انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «شرع من قبلنا»

لا يوجد ملخص تحرير
(أنشأ الصفحة ب''''شرع من قبلنا:''' المراد بشرع من قبلنا هو خصوص الشرائع التي أنزلها اللّه‏ تعالى على أنبيائه،...')
 
لا ملخص تعديل
سطر ٤٥: سطر ٤٥:
===القول الأول===
===القول الأول===
إنّ الشرائع السابقة شرع لنا مطلقا، وأنّ شريعتنا امتداد لها إلاّ ما ثبت نسخه منها بواسطة شرعنا.
إنّ الشرائع السابقة شرع لنا مطلقا، وأنّ شريعتنا امتداد لها إلاّ ما ثبت نسخه منها بواسطة شرعنا.
ومفاد هذا القول أنّ الشرائع السابقة شرع لنا من دون توقّف على حكايته من قبل اللّه‏ تعالى أو من قبل الرسول(ص)، كما هو مفاد القول الثالث، فاذا ثبت بطريق معتبر حكم في شريعة سابقة، فإنّه يجب [[التعبد]] به وإن لم يرد حكاية ذلك في [[القرآن]] أو [[السنة]]، أمّا مفاد القول الثالث فهو حكايته من قبله تعالى أو من قبل الرسول، ومفاد القول الثاني أنّ الشرائع السابقة لايجوز التعبُّد بها بأي وجه من الوجوه لانتهاء أمدها بشريعة الإسلام.
<br>ومفاد هذا القول أنّ الشرائع السابقة شرع لنا من دون توقّف على حكايته من قبل اللّه‏ تعالى أو من قبل الرسول(ص)، كما هو مفاد القول الثالث، فاذا ثبت بطريق معتبر حكم في شريعة سابقة، فإنّه يجب [[التعبد]] به وإن لم يرد حكاية ذلك في [[القرآن]] أو [[السنة]]، أمّا مفاد القول الثالث فهو حكايته من قبله تعالى أو من قبل الرسول، ومفاد القول الثاني أنّ الشرائع السابقة لايجوز التعبُّد بها بأي وجه من الوجوه لانتهاء أمدها بشريعة الإسلام.




سطر ٦٢: سطر ٦٢:


====الاستدلال علی القول الثاني====
====الاستدلال علی القول الثاني====
واُحتج للقول الثاني بعدّة اُمور أيضا:
واُحتج للقول الثاني بعدّة اُمور أيضا:
الأمر الأوّل: قوله تعالى: '''«لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا»''' <ref>. المائدة: 48.</ref>، وقوله(ص): «بعثت إلى الأحمر والأسود»  فالآية والحديث يدلاّن على اختصاص كلّ نبي بشريعة، فلايكون شرع من قبله شرع له ولا لنا <ref>. اُنظر: شرح مختصر الروضة 3: 175.</ref>.
<br>'''الأمر الأوّل:''' قوله تعالى: '''«لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا»''' <ref>. المائدة: 48.</ref>، وقوله(ص): «بعثت إلى الأحمر والأسود»  فالآية والحديث يدلاّن على اختصاص كلّ نبي بشريعة، فلايكون شرع من قبله شرع له ولا لنا <ref>. اُنظر: شرح مختصر الروضة 3: 175.</ref>.
الأمر الثاني: إنّه لو كان شرع من قبلنا شرع لنا لألزم اُمته تعلّم كتبهم ولكان ذلك من فروض الكفايات كتعلّم القرآن والسنّة <ref>. اُنظر: الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 378 ـ 379، شرح مختصر الروضة 3 :  175.</ref>.
<br>'''الأمر الثاني:''' إنّه لو كان شرع من قبلنا شرع لنا لألزم اُمته تعلّم كتبهم ولكان ذلك من فروض الكفايات كتعلّم القرآن والسنّة <ref>. اُنظر: الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 378 ـ 379، شرح مختصر الروضة 3 :  175.</ref>.
