انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الاستحباب»

ط
استبدال النص - '====' ب'====='
ط (استبدال النص - '====' ب'=====')
 
سطر ٦٥: سطر ٦٥:
===2 ـ حكم ترك المندوب===
===2 ـ حكم ترك المندوب===
وتنقسم هذه المسألة إلى مسألتين:
وتنقسم هذه المسألة إلى مسألتين:
====المسألة الأولى: ترك المستحب لا بالكلّ====
=====المسألة الأولى: ترك المستحب لا بالكلّ=====
جرى البحث عند الأصوليين في كون ذلك هل هو مكروه أم لا؟
جرى البحث عند الأصوليين في كون ذلك هل هو مكروه أم لا؟
فاتفقوا على أنّ ترك المندوب يكون مكروها فيما إذا ورد نهي مخصوص. يقول ابن عابدين: إنّ ترك المندوب لايلزم أن يكون مكروها تنزيهيا إلاّ بدليل<ref> حاشية ردّ المحتار 2 : 118.</ref>. وأمّا لو لم يرد نهي مخصوص، فاختلفوا على أقوال ثلاثة:
فاتفقوا على أنّ ترك المندوب يكون مكروها فيما إذا ورد نهي مخصوص. يقول ابن عابدين: إنّ ترك المندوب لايلزم أن يكون مكروها تنزيهيا إلاّ بدليل<ref> حاشية ردّ المحتار 2 : 118.</ref>. وأمّا لو لم يرد نهي مخصوص، فاختلفوا على أقوال ثلاثة:
سطر ٧٣: سطر ٧٣:
'''الثالث:''' أنّه مكروه، وهذا ما قد يبدو من بعض [[الإمامية]] كالمحقّق الحلّي<ref> المعتبر في شرح المختصر 2 : 257 حيث حكم بكراهة كلّ فعل يؤدي إلى ترك مستحب وضع الكفين على الفخذين محاذيتين للركبتين في الصلاة.</ref>، وغيره<ref> مفاتيح الأصول : 294.</ref>، وهو كذلك رأي بعض المتقدمين من أهل السنّة<ref> شرح الجلال المحلّي على جمع الجوامع 1 : 135.</ref>، ويمكن القول بأنّ الخلاف بين هذا القول والقول الثاني لفظي؛ وذلك لبعض التعابير التي وقعت من قبل بعض من أصحاب هذا القول على كلا المستويين ـ  [[الإمامية]] وأهل السنّة  ـ فأمّا على مستوى الإمامية؛ فقد قالوا: إنّ هذه الكراهة ـ  الثابتة لترك المستحب  ـ ليست بمعنى المبغوضيّة الذاتيّة التي تثبت بدليل خاص، بل بمعنى المرجوحيّة والتي تطلق على ترك الأَولى، وأمّا على مستوى أهل السنّة؛ فلأنّ القائلين بكراهية تركه قد سمّوا الكراهة الثابتة بدليل خاص بالكراهة الشديدة، ممّا قد يشعر بأنّ نظرهم من الكراهة ترك الأَولى.
'''الثالث:''' أنّه مكروه، وهذا ما قد يبدو من بعض [[الإمامية]] كالمحقّق الحلّي<ref> المعتبر في شرح المختصر 2 : 257 حيث حكم بكراهة كلّ فعل يؤدي إلى ترك مستحب وضع الكفين على الفخذين محاذيتين للركبتين في الصلاة.</ref>، وغيره<ref> مفاتيح الأصول : 294.</ref>، وهو كذلك رأي بعض المتقدمين من أهل السنّة<ref> شرح الجلال المحلّي على جمع الجوامع 1 : 135.</ref>، ويمكن القول بأنّ الخلاف بين هذا القول والقول الثاني لفظي؛ وذلك لبعض التعابير التي وقعت من قبل بعض من أصحاب هذا القول على كلا المستويين ـ  [[الإمامية]] وأهل السنّة  ـ فأمّا على مستوى الإمامية؛ فقد قالوا: إنّ هذه الكراهة ـ  الثابتة لترك المستحب  ـ ليست بمعنى المبغوضيّة الذاتيّة التي تثبت بدليل خاص، بل بمعنى المرجوحيّة والتي تطلق على ترك الأَولى، وأمّا على مستوى أهل السنّة؛ فلأنّ القائلين بكراهية تركه قد سمّوا الكراهة الثابتة بدليل خاص بالكراهة الشديدة، ممّا قد يشعر بأنّ نظرهم من الكراهة ترك الأَولى.


