confirmed
١٬٦٣٠
تعديل
Abolhoseini (نقاش | مساهمات) لا ملخص تعديل |
Abolhoseini (نقاش | مساهمات) لا ملخص تعديل |
||
سطر ٦: | سطر ٦: | ||
=تعريف العلم اصطلاحاً= | =تعريف العلم اصطلاحاً= | ||
تنوّعت تعاريف العلم من قبل علماء الإسلام، وذلك بلحاظ أنّ العلم وقع موضع بحث في عدّة علوم كالمنطق والفلسفة و [[أصول الفقه]]، ولأجل هذا نجد اشتراكا وتقاربا بين التعاريف في مجمل العلوم، مع إضافات أحيانا تتناسب مع العلم الذي ينتمي إليه التعريف. والتعاريف التالية وردت في علم الاُصول: | تنوّعت تعاريف العلم من قبل علماء الإسلام، وذلك بلحاظ أنّ العلم وقع موضع بحث في عدّة علوم كالمنطق والفلسفة و [[أصول الفقه]]، ولأجل هذا نجد اشتراكا وتقاربا بين التعاريف في مجمل العلوم، مع إضافات أحيانا تتناسب مع العلم الذي ينتمي إليه التعريف. والتعاريف التالية وردت في علم الاُصول: | ||
ـ ما اقتضى سكون النفس<ref>. فرائد الاُصول 1: 331. بحر الفوائد في شرح الفرائد 2: 342.</ref>. | ـ ما اقتضى سكون النفس<ref>. فرائد الاُصول 1: 331. بحر الفوائد في شرح الفرائد 2: 342.</ref>. | ||
ـ الاعتقاد بالشيء<ref>. بحر الفوائد 2: 342.</ref>. | ـ الاعتقاد بالشيء<ref>. بحر الفوائد 2: 342.</ref>. | ||
ـ جزم الإنسان بقضية من القضايا بشكل لا يراوده أي شكّ أو احتمال للخلاف فيها <ref>. القطع (الحيدري): 106.</ref>. | ـ جزم الإنسان بقضية من القضايا بشكل لا يراوده أي شكّ أو احتمال للخلاف فيها <ref>. القطع (الحيدري): 106.</ref>. | ||
ـ صفة ينكشف بها المطلوب انكشافا تامّا <ref>. إرشاد الفحول: 1: 31.</ref>. | ـ صفة ينكشف بها المطلوب انكشافا تامّا <ref>. إرشاد الفحول: 1: 31.</ref>. | ||
وهناك من قال بتعذّر تعريفه، أو يعسر تحديده ولا طريق لمعرفته إلاّ القسمة، وهو ممّا لا يمكن حدّه؛ لأنّه من الكيفيات النفسانية التي يجدها كلّ عاقل، كالفرح والشبع، أو أنّه يلزم الدور؛ لأنّه يؤخذ العالم في تعريف العلم<ref>. المصدر السابق: 29.</ref>. | وهناك من قال بتعذّر تعريفه، أو يعسر تحديده ولا طريق لمعرفته إلاّ القسمة، وهو ممّا لا يمكن حدّه؛ لأنّه من الكيفيات النفسانية التي يجدها كلّ عاقل، كالفرح والشبع، أو أنّه يلزم الدور؛ لأنّه يؤخذ العالم في تعريف العلم<ref>. المصدر السابق: 29.</ref>. | ||
وهناك مفردتان تستخدمان كمرادفين للعلم، هما: [[القطع]] واليقين، لكن استخدام اليقين بمعنى العلم قليل في [[أصول الفقه]]، وخاصّة أنّ بعض الأخباريين فرّق بين العلم واليقين، بأنّ العلم يقتضي سكون النفس بينما اليقين هو الذي لا يقبل احتمالاً مخالفا <ref>. فرائد الاُصول 1: 331، تعليقة على معالم الاُصول 5: 259، نهاية الأفكار 3: 136، اُصول الفقه المظفر 3: 91.</ref>. | وهناك مفردتان تستخدمان كمرادفين للعلم، هما: [[القطع]] واليقين، لكن استخدام اليقين بمعنى العلم قليل في [[أصول الفقه]]، وخاصّة أنّ بعض الأخباريين فرّق بين العلم واليقين، بأنّ العلم يقتضي سكون النفس بينما اليقين هو الذي لا يقبل احتمالاً مخالفا <ref>. فرائد الاُصول 1: 331، تعليقة على معالم الاُصول 5: 259، نهاية الأفكار 3: 136، اُصول الفقه المظفر 3: 91.</ref>. | ||
أمّا استخدام مفردة القطع مكان العلم فكثير، واستخدمه اُصوليو [[الشيعة]] و [[السنة]]، المتقدّمون منهم والمتأخّرون، ولا يبدو وجود من شكّك في ترادفهما، وكلمات الاُصوليين في هذا المضمار تدلّ على ذلك، فقد ورد عنهم: «القطع نفس الرؤية والانكشاف»<ref>. مجمع الفرائد في الاُصول: 93 ـ 94.</ref>. و «القطع هو عين الانكشاف والإرادة»<ref>. دروس في علم الاُصول 1: 186، واُنظر: مصباح الاُصول 2: 15.</ref>. و «ذكروا أنّ [[الحجية]] والكاشفية من لوازم القطع، ولا يحتاج إلى [[الجعل|جعل جاعل]]، لعدم [[الجعل|جعل تأليفي]] حقيقة بين الشيء ولوازمه»<ref>. معتمد الاُصول: 373.</ref>. و «القطع هو انكشاف المقطوع به للقاطع»<ref>. الفوائد الحائرية: 34.</ref>. وهذه التوصيفات التي ذكرت للقطع صادقة على العلم كذلك، وبالإمكان استبدال هذه المفردة بمفردة علم، ممّا لا يترك شكّا في [[الترادف]]. | أمّا استخدام مفردة القطع مكان العلم فكثير، واستخدمه اُصوليو [[الشيعة]] و [[السنة]]، المتقدّمون منهم والمتأخّرون، ولا يبدو وجود من شكّك في ترادفهما، وكلمات الاُصوليين في هذا المضمار تدلّ على ذلك، فقد ورد عنهم: «القطع نفس الرؤية والانكشاف»<ref>. مجمع الفرائد في الاُصول: 93 ـ 94.</ref>. و «القطع هو عين الانكشاف والإرادة»<ref>. دروس في علم الاُصول 1: 186، واُنظر: مصباح الاُصول 2: 15.</ref>. و «ذكروا أنّ [[الحجية]] والكاشفية من لوازم القطع، ولا يحتاج إلى [[الجعل|جعل جاعل]]، لعدم [[الجعل|جعل تأليفي]] حقيقة بين الشيء ولوازمه»<ref>. معتمد الاُصول: 373.</ref>. و «القطع هو انكشاف المقطوع به للقاطع»<ref>. الفوائد الحائرية: 34.</ref>. وهذه التوصيفات التي ذكرت للقطع صادقة على العلم كذلك، وبالإمكان استبدال هذه المفردة بمفردة علم، ممّا لا يترك شكّا في [[الترادف]]. | ||
كما أنّ القطع يوصف بالتفصيلي والإجمالي<ref>. كفاية الاُصول: 272، الفصول الغروية: 282، الفوائد المدنية والشواهد المكّية: 378، الاُصول الأصيلة: 60، نهاية النهاية 2: 42.</ref>، كما يوصف العلم، وهو يعكس [[الترادف]] في الاستخدام بوضوح. | كما أنّ القطع يوصف بالتفصيلي والإجمالي<ref>. كفاية الاُصول: 272، الفصول الغروية: 282، الفوائد المدنية والشواهد المكّية: 378، الاُصول الأصيلة: 60، نهاية النهاية 2: 42.</ref>، كما يوصف العلم، وهو يعكس [[الترادف]] في الاستخدام بوضوح. | ||
رغم هذا نجد هناك من فرّق بين القطع والعلم، بأنّ القطع هو الاعتقاد الجازم بنظر القاطع بينما العلم هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع<ref>. نهاية النهاية 2: 25.</ref>. | رغم هذا نجد هناك من فرّق بين القطع والعلم، بأنّ القطع هو الاعتقاد الجازم بنظر القاطع بينما العلم هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع<ref>. نهاية النهاية 2: 25.</ref>. | ||
ولأجل هذا، نبني هنا على ما بنى عليه أكثر الاُصوليين من اعتبار المفردتين مترادفتين. | ولأجل هذا، نبني هنا على ما بنى عليه أكثر الاُصوليين من اعتبار المفردتين مترادفتين. | ||
سطر ٢٠: | سطر ٣٠: | ||
==1 ـ القطع (العلم) الطريقي والموضوعي== | ==1 ـ القطع (العلم) الطريقي والموضوعي== | ||
[[القطع الطريقي]] هو: القطع بالتكليف دون أن يؤخذ شرعا في خطاب أو في موضوع حكم<ref>. كفاية الاُصول: 262.</ref>. بل يكون صرف كاشف عن موضوع [[الحکم]] أو عن نفس الحكم<ref>. منتهى الاُصول 2: 9.</ref>. ومثاله: القطع بحرمة شرب الخمر، فإنّ [[الحرمة]] ثابتة بقطع النظر عن العلم بحكم الخمر (وهو الحرمة) وبقطع النظر عن العلم بخمرية السائل المعيّن<ref>. مباحث الاُصول الحائري 1: 335.</ref>. | [[القطع الطريقي]] هو: القطع بالتكليف دون أن يؤخذ شرعا في خطاب أو في موضوع حكم<ref>. كفاية الاُصول: 262.</ref>. بل يكون صرف كاشف عن موضوع [[الحکم]] أو عن نفس الحكم<ref>. منتهى الاُصول 2: 9.</ref>. ومثاله: القطع بحرمة شرب الخمر، فإنّ [[الحرمة]] ثابتة بقطع النظر عن العلم بحكم الخمر (وهو الحرمة) وبقطع النظر عن العلم بخمرية السائل المعيّن<ref>. مباحث الاُصول الحائري 1: 335.</ref>. | ||
[[القطع الموضوعي]]: هو القطع الذي يؤخذ في موضوع حكم آخر يخالف متعلّقه لا يماثله ولا يضادّه<ref>. كفاية الاُصول: 244، أجود التقريرات 3: 13.</ref>. أي العلم بحكم موضوع يؤخذ في موضوع آخر<ref>. نهاية النهاية الإيرواني 2: 24.</ref>. ومثاله: لو أوجب المولى إكرام معلوم العدالة، فإنّ العلم بعدالة الشخص دخيل في وجوب الإكرام<ref>. مباحث الاُصول الحائري 1: 335.</ref>. | [[القطع الموضوعي]]: هو القطع الذي يؤخذ في موضوع حكم آخر يخالف متعلّقه لا يماثله ولا يضادّه<ref>. كفاية الاُصول: 244، أجود التقريرات 3: 13.</ref>. أي العلم بحكم موضوع يؤخذ في موضوع آخر<ref>. نهاية النهاية الإيرواني 2: 24.</ref>. ومثاله: لو أوجب المولى إكرام معلوم العدالة، فإنّ العلم بعدالة الشخص دخيل في وجوب الإكرام<ref>. مباحث الاُصول الحائري 1: 335.</ref>. | ||
ولهذا النوع صنفان، فقد يكون العلم تمام الموضوع، بحيث يدور [[الحکم]] مدار العلم وجودا وعدما مثل : العلم بالخمر موضوع لوجوب الاجتناب عن الخمر (مع غضّ النظر عن إصابة العلم للواقع أو مخالفته). | ولهذا النوع صنفان، فقد يكون العلم تمام الموضوع، بحيث يدور [[الحکم]] مدار العلم وجودا وعدما مثل : العلم بالخمر موضوع لوجوب الاجتناب عن الخمر (مع غضّ النظر عن إصابة العلم للواقع أو مخالفته). | ||
وقد يكون العلم جزء الموضوع بأن يكون الموضوع مركّبا من العلم والواقع، بحيث ينتفي الموضوع بانتفاء أحدهما. | وقد يكون العلم جزء الموضوع بأن يكون الموضوع مركّبا من العلم والواقع، بحيث ينتفي الموضوع بانتفاء أحدهما. | ||