الأمر الثالث: إنّه لو كان شرع من قبلنا شرعا لنا لما توقّف النبي(ص) في جملة من الأحكام ينتظر نزول الوحي فيها ولبادر إلى كتبهم واستخراج تلك الأحكام منها، مثل: مسألة الجد، والعول، وبيع أم الولد، وحدّ الشرب، والمفوضة وغير ذلك من الأحكام التي توقّف النبي(ص)فيها على نزول الوحي واستبيان حكمها منه تعالى <ref>. اُنظر: الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 378 ـ 379، شرح مختصر الروضة 3 : 175.</ref>.
<br>'''الأمر الثالث:''' إنّه لو كان شرع من قبلنا شرعا لنا لما توقّف النبي(ص) في جملة من الأحكام ينتظر نزول الوحي فيها ولبادر إلى كتبهم واستخراج تلك الأحكام منها، مثل: مسألة الجد، والعول، وبيع أم الولد، وحدّ الشرب، والمفوضة وغير ذلك من الأحكام التي توقّف النبي(ص)فيها على نزول الوحي واستبيان حكمها منه تعالى <ref>. اُنظر: الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 378 ـ 379، شرح مختصر الروضة 3 : 175.</ref>.
الأمر الرابع: [[الإجماع|إجماع المسلمين]] على أنّ شريعته(ص)ناسخة لكافّة من تقدّمها من الشرائع وإذا كانت منسوخة لا معنى لئن يتعبّد(ص) بها <ref>. اُنظر: الإحكام الآمدي 3ـ4: 379.</ref>، ونقل ابن زهرة [[الإجماع|اجماع الإمامية]] على أنّ  شرعه(ص) ناسخ لشرع من تقدّمه <ref>. غنية النزوع 2: 369.</ref>، وأكّد ذلك الشيخ  الأنصاري الذي قال: «ما اشتهر من أنّ هذه الشريعة ناسخة لغيرها من الشرائع فلايجوز [[الحکم]] بالبقاء» <ref>. فرائد الاُصول 3: 227.</ref>.
<br>'''الأمر الرابع:''' [[الإجماع|إجماع المسلمين]] على أنّ شريعته(ص)ناسخة لكافّة من تقدّمها من الشرائع وإذا كانت منسوخة لا معنى لئن يتعبّد(ص) بها <ref>. اُنظر: الإحكام الآمدي 3ـ4: 379.</ref>، ونقل ابن زهرة [[الإجماع|اجماع الإمامية]] على أنّ  شرعه(ص) ناسخ لشرع من تقدّمه <ref>. غنية النزوع 2: 369.</ref>، وأكّد ذلك الشيخ  الأنصاري الذي قال: «ما اشتهر من أنّ هذه الشريعة ناسخة لغيرها من الشرائع فلايجوز [[الحکم]] بالبقاء» <ref>. فرائد الاُصول 3: 227.</ref>.
الأمر الخامس: إنّه(ص) لما بعث معاذا إلى اليمن قاضيا، قال له: بم تحكم؟ قال: بكتاب اللّه‏، قال: فان لم تجد؟ قال:بسنّة رسول اللّه‏(ص)، قال: فان لم تجد قال: أجتهد رأيي<ref>. السنن الكبرى البيهقي 10: 114 كتاب آداب القاضي باب ما يقضي به القاضي، سنن أبي داوود 3: 303 كتاب الأقضية (باب اجتهاد الرأي في القضاء) ح 3592.</ref>.  فإنّ معاذا لم يذكر شرع من قبلنا من ضمن الأدلّة التي يستند إليها إذا أعوزه النصّ الشرعي، والنبي(ص) أقرّه على ذلك وقال: الحمدُ للّه‏ الذي وفّق رسول رسول اللّه‏ لما يحبّه اللّه‏ ورسوله <ref>. اُنظر: الإحكام الآمدي 3ـ4: 378، شرح مختصر الروضة 3: 183.</ref>.
