما كان مخلصاً ، ومهما نجح في مهمّته التي تكفّلها أو أُسندت إليه ، أسقطوه أو بخسوه ‏حقّه ، ولم يعدّوه من المصلحين !‏
ثمّ الخطيئة الثانية التي يرتكبها يعض المتحمّسين والمؤلّفين في هذا العصر أنّهم يكوّنون في ‏ذهنهم صورة خاصّة للمجدّد أو المصلح ، ثمّ يلتمسونها في تاريخ الإسلام ومجموع صور الأعلام ، فإذا ‏لم يجدوا هذه الصورة الحبيبة في التاريخ الإسلامي أو في عصر من العصور تذمّروا وأنكروا ، وكثير ‏منهم عندهم مقاييس خاصّة ، وهي مقاييس عصرية يقيسون بها « العظيم » أو « الداعي » أو ‏‏« المصلح » أو « المفكّر » في كلّ زمن وفي كلّ بيئة ، فإذا لم تنطبق هذه المقاييس ـ والتي هي ‏مقاييس العصر ـ على رجل مهما كان عظيماً ، ومهما كان قديماً ، ومهما كانت خدمته للإسلام ‏عظيمة، ومهما كان مخلصاً ، ومهما نجح في مهمّته التي تكفّلها أو أُسندت إليه ، أسقطوه أو بخسوه ‏حقّه ، ولم يعدّوه من المصلحين !‏
وبعضهم يلتزم مقياساً واحداً كمقياس الإبداع في الأفكار مثلاً ، أو فتح باب الاجتهاد مثلاً ، أو ‏الكفاح لإقامة الحكم الإسلامي ، أو معارضة الدولة القائمة في عصره مثلاً ، فإذا لم يُحقّق هذه الشريطة ‏لم يكن رجل عصره ، ولم يستحقّ أن يدخل في صفّ المصلحين !‏
وبعضهم يلتزم مقياساً واحداً كمقياس الإبداع في الأفكار مثلاً ، أو فتح باب الاجتهاد مثلاً ، أو ‏الكفاح لإقامة الحكم الإسلامي ، أو معارضة الدولة القائمة في عصره مثلاً ، فإذا لم يُحقّق هذه الشريطة ‏لم يكن رجل عصره ، ولم يستحقّ أن يدخل في صفّ المصلحين !‏
إنّ هذه المقاييس والمعايير لها قيمة عظيمة ، وأنا لا أُنكر أهمّيتها ومكانتها في الإصلاح ، ولكن ‏الذي أُريد أن أقول : إنّ الزمان والبيئة عاملان هامّان في حياة الرجال ، فلكلّ عصر مشاكل ومسائل ‏وملابسات وعوائق ، قد تحدّد نطاق العمل ، وقد تفرض منهجاً دون منهج وأُسلوباً دون أُسلوب ، ‏والغاية واحدة .‏
إنّ هذه المقاييس والمعايير لها قيمة عظيمة ، وأنا لا أُنكر أهمّيتها ومكانتها في الإصلاح ، ولكن ‏الذي أُريد أن أقول : إنّ الزمان والبيئة عاملان هامّان في حياة الرجال ، فلكلّ عصر مشاكل ومسائل ‏وملابسات وعوائق ، قد تحدّد نطاق العمل ، وقد تفرض منهجاً دون منهج وأُسلوباً دون أُسلوب، ‏والغاية واحدة .‏
فلا يجوز لنا أن ننقل رجلاً من عصره ، ونُطبّق عليه مقاييس هذا العصر ، ثمّ نحكم عليه بالفشل ‏والإخفاق أو الضعف والعجز ، ونسلبه محاسن نفسه ، ونحرمه من كلّ مأثرة وكلّ عظمة ; لأنّه لم ‏يحقّق شرطاً من شروطنا ، ولم يكن « المثل الكامل » في الإصلاح المنشود والتجديد المطلوب .‏
فلا يجوز لنا أن ننقل رجلاً من عصره ، ونُطبّق عليه مقاييس هذا العصر ، ثمّ نحكم عليه بالفشل ‏والإخفاق أو الضعف والعجز ، ونسلبه محاسن نفسه ، ونحرمه من كلّ مأثرة وكلّ عظمة ; لأنّه لم ‏يحقّق شرطاً من شروطنا ، ولم يكن « المثل الكامل » في الإصلاح المنشود والتجديد المطلوب .‏