وعلى كلا التقديرين إمّا أن يؤخذ العلم بنحو الصفتية (باعتباره أحد الصفات وهي كونه ظاهرا بنفسه ومظهرا لغيره) فلا ينظر إلى جانب كشفه، بل إلى جانب كونه صفة دون النظر إلى الواقع المنكشف، بل يلغى هذا الجانب. وهو خلاف الطريقي الذي يؤخذ على نحو الطريقية والكاشفية بأن يؤخذ العلم لا كعلم وصفة، بل باعتبار كونه كاشفا عن الواقع<ref>. فوائد الاُصول 3: 9 ـ 11، نهاية الأفكار البروجردي 3: 14 ـ 18، أنوار الهداية 1: 91 ـ 94.</ref>. | وعلى كلا التقديرين إمّا أن يؤخذ العلم بنحو الصفتية (باعتباره أحد الصفات وهي كونه ظاهرا بنفسه ومظهرا لغيره) فلا ينظر إلى جانب كشفه، بل إلى جانب كونه صفة دون النظر إلى الواقع المنكشف، بل يلغى هذا الجانب. وهو خلاف الطريقي الذي يؤخذ على نحو الطريقية والكاشفية بأن يؤخذ العلم لا كعلم وصفة، بل باعتبار كونه كاشفا عن الواقع<ref>. فوائد الاُصول 3: 9 ـ 11، نهاية الأفكار البروجردي 3: 14 ـ 18، أنوار الهداية 1: 91 ـ 94.</ref>. | ||
بالطبع لا تنافي فيما لو كان القطع طريقيا لحكم وموضوعيا لحكم آخر<ref>. مباحث الاُصول الحائري 1: 335.</ref>. | بالطبع لا تنافي فيما لو كان القطع طريقيا لحكم وموضوعيا لحكم آخر<ref>. مباحث الاُصول الحائري 1: 335.</ref>. | ||
وهناك أقسام اُخرى كذلك وردت تحت هذا التقسيم عدّها البعض خمسا <ref>. مجمع الأفكار ومطرح الأنظار 3: 52.</ref>. | وهناك أقسام اُخرى كذلك وردت تحت هذا التقسيم عدّها البعض خمسا <ref>. مجمع الأفكار ومطرح الأنظار 3: 52.</ref>. | ||
وهناك نقاشات في تقسيمات القطع الموضوعي<ref>. مباحث الاُصول الحائري 1: 336 ـ 345.</ref>. لكن يبدو أنّ هذه الأصناف افتراضية والواقع منها في الشريعة اثنان: هو القطع الطريقي المحض، وما اُخذ في الموضوع على نحو الطريقية لا الصفتية، أي كونه موضوعا بما أنّه كاشف عن واقع<ref>. أجود التقريرات 3: 35، فوائد الاُصول 3: 11 ـ 12.</ref>. | وهناك نقاشات في تقسيمات القطع الموضوعي<ref>. مباحث الاُصول الحائري 1: 336 ـ 345.</ref>. لكن يبدو أنّ هذه الأصناف افتراضية والواقع منها في الشريعة اثنان: هو القطع الطريقي المحض، وما اُخذ في الموضوع على نحو الطريقية لا الصفتية، أي كونه موضوعا بما أنّه كاشف عن واقع<ref>. أجود التقريرات 3: 35، فوائد الاُصول 3: 11 ـ 12.</ref>. | ||
==2 ـ العلم التفصيلي والعلم الإجمالي== | ==2 ـ العلم التفصيلي والعلم الإجمالي== | ||
لم ترد تعاريف كثيرة ودقيقة لكلّ من العلم التفصيلي والإجمالي، لكن من الواضح أنّ المراد من العلم التفصيلي: هو العلم الذي يغطّي جميع أو جُلّ جزئيات المعلوم التي يراد معرفتها، والمراد من العلم الإجمالي: هو العلم الذي يغطّي بعض جزئيات المعلوم. والأمر يختلف حسب صنف المعلومات المراد معرفتها، فبالنسبة إلى المسائل الشرعية فإنّ المراد معرفته من الماء المنظور ـ مثلاً ـ هو كون الماء المحدد طاهرا أو نجسا، فإذا تحدد الماء الذي في الوعاء الأوّل كونه نجسا كان هذا علما تفصيليا، وإذا كان علمنا يقتصر على معرفة كون أحد الإناءين (الأوّل أو الثاني) نجسا، كان علمنا حينئذٍ إجماليا. | لم ترد تعاريف كثيرة ودقيقة لكلّ من العلم التفصيلي والإجمالي، لكن من الواضح أنّ المراد من العلم التفصيلي: هو العلم الذي يغطّي جميع أو جُلّ جزئيات المعلوم التي يراد معرفتها، والمراد من العلم الإجمالي: هو العلم الذي يغطّي بعض جزئيات المعلوم. والأمر يختلف حسب صنف المعلومات المراد معرفتها، فبالنسبة إلى المسائل الشرعية فإنّ المراد معرفته من الماء المنظور ـ مثلاً ـ هو كون الماء المحدد طاهرا أو نجسا، فإذا تحدد الماء الذي في الوعاء الأوّل كونه نجسا كان هذا علما تفصيليا، وإذا كان علمنا يقتصر على معرفة كون أحد الإناءين (الأوّل أو الثاني) نجسا، كان علمنا حينئذٍ إجماليا. | ||
وقد يختصر تعريفه بأنّه: علم تفصيلي بالجامع بين أمرين أو أكثر مع شكّ وتردّد بأفراد الجامع. | وقد يختصر تعريفه بأنّه: علم تفصيلي بالجامع بين أمرين أو أكثر مع شكّ وتردّد بأفراد الجامع. | ||
ما نورده تاليا هو كلمات لبعض الاُصوليين تصلح تعريفا للعلم الإجمالي، مثل: | ما نورده تاليا هو كلمات لبعض الاُصوليين تصلح تعريفا للعلم الإجمالي، مثل: | ||
فالعلم الإجمالي: هو العلم المقرون بالجهل<ref>. تحريرات في الاُصول 6: 172.</ref>. | فالعلم الإجمالي: هو العلم المقرون بالجهل<ref>. تحريرات في الاُصول 6: 172.</ref>. | ||
وهذا [[العلم الإجمالي]] هو علم المكلّف بأنّ الشارع أوجب مركّبا ما ولا يدري أهو المركّب من تسعة أو المركّب من عشرة، أي من تلك التسعة بإضافة واحد<ref>. المعالم الجديدة للاُصول 1: 235.</ref>. | وهذا [[العلم الإجمالي]] هو علم المكلّف بأنّ الشارع أوجب مركّبا ما ولا يدري أهو المركّب من تسعة أو المركّب من عشرة، أي من تلك التسعة بإضافة واحد<ref>. المعالم الجديدة للاُصول 1: 235.</ref>. | ||
العلم الإجمالي: هو العلم المتعلّق بالمردّد<ref>. بداية الوصول في شرح كفاية الاُصول 9: 41.</ref>. | العلم الإجمالي: هو العلم المتعلّق بالمردّد<ref>. بداية الوصول في شرح كفاية الاُصول 9: 41.</ref>. | ||
العلم الإجمالي: هو تعلّق العلم بالجامع<ref>. مباحث الاُصول الحائري 1: 453، القطع (الحيدري): 477.</ref>. | العلم الإجمالي: هو تعلّق العلم بالجامع<ref>. مباحث الاُصول الحائري 1: 453، القطع (الحيدري): 477.</ref>. | ||
العلم الإجمالي: هو العلم بالشيء بمقدار من مشخصاته والجهل بمقدار من مميزاته الموجب للتردد. والعلم التفصيلي: هو علم بالشخص بمميزاته له عن غيره مطلقا <ref>. منتقى الاُصول 5: 50.</ref>. | العلم الإجمالي: هو العلم بالشيء بمقدار من مشخصاته والجهل بمقدار من مميزاته الموجب للتردد. والعلم التفصيلي: هو علم بالشخص بمميزاته له عن غيره مطلقا <ref>. منتقى الاُصول 5: 50.</ref>. | ||
===حقيقة العلم الإجمالي=== | ===حقيقة العلم الإجمالي=== | ||
ولا يبدو وجود نقاش بين الاُصوليين في حقيقة العلم التفصيلي، بل النقاش في حقيقة العلم الإجمالي، وقد ورد في هذا المجال ثلاثة اتّجاهات أو توجّهات. | ولا يبدو وجود نقاش بين الاُصوليين في حقيقة العلم التفصيلي، بل النقاش في حقيقة العلم الإجمالي، وقد ورد في هذا المجال ثلاثة اتّجاهات أو توجّهات. | ||
الاتّجاه الأوّل: كون الإبهام في العلم الإجمالي يعود إلى المعلوم لا العلم نفسه، بمعنى سنخية العلم التفصيلي مع الإجمالي في الكشف عن الحقيقة، مع اختلاف في أنّ الإجمالي يستبطن ترددا في متعلّقه، والعلم التفصيلي لا يستبطن هذا. والإجمال والتفصيل وصفان للمتعلّق. | الاتّجاه الأوّل: كون الإبهام في العلم الإجمالي يعود إلى المعلوم لا العلم نفسه، بمعنى سنخية العلم التفصيلي مع الإجمالي في الكشف عن الحقيقة، مع اختلاف في أنّ الإجمالي يستبطن ترددا في متعلّقه، والعلم التفصيلي لا يستبطن هذا. والإجمال والتفصيل وصفان للمتعلّق. | ||
وفيه نظريتان: | وفيه نظريتان: | ||
النظرية الاُولى: تقوم على أساس أنّ متعلّق الواجب هو الجامع أو أحدهما لا بعينه، أو هو الفرد المردد، وهي لـ [[الآخوند الخراساني|المحقّق الخراساني]] استفيدت من بحثه في [[التخيير|الواجب التخييري]]<ref>. كفاية الاُصول: 140 ـ 141.</ref>. | النظرية الاُولى: تقوم على أساس أنّ متعلّق الواجب هو الجامع أو أحدهما لا بعينه، أو هو الفرد المردد، وهي لـ [[الآخوند الخراساني|المحقّق الخراساني]] استفيدت من بحثه في [[التخيير|الواجب التخييري]]<ref>. كفاية الاُصول: 140 ـ 141.</ref>. | ||
لكن أورد عليه: بأنّ هذا يستلزم تعلّق صفة [[الوجوب]] بفرد متردّد، وهو غير ممكن عقلاً. وردّ هذا الإشكال بأنّ الوجوب أمر اعتباري فلا بأس بتعلّقه بالمردد<ref>. بحوث في علم الاُصول الشاهرودي 4: 156، تحقيق الاُصول 3: 313 ـ 314.</ref>. | لكن أورد عليه: بأنّ هذا يستلزم تعلّق صفة [[الوجوب]] بفرد متردّد، وهو غير ممكن عقلاً. وردّ هذا الإشكال بأنّ الوجوب أمر اعتباري فلا بأس بتعلّقه بالمردد<ref>. بحوث في علم الاُصول الشاهرودي 4: 156، تحقيق الاُصول 3: 313 ـ 314.</ref>. | ||
لكن قد يستشكل عليه أيضا: بأنّه لا وجود للفرد المردد في الخارج، بل وفي الذهن كذلك، ومن المفروض مساوقة الصورة الذهنية للمعلوم لما هو موجود في الذهن أو الخارج، ولا بدّ من تعيّن المعلوم<ref>. بحوث في علم الاُصول الشاهرودي 4: 156.</ref>. | لكن قد يستشكل عليه أيضا: بأنّه لا وجود للفرد المردد في الخارج، بل وفي الذهن كذلك، ومن المفروض مساوقة الصورة الذهنية للمعلوم لما هو موجود في الذهن أو الخارج، ولا بدّ من تعيّن المعلوم<ref>. بحوث في علم الاُصول الشاهرودي 4: 156.</ref>. | ||
النظرية الثانية: للشيخ الإصفهاني، حيث يذهب إلى أنّ [[العلم الإجمالي]] علم تفصيلي بالجامع وشكّ في الخصوصيات، ومتعلّق العلم الإجمالي هو الجامع فقط، واستدلّ عليه بأنّ متعلّق العلم الإجمالي لا يخلو من أربعة شقوق هي: | النظرية الثانية: للشيخ الإصفهاني، حيث يذهب إلى أنّ [[العلم الإجمالي]] علم تفصيلي بالجامع وشكّ في الخصوصيات، ومتعلّق العلم الإجمالي هو الجامع فقط، واستدلّ عليه بأنّ متعلّق العلم الإجمالي لا يخلو من أربعة شقوق هي: | ||
1 ـ ألاّ يكون متعلقا بشيء أصلاً، وهو واضح [[البطلان]]، وخلف كون العلم من الصفات الحقيقية ذات الإضافة. | 1 ـ ألاّ يكون متعلقا بشيء أصلاً، وهو واضح [[البطلان]]، وخلف كون العلم من الصفات الحقيقية ذات الإضافة. | ||
2 ـ أن يكون متعلّقا بالفرد بعنوانه التفصيلي، وبطلانه باعتبار تحوّل العلم الإجمالي إلى تفصيلي. | 2 ـ أن يكون متعلّقا بالفرد بعنوانه التفصيلي، وبطلانه باعتبار تحوّل العلم الإجمالي إلى تفصيلي. | ||