<br>'''الأمر الخامس:''' إنّه(ص) لما بعث معاذا إلى اليمن قاضيا، قال له: بم تحكم؟ قال: بكتاب اللّه‏، قال: فان لم تجد؟ قال:بسنّة رسول اللّه‏(ص)، قال: فان لم تجد قال: أجتهد رأيي<ref>. السنن الكبرى البيهقي 10: 114 كتاب آداب القاضي باب ما يقضي به القاضي، سنن أبي داوود 3: 303 كتاب الأقضية (باب اجتهاد الرأي في القضاء) ح 3592.</ref>.  فإنّ معاذا لم يذكر شرع من قبلنا من ضمن الأدلّة التي يستند إليها إذا أعوزه النصّ الشرعي، والنبي(ص) أقرّه على ذلك وقال: الحمدُ للّه‏ الذي وفّق رسول رسول اللّه‏ لما يحبّه اللّه‏ ورسوله <ref>. اُنظر: الإحكام الآمدي 3ـ4: 378، شرح مختصر الروضة 3: 183.</ref>.
الأمر السادس: إنّه(ص) غضب لما رأى عمر يقرأ في التوراة وقال: أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى، لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حيّا لما وسعه إلاّ اتّباعي» <ref>. </ref>. وما هذا إلاّ دليل واضح على عدم كون شرائع  من سبقنا شرعا له(ص) ولنا <ref>. اُنظر: شرح مختصر الروضة 3: 175.</ref>.
<br>'''الأمر السادس:''' إنّه(ص) غضب لما رأى عمر يقرأ في التوراة وقال: أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى، لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حيّا لما وسعه إلاّ اتّباعي» <ref>. </ref>. وما هذا إلاّ دليل واضح على عدم كون شرائع  من سبقنا شرعا له(ص) ولنا <ref>. اُنظر: شرح مختصر الروضة 3: 175.</ref>.


===القول الثالث===
===القول الثالث===
إنّ ما قصّه اللّه‏ تعالى ورسوله في أحكام الشرائع السابقة، والحال أنّه مسكوت عنه في شريعتنا، أي لم يصرّح بثبوته في حقّنا أو يصرّح بنسخه، فإنّه سوف يكون شرعا لنا ويجب [[التعبد]] به في حقّنا، كما في قوله تعالى: '''«مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعا»''' <ref>. المائدة: 32.</ref>، وقوله تعالى: '''«وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ»''' <ref>. المائدة: 45.
إنّ ما قصّه اللّه‏ تعالى ورسوله في أحكام الشرائع السابقة، والحال أنّه مسكوت عنه في شريعتنا، أي لم يصرّح بثبوته في حقّنا أو يصرّح بنسخه، فإنّه سوف يكون شرعا لنا ويجب [[التعبد]] به في حقّنا، كما في قوله تعالى: '''«مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعا»''' <ref>. المائدة: 32.</ref>، وقوله تعالى: '''«وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ»''' <ref>. المائدة: 45.
  </ref>.
  </ref>.
فهذا القول يتضّمن دعويين؛ دعوى أنّ ما قصّه لنا القرآن والسنّة من شرائع من قبلنا يجوز التعبُّد به، ودعوى أنّ ذلك إنّما يكون شرعا لنا لا شرعا لهم.
<br>فهذا القول يتضّمن دعويين؛ دعوى أنّ ما قصّه لنا القرآن والسنّة من شرائع من قبلنا يجوز التعبُّد به، ودعوى أنّ ذلك إنّما يكون شرعا لنا لا شرعا لهم.


====الاستدلال علی القول الثالث====
====الاستدلال علی القول الثالث====
واحتجّ للدعوى الاُولى، بأنّ حكاية بعض الأحكام الموجودة في الشرائع السابقة إنّما هو لبيان كون هذه الأحكام موجودة في شرعنا أيضا، وإلاّ فما فائدة الحكاية لو لم يكن ذلك لأجل أن نعمل به <ref>. اُنظر: تيسير التحرير 3: 131.</ref>.
واحتجّ للدعوى الاُولى، بأنّ حكاية بعض الأحكام الموجودة في الشرائع السابقة إنّما هو لبيان كون هذه الأحكام موجودة في شرعنا أيضا، وإلاّ فما فائدة الحكاية لو لم يكن ذلك لأجل أن نعمل به <ref>. اُنظر: تيسير التحرير 3: 131.</ref>.