إنّ هذا التراث الذي وصل إلى أيدينا اليوم ، ولست أسمّيه التراث بالمعنى الذي يريده الغربيّون ‏من كلمة ( ‏Legacy‏ ) ; لأنّ الإسلام دين حيّ خالد ، ولكن أُسمّيه بمعنى الثروة التي انتقلت إلينا من ‏أسلافنا : تراث العلم الواسع ، والعقيدة المحفوظة ، والإيمان القوي ، والسُنّة الخالصة ، والأخلاق ‏المستقيمة ، وثروة الفقه والتشريع الزاخرة ، والأدب الإسلامي الرائع ، مجموعة فيها نصيب ، لكلّ ‏مَن ساهم فيها بإقامة حكم على منهاج الرشد ، ومحاربة الجاهلية والمادّية ، وبالعودة إلى الله وإلى دار ‏السلام ، وإحياء ما دُرِس من الخصائص الإسلامية ، وبثّ الروح الإيمانية في هذه الأُمّة . .‏
إنّ هذا التراث الذي وصل إلى أيدينا اليوم ، ولست أسمّيه التراث بالمعنى الذي يريده الغربيّون ‏من كلمة ( ‏Legacy‏ ) ; لأنّ الإسلام دين حيّ خالد ، ولكن أُسمّيه بمعنى الثروة التي انتقلت إلينا من ‏أسلافنا : تراث العلم الواسع ، والعقيدة المحفوظة ، والإيمان القوي ، والسُنّة الخالصة ، والأخلاق ‏المستقيمة ، وثروة الفقه والتشريع الزاخرة ، والأدب الإسلامي الرائع ، مجموعة فيها نصيب ، لكلّ ‏مَن ساهم فيها بإقامة حكم على منهاج الرشد ، ومحاربة الجاهلية والمادّية ، وبالعودة إلى الله وإلى دار ‏السلام ، وإحياء ما دُرِس من الخصائص الإسلامية ، وبثّ الروح الإيمانية في هذه الأُمّة . .‏
سطر ٧٥: سطر ٧٣:
إنّ الإيمان الحقيقي وعمل الصالحات لا يكون من أثره في الأُمم إلاّ السيادة والعزّة والغلبة ، فإذا ‏فقدنا المسبّب عرفنا أنّ السبب مفقود وغير محقّق الوجود .‏
إنّ الإيمان الحقيقي وعمل الصالحات لا يكون من أثره في الأُمم إلاّ السيادة والعزّة والغلبة ، فإذا ‏فقدنا المسبّب عرفنا أنّ السبب مفقود وغير محقّق الوجود .‏
أراك ـ يا أخي ـ قد حميت واشتدّ غيظك عليَّ وقلت في نفسك : إنّي من المفسدين ، أو لا فمن ‏المتطرّفين المتهوّرين ! اصبر قليلاً ولا تعجل . .‏
أراك ـ يا أخي ـ قد حميت واشتدّ غيظك عليَّ وقلت في نفسك : إنّي من المفسدين ، أو لا فمن ‏المتطرّفين المتهوّرين ! اصبر قليلاً ولا تعجل . .‏
أنا لم أشكّ في إسلام كلّ فرد من المسلمين ، أي : لم أقل بالشكّ في إسلام جميعهم ، وإنّما الشك في ‏إسلام مجموعهم ، فيقال : إنّ الهيئة العامة للإسلام فقدت مسحتها وتجرّدت عن صبغتها ، بدليل فقد ‏أثرها الطبيعي بشهادة القرآن ، وذلك الأثر هو العزّة والغلبة والاستخلاف في الأرض والإرث لها . ‏وإنّ في المسلمين أفراداً كثيرين كمل إسلامهم وصحّ يقينهم ، وقد ظهر أثر ذلك في أخلاقهم وأعمالهم ‏وسائر ضروب معاملاتهم ، وهؤلاء ناجون وفي الجنان منعمون إن شاء الله تعالى . . لكنّ إسلام هؤلاء ‏الأفراد لا يكفي في تحصيل الأثر العامّ الذي ينبغي أن تكتسبه الأُمّة بمجموعها ، من العزّة وإرث ‏الأرض والاستخلاف فيها . فهل حسّنت ظنّك بي الآن يا أخي ، وعرفت الفرق بين إسلام الأفراد ‏وإسلام المجموع وأنّ أحدهما لا يستلزم الآخر ، وأنّ لكلّ منهما أثراً خاصّاً به ؟ !‏