3 ـ أن يكون متعلّقا بالفرد المردد، وهو باطل؛ لأنّ الترديد إمّا أن يكون مفهوما أو وجودا. والترديد مفهوما باطل؛ لكون المفهوم بوجوده الذهني مشخص لا ترديد فيه، وكذلك إذا كان خارجا فإنّ الترديد والإبهام في الوجود الخارجي المتشخّص غير معقول. | 3 ـ أن يكون متعلّقا بالفرد المردد، وهو باطل؛ لأنّ الترديد إمّا أن يكون مفهوما أو وجودا. والترديد مفهوما باطل؛ لكون المفهوم بوجوده الذهني مشخص لا ترديد فيه، وكذلك إذا كان خارجا فإنّ الترديد والإبهام في الوجود الخارجي المتشخّص غير معقول. | ||
4 ـ أن يكون متعلّقا بالجامع، وباعتبار بطلان الشقوق الثلاثة السابقة فيتعيّن هذا الشقّ<ref>. المصدر السابق: 156 ـ 157.</ref>. | 4 ـ أن يكون متعلّقا بالجامع، وباعتبار بطلان الشقوق الثلاثة السابقة فيتعيّن هذا الشقّ<ref>. المصدر السابق: 156 ـ 157.</ref>. | ||
الاتّجاه الثاني: كون الفرق بين العلم الإجمالي والتفصيلي في حقيقة وسنخ كلٍّ منهما لا في متعلّقهما، و [[الإجمال|الإجمال والتفصيل]] وصفان للعلم نفسه. | الاتّجاه الثاني: كون الفرق بين العلم الإجمالي والتفصيلي في حقيقة وسنخ كلٍّ منهما لا في متعلّقهما، و [[الإجمال|الإجمال والتفصيل]] وصفان للعلم نفسه. | ||
ويوضّح الشيخ العراقي هذا التوجّه بالقول: بأنّ العلم الإجمالي بحدّ ذاته يختلف عن التفصيلي لا المعلوم، كما يذهب إليه أصحاب التوجّه الأوّل، وأنّ العلم الإجمالي علم يشوبه إجمال، بينما التفصيلي يخلو من هكذا إجمال، والفرق بينهما نظري كالفرق بين الإحساس الواضح والإحساس المشوب<ref>. بحوث في علم الاُصول الشاهرودي 4: 157.</ref>. | ويوضّح الشيخ العراقي هذا التوجّه بالقول: بأنّ العلم الإجمالي بحدّ ذاته يختلف عن التفصيلي لا المعلوم، كما يذهب إليه أصحاب التوجّه الأوّل، وأنّ العلم الإجمالي علم يشوبه إجمال، بينما التفصيلي يخلو من هكذا إجمال، والفرق بينهما نظري كالفرق بين الإحساس الواضح والإحساس المشوب<ref>. بحوث في علم الاُصول الشاهرودي 4: 157.</ref>. | ||
وكلا النظريتين لا يخلوان من نقاشات وإشكالات<ref>. القطع الحيدري: 461 ـ 462، بحوث في علم الاُصول (الشاهرودي) 4: 157 ـ 159.</ref>. | وكلا النظريتين لا يخلوان من نقاشات وإشكالات<ref>. القطع الحيدري: 461 ـ 462، بحوث في علم الاُصول (الشاهرودي) 4: 157 ـ 159.</ref>. | ||
الاتّجاه الثالث: وهو لـ [[محمد باقر الصدر|الشهيد الصدر]]، حيث جمع بين هذين الاتجاهين من خلال القول بأنّ متعلّق العلم الإجمالي هو مفهوم كلّي ملحوظ بنحو الإشارة إلى الخارج، ويرى أنّه من خلال القول بهذه الفكرة سيصحّ الاتّجاه الأوّل والثاني، ويجاب على جميع الإشكالات التي وردت على كلٍّ منهما <ref>. بحوث في علم الاُصول الشاهرودي 4: 160 ـ 161.</ref>. | الاتّجاه الثالث: وهو لـ [[محمد باقر الصدر|الشهيد الصدر]]، حيث جمع بين هذين الاتجاهين من خلال القول بأنّ متعلّق العلم الإجمالي هو مفهوم كلّي ملحوظ بنحو الإشارة إلى الخارج، ويرى أنّه من خلال القول بهذه الفكرة سيصحّ الاتّجاه الأوّل والثاني، ويجاب على جميع الإشكالات التي وردت على كلٍّ منهما <ref>. بحوث في علم الاُصول الشاهرودي 4: 160 ـ 161.</ref>. | ||
سطر ٥٩: | سطر ٩٧: | ||
==1 ـ هل مسألة حجّيّة القطع (العلم) اُصولية أو كلامية؟== | ==1 ـ هل مسألة حجّيّة القطع (العلم) اُصولية أو كلامية؟== | ||
ممّا ناقشه الاُصوليون هو مسألة كون [[الحجية|حجّيّة القطع]] اُصولية أم كلامية، والمشهور ذهب إلى كونها كلامية<ref>. القطع الحيدري: 57.</ref>، واستدلّ [[الآخوند الخراساني|المحقّق الخراساني]] على عدم كونها اُصولية من حيث إنّ تناسبها وتشابهها مع علم الكلام أكثر من اُصول الفقه<ref>. كفاية الاُصول: 257.</ref>. واستدلّ [[محمد تقي | ممّا ناقشه الاُصوليون هو مسألة كون [[الحجية|حجّيّة القطع]] اُصولية أم كلامية، والمشهور ذهب إلى كونها كلامية<ref>. القطع الحيدري: 57.</ref>، واستدلّ [[الآخوند الخراساني|المحقّق الخراساني]] على عدم كونها اُصولية من حيث إنّ تناسبها وتشابهها مع علم الكلام أكثر من اُصول الفقه<ref>. كفاية الاُصول: 257.</ref>. واستدلّ [[محمد تقي الحکيم|السيّد الحكيم]] بأنّ القطع هو وصول إلى [[الحکم]] وليس مقدّمة للوصول إليه، بحيث يكون جزءا من [[القياس]] الذي ينتهي إلى الحكم، وبتعبير آخر: هو نتيجة وليس مقدّمة<ref>. المحكم في اُصول الفقه 3: 21.</ref>. لكن البعض مثل: السيّد البروجردي<ref>. لمحات الاُصول: 409.</ref>، والإمام الخميني ذهب إلى كونها اُصولية؛ لأنّها تدخل في عملية [[الاستنباط]] وتقع واسطة فيها كسائر [[الأمارة|الأمارات]] العقلائية والشرعية<ref>. تهذيب الاُصول 2: 5.</ref>. | ||
والأمر برمّته يعود إلى تعريف [[أصول الفقه]] ونطاق التعريف الذي يحدّد المسائل ما إذا كانت داخلة في علم الاُصول أم خارجة عنه<ref>. القطع الحيدري: 55 ـ 102.</ref>. | والأمر برمّته يعود إلى تعريف [[أصول الفقه]] ونطاق التعريف الذي يحدّد المسائل ما إذا كانت داخلة في علم الاُصول أم خارجة عنه<ref>. القطع الحيدري: 55 ـ 102.</ref>. | ||
==2 ـ حجّيّة القطع (العلم)== | ==2 ـ حجّيّة القطع (العلم)== | ||
للحجّيّة معانٍ مختلفة كالموارد التالية: | للحجّيّة معانٍ مختلفة كالموارد التالية: | ||
الأوّل: [[الحجية]] المنطقية، وتعني مدى صدقية وموضوعية العلم للكشف عن الواقع. | الأوّل: [[الحجية]] المنطقية، وتعني مدى صدقية وموضوعية العلم للكشف عن الواقع. | ||
الثاني: الحجّيّة التكوينية، وهي دافعية القطع بنحو تكويني للعمل وفقه. | الثاني: الحجّيّة التكوينية، وهي دافعية القطع بنحو تكويني للعمل وفقه. | ||
الثالث: الحجّيّة بمعنى التنجيز والتعذير، وأنّ العبد في علاقته مع مولاه يمكنه العمل وفق القطع ويكون منجزا له ومعذرا، فيستحقّ الثواب والعقاب وفق هذه الحجّيّة<ref>. بحوث في علم الاُصول الشاهرودي 4: 27.</ref>. | الثالث: الحجّيّة بمعنى التنجيز والتعذير، وأنّ العبد في علاقته مع مولاه يمكنه العمل وفق القطع ويكون منجزا له ومعذرا، فيستحقّ الثواب والعقاب وفق هذه الحجّيّة<ref>. بحوث في علم الاُصول الشاهرودي 4: 27.</ref>. | ||
عند استخدام تعبير (حجّيّة القطع) أو (حجّيّة العلم) فقد يريدون كلاًّ من المعاني المتقدّمة للحجّيّة، لكنّ البحث العلمي في اُصول الفقه منصبّ على المعنى الثاني والثالث فقط؛ لكونه يدخل في صلب البحوث الاُصولية ومن ضمن مواضيع هذا العلم. | عند استخدام تعبير (حجّيّة القطع) أو (حجّيّة العلم) فقد يريدون كلاًّ من المعاني المتقدّمة للحجّيّة، لكنّ البحث العلمي في اُصول الفقه منصبّ على المعنى الثاني والثالث فقط؛ لكونه يدخل في صلب البحوث الاُصولية ومن ضمن مواضيع هذا العلم. | ||
كما أنّه باعتبار التلازم بين المعنى الثاني والثالث كثيرا ما يدغمان ويعدّان معنى واحدا، ولا يلتفت إلى التفريق بينهما، فنجد أحيانا تقسيم معاني حجّيّة القطع إلى القسمين التاليين: كاشفيته عن الواقع (وهو المعنى المنطقي)، ولزوم متابعته (وهو المعنى الذي وقع موضع بحث الاُصوليين). والأخير هو المهمّ من وجهة نظر اُصول الفقه، بل قد لا يلاحظ المعنى الآخر، وتفسّر الحجّيّة به حصرا ويترك المعنى الآخر. وقد عبّر عن ذلك [[الخوئي، أبو القاسم|السيّد الخوئي]] بالخلط بين الأمرين، ونسبه إلى [[الشيخ الأنصاري]]<ref>. مصباح الاُصول 2: 15.</ref>. ولأجل ذلك يُعدّ الظنّ في بعض الموارد حجّة، ويراد منه لزوم متابعته بجعل من الشارع وإن لم يكن كاشفا وطريقا عن الواقع حقيقة؛ لكونه منجزا ومعذرا <ref>. منتهى الاُصول 2: 19.</ref>. | كما أنّه باعتبار التلازم بين المعنى الثاني والثالث كثيرا ما يدغمان ويعدّان معنى واحدا، ولا يلتفت إلى التفريق بينهما، فنجد أحيانا تقسيم معاني حجّيّة القطع إلى القسمين التاليين: كاشفيته عن الواقع (وهو المعنى المنطقي)، ولزوم متابعته (وهو المعنى الذي وقع موضع بحث الاُصوليين). والأخير هو المهمّ من وجهة نظر اُصول الفقه، بل قد لا يلاحظ المعنى الآخر، وتفسّر الحجّيّة به حصرا ويترك المعنى الآخر. وقد عبّر عن ذلك [[الخوئي، أبو القاسم|السيّد الخوئي]] بالخلط بين الأمرين، ونسبه إلى [[الشيخ الأنصاري]]<ref>. مصباح الاُصول 2: 15.</ref>. ولأجل ذلك يُعدّ الظنّ في بعض الموارد حجّة، ويراد منه لزوم متابعته بجعل من الشارع وإن لم يكن كاشفا وطريقا عن الواقع حقيقة؛ لكونه منجزا ومعذرا <ref>. منتهى الاُصول 2: 19.</ref>. | ||
===رأي الأخبارية في حجّيّة القطع=== | ===رأي الأخبارية في حجّيّة القطع=== | ||
يبدو وجود إجماع على حجّيّة القطع إلاّ ما نسب إلى [[الأخباري|الأخبارية]] من عدم حجّيّة القطع الناشئ من مقدّمات عقلية<ref>. الهداية في الاُصول 3: 68 ـ 69، منتقى الاُصول 4: 109.</ref>. | يبدو وجود إجماع على حجّيّة القطع إلاّ ما نسب إلى [[الأخباري|الأخبارية]] من عدم حجّيّة القطع الناشئ من مقدّمات عقلية<ref>. الهداية في الاُصول 3: 68 ـ 69، منتقى الاُصول 4: 109.</ref>. | ||