واحتجّ للدعوى الثانية، بأنّ ذلك إنّما يكون شرعا لنا لا شرعا لهم، أنّه(ص) أصل لكلّ الشرائع، قال اللّه‏ تعالى: '''«وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ»''' <ref>. آل عمران: 81.</ref>. مكان يجب  على الكلّ [[الإيمان]] بنبوّته والعمل بشرعه «فثبت أنّه(ص)هو الأصل في النبوّة والشريعة وغيره بمنزلة التابع وكانت شريعته عامة لكافّة الناس... أنّه مبعوث إلى جميع الناس حتّى وجب على المتقدّمين والمتأخّرين اتّباع شريعته فكان الكلّ تابعا له، والدليل عليه أنّ عيسى  عليه‌السلام حين ينزل إلى السماء يدعو الناس إلى شريعة محمّد(ص)لا إلى شريعة نفسه... فثبت أنّه(ص) كان أصلاً في الشرائع... أنّ شرائع من  قبلنا إنّما تلزمنا على أنّها شريعة لنبيّنا لا أنّها بقيت شرائع لهم» <ref>. كشف الأسرار البخاري 3: 319 ـ 320.</ref>.
<br>واحتجّ للدعوى الثانية، بأنّ ذلك إنّما يكون شرعا لنا لا شرعا لهم، أنّه(ص) أصل لكلّ الشرائع، قال اللّه‏ تعالى: '''«وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ»''' <ref>. آل عمران: 81.</ref>. مكان يجب  على الكلّ [[الإيمان]] بنبوّته والعمل بشرعه «فثبت أنّه(ص)هو الأصل في النبوّة والشريعة وغيره بمنزلة التابع وكانت شريعته عامة لكافّة الناس... أنّه مبعوث إلى جميع الناس حتّى وجب على المتقدّمين والمتأخّرين اتّباع شريعته فكان الكلّ تابعا له، والدليل عليه أنّ عيسى  عليه‌السلام حين ينزل إلى السماء يدعو الناس إلى شريعة محمّد(ص)لا إلى شريعة نفسه... فثبت أنّه(ص) كان أصلاً في الشرائع... أنّ شرائع من  قبلنا إنّما تلزمنا على أنّها شريعة لنبيّنا لا أنّها بقيت شرائع لهم» <ref>. كشف الأسرار البخاري 3: 319 ـ 320.</ref>.
وشرط [[الأحناف]] لهذا القول «أنّ يقصّ اللّه‏ تعالى ورسوله من غير إنكار إذ لا عبرة بما ثبت بقول [[أهل الكتاب]]؛ لأنّهم متّهمون في ذلك لظهور الحسد والعداوة منهم، ولا بما ثبت بكتابهم؛ لأنّهم حرّفوا الكتب، فيجوز أن يكون ذلك من جملة ما غيروا وبدلّوا، ولا بما ثبت بقول من أسلم منهم؛ لأنّه تلقّن ذلك من كتابهم أو سمع من جماعتهم» <ref>. كشف الأسرار النسفي 2: 172.</ref>.
<br>وشرط [[الأحناف]] لهذا القول «أنّ يقصّ اللّه‏ تعالى ورسوله من غير إنكار إذ لا عبرة بما ثبت بقول [[أهل الكتاب]]؛ لأنّهم متّهمون في ذلك لظهور الحسد والعداوة منهم، ولا بما ثبت بكتابهم؛ لأنّهم حرّفوا الكتب، فيجوز أن يكون ذلك من جملة ما غيروا وبدلّوا، ولا بما ثبت بقول من أسلم منهم؛ لأنّه تلقّن ذلك من كتابهم أو سمع من جماعتهم» <ref>. كشف الأسرار النسفي 2: 172.</ref>.