====المسألة الثانية: ترك المستحب بالكلّ====
=====المسألة الثانية: ترك المستحب بالكلّ=====
وقد اختلفوا في جواز ذلك على أقوال أربعة:
وقد اختلفوا في جواز ذلك على أقوال أربعة:
'''الأول:''' أنّه غير جائز مطلقا، وهذا قول الشاطبي، حيث ذهب إلى أنّ ترك المندوب بالكلّ غير جائز وإن كان غير لازم بالجزء. وقد نصّ على ذلك بقوله: «إذا كان الفعل مندوبا بالجزء كان واجبا بالكلّ، كالأذان في المساجد والجوامع وغيرها، وصلاة الجماعة، وصلاة العيدين، وصدقة التطوّع، والنكاح، والوتر، وسنّة الفجر، والعمرة، وسائر النوافل الرواتب، فإنّها مندوب إليها بالجزء، ولو فرض تركها جملة لجرح التارك لها، ألا ترى أنّ في الأذان إظهارا لشعائر الإسلام؟ ولذلك يستحق أهل المصر القتال عليه إذا تركوه، وكذلك صلاة الجماعة، من داوم على تركها يجرح ولا تقبل شهادته؛ لأنّ في تركها مضادة لإظهار شعائر الدين، وقد توعَّد الرسول من داوم على ترك الجماعة فهمّ أن يحرق عليهم بيوتهم، كما كان لايغير على قوم حتى يصبح، فإن سمع أذانا أمسك، وإلاّ أغار، والنكاح لايخفى ما فيه ممّا هو مقصود للشارع، من تكثير النسل وإبقاء النوع الإنساني وما أشبه ذلك، فالترك له جملة مؤثر في أوضاع الدّين إذا كان دائما، أمّا إذا كان في بعض الأوقات فلا تأثير له، فلا محظور في الترك».<ref> الموافقات 1 : 132 ـ 133.</ref>
'''الأول:''' أنّه غير جائز مطلقا، وهذا قول الشاطبي، حيث ذهب إلى أنّ ترك المندوب بالكلّ غير جائز وإن كان غير لازم بالجزء. وقد نصّ على ذلك بقوله: «إذا كان الفعل مندوبا بالجزء كان واجبا بالكلّ، كالأذان في المساجد والجوامع وغيرها، وصلاة الجماعة، وصلاة العيدين، وصدقة التطوّع، والنكاح، والوتر، وسنّة الفجر، والعمرة، وسائر النوافل الرواتب، فإنّها مندوب إليها بالجزء، ولو فرض تركها جملة لجرح التارك لها، ألا ترى أنّ في الأذان إظهارا لشعائر الإسلام؟ ولذلك يستحق أهل المصر القتال عليه إذا تركوه، وكذلك صلاة الجماعة، من داوم على تركها يجرح ولا تقبل شهادته؛ لأنّ في تركها مضادة لإظهار شعائر الدين، وقد توعَّد الرسول من داوم على ترك الجماعة فهمّ أن يحرق عليهم بيوتهم، كما كان لايغير على قوم حتى يصبح، فإن سمع أذانا أمسك، وإلاّ أغار، والنكاح لايخفى ما فيه ممّا هو مقصود للشارع، من تكثير النسل وإبقاء النوع الإنساني وما أشبه ذلك، فالترك له جملة مؤثر في أوضاع الدّين إذا كان دائما، أمّا إذا كان في بعض الأوقات فلا تأثير له، فلا محظور في الترك».<ref> الموافقات 1 : 132 ـ 133.</ref>
سطر ٨٣: سطر ٨٣:
===3 ـ هل المستحب مأمور به؟===
===3 ـ هل المستحب مأمور به؟===
قد اختلف الأصوليون في ذلك على رأيين:
قد اختلف الأصوليون في ذلك على رأيين:
====الرأي الأول: أنّ المستحب مأمور به مجازا لا حقيقة====