سبب هذه النسبة هو تعابير وردت عن بعض الأخباريين تفيد حصر استخدام العقل في الموارد الضرورية وعدم حجّيّته إلاّ في تلك الموارد، لكن يبدو أنّ هذه النسبة غير صحيحة ورفضها من تناول هذه النسبة واعتبر الصحيح هو نفي هؤلاء العلماء لـ [[الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع]]، لكن كلمات [[الأخباري|الأخباريين]] في هذا المجال مضطربة وتحتمل أكثر من معنى ممّا أثّر في إيجاد الانطباع المذكور في أذهان غيرهم<ref>. كفاية الاُصول مع حواشي المشكيني 3: 113 ـ 114، أجود التقريرات 3: 72، فرائد الاُصول 1: 51.</ref>. | سبب هذه النسبة هو تعابير وردت عن بعض الأخباريين تفيد حصر استخدام العقل في الموارد الضرورية وعدم حجّيّته إلاّ في تلك الموارد، لكن يبدو أنّ هذه النسبة غير صحيحة ورفضها من تناول هذه النسبة واعتبر الصحيح هو نفي هؤلاء العلماء لـ [[الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع]]، لكن كلمات [[الأخباري|الأخباريين]] في هذا المجال مضطربة وتحتمل أكثر من معنى ممّا أثّر في إيجاد الانطباع المذكور في أذهان غيرهم<ref>. كفاية الاُصول مع حواشي المشكيني 3: 113 ـ 114، أجود التقريرات 3: 72، فرائد الاُصول 1: 51.</ref>. | ||
ومن المحتمل كون روايات مثل: «شر عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منّا»<ref>. الكافي 2: 402.</ref>. أو «من دان اللّه بغير سماع عن صادق ألزمه اللّه التيه يوم القيامة»<ref>. وسائل الشيعة 27: 75.</ref>. كانت هي [[السبب]] في إيجاد التصوّر المذكور عن الأخبارية بلحاظ قولهم بحجّيّة الكثير أو أكثر الروايات المنسوبة لأهل البيت دون التدقيق بها بنفس النحو والطريقة التي يعملها الاُصوليون. | ومن المحتمل كون روايات مثل: «شر عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منّا»<ref>. الكافي 2: 402.</ref>. أو «من دان اللّه بغير سماع عن صادق ألزمه اللّه التيه يوم القيامة»<ref>. وسائل الشيعة 27: 75.</ref>. كانت هي [[السبب]] في إيجاد التصوّر المذكور عن الأخبارية بلحاظ قولهم بحجّيّة الكثير أو أكثر الروايات المنسوبة لأهل البيت دون التدقيق بها بنفس النحو والطريقة التي يعملها الاُصوليون. | ||
سطر ٨٠: | سطر ١٢٦: | ||
===توجّهات في حجّيّة القطع=== | ===توجّهات في حجّيّة القطع=== | ||
يمكن القول بوجود إجماع على [[الحجية|حجّيّة القطع]]، لكن الاختلاف في فذلكته، وفي هذا المجال توجد عدّة توجّهات: | يمكن القول بوجود إجماع على [[الحجية|حجّيّة القطع]]، لكن الاختلاف في فذلكته، وفي هذا المجال توجد عدّة توجّهات: | ||
التوجّه الأوّل: كون حجّيّته ذاتية، وهذه النظرية تعني أنّ القطع طريق وكاشف عن الواقع ولزوم ووجوب متابعته والعمل وفقه، دون الحاجة إلى دليل؛ لكون هذا من لوازمه الذاتية، وبمثابة الزوجية للاثنين والأربعة؛ وباعتبار كون الحجّيّة ذاتية فلا ينبغي البحث عن دليل عليها <ref>. اُصول الفقه المظفر 3: 22 ـ 28.</ref>. ويُضاف إلى هذا بأنّه باعتبار أنّ الحجّيّة من اللوازم الذاتية، فالقطع المنظور هو مجمل القطع وبجميع أصنافه سواء كان موافقا للواقع أو خياليا وغير موافق للواقع، أي الجهل المركّب، وسواء حصل لدى المجتهد أم لدى المقلّد<ref>. دراسات في علم الاُصول 3: 15 ـ 16.</ref>. | |||
التوجّه الأوّل: كون حجّيّته ذاتية، وهذه النظرية تعني أنّ القطع طريق وكاشف عن الواقع ولزوم ووجوب متابعته والعمل وفقه، دون الحاجة إلى دليل؛ لكون هذا من لوازمه الذاتية، وبمثابة الزوجية للاثنين والأربعة؛ وباعتبار كون الحجّيّة ذاتية فلا ينبغي البحث عن دليل عليها <ref>. اُصول الفقه المظفر 3: 22 ـ 28.</ref>. | |||
ويُضاف إلى هذا بأنّه باعتبار أنّ الحجّيّة من اللوازم الذاتية، فالقطع المنظور هو مجمل القطع وبجميع أصنافه سواء كان موافقا للواقع أو خياليا وغير موافق للواقع، أي الجهل المركّب، وسواء حصل لدى المجتهد أم لدى المقلّد<ref>. دراسات في علم الاُصول 3: 15 ـ 16.</ref>. | |||
وقد يفسّر هذا [[الوجوب]] واللزوم بالشرعي، أي أنّ هذه الملازمة ممّا أمر الشرع بقبولها <ref>. لمحات الاُصول: 421.</ref>. لكن يقال: بأنّ هذه المسألة لا علاقة لها بالشرع والقضية تخضع لأحكام العقل، بل يذهب البعض إلى أنّ طرح كون [[الحجية]] بجعل شرعي أو تكويني كلام لا معنى له؛ لأنّ الحجّيّة ذاتية، والذاتي لا يعلل، وهو مساوق لجعل القطع للقطع، وهو لا معنى له<ref>. اُصول الفقه المظفر 3: 25 ـ 26.</ref>. | وقد يفسّر هذا [[الوجوب]] واللزوم بالشرعي، أي أنّ هذه الملازمة ممّا أمر الشرع بقبولها <ref>. لمحات الاُصول: 421.</ref>. لكن يقال: بأنّ هذه المسألة لا علاقة لها بالشرع والقضية تخضع لأحكام العقل، بل يذهب البعض إلى أنّ طرح كون [[الحجية]] بجعل شرعي أو تكويني كلام لا معنى له؛ لأنّ الحجّيّة ذاتية، والذاتي لا يعلل، وهو مساوق لجعل القطع للقطع، وهو لا معنى له<ref>. اُصول الفقه المظفر 3: 25 ـ 26.</ref>. | ||
ويُرجع البعض حجّيّة القطع ولزوم العمل به إلى الوجدان ويراه ممّا يشهد الوجدان عليه ولا حاجة للاستدلال عليه غير الوجدان. فهو أمر لم يكن بجعل جاعل بل حاصل بدون جعل أصلاً <ref>. بداية الوصول في شرح كفاية الاُصول 5: 14، المحكم في اُصول الفقه 3: 17 ـ 19.</ref>. | ويُرجع البعض حجّيّة القطع ولزوم العمل به إلى الوجدان ويراه ممّا يشهد الوجدان عليه ولا حاجة للاستدلال عليه غير الوجدان. فهو أمر لم يكن بجعل جاعل بل حاصل بدون جعل أصلاً <ref>. بداية الوصول في شرح كفاية الاُصول 5: 14، المحكم في اُصول الفقه 3: 17 ـ 19.</ref>. | ||
ويعبر بعض آخر عن هذا المضمون بالضرورة بدلاً عن الوجدان، ويرى أنّ كاشفية القطع وانكشاف الواقع به من الاُمور الضرورية، ويعدّ من الآثار واللوازم التي لا تنالها يد الجعل تكوينا لا نفيا ولا إثباتا، كما يضيف إليها تبريرات فلسفية. | ويعبر بعض آخر عن هذا المضمون بالضرورة بدلاً عن الوجدان، ويرى أنّ كاشفية القطع وانكشاف الواقع به من الاُمور الضرورية، ويعدّ من الآثار واللوازم التي لا تنالها يد الجعل تكوينا لا نفيا ولا إثباتا، كما يضيف إليها تبريرات فلسفية. | ||
وهناك من ينكر إثبات الطريقية له، ويرى أنّ الحجّيّة ليست من اللوازم، بل القطع هو نفسه الانكشاف والرؤية لا أنّه مرآة، وهو بنفسه طريق بحسب ماهيته وذاته، وثبوت الشيء لنفسه ضروري. | وهناك من ينكر إثبات الطريقية له، ويرى أنّ الحجّيّة ليست من اللوازم، بل القطع هو نفسه الانكشاف والرؤية لا أنّه مرآة، وهو بنفسه طريق بحسب ماهيته وذاته، وثبوت الشيء لنفسه ضروري. | ||
كما يرفض رأي [[الشيخ الأنصاري]] لكونه خلط بين مقام طريقية القطع ومقام حجّيّته<ref>. دراسات في علم الاُصول 3: 13.</ref>. وهذا هو ظاهر كلمات الذين عبّروا عن المسألة بكون القطع علّة تامّة للتنجّز ولن تناله [[الجعل]]، مثل [[الآخوند الخراساني|المحقّق الخراساني]]<ref>. كفاية الاُصول: 272.</ref>. | كما يرفض رأي [[الشيخ الأنصاري]] لكونه خلط بين مقام طريقية القطع ومقام حجّيّته<ref>. دراسات في علم الاُصول 3: 13.</ref>. وهذا هو ظاهر كلمات الذين عبّروا عن المسألة بكون القطع علّة تامّة للتنجّز ولن تناله [[الجعل]]، مثل [[الآخوند الخراساني|المحقّق الخراساني]]<ref>. كفاية الاُصول: 272.</ref>. | ||
التوجّه الثاني: الدليل هو بناء العقلاء، أي أنّ الحجّيّة تعدّ من القضايا المشهورة التي يتبناها العقلاء حفظا للنظام وإبقاء للنوع، وتعود إلى [[الحسن والقبح|حسن العدل]] و [[الحسن والقبح|قبح الظلم]]، ولم يردع عنها [[الشارع]] فينبغي اتّباعه<ref>. مصباح الاُصول 2: 16.</ref>. | التوجّه الثاني: الدليل هو بناء العقلاء، أي أنّ الحجّيّة تعدّ من القضايا المشهورة التي يتبناها العقلاء حفظا للنظام وإبقاء للنوع، وتعود إلى [[الحسن والقبح|حسن العدل]] و [[الحسن والقبح|قبح الظلم]]، ولم يردع عنها [[الشارع]] فينبغي اتّباعه<ref>. مصباح الاُصول 2: 16.</ref>. | ||
وقد ردّ هذا التوجّه بأنّه خارج عمّا نحن فيه؛ لأنّ الهدف من القضايا التي تواضعوا عليها هو حفظ النظام وإبقاء النوع، وحجّيّة القطع ليست من قبيل قبح الظلم حفظا لنظام البشرية، وذلك لسببين: | وقد ردّ هذا التوجّه بأنّه خارج عمّا نحن فيه؛ لأنّ الهدف من القضايا التي تواضعوا عليها هو حفظ النظام وإبقاء النوع، وحجّيّة القطع ليست من قبيل قبح الظلم حفظا لنظام البشرية، وذلك لسببين: | ||
الأوّل : حجّيّة القطع ثابتة قبل وجود عقلاء في العالم . | الأوّل : حجّيّة القطع ثابتة قبل وجود عقلاء في العالم . | ||
الثاني: حكم العقلاء يرجع إلى قضية حفظ النظام وليس اتّباعا للأوامر الشرعية الدخيلة في حفظ النظام، فالإتيان بالصلاة لا دخل له في حفظ النظام وإبقاء نوع البشر ولا يؤدّي تركه إلى اختلال النظام<ref>. دراسات في علم الاُصول 3: 14 ـ 15.</ref>. ولأجل هذا لا شأن للعقلاء في هذا المجال ولا يمكنهم [[الحکم]] والبتّ بهذا الموضوع. | الثاني: حكم العقلاء يرجع إلى قضية حفظ النظام وليس اتّباعا للأوامر الشرعية الدخيلة في حفظ النظام، فالإتيان بالصلاة لا دخل له في حفظ النظام وإبقاء نوع البشر ولا يؤدّي تركه إلى اختلال النظام<ref>. دراسات في علم الاُصول 3: 14 ـ 15.</ref>. ولأجل هذا لا شأن للعقلاء في هذا المجال ولا يمكنهم [[الحکم]] والبتّ بهذا الموضوع. | ||
التوجّه الثالث: الدليل هو حكم العقل، فالعقل هو الذي قضى بأن يتّبع القطع. وهو صريح كلمات وردت عن [[الآخوند الخراساني|المحقق الخراساني]]، حيث قال: «لا شبهة في وجوب العمل على وفق القطع عقلاً»<ref>. كفاية الاُصول: 258.</ref>. | التوجّه الثالث: الدليل هو حكم العقل، فالعقل هو الذي قضى بأن يتّبع القطع. وهو صريح كلمات وردت عن [[الآخوند الخراساني|المحقق الخراساني]]، حيث قال: «لا شبهة في وجوب العمل على وفق القطع عقلاً»<ref>. كفاية الاُصول: 258.</ref>. | ||
