تيسير سبل التقاضي وحل المنازعات الأسرية
الخلافات الزوجية مدمِّرة لأركان الزوجية
تعصف الخلافات الزوجية بالمودة، وتلقي المحبة والتفاهم والألفة خارج البيت، مستبدلةً بها التوتر والعصبية والعناد، فتتحول المشكلة إلى كرة ثلج تتضاعف سريعاً إثر تحولها إلى صراع يصعب السيطرة عليه، لتكون أروقة المحاكم بديلاً عن التفاهمات والحلول العائلية، ويتجه الطرفان إلى الانفصال ضاربين بمصلحة الأسرة والأبناء عرض الحائط، وهو ما ينعكس سلباً على المجتمع. إنَّ المختصين في العلاقات الزوجية والأحوال الشخصية أكدوا أنَّ هناك جهلاً لدى الكثيرين من الأزواج بالحقوق والواجبات المتبادلة، وتراخياً في الالتزامات المترتبة على كل طرف تجاه الآخر وتجاه الأبناء والمجتمع، وهذا نابع من ضعف الوازع الديني وقلة الوعي بالمفهوم الحقيقي للزواج وبناء الأسرة، مشيرين إلى أنَّ قانون الأحوال الشخصية المعمول به في كثير من البلاد الإسلامية يساعد على تسريع وقوع الطلاق إذا تعذَّر الصلح. وشدَّدوا على أهمية الحفاظ على الأسرار الزوجية وعدم تداولها خارج أسوار المنزل، حتى لو كان ذلك مع أهل الطرفين، وعدم السماح بتدخل أطراف أخرى إلا إذا كان من أجل النصيحة وتقريب وجهات النظر، وإيجاد الحلول المناسبة التي تصب في مصلحة الأزواج. ودعوا إلى أهمية التحلي بقيم التسامح والتساهل في مثل هذه الحالات التي تجلب لصاحبها وللأبناء التعب والمعاناة النفسية نتيجة الغضب والرغبة في الانتقام وتصفية الحسابات، محذرين من محامين يحاولون تحقيق مكاسب شخصية بالعمل على تفاقم المشكلة عبر تعدد الطلبات، لافتين إلى أهمية التوجيه الأسري في المحاكم من أجل تقديم النصح للأزواج المتخاصمين، وتقليل عدد حالات الطلاق. فعلى الدولة تيسير سبل التقاضي وسرعة الفصل في المنازعات الزوجية، وضمان تنفيذ الأحكام فور صدورها وبصورة لائقة وكريمة؛ حرصًا على حسن العلاقات بين الأسر وعلى عدم الإضرار بالأولاد.
إهتمام الإسلام بحفظ سياج الأسرة
من عظمة الدين الإسلامي شموله لكلِّ جوانب حياة الإنسان وتناولتها ونظمتها، وذلك ليحقق الإنسان الهدف من وجوده، ويحقق السعادة التي يسعى من أجلها. ومن هذه الجوانب التي حُظيتْ باهتمام كبير في الشريعة الإسلامية، جانب الأسرة. ولم لا، والأسرة تعتبر أساس المجتمع، بل هي المجتمع كله. إنَّ الشريعة الإسلامية تهتم اهتماما بالغاً بكل هذه الأركان، و أوضحها في النقاط التالية: مكانة الأسرة في القرآن والسنة، واهتمام القرآن بصلة الرحم وبر الوالدين، والأحكام المفصلة للعلاقة الزوجية في القرآن والسنة، ودور الأسرة في الحفاظ على السياج الاجتماعي. فمثلا حفاظاً على كيان الأسرة بصلة الرحم ورعاية المؤسسين لها، وهما الوالدان، جعل هذا أمرا ضروريا للغاية، قد يدخل الإنسان بسببه الجنة، أو إن قصَّر دخل النار. ولا شك أنَّه تعالى يريد منَّا أنْ نحافظ على الأسرة التي هي لبنة المجتمع الأولى والمؤسسة له. وفيما يتعلَّق بالأحكام المفصلة للعلاقة الزوجية من أمر الزواج والطلاق، والرضاعة والميراث، وكل ما ينظم الأسرة، وما يعالج ما قد يطرأ عليها من خلل أو مشكلات، نجد أنَّ القرآن قد تعرَّض له، وقد احتوتْ سورة النساء على كثير من هذه الأحكام الخاصة بالأسرة، وكذلك سورتي البقرة والطلاق. وما هذا الاهتمام البالغ في الإسلام بالأسرة وتنظيم العلاقة بين أفرادها إلاَّ لأنَّها أساس المجتمع كله، فإذا صلحتْ الأسرة، صلح المجتمع كلُّه.