أنا لم أشكّ في إسلام كلّ فرد من المسلمين ، أي : لم أقل بالشكّ في إسلام جميعهم ، وإنّما الشك في ‏إسلام مجموعهم ، فيقال : إنّ الهيئة العامة للإسلام فقدت مسحتها وتجرّدت عن صبغتها ، بدليل فقد ‏أثرها الطبيعي بشهادة القرآن ، وذلك الأثر هو العزّة والغلبة والاستخلاف في الأرض والإرث لها. ‏وإنّ في المسلمين أفراداً كثيرين كمل إسلامهم وصحّ يقينهم ، وقد ظهر أثر ذلك في أخلاقهم وأعمالهم ‏وسائر ضروب معاملاتهم ، وهؤلاء ناجون وفي الجنان منعمون إن شاء الله تعالى . . لكنّ إسلام هؤلاء ‏الأفراد لا يكفي في تحصيل الأثر العامّ الذي ينبغي أن تكتسبه الأُمّة بمجموعها ، من العزّة وإرث ‏الأرض والاستخلاف فيها . فهل حسّنت ظنّك بي الآن يا أخي ، وعرفت الفرق بين إسلام الأفراد ‏وإسلام المجموع وأنّ أحدهما لا يستلزم الآخر ، وأنّ لكلّ منهما أثراً خاصّاً به ؟ !‏
فتحصّل معنا : أنّ المسلمين في أيّ زمن كانوا وعلى أيّة حالة أصبحوا يكثر بينهم وجود أفراد ‏كاملي الإسلام ناجين ، كما يكثر وجود آخرين مقصّرين وعن أعمالهم بين يدي الله محاسبين .‏
فتحصّل معنا : أنّ المسلمين في أيّ زمن كانوا وعلى أيّة حالة أصبحوا يكثر بينهم وجود أفراد ‏كاملي الإسلام ناجين ، كما يكثر وجود آخرين مقصّرين وعن أعمالهم بين يدي الله محاسبين .‏
أمّا الأُمّة الإسلامية بمجموعها وبقطع النظر عن أفرادها فقد يأتي عليها دور أو تدخل في طور ‏تكون فيه بمعزل عن . . عن أيّ شيء ! لا أقدر أن أقول : بمعزل عن الإسلام ، ولكن أقول : بمعزل ‏عن أن تكون قد استوفت آثار الإسلام وجوائزه السماوية التي وعدها الله المسلمين في الآيات المختلفة ‏والنصوص المتعدّدة . .‏
أمّا الأُمّة الإسلامية بمجموعها وبقطع النظر عن أفرادها فقد يأتي عليها دور أو تدخل في طور ‏تكون فيه بمعزل عن . . عن أيّ شيء ! لا أقدر أن أقول : بمعزل عن الإسلام ، ولكن أقول : بمعزل ‏عن أن تكون قد استوفت آثار الإسلام وجوائزه السماوية التي وعدها الله المسلمين في الآيات المختلفة ‏والنصوص المتعدّدة . .‏
سطر ٩٠: سطر ٨٨:
هذه الإصلاحات إنّما يقوم بها أُولئك الذين لم تلههم مناصب الجاه ولا مظاهر العظمة عن النظر ‏في ما حلّ بقومهم من البؤس والشقاء والبحث عن أسبابه ووسائل النجاة منه .‏
هذه الإصلاحات إنّما يقوم بها أُولئك الذين لم تلههم مناصب الجاه ولا مظاهر العظمة عن النظر ‏في ما حلّ بقومهم من البؤس والشقاء والبحث عن أسبابه ووسائل النجاة منه .‏