=مانعية العلم الإجمالي بالتحريف عن الأخذ بالشرائع السابقة=
=مانعية العلم الإجمالي بالتحريف عن الأخذ بالشرائع السابقة=
تقدّم أهمّ الأقوال في المسألة، وبالنسبة للقول الأوّل فانّ غاية ما يثبته هو امكان تعبّده(ص) بما ثبت أنّه من الشرائع السابقة، لكن هذا في حدّ نفسه لاينفع لعدم إحراز شيء من ذلك، وذلك لوجود [[العلم الإجمالي]] بطرو [[التحريف]] عليها «والعلم الإجمالي بالتحريف يمنع من الأخذ بظواهرها جميعا؛ لأنّ كل طرف نمسكه نحتمل طرو التحريف عليه، وأصالة عدم التحريف لاتنفع في هذا المجال لعدم جريان الاُصول في أطراف العلم الإجمالي المنجّز... أو لتساقطها» <ref>. الاُصول العامّة للفقه المقارن: 417.</ref>.
تقدّم أهمّ الأقوال في المسألة، وبالنسبة للقول الأوّل فانّ غاية ما يثبته هو امكان تعبّده(ص) بما ثبت أنّه من الشرائع السابقة، لكن هذا في حدّ نفسه لاينفع لعدم إحراز شيء من ذلك، وذلك لوجود [[العلم الإجمالي]] بطرو [[التحريف]] عليها «والعلم الإجمالي بالتحريف يمنع من الأخذ بظواهرها جميعا؛ لأنّ كل طرف نمسكه نحتمل طرو التحريف عليه، وأصالة عدم التحريف لاتنفع في هذا المجال لعدم جريان الاُصول في أطراف العلم الإجمالي المنجّز... أو لتساقطها» <ref>. الاُصول العامّة للفقه المقارن: 417.</ref>.
فأصالة بقاء حكم الشريعة السابقة بمجردّها لاينفع، ويبقى ذلك كلاما نظريا ولايفيد شيئا على المستوى العملي. نعم، يبقى الطريق إلى ذلك ما ذكره [[الأحناف]] من اشتراط حكاية ذلك في الكتاب أو [[السنة]]، فإنّ حكايته إقرار على أنّه من الشرائع السابقة وهو كافٍ في جواز التعبُّد به بناء على القول الأوّل. فعلى مستوى العمل يتّحد القول الأوّل والقول الثالث، لانحصار الطريق إلى إحراز الشرائع السابقة بما حكاه القرآن وتناولته السنّة، فهو كافٍ في جواز التعبّد به بناء على القول الأوّل، أو أنّ حكايته في الكتاب أو [[السنة]] قرينة وشاهد حال على أنّ ذلك انما يراد العمل به في شرعنا لا لمجرّد الحكاية بناء على القول الثالث.
<br>فأصالة بقاء حكم الشريعة السابقة بمجردّها لاينفع، ويبقى ذلك كلاما نظريا ولايفيد شيئا على المستوى العملي. نعم، يبقى الطريق إلى ذلك ما ذكره [[الأحناف]] من اشتراط حكاية ذلك في الكتاب أو [[السنة]]، فإنّ حكايته إقرار على أنّه من الشرائع السابقة وهو كافٍ في جواز التعبُّد به بناء على القول الأوّل. فعلى مستوى العمل يتّحد القول الأوّل والقول الثالث، لانحصار الطريق إلى إحراز الشرائع السابقة بما حكاه القرآن وتناولته السنّة، فهو كافٍ في جواز التعبّد به بناء على القول الأوّل، أو أنّ حكايته في الكتاب أو [[السنة]] قرينة وشاهد حال على أنّ ذلك انما يراد العمل به في شرعنا لا لمجرّد الحكاية بناء على القول الثالث.


=أصالة عدم النسخ لإثبات أحكام الشرائع السابقة=
=أصالة عدم النسخ لإثبات أحكام الشرائع السابقة=
ذهب متأخّرو [[الإمامية]] إلى إمكان إجراء [[أصالة عدم النسخ]] لإثبات أحكام الشرائع السابقة وإجراؤها في حقّنا، فإذا شكّ في [[النسخ]] تجري [[الاستصحاب|استصحاب بقاء الحكم]] السابق في حقّنا، فيجوز التعبّد به لنا.
ذهب متأخّرو [[الإمامية]] إلى إمكان إجراء [[أصالة عدم النسخ]] لإثبات أحكام الشرائع السابقة وإجراؤها في حقّنا، فإذا شكّ في [[النسخ]] تجري [[الاستصحاب|استصحاب بقاء الحكم]] السابق في حقّنا، فيجوز التعبّد به لنا.
