البطلان

من ویکي‌وحدت
مراجعة ١٨:٣٢، ٥ أبريل ٢٠٢٣ بواسطة Wikivahdat (نقاش | مساهمات) (استبدال النص - '=المصادر=↵{{الهوامش}}' ب'== الهوامش == {{الهوامش}}')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

البطلان: اصطلاحٌ في الفقه يراد به العمل الباطل ويقولون في تعريفه: إنّ الباطل ما لم يکن مشروعاً وما لم يترتّب عليه أثره. والبحث هنا تارةً في أنّ البطلان من الأحکام التکليفية أو من الأحکام الوضعية؟ واخری يقع البحث في أنّ البطلان مرادفٌ للفساد أو يغايره؟ ولمزيد التوضيح نقدم للقارئ الکريم هذه المقالة.

تعريف البطلان لغةً

البطلان الضياع والخسران، يقال: بطل الشيء أي ذهب ضياعا وخسرانا، والباطل نقيض الحقّ[١].

تعريف البطلان اصطلاحاً

عرف البطلان بتعريفين كلّ منهما يختلف عن الآخر:
الأوّل: إنّ الباطل ما لم يكن مشروعا بأصله ولا بوصفه. وهو تعريف خاصّ بـ الأحناف و الزيدية[٢].
الثاني: إنّ الباطل ما لم يترتّب عليه أثره. وهو اختيار جمهور المسلمين[٣].
والتعريف الأوّل قبال الفساد عندهم كما سيأتي، بينما التعريف الثاني في قبال الصحيح ومرادف للفساد.
ثُمّ إنّه وقع الخلاف في أنّ البطلان هل هو من الأحكام التكليفية أو الوضعية؟ فذهبت الإمامية[٤] وابن الحاجب إلى أنّه من الأحكام الوضعية التي تترتّب على أحكام الشارع[٥]، بينما نسب إلى جمهور أهل السنّة أنّه من الأحكام التكليفية، باعتبار أنّه من أحكام الشارع المباشرية[٦].

الألفاظ ذات الصلة

الفساد

يذهب الجمهور إلى عدم الفرق بين الفساد والبطلان وأنّهما مترادفان، وأنّ كلاً منهما ما لم يترتّب عليه أثره[٧]، بينما يذهب الأحناف و الزيدية إلى أنّ الفساد هو الذي يكون مشروعا باصله دون وصفه فهو في قبال البطلان الذي هو ليس مشروعا لا بأصله ولا بوصفه[٨]. فالبطلان يعرض الأصل، بينما الفساد يعرض الوصف دون الأصل، بل الأصل مشروع.

هل البطلان والفساد مترادفان؟

وقع الخلاف في أنّ البطلان هل يرادف الفساد أو يغايره؟ قولان في ذلك:

القول الأوّل: إنّه يرادف الفساد

فلا فرق بينهما إلاّ في العبارة، وأنّهما في قبال الصحّة، ولا فرق في كون النهي المتوجّه إلى الشيء بأصله أو بوصفه مفيدا للبطلان والفساد وعدم تأثير أثره المطلوب منه شرعا. وهذا القول هو اختيار جمهور المسلمين[٩].

القول الثاني: إنّه يغاير الفساد

ويختلف عنه في المعنى، فالبطلان يوصف به الأصل، فيقال: إنّ مثل بيع المضامين والملاقيح باطل من الأساس لتعلّق النهي به بذاته للجهالة، ولايمكن تصحيحه بأي نحو من الأنحاء، بينما الفساد يوصف به الوصف فمثل البيع بزيادة الربا يكون النهي فيه متعلّقا بالزيادة لا بأصل البيع، بل هو مشروع بذاته والنهي تعلّق بالزيادة التي هي ربا، فيكون البيع المذكور فاسدا بسبب فساد الوصف لا بأصله، فيمكن تصحيحه إذا اتّصل بالقبض وألغيت الزيادة.
وهذا هو اختيار الأحناف[١٠] وبعض الزيدية[١١].