أمثال هؤلاء هم المرجوون للبحث في الإصلاح ، لا أُولئك الرؤساء والعظماء الذين لا يشعرون ‏بالحاجة إليه ، وقد يأنفون من الاشتغال به ، بل ربّما قاوموه أشدّ مقاومة ; لأنّه قلّما يخلو من تحطيم ‏امتيازاتهم وزحزحتهم عن مستوى عظمتهم !‏
أمثال هؤلاء هم المرجوون للبحث في الإصلاح ، لا أُولئك الرؤساء والعظماء الذين لا يشعرون ‏بالحاجة إليه ، وقد يأنفون من الاشتغال به ، بل ربّما قاوموه أشدّ مقاومة ; لأنّه قلّما يخلو من تحطيم ‏امتيازاتهم وزحزحتهم عن مستوى عظمتهم !‏
ومحصّل القول : إنّ أيّ نوع من الإصلاح لا يتمّ إلاّ بسعي الذين يعنيهم أمره ، وإصلاحنا ‏الإسلامي إنّما يعني علماء الدين ، فهم المكلّفون به ، المخاطبون شرعاً بالعمل على تحصيله ، وليس ‏العمل منهم سوى الدعوة إليه بخطبهم وكتاباتهم وتآليفهم ، حتّى إذا اقتنع بذلك جمهور الأُمّة ومعظم ‏أفرادها هبّوا هبّة واحدة ، فاكتتبوا لمدارس يشيّدونها ، ونشرات يوزّعونها ، ومؤتمرات يعقدونها ، ‏ومن كلّ ما فيه تحصيل هذا الإصلاح وتحقيق أمره .‏
ومحصّل القول : إنّ أيّ نوع من الإصلاح لا يتمّ إلاّ بسعي الذين يعنيهم أمره ، وإصلاحنا ‏الإسلامي إنّما يعني علماء الدين ، فهم المكلّفون به ، المخاطبون شرعاً بالعمل على تحصيله ، وليس ‏العمل منهم سوى الدعوة إليه بخطبهم وكتاباتهم وتآليفهم ، حتّى إذا اقتنع بذلك جمهور الأُمّة ومعظم ‏أفرادها هبّوا هبّة واحدة ، فاكتتبوا لمدارس يشيّدونها ، ونشرات يوزّعونها ، ومؤتمرات يعقدونها ، ‏ومن كلّ ما فيه تحصيل هذا الإصلاح وتحقيق أمره (‏4‏).‏
 
(‏4‏)البينات ج1 ،ص2-8 .


=أركان وأصول الإصلاح=
=أركان وأصول الإصلاح=
سطر ١٠٠: سطر ١٠٠:
‏3 ـ أن لا ندع أحداً يعدّ نفسه من رجال الدين ، ويتزيّا بزي أهله ، ويتصدّى للفتيا والإرشاد ، ما لم ‏نتحقّق أهليته ، بواسطة جمعية مكلّفة بذلك .‏
‏3 ـ أن لا ندع أحداً يعدّ نفسه من رجال الدين ، ويتزيّا بزي أهله ، ويتصدّى للفتيا والإرشاد ، ما لم ‏نتحقّق أهليته ، بواسطة جمعية مكلّفة بذلك .‏
‏4 ـ إذا أراد الله وعاد إلينا الاجتهاد فلا يكون اجتهادنا ( فردياً ) ، وإنّما يكون ( إجماعياً ) ، فيجتمع ‏المجتهدون ، ويقرّرون الحكم بالأكثرية .‏
‏4 ـ إذا أراد الله وعاد إلينا الاجتهاد فلا يكون اجتهادنا ( فردياً ) ، وإنّما يكون ( إجماعياً ) ، فيجتمع ‏المجتهدون ، ويقرّرون الحكم بالأكثرية .‏
‏5 ـ أن ننظر إلى جميع المذاهب على السواء ، فلا نفرّق بين الأئمّة ، ولا نلتزم أقوال إمام بعينه ، ‏وإنّما يأخذ أهل كلّ عصر من مذهب كلّ إمام ما يناسب مصلحتهم .‏
‏5 ـ أن ننظر إلى جميع المذاهب على السواء ، فلا نفرّق بين الأئمّة ، ولا نلتزم أقوال إمام بعينه، ‏وإنّما يأخذ أهل كلّ عصر من مذهب كلّ إمام ما يناسب مصلحتهم .‏