=====الرأي الأول: أنّ المستحب مأمور به مجازا لا حقيقة=====
وهو لجمهور الحنفية<ref> انظر : فواتح الرحموت 1 : 111، أصول السرخسي 1 : 15.</ref>، وبعض من الإمامية<ref> مدارك الأحكام 7 : 245 ـ 246، زبدة الأصول البهائي : 75.</ref>، قال الرازي: لا نسلّم كون المستحب مأمورا به حقيقة بل مجازاً. <ref> المحصول 1 : 215.</ref>
وهو لجمهور الحنفية<ref> انظر : فواتح الرحموت 1 : 111، أصول السرخسي 1 : 15.</ref>، وبعض من الإمامية<ref> مدارك الأحكام 7 : 245 ـ 246، زبدة الأصول البهائي : 75.</ref>، قال الرازي: لا نسلّم كون المستحب مأمورا به حقيقة بل مجازاً. <ref> المحصول 1 : 215.</ref>
وقد استدلّ لهذا الرأي بالوجوه التالية:
وقد استدلّ لهذا الرأي بالوجوه التالية:
سطر ٩١: سطر ٩١:
'''الرابع:''' قوله تعالى: '''«فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ...»''' <ref> النور : 63.</ref> فقد تضمّنت هذه الآية وعيدا شديدا لمن خالف الأمر، والمندوب لايستلزم مخالفته مثل ذلك. <ref> انظر : روضة الناظر : 21.</ref>
'''الرابع:''' قوله تعالى: '''«فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ...»''' <ref> النور : 63.</ref> فقد تضمّنت هذه الآية وعيدا شديدا لمن خالف الأمر، والمندوب لايستلزم مخالفته مثل ذلك. <ref> انظر : روضة الناظر : 21.</ref>
'''الخامس:''' أنّ الندب تخيير بدليل جواز تركه، فالمكلّف مخيّر بين الفعل والترك، بينما الأمر استدعاء وطلب. والتخيير والطلب متنافيان. <ref> انظر : المحصول الرازي 1 : 220 ـ 221.</ref>
'''الخامس:''' أنّ الندب تخيير بدليل جواز تركه، فالمكلّف مخيّر بين الفعل والترك، بينما الأمر استدعاء وطلب. والتخيير والطلب متنافيان. <ref> انظر : المحصول الرازي 1 : 220 ـ 221.</ref>
====الرأي الثاني: أنّ المستحب مأمور به حقيقةً====
=====الرأي الثاني: أنّ المستحب مأمور به حقيقةً=====
وهذا مذهب جمهور الشافعية<ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 104 ـ 105، البحر المحيط 1 : 286.</ref> والقاضي الباقلاني<ref> انظر : التقريب والإرشاد 1 : 291 ـ 292، ونسبه إليه الزركشي في البحر المحيط 1 : 286.</ref>، ومعهم المالكية<ref> إحكام الفصول : 210 ـ 211، منتهى الوصول : 39، شرح مختصر المنتهى 2 : 214.</ref> والحنابلة<ref> العدّة في أصول الفقه أبي يعلى 1 : 85 ، شرح مختصر الروضة 1 : 354، المسوّدة : 7، فواتح الرحموت 1 : 111.</ref> وبعض من [[الإمامية]] كالعلاّمة الحلّي<ref> مختلف الشيعة 4 : 48.</ref> والشيخ محمد حسن النجفي<ref> جواهر الكلام 35 : 377.</ref>، وبه قال أبو هاشم وغيره، ونقله ابن القشيريّ وغيره عن المعتزلة<ref> انظر : البحر المحيط 1 : 286.</ref>، وقد استدلّ لهذا الرأي بوجوه:
وهذا مذهب جمهور الشافعية<ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 104 ـ 105، البحر المحيط 1 : 286.</ref> والقاضي الباقلاني<ref> انظر : التقريب والإرشاد 1 : 291 ـ 292، ونسبه إليه الزركشي في البحر المحيط 1 : 286.</ref>، ومعهم المالكية<ref> إحكام الفصول : 210 ـ 211، منتهى الوصول : 39، شرح مختصر المنتهى 2 : 214.</ref> والحنابلة<ref> العدّة في أصول الفقه أبي يعلى 1 : 85 ، شرح مختصر الروضة 1 : 354، المسوّدة : 7، فواتح الرحموت 1 : 111.</ref> وبعض من [[الإمامية]] كالعلاّمة الحلّي<ref> مختلف الشيعة 4 : 48.</ref> والشيخ محمد حسن النجفي<ref> جواهر الكلام 35 : 377.</ref>، وبه قال أبو هاشم وغيره، ونقله ابن القشيريّ وغيره عن المعتزلة<ref> انظر : البحر المحيط 1 : 286.</ref>، وقد استدلّ لهذا الرأي بوجوه:
'''الأول:''' أنّ فعل المندوب يسمى طاعة وعبادة من العبادات التي يثاب الإنسان على فعلها بالاتفاق، وليس طاعة لذات الفعل وخصوص نفسه، وإلاّ كان طاعة بتقدير ورود النهي عنه، ولا لصفة من الصفات التي يشاركه فيها غيره من الحوادث، وإلاّ كان كلّ حادث طاعة، ولا لكونه مرادا للّه‏ تعالى، وإلاّ كان كلّ مراد الوقوع طاعة، وليس كذلك ولا لكونه مثابا عليه، فإنّه لايخرج عن كونه طاعة، وإن لم يثب عليه، ولا لكونه موعودا بالثواب عليه؛ لأ نّه لو  ورد فيه وعد لتحقق، لاستحالة الخلف في خبر الشارع، والثواب غير لازم له بالإجماع، والأصل عدم ما سوى ذلك. فتعيّن أن يكون طاعة لما فيه من امتثال الأمر، فإنّ امتثال الأمر يسمى طاعة، ولهذا  يقال: فلان مطاع الأمر، فكان المندوب مأمورا به لذلك. <ref> راجع : الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 104، المستصفى 1 : 90، شرح مختصر المنتهى 2 : 214.</ref>
'''الأول:''' أنّ فعل المندوب يسمى طاعة وعبادة من العبادات التي يثاب الإنسان على فعلها بالاتفاق، وليس طاعة لذات الفعل وخصوص نفسه، وإلاّ كان طاعة بتقدير ورود النهي عنه، ولا لصفة من الصفات التي يشاركه فيها غيره من الحوادث، وإلاّ كان كلّ حادث طاعة، ولا لكونه مرادا للّه‏ تعالى، وإلاّ كان كلّ مراد الوقوع طاعة، وليس كذلك ولا لكونه مثابا عليه، فإنّه لايخرج عن كونه طاعة، وإن لم يثب عليه، ولا لكونه موعودا بالثواب عليه؛ لأ نّه لو  ورد فيه وعد لتحقق، لاستحالة الخلف في خبر الشارع، والثواب غير لازم له بالإجماع، والأصل عدم ما سوى ذلك. فتعيّن أن يكون طاعة لما فيه من امتثال الأمر، فإنّ امتثال الأمر يسمى طاعة، ولهذا  يقال: فلان مطاع الأمر، فكان المندوب مأمورا به لذلك. <ref> راجع : الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 104، المستصفى 1 : 90، شرح مختصر المنتهى 2 : 214.</ref>