إلاّ أنّه قد أُشكل على [[الاستصحاب]] المذكور بعدّة إشكالات:
<br>إلاّ أنّه قد أُشكل على [[الاستصحاب]] المذكور بعدّة إشكالات:
الأوّل: إنّ اختلاف الموضوع مانع من جريان الاستصحاب، لأنّ المكلّف بأحكام الشرائع السابقة هو المدرك لها والذي يعيش في عصرها، والمدركون لشرائع من قبلنا قد انقرضوا ولايوجدون في زمان شريعتنا، والموجودون اليوم لم يدركوا الشرائع السابقة، فلايمكن أن يجري الاستصحاب لعدم وجود موضوعه <ref>. فوائد الاُصول 4: 478.</ref>.
<br>'''الأوّل:''' إنّ اختلاف الموضوع مانع من جريان الاستصحاب، لأنّ المكلّف بأحكام الشرائع السابقة هو المدرك لها والذي يعيش في عصرها، والمدركون لشرائع من قبلنا قد انقرضوا ولايوجدون في زمان شريعتنا، والموجودون اليوم لم يدركوا الشرائع السابقة، فلايمكن أن يجري الاستصحاب لعدم وجود موضوعه <ref>. فوائد الاُصول 4: 478.</ref>.
الثاني: إنّ [[النسخ]] وارد على شرائع من قبلنا، وهذا النسخ وإن لم يرد على جميع الأحكام السابقة فلا أقلّ من وروده على بعضها، وهو يوجب حصول العلم الإجمالي بالنسخ، وهو مانع من جريان أصالة عدم النسخ في أطرافه <ref>. المصدر السابق 4: 478.</ref>.
<br>'''الثاني:''' إنّ [[النسخ]] وارد على شرائع من قبلنا، وهذا النسخ وإن لم يرد على جميع الأحكام السابقة فلا أقلّ من وروده على بعضها، وهو يوجب حصول العلم الإجمالي بالنسخ، وهو مانع من جريان أصالة عدم النسخ في أطرافه <ref>. المصدر السابق 4: 478.</ref>.
الثالث: إنّ [[الاستصحاب]] المذكور لا أثر له ولايترتّب عليه حكم شرعي؛ لأنّه بمفرده لايفيد بقاء الحكم السابق في الشرائع السابقة من دون الإمضاء من الشارع في شريعتنا، ومع عدم إحراز الإمضاء لا فائدة من الاستصحاب المذكور <ref>. المصدر السابق 4: 480.</ref>.
<br>'''الثالث:''' إنّ [[الاستصحاب]] المذكور لا أثر له ولايترتّب عليه حكم شرعي؛ لأنّه بمفرده لايفيد بقاء الحكم السابق في الشرائع السابقة من دون الإمضاء من الشارع في شريعتنا، ومع عدم إحراز الإمضاء لا فائدة من الاستصحاب المذكور <ref>. المصدر السابق 4: 480.</ref>.
أمّا الإشكال الأوّل: فقد أجاب عنه النائيني بقوله: «إنّ المنشآت الشرعية من قبيل القضايا الحقيقية التي يفرض فيها وجود الموضوع في ترتّب المحمول عليه يؤخذ للموضوع عنوان كلّي مرآةً لما ينطبق عليه من الأفراد عند وجودها كالبالغ العاقل المستطيع الذي أخذ عنوانا لمن يجب عليه الحجّ، وكالحي المجتهد العادل الذي أخذ عنوانا لمن يجوز تقليده، ونحو ذلك من العناوين الكلّية، فالموضوع ليس آحاد المكلّفين لكي يتوهم اختلاف الموضوع باختلاف الأشخاص الموجودين في زمان هذه الشريعة، والموجودين في زمان الشرائع السابقة، فإذا كان الموضوع لوجوب الحجّ هو عنوان البالغ العاقل المستطيع، فكلّ من ينطبق عليه هذا العنوان من مبدأ إنشاء [[الحکم]] إلى انقضاء الدهر يجب عليه الحجّ سواء أدرك الشرائع السابقة أم لم يدرك، فإذا فرض أنّه أنشأ حكما كلّيا لموضوع كلّي، ثُمّ شكّ المكلّف في بقاء [[الحکم]] ونسخه، فيجري استصحاب بقائه سواء أدرك الشرائع السابقة أم لم يدرك إلاّ هذه الشريعة المطهّرة» <ref>. المصدر السابق: 479.</ref>.