‏6 ـ أن يكون مدار الأحكام الشرعية والمعاملات القضائية المصلحة ، فهي المحكّمة في كلّ ‏محكمة والمسؤولة في كلّ مسألة .‏
‏6 ـ أن يكون مدار الأحكام الشرعية والمعاملات القضائية المصلحة ، فهي المحكّمة في كلّ ‏محكمة والمسؤولة في كلّ مسألة .‏
‏7 ـ أن لا نحدث في الدين حَدَثاً ، ولا نبتدع شيئاً كبيراً بداعي أنّ له في السنّة أصلاً صغيراً ، وإنّما ‏نقف عند حدّ ما ورد عن الشارع وثبت في السنّة بقدره .‏
‏7 ـ أن لا نحدث في الدين حَدَثاً ، ولا نبتدع شيئاً كبيراً بداعي أنّ له في السنّة أصلاً صغيراً ، وإنّما ‏نقف عند حدّ ما ورد عن الشارع وثبت في السنّة بقدره .‏
سطر ١٠٨: سطر ١٠٨:
‏11 ـ أن نرفع من شأن العمل قليلاً ، فلا نزعم أنّ المسلم ينجو بمجرّد أقوال يردّدها ، أو تقاليد ‏يُبطنها ، أو حركات يأتي بها ، بل إنّ المسلم : من سلم المسلمون من لسانه ويده بالفعل ، وعمل ‏الأعمال التي حثّ عليها الإسلام ، وتخلّق بالأخلاق التي أمر بها ، وإلاّ كان الدين دعاوي فارغة وألفاظاً ‏مهملة ، أو يقال : كان الدين عبثاً والوحي سدى .‏
‏11 ـ أن نرفع من شأن العمل قليلاً ، فلا نزعم أنّ المسلم ينجو بمجرّد أقوال يردّدها ، أو تقاليد ‏يُبطنها ، أو حركات يأتي بها ، بل إنّ المسلم : من سلم المسلمون من لسانه ويده بالفعل ، وعمل ‏الأعمال التي حثّ عليها الإسلام ، وتخلّق بالأخلاق التي أمر بها ، وإلاّ كان الدين دعاوي فارغة وألفاظاً ‏مهملة ، أو يقال : كان الدين عبثاً والوحي سدى .‏
‏12 ـ أن نرفع أيضاً من شأن الأسباب قليلاً ، ونعتبرها مظاهر لإرادة الله تعالى وقدرته ، فلا ‏نهملها إلى حدّ أن نقول : إنّ السمّ لا دخل له في موت من تناوله فمات به ، وإنّ هذا المتناول لو لم ‏يتناوله لمات حتماً ! فإنّ هذا القول يؤدّي إلى تعطيل الحدود والشكّ في حكمة المعبود .‏
‏12 ـ أن نرفع أيضاً من شأن الأسباب قليلاً ، ونعتبرها مظاهر لإرادة الله تعالى وقدرته ، فلا ‏نهملها إلى حدّ أن نقول : إنّ السمّ لا دخل له في موت من تناوله فمات به ، وإنّ هذا المتناول لو لم ‏يتناوله لمات حتماً ! فإنّ هذا القول يؤدّي إلى تعطيل الحدود والشكّ في حكمة المعبود .‏
‏13 ـ أن يترك الفقهاء كثيراً من النظريات والمسائل إلى أرباب الاختصاص في علومها ، فلا ‏يكون الفقيه طبيباً ومهندساً وكيمياوياً وقائد حرب . . الخ ، وإنّما يبحث فيما يعلم ، ويدع ما لا يعلم لمن ‏يعلم من الأخصّائيّين المسلمين »(‏4‏) .‏
‏13 ـ أن يترك الفقهاء كثيراً من النظريات والمسائل إلى أرباب الاختصاص في علومها ، فلا ‏يكون الفقيه طبيباً ومهندساً وكيمياوياً وقائد حرب . . الخ ، وإنّما يبحث فيما يعلم ، ويدع ما لا يعلم لمن ‏يعلم من الأخصّائيّين المسلمين »(‏5‏) .‏


(‏4‏)البينات ج1 ،ص2-8 و13-17 .