حكمة قانون الأحوال الشخصية
إنَّ قانون الأحوال الشخصية وجد من أجل الفصل في الخلافات الزوجية؛ لأنَّ العلاقة إذا تآكلت داخل البيت، فلا يستطيع القانون ترميمها أو إصلاحها، وإذا ما قلَّت فرص الصلح بين الأزواج المتخاصمين، وتعذر إصلاح ذات البين، فالأفضل هو الانفصال، لأنه لا حياة في ظل وجود خلافات ومشكلات دائمة تكدر صفو الحياة، وتجلب التعاسة والقلق الدائمين لأفراد الأسرة. فمن هنا، فإنَّ قانون الأحوال الشخصية هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم علاقة الأفراد فيما بينهم من حيث صلة النسب والزواج وما ينشأ عنه من مصاهرة وولادة وولاية وحضانة وحقوق وواجبات متبادلة وما قد يعتريها من انحلال تترتب عليه حقوق في النفقة والحضانة والإرث والوصية. قديما لم يستخدم الفقهاء هذا المصطلح، وإنما كانوا يطلقون اسما خاصا علي كل موضوع يتعلق بالمبادئ الحكومية والأحكام الشاملة للأسرة، ككتاب النكاح، وكتاب المهر وهكذا. والأحوال الشخصية توازي في المعني الأحوال المدنية، ومحتوي قانون الأحوال الشخصية يمكن عرضه في ثلاث نقاط : 1. كلُّ ما يتعلق بالزواج وأحكامه وما يترتب عليه من مهر ومسكن ونفقة ونسب وأحكام الأهليـــة والحجر والوصايا وأنواعها . فمثلا الزواج العرفي. 2. كلُّ ما يتعلق بالطلاق وأحكامه وآثاره من نفقة وعدة وغيرها . 3. كلُّ ما يتعلق بأحكام الإرث، وفي الفقه يطلق عليه أحكام الفرائض. والمهم أنَّه يجب أنْ يستمدُّ أحكامه من الشريعة الإسلامية، والغرض الأقصى من إصداره هو تحقيق العدالة للأفراد.
مراكز استشارية قانونية لأطراف الخصومة
يجب على السلطة الحاكمة من إيجاد مراكز إستشارية قانونية لأطراف الخصومة، وإنشاء نظام الباحث الاجتماعي في محاكم الشرع لدراسة القضايا من الناحية الواقعية علي يد متخصصين في علم الاجتماع وعلم النفس، وإعداد تقرير بذلك للقضاة الذين ينظرون في الدعوى حتى يكون القاضي ملما بجميع النواحي قبل إصدار الحكم. ولهذا ومن اجل الوصول إلى تشريع للأحوال الشخصية يسهم في إرساء أسس جديدة للعلاقات العائلية تقوم على مبادئ المشاركة والاحترام والتفاهم، ويحقق مستوى افضل من الضمانات لحقوق كل أفراد الأسرة بناء على الاحترام الكامل لقواعد المساواة والعدل والحرية، قانون يسعى إلى رفع الظلم والتعسف وتضييق المناخ من فرص الاستغلال والإساءة، قانون يكفل الحد من ظاهرة العنف الأسري الذي يبحث عن مبررات له في القواعد والأحكام والمفاهيم التقليدية من اجل الوصول إلى هكذا قانون علينا التعرف إلى التشريعات النافذة والتجارب الناجحة في استبدال أحكام تقليدية بأحكام مستحدثة مناسبة. وجميع ذلك لأنَّ جميع القوى الخيرة والمستنيرة في مجتمعنا الإسلامي عليها أنْ تتضافر للحيلولة دون قوى الظلام والتخلف الذين يحاولون عبثا تقييد الأسر بقيود عبودية القرون الوسطي، او الإباحي المعاصر.