ومن المحتمل أنّ الاضطراب في كلمات المحقّق الخراساني، حيث تبدو من بعض كلماته قوله بأنّ الحجّيّة من اللوازم الذاتية، ومن بعض اُخرى أنّها بحكم العقل، ناشئ عن رؤيته في التلازم بين القول بكون القطع علّة تامّة للتنجز وبين كون دليل التنجز والحجّيّة هو العقل، أو أنّه لم يفرّق بين التوجّهين. | ومن المحتمل أنّ الاضطراب في كلمات المحقّق الخراساني، حيث تبدو من بعض كلماته قوله بأنّ الحجّيّة من اللوازم الذاتية، ومن بعض اُخرى أنّها بحكم العقل، ناشئ عن رؤيته في التلازم بين القول بكون القطع علّة تامّة للتنجز وبين كون دليل التنجز والحجّيّة هو العقل، أو أنّه لم يفرّق بين التوجّهين. | ||
وقد عبّر البعض عن هذا الدليل بقوله: إنّ العمل بالقطع عدل ومخالفته ظلم، وهذا يعني أنّها من صغريات ومصاديق [[الحسن والقبح|حسن العدل]] و [[الحسن والقبح|قبح الظلم]]<ref>. بحوث في علم الاُصول الشاهرودي 4: 28. | |||
</ref>، كما استدلّ على هذا التوجّه بأدلة اُخرى أيضا <ref>. اُنظر: بحوث في علم الاُصول الشاهرودي 4: 31 ـ 36.</ref>. | وقد عبّر البعض عن هذا الدليل بقوله: إنّ العمل بالقطع عدل ومخالفته ظلم، وهذا يعني أنّها من صغريات ومصاديق [[الحسن والقبح|حسن العدل]] و [[الحسن والقبح|قبح الظلم]]<ref>. بحوث في علم الاُصول الشاهرودي 4: 28.</ref>، كما استدلّ على هذا التوجّه بأدلة اُخرى أيضا <ref>. اُنظر: بحوث في علم الاُصول الشاهرودي 4: 31 ـ 36.</ref>. | ||
وردّ هذا التوجّه بأنّ شأن العقل هو الإدراك فحسب لا الإلزام والبعث، فالأمر والنهي ليسا من شأن العقل ولا من وظائفه، بل هي من وظائف المولى. لكن يمكن قبول هذا التوجّه لا بالمعنى المذكور، بل بمعنى إدراك العقل حسن اتّباع القطع وقبح مخالفته<ref>. دراسات في علم الاُصول 3: 14 ـ 15، واُنظر: المحكم في اُصول الفقه 3: 19.</ref>. | وردّ هذا التوجّه بأنّ شأن العقل هو الإدراك فحسب لا الإلزام والبعث، فالأمر والنهي ليسا من شأن العقل ولا من وظائفه، بل هي من وظائف المولى. لكن يمكن قبول هذا التوجّه لا بالمعنى المذكور، بل بمعنى إدراك العقل حسن اتّباع القطع وقبح مخالفته<ref>. دراسات في علم الاُصول 3: 14 ـ 15، واُنظر: المحكم في اُصول الفقه 3: 19.</ref>. | ||
وهناك أدلّة اُخرى وردت ضمن هذا التوجّه وردّت كذلك<ref>. دراسات في علم الاُصول 3: 14 ـ 15.</ref>. | وهناك أدلّة اُخرى وردت ضمن هذا التوجّه وردّت كذلك<ref>. دراسات في علم الاُصول 3: 14 ـ 15.</ref>. | ||
===حجّيّة العلم الإجمالي=== | ===حجّيّة العلم الإجمالي=== | ||
برغم أنّ العلم علم وقطع سواء كان تفصيليا أم إجماليا إلاّ أنّ هناك من شكّك في حجّيّة العلم الإجمالي، ومنشأ الشكّ كون المنكشف بالعلم الإجمالي ليس تامّا، ممّا يجعله عرضة لإمكان مخالفته بجعل من الشارع، عكس ما عليه التفصيلي، حيث الانكشاف تامّا، فلا يمكن أن تناله يد الجعل<ref>. كفاية الاُصول: 272.</ref>. | برغم أنّ العلم علم وقطع سواء كان تفصيليا أم إجماليا إلاّ أنّ هناك من شكّك في حجّيّة العلم الإجمالي، ومنشأ الشكّ كون المنكشف بالعلم الإجمالي ليس تامّا، ممّا يجعله عرضة لإمكان مخالفته بجعل من الشارع، عكس ما عليه التفصيلي، حيث الانكشاف تامّا، فلا يمكن أن تناله يد الجعل<ref>. كفاية الاُصول: 272.</ref>. | ||
وفي هذا المجال عدّة آراء: | وفي هذا المجال عدّة آراء: | ||
الرأي الأوّل: ما ذهب إليه الأكثر من أنّ شأن العلم الإجمالي هو نفس شأن العلم التفصيلي من حيث الحجّيّة، وأنّ الحجّيّة لازم ذاتي للعلم سواء كان تفصيليا أم إجماليا، والعلم علّة تامّة للتنجز بكلا صنفيه<ref>. درر الفوائد في الحاشية على الفرائد 1: 236، تنقيح الاُصول: 27، نهاية الأفكار 3: 311، منتهى الاُصول 2: 53، مباحث الاُصول الحائري 3: 381.</ref>. | الرأي الأوّل: ما ذهب إليه الأكثر من أنّ شأن العلم الإجمالي هو نفس شأن العلم التفصيلي من حيث الحجّيّة، وأنّ الحجّيّة لازم ذاتي للعلم سواء كان تفصيليا أم إجماليا، والعلم علّة تامّة للتنجز بكلا صنفيه<ref>. درر الفوائد في الحاشية على الفرائد 1: 236، تنقيح الاُصول: 27، نهاية الأفكار 3: 311، منتهى الاُصول 2: 53، مباحث الاُصول الحائري 3: 381.</ref>. | ||
الرأي الثاني: إنّه مقتضٍ، وينجز فيما إذا لم يكن هناك مانع عقلي أو شرعي<ref>. كفاية الاُصول: 272.</ref>. | الرأي الثاني: إنّه مقتضٍ، وينجز فيما إذا لم يكن هناك مانع عقلي أو شرعي<ref>. كفاية الاُصول: 272.</ref>. | ||
الرأي الثالث: العلم الإجمالي علّة تامّة بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية ومقتضٍ بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية<ref>. وسيلة الوصول إلى حقائق الاُصول: 631.</ref>. لكن رفض بعض هذا التفصيل والتفريق بين الحالتين. وهذا يعني أنّ للشارع الحقّ في أن يأذن بمخالفة القطع في بعض الموارد والحالات فقط دون جميعها <ref>. وقاية الأذهان : 449 ، بداية الوصول في شرح كفاية الاُصول 5 : 121 ـ 122.</ref>. | الرأي الثالث: العلم الإجمالي علّة تامّة بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية ومقتضٍ بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية<ref>. وسيلة الوصول إلى حقائق الاُصول: 631.</ref>. لكن رفض بعض هذا التفصيل والتفريق بين الحالتين. وهذا يعني أنّ للشارع الحقّ في أن يأذن بمخالفة القطع في بعض الموارد والحالات فقط دون جميعها <ref>. وقاية الأذهان : 449 ، بداية الوصول في شرح كفاية الاُصول 5 : 121 ـ 122.</ref>. | ||
===منجزية العلم الإجمالي ووجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية=== | ===منجزية العلم الإجمالي ووجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية=== | ||
هناك مسألة وقعت موضع نقاش متأخّري اُصوليي [[الشيعة]] ومعاصريهم، وهي: بعدما ثبت التكليف بالعلم التفصيلي أو الإجمالي المعتبر، فهل يكتفى في امتثاله بالموافقة الإجمالية ولو مع تيسر العلم التفصيلي أو لا؟ يكتفى به إلاّ مع تعذر العلم التفصيلي، فلا يجوز إكرام شخصين أحدهما زيد مع التمكّن من معرفة زيد بالتفصيل، ولا فعل الصلاتين في ثوبين مشتبهين مع إمكان الصلاة في ثوب طاهر. | هناك مسألة وقعت موضع نقاش متأخّري اُصوليي [[الشيعة]] ومعاصريهم، وهي: بعدما ثبت التكليف بالعلم التفصيلي أو الإجمالي المعتبر، فهل يكتفى في امتثاله بالموافقة الإجمالية ولو مع تيسر العلم التفصيلي أو لا؟ يكتفى به إلاّ مع تعذر العلم التفصيلي، فلا يجوز إكرام شخصين أحدهما زيد مع التمكّن من معرفة زيد بالتفصيل، ولا فعل الصلاتين في ثوبين مشتبهين مع إمكان الصلاة في ثوب طاهر. | ||
وبتعبير آخر: هل تجب الموافقة القطعية وتحرم المخالفة القطعية في مورد العلم الإجمالي، كما هو الحال بالنسبة إلى العلم التفصيلي، أو يمكن الاقتحام فيهما؟ | وبتعبير آخر: هل تجب الموافقة القطعية وتحرم المخالفة القطعية في مورد العلم الإجمالي، كما هو الحال بالنسبة إلى العلم التفصيلي، أو يمكن الاقتحام فيهما؟ | ||
ويمكن التمثيل له بوجوب [[صلاة الجمعة]] أو صلاة الظهر في ظهيرة الجمعة، فهل [[العلم الإجمالي]] الموجود هنا ينجّز وجوب الموافقة القطعية من خلال الإتيان بكلا الصلاتين؟ وهل يحرّم هذا العلم المخالفة القطعية، بحيث يحرّم تركهما معا؟ | ويمكن التمثيل له بوجوب [[صلاة الجمعة]] أو صلاة الظهر في ظهيرة الجمعة، فهل [[العلم الإجمالي]] الموجود هنا ينجّز وجوب الموافقة القطعية من خلال الإتيان بكلا الصلاتين؟ وهل يحرّم هذا العلم المخالفة القطعية، بحيث يحرّم تركهما معا؟ | ||
يبدو وجود اتّفاق على حرمة المخالفة القطعية، لكن النقاش في أنّ قضية استلزام العلم لحرمة المخالفة القطعية هي من باب كون العلم الإجمالي علّة لحرمة المخالفة القطعية أم مقتضي لها؟ فإذا كان من باب كونه علّة استلزم هذا عدم إمكان جعل ترخيص لارتكاب المحرم من الناحية العقلية دون فرق بين العلم التفصيلي والإجمالي. | يبدو وجود اتّفاق على حرمة المخالفة القطعية، لكن النقاش في أنّ قضية استلزام العلم لحرمة المخالفة القطعية هي من باب كون العلم الإجمالي علّة لحرمة المخالفة القطعية أم مقتضي لها؟ فإذا كان من باب كونه علّة استلزم هذا عدم إمكان جعل ترخيص لارتكاب المحرم من الناحية العقلية دون فرق بين العلم التفصيلي والإجمالي. | ||
أمّا بناء على كون العلم الإجمالي مقتضي فإنّ بالإمكان الترخيص لكون المقتضي يؤثّر في حالة عدم وجود المانع، أي أنّه موقوف على عدم وجود المانع، فإذا وجد المانع، فيجوز الترخيص ولا موجب لـ [[الحرمة]]. | أمّا بناء على كون العلم الإجمالي مقتضي فإنّ بالإمكان الترخيص لكون المقتضي يؤثّر في حالة عدم وجود المانع، أي أنّه موقوف على عدم وجود المانع، فإذا وجد المانع، فيجوز الترخيص ولا موجب لـ [[الحرمة]]. | ||
وكذلك الكلام في مسألة وجوب الموافقة القطعية، فإنّها موقوفة على ثبوت كون العلم الإجمالي علّة أم مقتضي. وعلى هذا الأساس انقسم الاُصوليون إلى عدّة آراء، ودار بينهم نقاش لإثبات علّية أو اقتضائية العلم الإجمالي للموافقة والمخالفة القطعيتين، فهناك من ساوى بينهما من هذه الناحية وهناك من فكّك بينهما <ref>. اُنظر: نهاية الأفكار 3: 46 ـ 49 و 307 ـ 312، منتهى الدراية 6: 27، حقائق الاُصول 2 : 47 ـ 56 ، بحوث في علم الاُصول الشاهرودي 4 : 161 ـ 173، تسديد الاُصول 2: 188 ـ 202، منتقى الاُصول 5 : 70 ـ 81.</ref>. | وكذلك الكلام في مسألة وجوب الموافقة القطعية، فإنّها موقوفة على ثبوت كون العلم الإجمالي علّة أم مقتضي. وعلى هذا الأساس انقسم الاُصوليون إلى عدّة آراء، ودار بينهم نقاش لإثبات علّية أو اقتضائية العلم الإجمالي للموافقة والمخالفة القطعيتين، فهناك من ساوى بينهما من هذه الناحية وهناك من فكّك بينهما <ref>. اُنظر: نهاية الأفكار 3: 46 ـ 49 و 307 ـ 312، منتهى الدراية 6: 27، حقائق الاُصول 2 : 47 ـ 56 ، بحوث في علم الاُصول الشاهرودي 4 : 161 ـ 173، تسديد الاُصول 2: 188 ـ 202، منتقى الاُصول 5 : 70 ـ 81.</ref>. | ||