<br>أمّا الإشكال الأوّل: فقد أجاب عنه النائيني بقوله: «إنّ المنشآت الشرعية من قبيل القضايا الحقيقية التي يفرض فيها وجود الموضوع في ترتّب المحمول عليه يؤخذ للموضوع عنوان كلّي مرآةً لما ينطبق عليه من الأفراد عند وجودها كالبالغ العاقل المستطيع الذي أخذ عنوانا لمن يجب عليه الحجّ، وكالحي المجتهد العادل الذي أخذ عنوانا لمن يجوز تقليده، ونحو ذلك من العناوين الكلّية، فالموضوع ليس آحاد المكلّفين لكي يتوهم اختلاف الموضوع باختلاف الأشخاص الموجودين في زمان هذه الشريعة، والموجودين في زمان الشرائع السابقة، فإذا كان الموضوع لوجوب الحجّ هو عنوان البالغ العاقل المستطيع، فكلّ من ينطبق عليه هذا العنوان من مبدأ إنشاء [[الحکم]] إلى انقضاء الدهر يجب عليه الحجّ سواء أدرك الشرائع السابقة أم لم يدرك، فإذا فرض أنّه أنشأ حكما كلّيا لموضوع كلّي، ثُمّ شكّ المكلّف في بقاء [[الحکم]] ونسخه، فيجري استصحاب بقائه سواء أدرك الشرائع السابقة أم لم يدرك إلاّ هذه الشريعة المطهّرة» <ref>. المصدر السابق: 479.</ref>.
أمّا الإشكال الثاني: فقد أجاب عنه أيضا بقوله: «إنّ [[العلم الإجمالي]] بنسخ جملة من الأحكام التي كانت في الشرائع السابقة، فينحلّ بالظفر بمقدار من الأحكام المنسوخة التي يمكن انطباق المعلوم بالإجمال عليها، فتكون الشبهة فيما عدا ذلك بدوية يجري فيها الأصل بلا مزاحم» <ref>. مصباح الاُصول 3: 150.</ref>. أي أصالة  واستصحاب عدم النسخ.
<br>أمّا الإشكال الثاني: فقد أجاب عنه أيضا بقوله: «إنّ [[العلم الإجمالي]] بنسخ جملة من الأحكام التي كانت في الشرائع السابقة، فينحلّ بالظفر بمقدار من الأحكام المنسوخة التي يمكن انطباق المعلوم بالإجمال عليها، فتكون الشبهة فيما عدا ذلك بدوية يجري فيها الأصل بلا مزاحم» <ref>. مصباح الاُصول 3: 150.</ref>. أي أصالة  واستصحاب عدم النسخ.
أمّا الإشكال الثالث: فقد أجاب عنه [[الخوئي أبو القاسم|السيد الخوئي]] بقوله: «إنّ نفس أدلّة الاستصحاب كافية في إثبات الإمضاء وليس التمسّك به من التمسّك بالأصل المثبت، فإنّ الأصل المثبت إنّما هو فيما إذا وقع التعبّد بما هو خارج عن مفاد [[الاستصحاب]]، وفي المقام نفس دليل الاستصحاب دليل على الإمضاء، فكما لو ورد دليل خاصّ على وجوب البناء على بقاء أحكام الشريعة إلاّ فيما علم النسخ فيه، يجب التعبُّد به فيحكم بالبقاء في غير ما لم يعلم نسخه، ويكون هذا الدليل الخاصّ دليلاً على الإمضاء. فكذا في المقام فإنّ [[الاستصحاب|أدلّة الاستصحاب]] تدلّ على وجوب البناء على البقاء في كلّ متيقّن شكّ في بقائه، سواء كان من أحكام الشريعة السابقة أو من أحكام هذه الشريعة المقدّسة»<ref>. مصباح الاُصول 3: 150.</ref>.
