Write، بيروقراطيون، إداريون
٤٬٩٤١
تعديل
Mohsenmadani (نقاش | مساهمات) |
Mohsenmadani (نقاش | مساهمات) |
||
سطر ٤٢: | سطر ٤٢: | ||
<br>وكان الباي أحمد صاحب محاولات في الإصلاح، يترسّم فيها خطى [[محمّد علي باشا]] الكبير (1184- 1265 ه/ 1770- 1849 م) بمصر، فأنشأ في «باردوا» بفرنسا سنة 1256» ه- 1840 م «مكتب العلوم الحربية؛ ليتعلّم فيه الجنود التونسيّون علوم الهندسة والمساحة والحساب وغيرها، وعهد إلى خير الدين بالإشراف على هذا المكتب (المدرسة) الذي رأسه المستشرق الإيطالي «[[كاليفاريس]]»، وهناك عايش خير الدين الحضارة الأوروبّية ولمس تأثيراتها، ولقد اكتملت معرفته بها في سفارته للباي لدى عديد من ممالك [[أُوربّا]]، مثل فرنسا و[[السويد]] وب[[روسيا]] و[[بلجيكا]] و[[الدانمارك]] و[[هولندا]]. | <br>وكان الباي أحمد صاحب محاولات في الإصلاح، يترسّم فيها خطى [[محمّد علي باشا]] الكبير (1184- 1265 ه/ 1770- 1849 م) بمصر، فأنشأ في «باردوا» بفرنسا سنة 1256» ه- 1840 م «مكتب العلوم الحربية؛ ليتعلّم فيه الجنود التونسيّون علوم الهندسة والمساحة والحساب وغيرها، وعهد إلى خير الدين بالإشراف على هذا المكتب (المدرسة) الذي رأسه المستشرق الإيطالي «[[كاليفاريس]]»، وهناك عايش خير الدين الحضارة الأوروبّية ولمس تأثيراتها، ولقد اكتملت معرفته بها في سفارته للباي لدى عديد من ممالك [[أُوربّا]]، مثل فرنسا و[[السويد]] وب[[روسيا]] و[[بلجيكا]] و[[الدانمارك]] و[[هولندا]]. | ||
<br>ولقد تبلورت دعوة خير الدين إلى إصلاح أحوال المسلمين في ضرورة الأخذ عن الحضارة الغربية التنظيمات والتجارب والتراتيب الإدارية، وضرورة التجديد والاجتهاد في چ الشريعة الإسلامية كي تواكب المصالح المتجدّدة للمسلمين، فتحدّث عن العلاقة بأوروبّا قائلًا: «إنّه لن يتهيّأ لنا أن نميّز ما يليق بنا إلّابمعرفة أحوال من ليس من حزبنا!<br>فالدنيا بصورة بلدة متّحدة، تسكنها أُمم متعدّدة. حاجة بعضهم لبعض متأكّدة!». | <br>ولقد تبلورت دعوة خير الدين إلى إصلاح أحوال المسلمين في ضرورة الأخذ عن الحضارة الغربية التنظيمات والتجارب والتراتيب الإدارية، وضرورة التجديد والاجتهاد في چ الشريعة الإسلامية كي تواكب المصالح المتجدّدة للمسلمين، فتحدّث عن العلاقة بأوروبّا قائلًا: «إنّه لن يتهيّأ لنا أن نميّز ما يليق بنا إلّابمعرفة أحوال من ليس من حزبنا!<br>فالدنيا بصورة بلدة متّحدة، تسكنها أُمم متعدّدة. حاجة بعضهم لبعض متأكّدة!». | ||
=أهم نقاط النهضة= | |||
<br>أمّا هذا الرأي الذي رآه لائقاً بالمسلمين لينهضوا به من ثمرات الحضارة الغربية ... فإنّ في مقدّمته: | <br>أمّا هذا الرأي الذي رآه لائقاً بالمسلمين لينهضوا به من ثمرات الحضارة الغربية ... فإنّ في مقدّمته: | ||
== التنظيمات السياسية == | |||