سطر ١١٤: | سطر ١٨٤: | ||
==3 ـ أخذ العلم في موضوع الحكم== | ==3 ـ أخذ العلم في موضوع الحكم== | ||
محلّ النزاع في هذه المسألة هو إمكان أو عدم إمكان أخذ العلم بالحكم في موضوع [[الحکم]]، بألاّ يكون الحكم منجزا ولا فعليا إلاّ بعد العلم به. وهي من ضمن المسائل الافتراضية التي قد لا تجد لها تطبيقات عملية في الفقه، ودرج دراستها في القرنين الأخيرين، حيث اُدرجت الكثير من الأفكار الفلسفية الدقيقة في [[أصول الفقه]]. | محلّ النزاع في هذه المسألة هو إمكان أو عدم إمكان أخذ العلم بالحكم في موضوع [[الحکم]]، بألاّ يكون الحكم منجزا ولا فعليا إلاّ بعد العلم به. وهي من ضمن المسائل الافتراضية التي قد لا تجد لها تطبيقات عملية في الفقه، ودرج دراستها في القرنين الأخيرين، حيث اُدرجت الكثير من الأفكار الفلسفية الدقيقة في [[أصول الفقه]]. | ||
مثّل لهذه المسألة بالمثال التالي: إذا قيل: إن قطعت بجواز الشهادة يجوز لك الشهادة، فإنّ القطع بجواز الشهادة، وهو الحكم، أخذ في موضوع هذا الحكم، وهو جواز الشهادة<ref>. مجمع الأفكار ومطرح الأنطار 3: 67.</ref>. | مثّل لهذه المسألة بالمثال التالي: إذا قيل: إن قطعت بجواز الشهادة يجوز لك الشهادة، فإنّ القطع بجواز الشهادة، وهو الحكم، أخذ في موضوع هذا الحكم، وهو جواز الشهادة<ref>. مجمع الأفكار ومطرح الأنطار 3: 67.</ref>. | ||
سطر ١٢٠: | سطر ١٩١: | ||
الحالة الاُولى: أخذ العلم بالحكم بموضوع نفس الحكم. | الحالة الاُولى: أخذ العلم بالحكم بموضوع نفس الحكم. | ||
الحالة الثانية: أخذ العلم بالحكم في موضوع حكم آخر، مع فرض كون الآخر إمّا مثله أو ضدّه<ref>. كفاية الاُصول: 267.</ref>. | الحالة الثانية: أخذ العلم بالحكم في موضوع حكم آخر، مع فرض كون الآخر إمّا مثله أو ضدّه<ref>. كفاية الاُصول: 267.</ref>. | ||
في مجال حكم أخذ العلم في موضوع نفس الحكم الشرعي ادّعي اتّفاق آراء الاُصوليين على كون هذا محالاً، إمّا من باب لزوم الدور أو توقّف الشيء على نفسه؛ لأنّ الجواز متوقّف على القطع به، والقطع به متوقّف على الجواز، وهو دور. وإمّا استحالته من أبواب اُخرى<ref>. مجمع الأفكار ومطرح الأنطار 3: 67 ـ 72.</ref>. | في مجال حكم أخذ العلم في موضوع نفس الحكم الشرعي ادّعي اتّفاق آراء الاُصوليين على كون هذا محالاً، إمّا من باب لزوم الدور أو توقّف الشيء على نفسه؛ لأنّ الجواز متوقّف على القطع به، والقطع به متوقّف على الجواز، وهو دور. وإمّا استحالته من أبواب اُخرى<ref>. مجمع الأفكار ومطرح الأنطار 3: 67 ـ 72.</ref>. | ||
والحالة الثانية مستحيلة أيضا؛ لأنّها تستلزم [[اجتماع الحکمين التکلیفيين| اجتماع المثلين أو الضدّين]]؛ لكون الحكم الآخر إمّا أن يكون مخالفا للحكم المعلوم به فيكون مضادّا له وإمّا أن يكون موافقا له، فيكون مثله، وكلاهما مستحيلان. | والحالة الثانية مستحيلة أيضا؛ لأنّها تستلزم [[اجتماع الحکمين التکلیفيين| اجتماع المثلين أو الضدّين]]؛ لكون الحكم الآخر إمّا أن يكون مخالفا للحكم المعلوم به فيكون مضادّا له وإمّا أن يكون موافقا له، فيكون مثله، وكلاهما مستحيلان. | ||
ويذهب المحقّق الخراساني إلى إمكان ذلك فيما إذا أخذ العلم بمرتبة من الحكم شرطا للحكم في مرتبة اُخرى، وعندئذٍ ينتفي محذور الاستحالة باجتماع الضدين أو المثلين ولا يستلزم الدور<ref>. كفاية الاُصول: 267. | |||
</ref> . علما أنّ المحقّق الخراساني يقسّم مراحل الحكم إلى أربع مراحل، هي: مرحلة الاقتضاء أو الشأنية، ومرحلة الإنشاء، ومرحلة الفعلية، ومرحلة التنجّز<ref>. كفاية الاُصول: 258.</ref>. | ويذهب المحقّق الخراساني إلى إمكان ذلك فيما إذا أخذ العلم بمرتبة من الحكم شرطا للحكم في مرتبة اُخرى، وعندئذٍ ينتفي محذور الاستحالة باجتماع الضدين أو المثلين ولا يستلزم الدور<ref>. كفاية الاُصول: 267.</ref> . علما أنّ المحقّق الخراساني يقسّم مراحل الحكم إلى أربع مراحل، هي: مرحلة الاقتضاء أو الشأنية، ومرحلة الإنشاء، ومرحلة الفعلية، ومرحلة التنجّز<ref>. كفاية الاُصول: 258.</ref>. | ||
إلاّ أنّ الذين لا يرون للحكم إلاّ مرتبتين هي مرتبة الجعل ومرتبة المجعول، فيستحيل هذا؛ لاعتبارات عقلية<ref>. دراسات في علم الاُصول 3: 64 ـ 65.</ref>. | إلاّ أنّ الذين لا يرون للحكم إلاّ مرتبتين هي مرتبة الجعل ومرتبة المجعول، فيستحيل هذا؛ لاعتبارات عقلية<ref>. دراسات في علم الاُصول 3: 64 ـ 65.</ref>. | ||
كما رفض الدور المذكور بنحو آخر، إذ قيل بأنّه غير متحقّق أصلاً؛ باعتبار أنّ التوقّف المصوّر هنا لا يكون من الطرفين، حيث إنّ القطع بالحكم لا يتوقّف على [[الجواز]]، وهو المقطوع، بل التوقّف من ناحية المقطوع، فإنّه يتوقّف إثباته على القطع، وأمّا القطع فإثباته لا يتوقّف عليه، فإنّه يحصل ولو لم يكن له خارج أصلاً، كالجهل المركّب فإنّه يكون القطع عنده، ولكن لا واقع للمقطوع<ref>. مجمع الأفكار ومطرح الأنطار 3: 67 ـ 72.</ref>. | كما رفض الدور المذكور بنحو آخر، إذ قيل بأنّه غير متحقّق أصلاً؛ باعتبار أنّ التوقّف المصوّر هنا لا يكون من الطرفين، حيث إنّ القطع بالحكم لا يتوقّف على [[الجواز]]، وهو المقطوع، بل التوقّف من ناحية المقطوع، فإنّه يتوقّف إثباته على القطع، وأمّا القطع فإثباته لا يتوقّف عليه، فإنّه يحصل ولو لم يكن له خارج أصلاً، كالجهل المركّب فإنّه يكون القطع عنده، ولكن لا واقع للمقطوع<ref>. مجمع الأفكار ومطرح الأنطار 3: 67 ـ 72.</ref>. | ||
وقد يقال: بإمكان أخذ العلم بالموضوع في الحكم دون استلزام أي محذور، كما في المثال الافتراضي التالي: «إذا قطعت بوجوب الصلاة عليك الصلاة». فقد يقال: بعدم استلزام هذا [[مسألة الضد|اجتماع الضدّين]]، إذ الوجوب قد تعلّق بالصلاة بما هي، وتعلّقت [[الحرمة]] بالصلاة بما هي مقطوعة الوجوب، فيكون الموضوع للحكمين متعددا بحسب [[الجعل]]، لكن لا يمكن الجمع بينهما في مقام [[الامتثال]]، من حيث إنّ الانبعاث نحو عمل والانزجار عنه في آن واحد محال، ومع هذه الاستحالة لا يصحّ تعلّق وصدور [[الجعل]] بهما من المولى<ref>. مصباح الاُصول 2: 44 ـ 45.</ref>. | وقد يقال: بإمكان أخذ العلم بالموضوع في الحكم دون استلزام أي محذور، كما في المثال الافتراضي التالي: «إذا قطعت بوجوب الصلاة عليك الصلاة». فقد يقال: بعدم استلزام هذا [[مسألة الضد|اجتماع الضدّين]]، إذ الوجوب قد تعلّق بالصلاة بما هي، وتعلّقت [[الحرمة]] بالصلاة بما هي مقطوعة الوجوب، فيكون الموضوع للحكمين متعددا بحسب [[الجعل]]، لكن لا يمكن الجمع بينهما في مقام [[الامتثال]]، من حيث إنّ الانبعاث نحو عمل والانزجار عنه في آن واحد محال، ومع هذه الاستحالة لا يصحّ تعلّق وصدور [[الجعل]] بهما من المولى<ref>. مصباح الاُصول 2: 44 ـ 45.</ref>. | ||
وقد ذكرت تبريرات اُخرى لاستحالة جعل العلم موضوعا للحكم<ref>. القطع الحيدري: 370 ـ 374.</ref>. | وقد ذكرت تبريرات اُخرى لاستحالة جعل العلم موضوعا للحكم<ref>. القطع الحيدري: 370 ـ 374.</ref>. | ||
ويذهب [[محمد باقر الصدر|الشهيد الصدر]] إلى أنَّ الحالات التي يعقل فيها أخذ القطع في موضوع حكم شرعي هي خمس: | ويذهب [[محمد باقر الصدر|الشهيد الصدر]] إلى أنَّ الحالات التي يعقل فيها أخذ القطع في موضوع حكم شرعي هي خمس: | ||
1 ـ أخذه بما هو تمام الموضوع. | 1 ـ أخذه بما هو تمام الموضوع. | ||
2 ـ أخذه بما هو صفة جزء الموضوع. | 2 ـ أخذه بما هو صفة جزء الموضوع. | ||
3 ـ أخذه بما هو انكشاف بالذات تمام الموضوع. | 3 ـ أخذه بما هو انكشاف بالذات تمام الموضوع. | ||
4 ـ أخذه بما هو انكشاف بالذات جزء الموضوع. | 4 ـ أخذه بما هو انكشاف بالذات جزء الموضوع. | ||
5 ـ أخذه بما هو انكشاف للواقع بالعرض والمجاز ويساوق كونه جزء الموضوع<ref>. بحوث في علم الاُصول الشاهرودي 4: 72 ـ 73.</ref>. | 5 ـ أخذه بما هو انكشاف للواقع بالعرض والمجاز ويساوق كونه جزء الموضوع<ref>. بحوث في علم الاُصول الشاهرودي 4: 72 ـ 73.</ref>. | ||
ولم يورد هنا مصاديق لهذه الحالات المعقولة، وهو دارج لدى الاُصوليين الذين كتبوا على طريقة المتكلّمين، حيث يتناولون مسائل دون النظر إلى واقع الفقه ومصادره في تقنين القواعد والتقعيد الاُصولي. | ولم يورد هنا مصاديق لهذه الحالات المعقولة، وهو دارج لدى الاُصوليين الذين كتبوا على طريقة المتكلّمين، حيث يتناولون مسائل دون النظر إلى واقع الفقه ومصادره في تقنين القواعد والتقعيد الاُصولي. | ||
===قيام الأمارات مقام القطع=== | ===قيام الأمارات مقام القطع=== | ||
لقيام [[الأمارة|الأمارات]]، مثل: خبر الواحد أو بعض الاُصول العملية مقام القطع حالتان: | لقيام [[الأمارة|الأمارات]]، مثل: خبر الواحد أو بعض الاُصول العملية مقام القطع حالتان: | ||