<br>أمّا الإشكال الثالث: فقد أجاب عنه [[الخوئي أبو القاسم|السيد الخوئي]] بقوله: «إنّ نفس أدلّة الاستصحاب كافية في إثبات الإمضاء وليس التمسّك به من التمسّك بالأصل المثبت، فإنّ الأصل المثبت إنّما هو فيما إذا وقع التعبّد بما هو خارج عن مفاد [[الاستصحاب]]، وفي المقام نفس دليل الاستصحاب دليل على الإمضاء، فكما لو ورد دليل خاصّ على وجوب البناء على بقاء أحكام الشريعة إلاّ فيما علم النسخ فيه، يجب التعبُّد به فيحكم بالبقاء في غير ما لم يعلم نسخه، ويكون هذا الدليل الخاصّ دليلاً على الإمضاء. فكذا في المقام فإنّ [[الاستصحاب|أدلّة الاستصحاب]] تدلّ على وجوب البناء على البقاء في كلّ متيقّن شكّ في بقائه، سواء كان من أحكام الشريعة السابقة أو من أحكام هذه الشريعة المقدّسة»<ref>. مصباح الاُصول 3: 150.</ref>.
إلاّ أنّ الإشكال الأهمّ الذي يتوجّه على هذا [[الاستصحاب]] هو «أنّ النسخ في الأحكام الشرعية إنّما هو بمعنى الدفع وبيان أمد [[الحکم]]؛ لأنّ النسخ بمعنى رفع [[الحکم]] الثابت مستلزم للبداء المستحيل في حقّه سبحانه وتعالى... وأنّ الإهمال بحسب الواقع ومقام الثبوت غير معقول، فأمّا أن يجعل المولى حكمه بلا تقييد بزمان ويعتبره إلى الأبد، وأمّا أن يجعله ممتدا إلى وقت معيّن، وعليه فالشكّ في النسخ شكّ في سعة المجعول وضيقه من جهة احتمال اختصاصه بالموجودين في زمان الحضور، وكذا الكلام في أحكام الشرائع السابقة، فإنّ [[الشك]] في نسخها شكّ في ثبوت التكليف بالنسبة إلى المعدومين لا شكّ في بقائه بعد العلم بثبوته» <ref>. المصدر السابق 3: 148.</ref>.
<br>إلاّ أنّ الإشكال الأهمّ الذي يتوجّه على هذا [[الاستصحاب]] هو «أنّ النسخ في الأحكام الشرعية إنّما هو بمعنى الدفع وبيان أمد [[الحکم]]؛ لأنّ النسخ بمعنى رفع [[الحکم]] الثابت مستلزم للبداء المستحيل في حقّه سبحانه وتعالى... وأنّ الإهمال بحسب الواقع ومقام الثبوت غير معقول، فأمّا أن يجعل المولى حكمه بلا تقييد بزمان ويعتبره إلى الأبد، وأمّا أن يجعله ممتدا إلى وقت معيّن، وعليه فالشكّ في النسخ شكّ في سعة المجعول وضيقه من جهة احتمال اختصاصه بالموجودين في زمان الحضور، وكذا الكلام في أحكام الشرائع السابقة، فإنّ [[الشك]] في نسخها شكّ في ثبوت التكليف بالنسبة إلى المعدومين لا شكّ في بقائه بعد العلم بثبوته» <ref>. المصدر السابق 3: 148.</ref>.
هذا اذا أمكن الوصول إلى الشرائع السابقة من مصادر معتبرة موثوق بها، وهو غير متوفّر على الظاهر، فانحصر الطريق إليها فيما حكاه الكتاب أو [[السنة|السنّة النبوية]].
<br>هذا اذا أمكن الوصول إلى الشرائع السابقة من مصادر معتبرة موثوق بها، وهو غير متوفّر على الظاهر، فانحصر الطريق إليها فيما حكاه الكتاب أو [[السنة|السنّة النبوية]].


=المصادر=
=المصادر=


[[تصنيف: اصطلاحات الأصول]]
[[تصنيف: اصطلاحات الأصول]]
confirmed
١٬٦٣٠

تعديل