والتي هي في الحقيقة السبب في تقدّم الأوربيّين في المعارف، وهذه التنظيمات لا بدّ أن تكون مؤسّسة على العدل والحرّية. ولذلك أدان التونسي الاستبداد بالسلطة وحكم الفرد، ودعا إلى إحياء [[هيئة أهل الحلّ والعقد الإسلامية|هيئة «أهل الحلّ والعقد» الإسلامية]]، وزكّى في مذكّراته تكوين المجالس النيابية بالانتخاب العامّ، وألحّ على ضرورة تقييد جهاز الدولة بالقوانين، سواء منها تلك التي تنظّم علاقة الرعية بالدولة، أو العلاقة بين المواطنين، وطالب بأن تكون مباشرة الحكم التنفيذي من اختصاص الوزراء لا الحاكم الأعلى، وأن يكون الوزراء مسؤولين أمام وكلاء الأُمّة ونوّابها المنتخبين، وقال: «إنّ أوروبّا إذا كانت قد صنعت وأقامت هذه التنظيمات السياسية انطلاقاً من القوانين العقلية الطبيعية غير الإلهية، فإنّ المسلمين أولى من الأوربيّين بذلك؛ لأنّ هذه التنظيمات ممّا يحقّق غاية [[الشريعة الإسلامية]] ومقاصدها». | |||
== الحرّية السياسية== | |||
والغاية من التنظيمات السياسية عند خير الدين التونسي هي تحقيق العمران للبلاد، وأساس هذا العمران هو العدل، أي: الحرّية السياسية للمواطنين. كما أنّ اتّساع نطاق المعارف في المجتمع إنّما يرجع كذلك إلى اتّساع نطاق الحرّية. وإذا كانت الحرّية الشخصية ضرورة ليتصرّف الإنسان في ذاته وكسبه وهو آمن على نفسه وعرضه وماله مطمئن إلى تساويه مع أبناء جنسه، فإنّ الحرّية السياسية أدخل في الضرورة واللزوم؛ لأنّها هي التي تحقّق اشتراك الرعية في توجيه سياسة الدولة كي تأتي على وفق المصلحة العامّة للمجموع. وتدخل في الحرّية السياسية حرّية نشر الأفكار التي يسمّيها التونسي:<br>«حرّية المطبعة!»، حيث لا يمنع الإنسان من أن يكتب ويذيع ما يعتقده صواباً ومصلحة، أو يعرض ذلك على أجهزة الدولة ومجالسها حتّى ولو تضمّن ذلك الاعتراض على مناهجها. | |||
== الحرّية الاقتصادية== | |||
فلقد ارتبطت في فكر خير الدين الحرّية السياسية بالحرّية<br>الاقتصادية، كما ارتبط نمو المعارف بنمو الصنائع، <br> | |||
الأمر الذي يثمر زيادة الأنشطة الحرّة في الميادين الاقتصادية، فالرخاء لا يتحقّق بالخصوبة وتوافر الإمكانات المادّية وحدها، وإنّما بالحرّية الاقتصادية التي تجعل أرباب النشاط الاقتصادي والاستثمار المالي آمنين على ثرواتهم وأموالهم. | الأمر الذي يثمر زيادة الأنشطة الحرّة في الميادين الاقتصادية، فالرخاء لا يتحقّق بالخصوبة وتوافر الإمكانات المادّية وحدها، وإنّما بالحرّية الاقتصادية التي تجعل أرباب النشاط الاقتصادي والاستثمار المالي آمنين على ثرواتهم وأموالهم. | ||
== التقدّم في المعارف والعلوم == | |||
فلقد أراد خير الدين التونسي لدعوة الحرّية التي بشّر بها أن تكون متكاملة، فأكّد على أنّ نمو المعارف والعلوم إنّما هو ثمرة طبيعية للحرّية السياسية التي تنمّي حرّية الفكر، وللحرّية الاقتصادية التي تفتق طاقات الإبداع بإبرازها الضرورات والاحتياجات، وأنّ جميع ألوان الحرّية هذه مؤسّسة على وجود التنظيمات... وإذا كان هذا هو موقفه من الثمرات الحضارية لأوروبّا الناهضة، فلقد اختلف موقفه من «أوروبّا الاستعمار»، فكان داعية إلى اليقظة لأطماع الدول الأوربّية في أقاليم [[البلاد الإسلامية]]، وإلى الحذر من الشراك التي ينصبونها كي نقع فيها، فدعا إلى رفض الاقتراض من الأجانب، وإلى أن تتّجه الحكومة إلى الاقتراض الداخلي، حتّى ولو زاد سعر «الفائدة»؛ لأنّ المموّلين الوطنيّين لن يمثّلوا خطراً استعمارياً خارجياً، كما أنّ أرباحهم لن تغادر السوق الوطني الداخلي. ومن كلماته في هذا الموضوع: «إنّ من الأفضل أن ندفع غالياً ثمن اقتراض نقترضه في بلدنا ونحافظ بذلك على حرّيتنا، <br> | |||