الحالة الاُولى: قيام الأمارات مقام [[القطع الطريقي]]، وقد تناول الاُصوليون هذه الحالة، ويبدو منهم الاتّفاق على قيامها مقام القطع الطريقي. وورد عن البعض قوله بعدم وجود إشكال ونقاش في هذه الحالة؛ لأنّها القدر المتيقّن من [[التعبد|أدلّة التعبّد بالأمارات]]<ref>. المحكم في اُصول الفقه 3: 80.</ref>. | الحالة الاُولى: قيام الأمارات مقام [[القطع الطريقي]]، وقد تناول الاُصوليون هذه الحالة، ويبدو منهم الاتّفاق على قيامها مقام القطع الطريقي. وورد عن البعض قوله بعدم وجود إشكال ونقاش في هذه الحالة؛ لأنّها القدر المتيقّن من [[التعبد|أدلّة التعبّد بالأمارات]]<ref>. المحكم في اُصول الفقه 3: 80.</ref>. | ||
ولأجل تسالم الاُصوليون على هذا الموضوع تعرّضوا له بشكل استطرادي، ولم يناقشوه بعمق. رغم هذا نجد بعضهم استدلّوا عليه بعبارات وأنحاء مختلفة، مثل قولهم: بأنّ [[الأمارة|الأمارات]] حجّة كالقطع، وإذا كان هناك نقاش لا في قيامها مقام القطع، بل في أصل حجّيّتها، فدليل حجّيّتها هو بنفسه دليل على قيامها مقام القطع، أي أنّ دليل اعتبارها هو نفسه منحها صلاحية القيام مقام القطع، فإنّ حجّيّتها تعني وجوب الاتّباع والجري العملي وفقها <ref>. كفاية الاُصول: 263، فوائد الاُصول 3: 15، نهاية الأفكار 3: 18، تحريرات في الاُصول 6: 131.</ref>. | ولأجل تسالم الاُصوليون على هذا الموضوع تعرّضوا له بشكل استطرادي، ولم يناقشوه بعمق. رغم هذا نجد بعضهم استدلّوا عليه بعبارات وأنحاء مختلفة، مثل قولهم: بأنّ [[الأمارة|الأمارات]] حجّة كالقطع، وإذا كان هناك نقاش لا في قيامها مقام القطع، بل في أصل حجّيّتها، فدليل حجّيّتها هو بنفسه دليل على قيامها مقام القطع، أي أنّ دليل اعتبارها هو نفسه منحها صلاحية القيام مقام القطع، فإنّ حجّيّتها تعني وجوب الاتّباع والجري العملي وفقها <ref>. كفاية الاُصول: 263، فوائد الاُصول 3: 15، نهاية الأفكار 3: 18، تحريرات في الاُصول 6: 131.</ref>. | ||
واستدلّ آخر بقوله: إنّه لو لم نقبل هذا لانسدّ باب الاجتهاد و [[الاستنباط]]<ref>. الهداية في الاُصول 3: 46.</ref>. | واستدلّ آخر بقوله: إنّه لو لم نقبل هذا لانسدّ باب الاجتهاد و [[الاستنباط]]<ref>. الهداية في الاُصول 3: 46.</ref>. | ||
الحالة الثانية: قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي. وفي هذه الحالة عدّة أقوال: | الحالة الثانية: قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي. وفي هذه الحالة عدّة أقوال: | ||
الأوّل: قيامها مقامه مطلقا حتّى فيما أخذ موضوعا على وجه الصفتية. | الأوّل: قيامها مقامه مطلقا حتّى فيما أخذ موضوعا على وجه الصفتية. | ||
الثاني: عدم قيامها مطلقا ولو كان أخذه فيه بنحو الطريقية. | الثاني: عدم قيامها مطلقا ولو كان أخذه فيه بنحو الطريقية. | ||
الثالث: التفصيل بين ما أخذ في الموضوع على نحو الطريقية والكاشفية فتقوم وبين ما أخذ على وجه الصفتية فلا تقوم<ref>. المصدر السابق.</ref>. | الثالث: التفصيل بين ما أخذ في الموضوع على نحو الطريقية والكاشفية فتقوم وبين ما أخذ على وجه الصفتية فلا تقوم<ref>. المصدر السابق.</ref>. | ||
يذهب البعض إلى أنّ دليل [[الأمارة|حجّيّة الأمارة]] كافٍ في قيام الأمارة مقام القطع الطريقي والموضوعي، منهم الشيخ النائيني<ref>. فوائد الاُصول 3: 21.</ref>. | يذهب البعض إلى أنّ دليل [[الأمارة|حجّيّة الأمارة]] كافٍ في قيام الأمارة مقام القطع الطريقي والموضوعي، منهم الشيخ النائيني<ref>. فوائد الاُصول 3: 21.</ref>. | ||
وهناك من قال بإمكان قيام [[الأمارة]] مقام القطع الموضوعي؛ باعتبار أنّ بإمكان المولى أن يجعل [[الظن]] الناشئ عن الأمارة مقام الموضوع اعتبارا وليس حقيقة، وكأنّ الكشف الناقص والناشئ عن الأمارة قد أتمّه المولى من خلال اعتبار الأمارة بمثابة القطع فتمّم الكشف الناقص بجعل واعتبار. وبذلك صحّ قيام الظنّ الناشئ عن الأمارة مقام القطع. والأمر غير مختصّ في القطع المأخوذ تمام الموضوع، بل يشمل المأخوذ جزء الموضوع كذلك، والحكم فيهما واحد، حيث جزء الموضوع المحرز بالقطع لا إشكال فيه، أمّا الجزء الآخر المحرز بالظنّ يتمّم الإحراز من خلال [[الجعل|تتميم الجعل الشرعي]] فيكون بمثابة القطع<ref>. نهاية الأفكار 3: 25.</ref>. | وهناك من قال بإمكان قيام [[الأمارة]] مقام القطع الموضوعي؛ باعتبار أنّ بإمكان المولى أن يجعل [[الظن]] الناشئ عن الأمارة مقام الموضوع اعتبارا وليس حقيقة، وكأنّ الكشف الناقص والناشئ عن الأمارة قد أتمّه المولى من خلال اعتبار الأمارة بمثابة القطع فتمّم الكشف الناقص بجعل واعتبار. وبذلك صحّ قيام الظنّ الناشئ عن الأمارة مقام القطع. والأمر غير مختصّ في القطع المأخوذ تمام الموضوع، بل يشمل المأخوذ جزء الموضوع كذلك، والحكم فيهما واحد، حيث جزء الموضوع المحرز بالقطع لا إشكال فيه، أمّا الجزء الآخر المحرز بالظنّ يتمّم الإحراز من خلال [[الجعل|تتميم الجعل الشرعي]] فيكون بمثابة القطع<ref>. نهاية الأفكار 3: 25.</ref>. | ||
ويذهب السيّد الحكيم إلى أنّ الأمارة تقوم مقام القطع الموضوعي لنفس دليل اعتبارها وحجّيّتها، أمّا [[الأصول العملية]] باستثناء [[الاستصحاب]] (الذي يبدو فيه طابع كشف) فلا معنى للقول بقيامها مقام القطع الموضوعي؛ لأنّ شأنها تنجيز التكاليف وتحديد الوظيفة العملية فقط شرعا أو عقلاً <ref>. حقائق الاُصول 2: 23 ـ 30.</ref>. | ويذهب السيّد الحكيم إلى أنّ الأمارة تقوم مقام القطع الموضوعي لنفس دليل اعتبارها وحجّيّتها، أمّا [[الأصول العملية]] باستثناء [[الاستصحاب]] (الذي يبدو فيه طابع كشف) فلا معنى للقول بقيامها مقام القطع الموضوعي؛ لأنّ شأنها تنجيز التكاليف وتحديد الوظيفة العملية فقط شرعا أو عقلاً <ref>. حقائق الاُصول 2: 23 ـ 30.</ref>. | ||
وقد خالف البعض قيامها مقام القطع الموضوعي؛ باعتبار أنّ موضوع الحكم في هذه الحالة هو العلم، فبانتفائه ينتفي الموضوع أصلاً فلا مجال لقيام [[الأمارة]] مقام القطع عندئذٍ، وقيامها مختصّ بالقطع الطريقي فقط، حيث أخذ على نحو الطريقية<ref>. بحر الفوائد 1: 9 ـ 10.</ref>. ولقيامها مقام القطع الموضوعي المأخوذ على نحو الصفتية لا الكاشفية لا بدّ من دليل آخر يدلّ على تنزيل الأمارة مقام القطع الموضوعي، فإنّ دليل حجّيّة اعتبار الأمارة ترتّب ما للقطع من آثار لا بما هو صفة وموضوع<ref>. بداية الوصول في شرح كفاية الاُصول 5: 65.</ref>. | وقد خالف البعض قيامها مقام القطع الموضوعي؛ باعتبار أنّ موضوع الحكم في هذه الحالة هو العلم، فبانتفائه ينتفي الموضوع أصلاً فلا مجال لقيام [[الأمارة]] مقام القطع عندئذٍ، وقيامها مختصّ بالقطع الطريقي فقط، حيث أخذ على نحو الطريقية<ref>. بحر الفوائد 1: 9 ـ 10.</ref>. ولقيامها مقام القطع الموضوعي المأخوذ على نحو الصفتية لا الكاشفية لا بدّ من دليل آخر يدلّ على تنزيل الأمارة مقام القطع الموضوعي، فإنّ دليل حجّيّة اعتبار الأمارة ترتّب ما للقطع من آثار لا بما هو صفة وموضوع<ref>. بداية الوصول في شرح كفاية الاُصول 5: 65.</ref>. | ||
وممّا برّر به عدم قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي هو كون القطع كسائر الصفات النفسانية من الشجاعة والحلم والغضب وأدلّة حجّيّة [[الأمارة|الأمارات]] غير ناظرة إلى هذا، لكون مفادها ليس إلاّ جعل الطريقية والكاشفية التامّة التعبّدية لغير العالم لا جعل صفة القطع في نفس غير العالم تعبّدا، كما لا يستفاد منها جعل سائر الصفات تعبّدا قطعا، مضافا إلى أنّه لا يوجد لها مثال ومصداق في الشريعة<ref>. الهداية في الاُصول 3: 47.</ref>. | وممّا برّر به عدم قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي هو كون القطع كسائر الصفات النفسانية من الشجاعة والحلم والغضب وأدلّة حجّيّة [[الأمارة|الأمارات]] غير ناظرة إلى هذا، لكون مفادها ليس إلاّ جعل الطريقية والكاشفية التامّة التعبّدية لغير العالم لا جعل صفة القطع في نفس غير العالم تعبّدا، كما لا يستفاد منها جعل سائر الصفات تعبّدا قطعا، مضافا إلى أنّه لا يوجد لها مثال ومصداق في الشريعة<ref>. الهداية في الاُصول 3: 47.</ref>. | ||
وبرّر المحقّق الخراساني المنع باعتبارات عقلية، من حيث إنّه لا يمكن للجعل الواحد أن يتكفّل تنزيل [[الظن]] منزلة [[العلم|القطع]]، وتنزيل المظنون منزلة المقطوع فيما أخذ في الموضوع على نحو الكشف، للزوم الجمع بين اللحاظين المتنافيين (اللحاظ الآلي واللحاظ الاستقلالي) فالتنزيل مقام القطع الطريقي آلي، والتنزيل مقام القطع الموضوعي استقلالي، وهما متنافيان<ref>. درر الفوائد في الحاشية على الفرائد 1: 29 ـ 30.</ref>. | وبرّر المحقّق الخراساني المنع باعتبارات عقلية، من حيث إنّه لا يمكن للجعل الواحد أن يتكفّل تنزيل [[الظن]] منزلة [[العلم|القطع]]، وتنزيل المظنون منزلة المقطوع فيما أخذ في الموضوع على نحو الكشف، للزوم الجمع بين اللحاظين المتنافيين (اللحاظ الآلي واللحاظ الاستقلالي) فالتنزيل مقام القطع الطريقي آلي، والتنزيل مقام القطع الموضوعي استقلالي، وهما متنافيان<ref>. درر الفوائد في الحاشية على الفرائد 1: 29 ـ 30.</ref>. | ||