(‏5)البينات ج1 ،ص13-17.
 
 
=مميزات المشاريع الإصلاحية للمجددين=


هذا ، ولا بدّ في المقام من وقفة قصيرة جدّاً مع موضوع « التجديد » :‏
هذا ، ولا بدّ في المقام من وقفة قصيرة جدّاً مع موضوع « التجديد » :‏
فالتجديد  كان قائماً على مرّ التاريخ الإسلامي ، خاصّة في عصر الحركة الحضارية نرى ذلك ‏التجديد في الفقه والأُصول والتفسير والحياة الأدبية والسياسية والاجتماعية . الاجتهاد وشيوع حديث ‏ظهور المجدّدين على رأس كلّ قرن من مظاهر هذا التجديد المستمرّ .‏
فالتجديد  كان قائماً على مرّ التاريخ الإسلامي ، خاصّة في عصر الحركة الحضارية نرى ذلك ‏التجديد في الفقه والأُصول والتفسير والحياة الأدبية والسياسية والاجتماعية . الاجتهاد وشيوع حديث ‏ظهور المجدّدين على رأس كلّ قرن من مظاهر هذا التجديد المستمرّ .‏
وكان من المفروض في عصر الركود الحضاري أن لا تظهر في العالم الإسلامي مشاريع ‏تجديدية ، غير أنّ الإسلام بما فيه من طاقات ذاتية يأبى على أتباعه الخضوع للوضع القائم ، ويثير ‏فيهم الهمّة للإصلاح والتجديد .‏
وكان من المفروض في عصر الركود الحضاري أن لا تظهر في العالم الإسلامي مشاريع ‏تجديدية ، غير أنّ الإسلام بما فيه من طاقات ذاتية يأبى على أتباعه الخضوع للوضع القائم ، ويثير ‏فيهم الهمّة للإصلاح والتجديد .‏
=مميزات المشاريع الإصلاحية للمجددين=
من هنا نرى قائمة المجدّدين في عصرنا غنية بالأسماء والمشاريع النظرية والعلمية .‏
من هنا نرى قائمة المجدّدين في عصرنا غنية بالأسماء والمشاريع النظرية والعلمية .‏
وقد قدّم بعض هؤلاء المجدّدين مشاريع لعملهم ، يمكن تلخيصها فيما يلي :‏
وقد قدّم بعض هؤلاء المجدّدين مشاريع لعملهم ، يمكن تلخيصها فيما يلي :‏
سطر ١٢٩: سطر ١٢٩:
‏8 ـ الشورى ، أي : مشاركة الأُمّة في صنع القرارات .‏
‏8 ـ الشورى ، أي : مشاركة الأُمّة في صنع القرارات .‏
‏9 ـ العدالة الاجتماعية التي تحقّق التكافل الاجتماعي بين الأُمّة كلّها .‏
‏9 ـ العدالة الاجتماعية التي تحقّق التكافل الاجتماعي بين الأُمّة كلّها .‏
‏10 ـ إنصاف المرأة لتشارك الرجل في القيام بفرائض وتكاليف العمل العامّ (‏5‏).‏
‏10 ـ إنصاف المرأة لتشارك الرجل في القيام بفرائض وتكاليف العمل العامّ (‏6‏).‏


(‏5‏)نقل عن د.محمد عمارة في المعجم الوسيط للساعدي ج1 ،ص93 .
(‏6)نقل عن د.محمد عمارة في المعجم الوسيط للساعدي ج1 ،ص93 .


=المصدر=
=المصدر=
٢٬٧٩٦

تعديل