من أن نربح بعض الفوائد المادّية على حساب استقلالنا». | من أن نربح بعض الفوائد المادّية على حساب استقلالنا». | ||
== التصدّي للجمود == | |||
وكان طموح خير الدين التونسي أن ينهض فقهاء الإسلام بالاجتهاد والتجديد؛ حتّى تستطيع الشريعة الإسلامية أن تقدّم الحلول للمشكلات الجديدة، فلا يضطرّ المصلحون إلى الأخذ عن أوروبّا غير التنظيمات. كان يريد «المحتوى الإسلامي» لهذه الأوعية الأوربّية، ولذلك كان له جهاد على هذه الجبهة كبير... لقد ساءه أن يكون على الأُمّة جهلاء بأمراضها وبأدوية هذه الأمراض، وأن يضيّق الكثيرون منهم نطاق السياسة الشرعية، فلا يرونها شرعية إلّاإذا كانت لها نصوص في الكتاب و[[السنّة]]، فكتب ليذكّرهم بمناهج العلماء السابقين الذين وسّعوا هذا النطاق لتصبح<br>السياسة الشرعية هي كلّ ما لا يخالف الكتاب والسنّة، وليس فقط ما له نصّ في الكتاب و[[السنّة]]. | |||
<br>لقد كانت عينه في النهضة الأوربّية على الأوعية والأدوات، وفي مقدّمتها التنظيمات السياسية، وعينه على التراث الإسلامي ليستجيب بالاجتهاد والتجديد إلى احتياجات العصر ومتطلّبات مشكلاته، فيقدّم المضامين والحلول التي تتّخذ من التنظيمات أدوات للحركة والنهضة والإحياء. وفي ذلك يقول: «إنّ [[الأُمّة الإسلامية]] تقتدر أن تكتسب بما بقي لها من تمدّنها الأصلي وبعاداتها التي لم تزل مأثورة عن أسلافها، ما يستقيم به حالها، ويتّسع به في التمدّن مجالها، ويكون سيرها في ذلك المجال أسرع من غيرها كائناً من كان، إذا أُزكيت حرّيتها الكامنة بتنظيمات مضبوطة تسهّل لها التدخّل في أُمور السياسة». | <br>لقد كانت عينه في النهضة الأوربّية على الأوعية والأدوات، وفي مقدّمتها التنظيمات السياسية، وعينه على التراث الإسلامي ليستجيب بالاجتهاد والتجديد إلى احتياجات العصر ومتطلّبات مشكلاته، فيقدّم المضامين والحلول التي تتّخذ من التنظيمات أدوات للحركة والنهضة والإحياء. وفي ذلك يقول: «إنّ [[الأُمّة الإسلامية]] تقتدر أن تكتسب بما بقي لها من تمدّنها الأصلي وبعاداتها التي لم تزل مأثورة عن أسلافها، ما يستقيم به حالها، ويتّسع به في التمدّن مجالها، ويكون سيرها في ذلك المجال أسرع من غيرها كائناً من كان، إذا أُزكيت حرّيتها الكامنة بتنظيمات مضبوطة تسهّل لها التدخّل في أُمور السياسة». | ||
<br>فالعناصر الأصلية في التمدّن الأصلي والحرّية الكامنة التي أقرّتها وقرّرتها الشريعة الإسلامية مع التنظيمات التي لا بدّ من أخذها عن أوروبّا كفيلة بجعل هذه الأُمّة تخطو على درب النهضة بأسرع ممّا صنع ويصنع الآخرون. | <br>فالعناصر الأصلية في التمدّن الأصلي والحرّية الكامنة التي أقرّتها وقرّرتها الشريعة الإسلامية مع التنظيمات التي لا بدّ من أخذها عن أوروبّا كفيلة بجعل هذه الأُمّة تخطو على درب النهضة بأسرع ممّا صنع ويصنع الآخرون. | ||
=الوفاة= | |||
توفّي خير الدين سنة 1308 ه/ 1890 م. | |||
= المراجع = | = المراجع = |