ويرى الشهيد الصدر أنّ هذا البحث من أساسه خطأ؛ لأنّه يختصّ بما إذا كان دليل حجّيّة الأمارة هو الدليل اللفظي بينما الدليل المهمّ على الحجّيّة هو [[السيرة|السيرة العقلائية]]، والأدلّة اللفظية مسوقة مساق الإمضاء للسيرة المذكورة. وعلينا هنا الرجوع إلى السيرة وما يمكن استفادته منها <ref>. بحوث في علم الاُصول 4: 80، مباحث الاُصول الحائري 1: 382 ـ 383.</ref>. كما وردت ردود اُخرى كذلك<ref>. القطع الحيدري: 341 ـ 351.</ref>. | ويرى الشهيد الصدر أنّ هذا البحث من أساسه خطأ؛ لأنّه يختصّ بما إذا كان دليل حجّيّة الأمارة هو الدليل اللفظي بينما الدليل المهمّ على الحجّيّة هو [[السيرة|السيرة العقلائية]]، والأدلّة اللفظية مسوقة مساق الإمضاء للسيرة المذكورة. وعلينا هنا الرجوع إلى السيرة وما يمكن استفادته منها <ref>. بحوث في علم الاُصول 4: 80، مباحث الاُصول الحائري 1: 382 ـ 383.</ref>. كما وردت ردود اُخرى كذلك<ref>. القطع الحيدري: 341 ـ 351.</ref>. | ||
===قطع القطاع=== | ===قطع القطاع=== | ||
من المسائل التي ناقشها الاُصوليون هي اعتبار أو عدم اعتبار [[قطع القطاع]]. والمراد من القطّاع ـ حسب استخدامات الاُصوليين ـ هو الشخص الذي يقطع بالاُمور ويحصل لديه علم ويقين دون مبرّرات موضوعية لعلمه وقطعه، بل حالة اليقين تحصل لديه بشكل خارج عن عادة باقي البشر في اعتمادهم مبررات موضوعية لليقين غالبا. ولا يراد منه من يحصل له القطع كثيرا لكونه عالما بملازمات الاُمور التكوينية كالطبيب الذي يعلم بالملازمات بين علامات الجسم وأمراضه<ref>. تقريرات المجدد الشيرازي 3: 307، فرائد الاُصول 1: 65، تعليقة على معالم الاُصول 5: 44، أوثق الوسائل: 36، مصباح الاُصول 2: 53.</ref>. | من المسائل التي ناقشها الاُصوليون هي اعتبار أو عدم اعتبار [[قطع القطاع]]. والمراد من القطّاع ـ حسب استخدامات الاُصوليين ـ هو الشخص الذي يقطع بالاُمور ويحصل لديه علم ويقين دون مبرّرات موضوعية لعلمه وقطعه، بل حالة اليقين تحصل لديه بشكل خارج عن عادة باقي البشر في اعتمادهم مبررات موضوعية لليقين غالبا. ولا يراد منه من يحصل له القطع كثيرا لكونه عالما بملازمات الاُمور التكوينية كالطبيب الذي يعلم بالملازمات بين علامات الجسم وأمراضه<ref>. تقريرات المجدد الشيرازي 3: 307، فرائد الاُصول 1: 65، تعليقة على معالم الاُصول 5: 44، أوثق الوسائل: 36، مصباح الاُصول 2: 53.</ref>. | ||
عبارات الاُصوليين هنا عامّة ومبهمة بعض الشيء، وقد يكون فيها خلط بين صنفي القطع (الطريقي والموضوعي)، لكن يمكن مناقشة هكذا قطع تارة فيما إذا كان طريقيا واُخرى فيما إذا كان موضوعيا. فإذا كان طريقيا فيبدو وجود شبه اتّفاق على حجّيّته، وخاصّة بالنسبة إلى اُولئك الذين قالوا بأنّ [[الحجية]] من اللوازم الذاتية للقطع، ولا يناله [[الجعل]] والتغيير، والأمر ليس بيد أحد، وليست الحجّيّة من شؤون المولى لكي يتدخّل فيها ويسلبها عن القطع. فإنّ تقييد حجّيّة القطع الطريقي بغير قطع القطّاع ممّا لا يمكن؛ لكون القطع عين الطريقية والانكشاف، ولا يمكن التفكيك بينهما، فعند حصوله يدرك العقل صحّة المؤاخذة والعذر عند المخالفة والموافقة. نعم، يمكن النهي عن عوامل قطع القطّاع من أمور يكون التفكير بها سببا لقطع القطّاع<ref>. الهداية في الاُصول 3: 68.</ref> . | عبارات الاُصوليين هنا عامّة ومبهمة بعض الشيء، وقد يكون فيها خلط بين صنفي القطع (الطريقي والموضوعي)، لكن يمكن مناقشة هكذا قطع تارة فيما إذا كان طريقيا واُخرى فيما إذا كان موضوعيا. فإذا كان طريقيا فيبدو وجود شبه اتّفاق على حجّيّته، وخاصّة بالنسبة إلى اُولئك الذين قالوا بأنّ [[الحجية]] من اللوازم الذاتية للقطع، ولا يناله [[الجعل]] والتغيير، والأمر ليس بيد أحد، وليست الحجّيّة من شؤون المولى لكي يتدخّل فيها ويسلبها عن القطع. فإنّ تقييد حجّيّة القطع الطريقي بغير قطع القطّاع ممّا لا يمكن؛ لكون القطع عين الطريقية والانكشاف، ولا يمكن التفكيك بينهما، فعند حصوله يدرك العقل صحّة المؤاخذة والعذر عند المخالفة والموافقة. نعم، يمكن النهي عن عوامل قطع القطّاع من أمور يكون التفكير بها سببا لقطع القطّاع<ref>. الهداية في الاُصول 3: 68.</ref> . | ||
ولذلك لم نعثر على نقاش معتدّ به في هذا المضمار إلاّ في موردين أحدهما منقول عن كاشف الغطاء، والآخر عن [[الأخباري|الأخباريين]]، حيث منعوا حجّيّة القطع الناشئ عن أسباب غير الكتاب و [[السنة]]، وقالوا بعدم حجّيّة القطع الناشئ عن العقل<ref>. المحكم في اُصول الفقه 3: 94 ـ 95.</ref>. برغم وجود تشكيكات في كشف قطع القطّاع عن الواقع وفي طريقيته<ref>. تعليقة على معالم الاُصول القزويني 5: 45 ـ 46.</ref>. | ولذلك لم نعثر على نقاش معتدّ به في هذا المضمار إلاّ في موردين أحدهما منقول عن كاشف الغطاء، والآخر عن [[الأخباري|الأخباريين]]، حيث منعوا حجّيّة القطع الناشئ عن أسباب غير الكتاب و [[السنة]]، وقالوا بعدم حجّيّة القطع الناشئ عن العقل<ref>. المحكم في اُصول الفقه 3: 94 ـ 95.</ref>. برغم وجود تشكيكات في كشف قطع القطّاع عن الواقع وفي طريقيته<ref>. تعليقة على معالم الاُصول القزويني 5: 45 ـ 46.</ref>. | ||
وجلّ النقاش وقع فيما إذا كان القطع موضوعيا في مثل الشهادة و [[الإفتاء|الفتوى]]، حيث موضوعهما العلم بواقع أمر مّا. ومنشأ النقاش هنا هو أنّ من شأن المولى أن يجعل الحجّيّة له وأن يسلبها عنه؛ لأن شأن هكذا حجّيّة بيد اللّه؛باعتبارها موضوعا لحكم شرعي، و [[الحکم|الحکم الشرعي]] اعتبارات مولوية وممّا تناله يد [[الجعل|الجعل المولوي]]، فللمولى أن يجعل موضوع [[الحکم]] نوعا خاصّا من القطع ويستثني القطع الذي لا يعتمد مبررات موضوعية<ref>. مصباح الاُصول 2: 52 ـ 54.</ref>. | وجلّ النقاش وقع فيما إذا كان القطع موضوعيا في مثل الشهادة و [[الإفتاء|الفتوى]]، حيث موضوعهما العلم بواقع أمر مّا. ومنشأ النقاش هنا هو أنّ من شأن المولى أن يجعل الحجّيّة له وأن يسلبها عنه؛ لأن شأن هكذا حجّيّة بيد اللّه؛باعتبارها موضوعا لحكم شرعي، و [[الحکم|الحکم الشرعي]] اعتبارات مولوية وممّا تناله يد [[الجعل|الجعل المولوي]]، فللمولى أن يجعل موضوع [[الحکم]] نوعا خاصّا من القطع ويستثني القطع الذي لا يعتمد مبررات موضوعية<ref>. مصباح الاُصول 2: 52 ـ 54.</ref>. | ||
وفي هذا المجال رأيان: | وفي هذا المجال رأيان: | ||
الرأي الأوّل: عدم اعتباره، واستدلّ عليه باُمور مثل: | الرأي الأوّل: عدم اعتباره، واستدلّ عليه باُمور مثل: | ||
1 ـ كونه من الاُمور الواضحة التي لا يشكّ بها، فهو ممّا تنصرف عنه أدلّة اعتبار العلم موضوعا. | 1 ـ كونه من الاُمور الواضحة التي لا يشكّ بها، فهو ممّا تنصرف عنه أدلّة اعتبار العلم موضوعا. | ||
2 ـ كونه ممّا يبدو من كلمات المتقدّمين الذين لم يتعرّضوا لهذه القضية، لكن اشترطوا الضبط في الراوي لتقليل احتمال الخطأ في روايته، ومن باب أولى يخرج عن الحجّيّة قطع القطّاع لكثرة خطئه<ref>. تقريرات المجدد الشيرازي 3: 308 ـ 309.</ref>. | 2 ـ كونه ممّا يبدو من كلمات المتقدّمين الذين لم يتعرّضوا لهذه القضية، لكن اشترطوا الضبط في الراوي لتقليل احتمال الخطأ في روايته، ومن باب أولى يخرج عن الحجّيّة قطع القطّاع لكثرة خطئه<ref>. تقريرات المجدد الشيرازي 3: 308 ـ 309.</ref>. | ||
3 ـ تشبيها له بكثير الشكّ، فهناك أدلّة أثبتت بأنّه لا يعتدّ بكثير الشكّ، فيقاس عليها كثير أو سريع القطع والظنّ، والقطع ينصرف إلى ما يحصل لأسباب متعارفة عادية<ref>. فوائد الاُصول 3: 64 ـ 65.</ref>. | 3 ـ تشبيها له بكثير الشكّ، فهناك أدلّة أثبتت بأنّه لا يعتدّ بكثير الشكّ، فيقاس عليها كثير أو سريع القطع والظنّ، والقطع ينصرف إلى ما يحصل لأسباب متعارفة عادية<ref>. فوائد الاُصول 3: 64 ـ 65.</ref>. | ||
ولأجل هذا قال البعض: بإمكان تقييد حجّيّة القطع بغير قطع القطّاع<ref>. الهداية في الاُصول 3: 68.</ref>. وقال آخر: بأنّ الحقّ عدم اعتبار [[قطع القطاع]] في الأحكام الفقهية مثل: الشهادة؛ لعدم شمول أدلّة العلم لهذا الصنف من القطع<ref>. فرائد الاُصول 1: 65 ـ 66.</ref>. | ولأجل هذا قال البعض: بإمكان تقييد حجّيّة القطع بغير قطع القطّاع<ref>. الهداية في الاُصول 3: 68.</ref>. وقال آخر: بأنّ الحقّ عدم اعتبار [[قطع القطاع]] في الأحكام الفقهية مثل: الشهادة؛ لعدم شمول أدلّة العلم لهذا الصنف من القطع<ref>. فرائد الاُصول 1: 65 ـ 66.</ref>. | ||
الرأي الثاني: حجّيّة قطع القطّاع. واستدلّ على هذا الرأي بأنّ القطع إذا حصل أثّر أثره وهو لا يختلف من حيث المنشأ والسبب، فإنّ العقل لا يفرّق بين أصناف اليقين من هذه الحيثية، والذي يلاحظه هو القطع، فإذا حصل رتّب عليه آثاره ومنها تنجيز التكليف بمجرّد حصول العلم به<ref>. كفاية الاُصول: 269 ـ 270.</ref>. | الرأي الثاني: حجّيّة قطع القطّاع. واستدلّ على هذا الرأي بأنّ القطع إذا حصل أثّر أثره وهو لا يختلف من حيث المنشأ والسبب، فإنّ العقل لا يفرّق بين أصناف اليقين من هذه الحيثية، والذي يلاحظه هو القطع، فإذا حصل رتّب عليه آثاره ومنها تنجيز التكليف بمجرّد حصول العلم به<ref>. كفاية الاُصول: 269 ـ 270.</ref>. | ||
وهناك من يرى أنّه باعتبار كون الحجّيّة ليست ذاتية للقطع فبإمكان المولى أن ينفي الحجّيّة عن قطع القطّاع، لكن باعتبار أنّ حجّيّة القطع ناشئة عن السيرة العقلائية، وهي لا تنفي حجّيّته ولم يرد ردع شرعي عن قطع القطاع فالنتيجة هي حجّيّة قطع القطّاع مطلقا <ref>. تسديد الاُصول 2: 28.</ref>. | وهناك من يرى أنّه باعتبار كون الحجّيّة ليست ذاتية للقطع فبإمكان المولى أن ينفي الحجّيّة عن قطع القطّاع، لكن باعتبار أنّ حجّيّة القطع ناشئة عن السيرة العقلائية، وهي لا تنفي حجّيّته ولم يرد ردع شرعي عن قطع القطاع فالنتيجة هي حجّيّة قطع القطّاع مطلقا <ref>. تسديد الاُصول 2: 28.</ref>. | ||