منشأ الخلاف في مفهوم البطلان والفساد

ولبيان منشأ الخلاف لابدّ من بيان أنحاء تعلّق النهي بشيء[١٢]:
النحو الأوّل: النهي المتعلّق بأصل الشيء، مثل قول الشارع: «ولا تقربوا الزنا» و: «ولاتشربوا الخمر»، فإنّ النهي المذكور تعلّق بهما بنفسهما، فيكون مضادّا لأي حكم آخر يعرض عليهما.
النحو الثاني: النهي المتعلّق بما هو خارج عن ذات الشيء كقوله تعالى: «وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ»[١٣]، وقوله(ص): «لاتلبسوا الحرير والذهب»[١٤] ولم يتعرّض مباشرة إلى النهي عن الصلاة في الحرير والذهب، فهنا قد يقال: إنّ الأمر بالصلاة لايضادّ النهي عن لبس الحرير والذهب، فيجوز اجتماعهما في شيء واحد، لكلّ منهما حكمه الخاص به، فيكون مطيعا للأمر من جهة وعاصيا للنهي من جهة أخرى.
النحو الثالث: النهي المتعلّق بوصف المنهي عنه فقط مثل قوله تعالى: «وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ»[١٥]، وقوله تعالى: «لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى»[١٦]، وقوله تعالى: «وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ...»[١٧]، وقوله: «... وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا...»[١٨]. فإنّ النهي المذكور تعلّق بوصف المنهي عنه لا بذاته.
فوقع النزاع في مثل هذا النحو، هل النهي عن الوصف يوجب بطلان أصل الشيء أو لايوجبه؟ فذهب الجمهور إلى إيجابه البطلان، فالصلاة المذكورة والبيع الربوي باطل، بينما ذهب الأحناف إلى عدم إيجابه للبطلان، بل يوجب الفساد فقط، ومبناهم في ذلك هو إعمال كلا الدليلين، دليل الأمر ودليل النهي، فإنّ الاُمور المذكورة من حيث ذاتها مشروعة، والنهي إنّما تعلّق بوصف من أوصافها، وفساد الوصف لايوجب فساد الأصل، فالبيع في ذاته مشروع والمنهي عنه إنّما هو الزيادة الربوية، فيمكن أن يصحّ البيع المذكور وتلغى الزيادة، والطواف في ذاته مشروع والمنهي عنه إنّما هو وصف الحدث، والطلاق مشروع والمنهي عنه إنّما هو وصف الحيض، والسفر في ذاته مشروع والنهي إنّما تعلّق بوصف المعصية به. ولذلك صحح الأحناف طواف المحدث وأجازوا الترخّص للعاصي بسفره وأوقعوا الطلاق في الحيض إعمالاً لدليل الأمر والجواز، وجعل متعلّق دليل النهي أمورا أخرى كأن توجب النقصان أو الكراهة، ولذلك أوجبوا القبض في البيع المذكور وحكموا بكراهة الطواف المذكور إعمالاً لدليل النهي. وغير ذلك من الأحكام التي يبتني الخلاف فيها على النزاع المذكور[١٩].
نعم، هناك جملة من الموارد التزم الجميع فيها بالفرق بين البطلان والفساد وذكروا لكلٍّ منهما الأثر الخاصّ به، ويبدو أنّ ذلك تبعا للدليل الخاصّ ولايبتني على النزاع المذكور[٢٠].
ومن خلال البيان المذكور يتبيّن أنّ تفريق الأحناف بين البطلان والفساد لايختصّ بالمعاملات، بل يشمل حتّى العبادات، وعليه فلا وجه لما ذكره البعض من اختصاص النزاع بالمعاملات[٢١].

الهوامش

  1. . لسان العرب 1: 310 ـ 311 مادة «بطل».
  2. . أنظر: تيسير التحرير 2: 237، البحر الرائق 6: 68، حاشية ردّ المحتار 5: 48، البحر الزخار 4: 384.
  3. . نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 1: 108، المحصول 1: 26، المستصفى 1: 110 ـ 111، شرح مختصر الروضة 1: 445، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2: 113، تمهيد القواعد: 40، الموافقات 1: 292.
  4. . هداية المسترشدين 1: 55، الفصول الغروية: 364، دروس في علم الأصول 1: 318.
  5. . منتهى الوصول: 41.
  6. . أنظر: الإبهاج في شرح المنهاج 1: 68 ـ 69.
  7. . أنظر: المصدر السابق.
  8. . أنظر: تيسير التحرير 2: 236، كشف الاسرار البخاري 1: 529، البحر الزخار 4: 384.
  9. . الإبهاج في شرح المنهاج 1: 68، روضة الناظر: 31، تمهيد القواعد: 40، شرح تنقيح الفصول: 77.
  10. . كشف الأسرار البخاري 1: 529، تيسير التحرير 2: 236 ـ 237، حاشية رد المحتار 5: 49، البحر الرائق 6: 68.
  11. . أنظر: البحر الزخار 4: 384.
  12. . أنظر: شرح مختصر الروضة 1: 375 ـ 381.
  13. . البقرة: 43.
  14. . الوارد هو مثل: قوله(ص): «أحلّ الذهب والحديد للإناث من أمتي وحرم على ذكورها». مسند أحمد 5: 533، ح 19009 ورواه غيره من الحفاظ. وورد أيضا بلفظ آخر هو مثل: «...إنّ نبي اللّه‏(ص) أخذ حريرا فجعله في يمينه وأخذ ذهبا فجعله في شماله ثُمّ قال: إنّ هذين حرام على ذكور أمتي» سنن النسائي 8: 160، كتاب الزينة، باب تحرير الذهب على الرجال، ورواه غيره من الحفّاظ.
  15. . البقرة: 43.
  16. . النساء: 43.
  17. . البقره: 275.
  18. . البقره: 278.
  19. . أنظر: تخريج الفروع على الأصول: 155.
  20. . أنظر: تمهيد القواعد: 40، التمهيد الاسنوي: 59.
  21. . تيسير التحرير 2: 236، أصول الأحكام: 339.